المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بلغ عدد المواطنين الإسرائيليين الذين تم إخلاؤهم منذ بدء الحرب ضد قطاع غزة وعلى خلفية هذه الحرب، وفقاً لمعطيات "الجبهة الداخلية"، 231 ألفاً وهو ما يعادل 2.4% من مجمل السكان. وتقول هذه السلطة على موقعها: "حتى الآن، تم إخلاء البلدات التي تقع على بعد 0-7 كيلومترات من الحدود الجنوبية. بالإضافة إلى ذلك، تم إخلاء البلدات الواقعة على بعد 0-2 كم من الحدود الشمالية، بما في ذلك كريات شمونه". ولاحقاً، تم إخلاء بلدات على مسافة أكبر في مناطق محددة.

بتاريخ 22.11.2023 ناقش الكنيست نتائج تقارير لمراقب الدولة متعلّقة بحالة الطوارئ، وتناولت الجلسة أيضاً الوضع الجديد الناشئ. وجاء في بيان للمراقب: "منذ نشوب حرب السيوف الحديدية، تُجري لجنة مراقبة الدولة مناقشات منتظمة في تقارير المراقبة المنشورة في السنوات الأخيرة التي لها صلة بجوانب مختلفة من الحرب الحالية. وهكذا، خلال الأسبوعين الماضيين، ناقش الكنيست سلسلة من القضايا التي نشأت في تقارير المراقب على مر السنين - من استعدادات السلطات المحلية للتعامل مع الحرائق إلى تعامل الحكومة مع الأشخاص الذين تم إجلاؤهم".

مدير شعبة مراقبة حسابات الوزارات والمؤسسات الحكومية، يوفال حايو، قال في الجلسة إن "مئات الأشخاص الذين تم إجلاؤهم الذين التقينا بهم طلبوا اليقين والشفافية. إنه شيء حاسم، فهم يعيشون في ضباب". وصرّح أن الحكومة تتحمل مسؤولية استكمال جميع الإجراءات لمساعدة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم وإعادة تأهيل البلدات: "هناك عمليات تتطلب خططاً شاملة ورصد ميزانية كاملة وربما تشريعات. وتفيد الدروس التي استخلصناها بأن الحلول المؤقتة مصحوبة بنوع من الإهمال ويجب النظر في ذلك حالياً، وتعلمنا ذلك في كل حدث إخلاء. لقد أدى مجال التخطيط والبناء إلى تأخير العمليات بشكل كبير وهذا يتطلب استجابة خاصة". وشدّد على ضرورة ربط التعويضات للأشخاص الذين تم إجلاؤهم بارتفاع أسعار الفائدة: "لقد تعلمنا من الأحداث السابقة أنه بين المبلغ المحدد في بداية الطريق والدفع مر الوقت، مما له دلالة مالية".

"انقضى أكثر من خمسة أسابيع ولم نر منحة الدعم بعد"

لكن ما تنقله الصحافة عن العديد ممن تم إخلاؤهم يعكس صورة سلبيّة، إذ إن الشكاوى تطاول جميع مناحي الحياة والانتقادات موجهة إلى مختلف الوزارات والهيئات الحكومية. 

صحيفة "غلوبس" نشرت عدداً من الشهادات لمواطنين، أحدهم من سكان موشاف "ييفول" المحاذي لغزة الذي قال: "بعد أن أمضينا 30 ساعة متواصلة تقريباً في الملجأ البيتي يوم السبت الأسود، بدون كهرباء، ومع تسلل الإرهابيين إلى المستوطنات القريبة، وإطلاق النار في كل مكان والوابل المتواصل من الصواريخ، أخلينا أنفسنا بمفردنا - لأنه لم يأت أحد لإخلائنا، ولا الجيش الإسرائيلي أيضاً ولا أية جهة أخرى". ويضيف بسخرية مرّة: "الدولة انسجمت بالفعل مع الحل الذي قدمناه لها: لا يهم إلى أين انتقلنا، وهي كانت مرتاحة لذلك. لم تنتقل عائلتي إلى مجمع ضيافة، لقد انقضى أكثر من خمسة أسابيع ولم نر منحة الدعم بعد. لقد أنفقنا آلاف الشواكل حتى الآن. هناك عدد كبير من الأشخاص الذين تضرروا في لقمة عيشهم، وهم متعطشون لهذه الأموال حتى يتمكنوا من الاستمرار".

زوجان من سكان كيبوتس "نير عوز"، احترق منزلهما بالكامل، مكثا مدة شهر في فندق مع جميع سكان الكيبوتس، ثم قررا البحث عن مكان دائم للعيش فيه مع أطفالهم الأربعة. بالنسبة لهم أيضاً، تقول الصحيفة، من المفترض أن تعوض منحة السكن عن قلة سبل العيش. وتنقل عن الزوج: "أعيش على سخاء الناس. أريد استئجار شقة لفترة طويلة، وتوقيع عقد لمدة عام على الأقل، وأريد أن أعرف في الحد الأدنى ما أستحقه. نحن أشخاص عاديون، نعمل، وكان غلاف غزة هو بيتنا، وفجأة نضطر إلى رؤية أنفسنا تحت رحمة الناس. لست بحاجة إلى تبرع لمرة واحدة، أريد أن أعرف ما يمكنني الاعتماد عليه فيما يتعلق بالعقد. لقد بتنا مفلسين. إنه أمر صعب للغاية معنوياً".

يشار إلى أنه وفقاً للقرارات الرسمية، فإن السكان الذين يبعد مكان سكنهم حتى 7 كم من الجدار المحيط بقطاع غزة يستحقون الحصول على منحة ماليّة بقيمة 1000 شيكل جديد للفرد، وحتى 5000 شيكل جديد للعائلة (أهالي لأطفال حتى سن 18 عاماً). وكل من تضررت ممتلكاته نتيجة أحداث الحرب يستحق التعويضات من سلطة الضرائب. ويفترض أن تدفع منحة السكن للسكان الذين غادروا بلداتهم بشكل مستقل وليس بتمويل الدولة بالنسبة إلى سكان البلدات التي تم إخلاؤها في جنوب البلاد وشمالها، وسكان أشكلون الذين يسكنون في شقق بدون غرفة محمية منزلية.

"ننتظر لحظة العودة، لكن من الصعب تخيل ذلك حاليا"

 

في الشمال كررت وسائل إعلام أنه بدلا من أن تكون فنادق مدينة طبريا ممتلئة بالسياح مثل أي عام في ذروة الموسم، فقد باتت مكتظة بمن تم إخلاؤهم من الحدود الشمالية مع لبنان. ونقلت شبكة "سي إن إن"، عن رئيس بلدية طبريا، بوعز يوسيف، أن ما جرى أدى إلى تضخم عدد سكان المدينة بنسبة 20 في المئة، واصفا عملية الإجلاء بأنها أكبر حركة تنقل للإسرائيليين منذ عقود. وأضاف أنه تم إجلاء أكثر من 10 آلاف شخص إلى مدينته، وامتلأ 35 فندقا في المدينة، التي تقع على بعد 30 كيلومترا جنوب الحدود الشمالية، مشيرا إلى أن الحرب أضرت بصناعة السياحة المحلية، "فالمطاعم فارغة ورحلات القوارب صارت قليلة".

 في أواسط تشرين الثاني أشار العديد من الأشخاص الذين تم إخلاؤهم إلى أنهم ربما لن يعودوا مستعدين أبدا للعودة إلى مناطقهم بالقرب من الحدود، وعبروا عن مخاوفهم من أن يكرر حزب الله سيناريو الهجوم المباغت الذي قامت به حركة حماس على مجتمعات سكنية في غلاف قطاع غزة. وإحدى المواطنات قالت بحسب ما نقلت "سي إن إن": "لا سبيل للعودة إلى الجحيم مرة أخرى"، وقالت مواطنة أخرى: "لا أعلم كيف سأعيش حياة طبيعية مرة أخرى إذا عدت إلى هناك". وتضيف انها عاشت حرب 1967 وحرب أكتوبر 1973 والغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982 والحرب عى لبنان عام 2006، لكنها ترى أن "ما حدث في السابع من أكتوبر يمثل مستوى جديدا تماما من الخوف لم يحدث سابقا".  مواطنة أخرى من "كيبوتس برعام"، بالقرب من الحدود مع لبنان، قالت إن احتمال العودة إلى بيتها يبدو مستحيلا في الوقت الحالي. وتابعت أن "مسلحي حزب الله رفعوا الأعلام بالقرب من السياج الحدودي بالقرب من الكيبوتس. إنه منزلنا، نحن ننتظر لحظة العودة، لكن من الصعب حتى تخيل ذلك حاليا". 

"لماذا يستمر كل شيء في حالة من الفوضى الكاملة؟"

 

تم إنشاء مديرية خاصة "لإعادة تأهيل الجبهة الداخلية" واسمها "تكوما". وصادق على إنشائها مجلس الوزراء (الكابينيت) الاجتماعي والاقتصادي في 19 تشرين الأول 2023. 

وتعريفها الرسمي هو التالي: "هيئة أنشأتها الحكومة الإسرائيلية في تشرين الأول 2023 في أعقاب الهجوم المفاجئ على إسرائيل والأضرار التي لحقت بالمستوطنات المحيطة بغزة خلاله". وهي مسؤولة عن 45 بلدة في المجالس الإقليمية أشكول، حوف أشكلون، سدوت نيغف وشعار هنيغف، بالإضافة إلى مدينة سديروت. وتعمل المديرية بالتعاون مع السلطات المحلية في المنطقة ومع الوزارات الحكومية والجهات الأخرى. لكن هناك انتقادات من داخل السلطة الرسمية أيضاً. ففي أواسط شهر تشرين الثاني نشر موقع "واينت" تقريراً جاء فيه أنه ليس لدى الحكومة صورة واضحة وشاملة عن مكان تواجد كل من تم إخلاؤهم. وأضاف أن "الحكومة تفشل في متابعة من تم إخلاؤهم والذين يحتاجون إلى خدمات اقتصادية وصحية وتعليمية، بكل ما يعنيه ذلك". ونقل عن مسؤول حكومي قوله: "على مدى 15 عاما، استعدت البلاد لحالة طوارئ، وتم دفع الكثير من الرواتب، وفي لحظة الحقيقة انهار كل شيء". كيف حدث هذا ولماذا يستمر كل شيء في حالة من الفوضى الكاملة؟ سأل، وأجاب: "الفوضى عارمة، لسوء الحظ يجب أن أعترف بذلك. هذه الحرب جعلتنا غير منظمين بما فيه الكفاية، ومع وجود الكثير من السلطات التي تتعامل مع القضية نفسها. إحدى النتائج، مما يثير استياءنا، هي أن الأشخاص الذين تم إخلاؤهم هم الضحايا الرئيسون للفوضى. في الوضع الذي نشأ، لن يحصلوا على الأموال التي وعدوا بها حتى بعد مرور 40 يوماً على اندلاع الحرب".

"الحدث تراجيدي ويجب التعامل معه بأسرع وقت"

 

خلال جلسة للجنة العمل والرفاه البرلمانية بتاريخ 2023/11/21، قدم ممثلو الوزارات الحكومية تقارير حول عملية الإخلاء والاستجابة لشريحة المسنين الذين تم إخلاؤهم إلى الفنادق، وضمن ذلك مساعدتهم من خلال أخصائيين اجتماعيين، وأنشطة ترفيهية وتوفير السفريات المتاحة. وطرحت جمعيات ومؤسسات مدنية أمام اللجنة عدة صعوبات نابعة من مكوث المسنين في الفنادق ومن بينها صعوبات الوصول، صعوبة الانتقال إلى بيئة غير مألوفة، الابتعاد عن الحياة المجتمعية وأنشطة وقت الفراغ، تغذية غير مناسبة وأيضا المسافة وعدم إمكانية الوصول إلى مراكز العلاج الطبي والصيدليات وغيرها.

بتاريخ 2023/11/23 بحثت لجنة رقابة الدولة في الكنيست خطط وبرامج مديرية "تكوما". وشدّد رئيس اللجنة عضو الكنيست ميكي ليفي على أنه يتعيّن على المديرية أن تتعلم وتستنتج من تقارير مراقب الدولة السابقة التي كتبت حول مديرية "سيلع" التي أقيمت في أعقاب إخلاء المستوطنات من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية خلال خطة الانفصال (2005). وكما قال: "من الواجب على القائمين على المديرية أن يقرؤوا الفصول التي تتناول استنتاجات المكاتب الحكومية والتي كان عليها أن تستعد لأحداث مستقبلية في حال كان على الدولة أن تتعامل مع مشاكل مشابهة. وقد أشارت الاستنتاجات التي تخص طرق التعامل مع الذين تم إخلاؤهم من منطقة (مستوطنات) غوش قطيف أن نموذج المديرية – سلطة داخلية حكومية من جانب واحد تتحمل مسؤولية تنفيذ لكنها لا تحمل أي صلاحيات من أجل تنفيذ المهام التي ألقيت على عاتقها- هو نموذج غير فعال بالمرة. المديرية من جهة في مراحل إقامتها الأولى، ومن جهة ثانية فإن الوقت قصير والعمل كثير. نحن هنا للمساعدة في تسريع والمضي قدما وفحص كل المعيقات التي يمكن إزالتها. من المهم أن تتعاون الوزارات الحكومية مع مديرية تكوما. إن الحدث تراجيدي ويجب التعامل معه في أسرع وقت ممكن".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات