المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حادث مميت في مدينة الطيبة. (أرشيفية. يديعوت أحرونوت)

"موضوع الأمان على الطرق يحمل أخباراً غير جيدة"- هذا ما قاله رئيس "لجنة الاقتصاد للنهوض بالأمان على الطرق" في الكنيست، خلال جلسة عقدتها بتاريخ 24/1/2024. وقد لا يكون الوصف كافياً لتصوير خطورة المعطيات من زاوية نظر الأطفال العرب؛ إذ تبيّن من المعطيات التي وُضعت أمام اللجنة أن 62% من الأطفال حتى جيل 14 عاما الذين قتلوا في حوادث طرق العام 2023 كانوا من المجتمع العربي.

وفقاً لبيانات جمعية "أور يروك" ("ضوء أخضر") المستندة إلى مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، يصاب 1705 أطفال تتراوح أعمارهم بين صفر و14 سنة كل عام في حوادث طرق عندما يكونون في سيارات خصوصية. أي بالمتوسط يُصاب خمسة أطفال كل يوم. وفي العقد الأخير (2014 إلى 2023) أصيب 17048 طفلاً في حوادث طرق أثناء سفرهم في سيارات خصوصية، حيث قُتل 99 طفلاً وأصيب 487 طفلاً بجروح خطيرة. وأصيب 7605 أطفال حين كانوا في الحيّز البلدي، ما يعادل 45% من المصابين.

اللجنة انعقدت لتلخيص العام 2023 بشأن مكافحة حوادث الطرق والخطط المقررة للعام 2024. ولكن قيل فيها صراحةً إن "السلطة الوطنية للأمان على الطرق لا تضع هدفا محددا لتقليص عدد قتلى حوادث الطرق"، كما جاء في بروتوكول اللجنة. هذه أخبار لا يمكن الاكتفاء بالقول إنها "غير جيدة". خصوصاً لو أخذنا بالاعتبار ما يلي: أولاً، وفقاً للمعطيات، قتل 25 شخصاً منذ بداية السنة و13 منهم فقط في الأسبوع السابق للجلسة. وثانياً، أن وزارة المواصلات تسعى إلى تقليص مبلغ 180 مليون شيكل من السلطة الوطنية للأمان على الطرق.

ارتباطاً بهذه النقطة، قال ممثل منظمة "نتون لشينوي" (قابل للتغيير) في الجلسة نفسها: "تشير نتائج دراسة قمنا بإعدادها بناء على معطيات العام 2004 إلى أن هناك علاقة واضحة بين ميزانية الأمان على الطرق وعدد القتلى والمصابين بجروح خطيرة في حوادث الطرق. نحن ندعو حكومة إسرائيل إلى أن ترصد في هذه الفترة ميزانية مناسبة شبيهة بميزانية العام 2008 التي أثبتت بشكل قاطع أنه من الممكن تقليل عدد الضحايا بشكل كبير".

لإظهار مدى الضرر المادي، نشير إلى أنه وفقاً لمعطيات بحثيّة يدفع الجمهور في إسرائيل 17 مليار شيكل كأضرار اقتصادية و13 ملياراً لشركات التأمين، بينما يحصل في المقابل على 6-7 مليارات شيكل كتعويضات عن الأضرار.

رسمياً: احتمال إصابة العربي بشكل مميت أعلى من اليهودي

وفقاً للمعطيات الرسمية في "سلطة الأمان" عن العام 2023، قُتل 98 مواطناً عربياً في 90 حادثاً مميتاً، 27% من إجمالي القتلى في البلاد. وانخفض عدد القتلى بنسبة 9% عن معدل سنوات 2020-2022. عدد القتلى من الأطفال (جيل 0-14) 22 (وهو ارتفاع ملحوظ) و 32 من الشباب (جيل 15-24). كان الانخفاض الرئيس في الطرق بين المدن، حيث انخفض عدد القتلى بنسبة 15% مقارنة بالمعدل لسنوات 2020-2022، وفي المنطقة الحضرية، داخل البلدات، ارتفع عدد القتلى بنسبة 4%.

أما القتلى بحسب مستخدمي الطرق فقد كان 38% من القتلى من مستخدمي السيارات الخاصة، بينما شكل المشاة حوالى 22%، وكذلك راكبو الدراجات النارية 22% (على عكس القطاعات الأخرى، حيث يشكل 28% من القتلى من المشاة و 30% من مستخدمي السيارات الخاصة). لقد قُتل 44 من المشاة في 2023، وهو رقم يشير إلى زيادة بنسبة 8% تقريباً عن معدل سنوات 2020-2022.

بشأن أنواع التجاوزات الأكثر شيوعاً كسبب لحادث خطير: تجاوز السرعة 14% (أكثر من المعدل العام 10%)؛ عدم إعطاء الأولوية للمشاة 14%؛ عدم اتباع الإشارات المرورية 13%؛ عدم الحفاظ على مسافة آمنة 11%.

ويقول موقع السلطة بوضوح إن الأطفال والشباب العرب أكثر عرضة للموت بحوادث الطرق، وبالنسبة للمواطن العربي هناك احتمال أعلى للإصابة بشكل مميت في حادث مرور مقارنة بالمواطن اليهودي. هذا الاتجاه أكثر وضوحاً في سن مبكرة: فلكل 100 ألف طفل: من سن 0 إلى 4، لدى الطفل العربي احتمال أعلى بـ 7 مرات للموت مقارنة بطفل يهودي. في سن 5-9، الاحتمال أعلى بـ 6 مرات. في سن 10-14 النسبة أعلى بـ 3 مرات. في سن 15-19 الاحتمال أعلى بمرتين. وما فوق ذلك يكون الاحتمال بإصابة مميتة أعلى بقرابة مرتين.

هذه الحال تشكل استمراراً لوضع قائم منذ سنين. فقد أشار التقرير السابق لسلطة الأمان على الطرق إلى أن 33.3% من القتلى في حوادث الطرق خلال السنوات 2014 - 2020 كانوا من المواطنين العرب، مقارنة بنسبتهم العامة بين السكان - 21%. وفي العام 2020 كان هناك 100 قتيل من المجتمع العربي في حوادث الطرق. ومعدل تورط السائقين من المجتمع العربي في حوادث السير خلال السنوات 2014 – 2020 يعادل 1.9 مرة مقارنة بتورط السائقين من المجتمع اليهودي. كما أن 24.4% من بين المصابين بجروح خطيرة في حوادث طرق خلال السنوات 2014 -2020 (3840) كانوا من المجتمع العربي. 

بحث: ثمة ارتفاع متواصل في نسبة المصابين في الحوادث

بموجب بحث أجراه مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، فإن الأرقام لم تتغير وثمة ارتفاع متواصل في نسبة المصابين. خطة السلطة الوطنية للسلامة والأمان على الطرقات كانت تهدف إلى خفض عدد القتلى حتى العام 2030 بنسبة 50%. والسؤال هو كيف يمكن الالتزام بذلك بينما الوقت يتناقص ويتقلص. فبحسب معطيات بحث المركز يوجد ارتفاع بنسبة 2% في عدد القتلى مقارنة بالعام 2022 و5% مقارنة بمتوسط 2020-2022. و100 من القتلى (28%) هم من المشاة ويشكلون ارتفاعا بنسبة 4% عن متوسط السنوات 2020-2022. وتشير الأرقام كذلك إلى أن 116 شخصا قتلوا في حوادث كانت سيارات شحن كبيرة متورطة فيها – وقد سجلت هذه الفئة من الحوادث انخفاضا بنسبة 10% عن متوسط السنوات 2020-2022. بالإضافة إلى ذلك قُتل 26 من بين راكبي الدراجات الكهربائية خلال العام الفائت وهي زيادة تصل إلى 70% مقارنة بمتوسط السنوات 2020-2022.

مدير عام السلطة الوطنية للأمان على الطرق عرض أمام اللجنة حلاً لخفض عدد حوادث الطرق وعدد القتلى الناجم عنها، عاد فيه على تأكيد مسألة الميزانية المنقوصة. ومما قاله: "كانت في السلطة الوطنية للأمان على الطرق في العام 2020 مجموعة من أصحاب الوظائف من الوزارات الحكومية المعنيّة، والذين اجتمعوا وعملوا على وضع خطة متعددة السنوات لمكافحة حوادث الطرق. تم تقديم هذه الخطة العام 2020 إلى الحكومة وهي تقضي بما يجب القيام به من أجل تحقيق الهدف. الخطة موجودة وبحاجة لرصد الميزانيات والتوجه إلى كل من شاركوا في إعدادها بطلب التنفيذ".

جاء في تلخيص اللجنة على لسان رئيسها: "لا يخفى علينا ما يجب القيام به لخفض عدد القتلى والمصابين. عندما تم الالتزام بالخطط في الماضي كان هناك انخفاض في عدد الضحايا. أما عندما تم التوقف عن الالتزام بها وعن رصد الميزانيات لها فإن هناك ارتفاعا بعدد القتلى".

يقول "مجلس السائقين" في إسرائيل إن هناك لوائح قانونية كثيرة لم يتم تعديلها منذ العام 1999 بخصوص الأمان على الطرق.

وبحسب دراسة من إعداد وزارة المواصلات فإن 98% من حوادث الطرق سببها العامل البشري وفقط 2% بسبب الأعطال الفنية. وقال ممثل عنها في جلسة اللجنة البرلمانية "هناك حرب في الشوارع بصرف النظر عن لبنان أو غزة". 

المدن الخمس التي سجلت أعلى إصابات للأطفال

يتضح من تحليل حوادث الطرق التي أصيب فيها أطفال، أن المدن الخمس التي سجلت أعلى إصابات للأطفال كركاب في العقد الماضي (2014 حتى 2023) هي كالتالي: *القدس: أصيب 1001 طفل حتى سن 14 عاماً ومن بينهم قُتل طفل واحد، وأصيب 14 بجروح خطيرة، وأصيب 986 بجروح طفيفة *حيفا: أصيب 412 طفلا حتى سن 14 عاما، ومن بينهم قُتل طفل واحد، وأصيب طفل آخر بجروح خطيرة، وأصيب 410 بجروح طفيفة *بئر السبع: أصيب 329 طفلاً حتى سن 14 عاماً ومن بينهم أصيب خمسة بجروح خطيرة و324 بجروح طفيفة *تل أبيب ويافا: أصيب 277 طفلاً حتى سن 14 عاماً ومن بينهم قُتل طفل واحد، وأصيب اثنان بجروح خطيرة، وأصيب 374 بجروح طفيفة * أسدود (أشدود): أصيب 215 طفلا حتى سن 14 عاما ومن بينهم أصيب ثلاثة بجروح خطيرة و212 بجروح طفيفة.

تقول جمعية "أور يروك" بخصوص الاحتياطات المطلوبة لتقليل احتمالات إصابة الأطفال، إنه "عندما نسافر بأطفالنا في السيارة، يجب أن نتأكد من أنهم يضعون حزام الأمان أو يجلسون في مقعد أمان يتناسب مع طولهم. عندما لا يرتدي الطفل حزام الأمان، قد يطير في داخل السيارة، بنفس سرعة السيارة، وقد قُتل حوالى مئة طفل في العقد الأخير في حوادث سيارات، بعضهم لم يكن يضع حزام الأمان، وربما كان من الممكن منع إصاباتهم وإنقاذهم لو فقط كانوا يرتدون أحزمة الأمان". كذلك، تؤكد على أن "إنفاذ وتعزيز تواجد الشرطة على الطرق سيشكل رادعاً لدى الأهل ويقلل من قيادتهم السيارات بأطفال دون وضع حزام الأمان. وفي الوقت نفسه، حان الوقت لفرض أنظمة السلامة التي لا تسمح بالسفر مع ركاب غير مربوطين بأحزمة الأمان، ويجب على وزارة المواصلات إعطاء الأولوية لإنقاذ الأرواح".

توصيات يبدو أنها ما زالت حبراً على ورق

تناول تقرير مراقب الدولة الإسرائيلية مسألة مشاكل الأمان على الطرق. ووزّع التقرير المسؤولية على عدة جهات: السلطة المحلية في نطاق نفوذها، "السلطة الوطنية للأمان على الطرق"، وزارة التربية والتعليم، وزارة المواصلات وقسم المرور في شرطة إسرائيل، إذ يتوجب على كل جهة في مجال صلاحياتها ومسؤولياتها، تعزيز الأمان على الطرق. وأوصى في تقريره هذا العام بأن تنفذ وزارة المواصلات الخطة التي بلورتها لسد فجوات البنية التحتية بين البلدات العربية واليهودية وفحص حجم الميزانيات التي تخصصها الوزارة والسلطة الوطنية للأمان على الطرق للسلطات المحليّة العربية.

كما يجب على سلطة الأمان على الطرق ووزارتي المواصلات والداخلية العمل على تصحيح أوجه الخلل التي ذُكرت في التقرير، ومتابعة تصحيح أوجه الخلل من قبل السلطات، والعمل على استكمال التطوير المطلوب في نطاق نفوذ السلطات، والقيام بالإشراف والإنفاذ في مجال الأمان على الطرق. ووفقاً للتقرير فإنه من أجل تقليل عدد حوادث الطرق والمصابين في نطاق نفوذ السلطات المحلية العربية، يجب على جميع السلطات المحلية وضع قضية الأمان على الطرق على رأس سلم أولوياتها، على الرغم من الصعوبات المالية والتحدي المتواصل مع العنف المتزايد، وكذلك مع المشاكل المتنوعة التي تواجه السلطات العربية، والتي أشاروا إليها كعقبة أمام نشاطها في مجال الأمان على الطرق؛ كذلك يجب على السلطات المحلية في المجتمع العربي التدخل أكثر أيضاً في تعزيز الأمان على الطرق.

في جلسة أخرى للجنة البرلمانية الفرعية للسلامة والأمان على الطرق، بتاريخ 2024/1/17، على خلفية التقليصات في الميزانية بسبب الحرب على قطاع غزة قال رئيس اللجنة: "إنني أتخوّف من أن العام 2024 لن يكون أفضل حالاً". وهذا يشير بشكل مباشر إلى أن التوصيات ما زالت كما يبدو حبراً على ورق.

المصطلحات المستخدمة:

لجنة الاقتصاد, الكنيست, مراقب الدولة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات