المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

منذ بداية الحرب على قطاع غزة تحوّل الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، العقيد دانيال هغاري، إلى المصدر شبه الوحيد للمعلومات الإسرائيلية حول مجريات الحرب وأهدافها. ومنه يعرف المجتمع الإسرائيلي ما تم إنجازه وما لم يتم، ومن خلاله يستمد المجتمع الإسرائيلي معنوياته وأمله بالانتصار. لكن هذا لا يمنع من طرح سؤال أساس: متى يقوم الناطق باسم الجيش بتضليل الإسرائيليين، إخفاء معلومات، أو البوح بمعلومات مغلوطة (fake news)؟

هذه المقالة تفتح ملف "الرقابة العسكرية" بشكل عام، والتلاعب بالخطاب الإعلامي بشكل خاص.

الدور المثير للجدل للناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي

يتمتع الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي بصلاحيات عديدة تتعلق بطبيعة المعلومات التي يرغب في نقلها، وكذلك الآليات التي يستخدمها لفحص هذه المعلومات وتصفيتها، بالإضافة إلى اختياره لنوع المعلومات التي يقوم بنقلها. في فترات الحروب، تُعتبر الأحداث الميدانية معلومات تكون محصورة في الجيش نفسه، وليس للصحافيين دور في نقلها. في إطار ندوة حول العلاقات بين الجيش الإسرائيلي ووسائل الإعلام، قال النائب السابق في الكنيست، عوفر شيلح: "إن القيود المفروضة على حرية الصحافة، وخاصة في القضايا الأمنية، تؤدي إلى تركيز المصادر الإعلامية حول مصدر واحد، وفي الواقع، يسيطر الجيش على جميع المعلومات العسكرية التي تصل إلى الجمهور".

من جهة، يخلق هذا التركيز في إصدار المعلومات مزايا مرغوبة بالنسبة لإسرائيل في فترات الحروب. لكن من ناحية أخرى، يجعل هذا النظام الجيش هو المسيطر الوحيد على المعلومات التي تصل إلى المجتمع الإسرائيلي ووسائل الإعلام بحيث تمرّ المعلومات عبر نظام متكامل من الرقابة العسكرية، والذي يقوم بدوره بما يلي: 1) نشر ما يُعتبر مناسبًا، 2) إخفاء ما لا يُعتبر مناسبًا، 3) ابتكار روايات غير حقيقية للنشر، 4) تجزئة المعلومات بطريقة انتقائية للوصول إلى استنتاجات مرغوبة، ولكن غير موضوعية.

هذه السيطرة الدقيقة على نشر المعلومات هي جزء من القانون الإسرائيلي المتعلق بالدفاع والطوارئ، الذي يشكل الأساس القانوني لعمل الرقابة العسكرية. على خلاف الدول الديمقراطية، فإن إسرائيل تستند إلى إرث استعماري طويل، وتستبطنه في قوانينها. وقانون الدفاع والطوارئ المشار إليه، يعود إلى العام 1945 في أثناء الانتداب البريطاني، وظل ملازماً لدولة إسرائيل حتى اليوم الأمر الذي يولد تناقضاً جدياً بين شكل الدولة الديمقراطي وجوهرها الاستعماري.

ما هي الرقابة العسكرية؟

الرقابة العسكرية هي رقابة على ما يجب أن يعرفه (أو لا يعرفه) الإعلام الإسرائيلي. والرقابة العسكرية هي وحدة تابعة لقسم الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي تهدف إلى تنفيذ رقابة بشكل مسبق على المسائل المتعلقة بأمن الدولة.  والرقابة العسكرية مسؤولة عن ضمان أن المواد المكتوبة أو المطبوعة، التي توزع على الجمهور الإسرائيلي، لا تحتوي على معلومات قد يضر نشرها بأمن الدولة أو السلامة العامة أو النظام العام. وهي تتحقق بشكل مسبق حول كل ما يتم نشره في البث التلفزيوني والإذاعة والإنترنت والصحف والكتب.

وعلى رئيس هيئة الرقابة العسكرية واجب الموازنة بين 1) حق الجمهور في المعرفة كجزء من القيمة الديمقراطية لحرية التعبير. وفي هذا السياق ترى إسرائيل نفسها دولة ذات قيم ديمقراطية. 2) الضرورات الأمنية التي تتطلب الإشراف على الكشف عن المعلومات التي سيؤدي نشرها إلى إلحاق ضرر حقيقي بأمن الدولة. في حكم المحكمة العليا، اعتبر أن الرقيب غير مخول باستبعاد معلومة، ما لم يبد، بشكل موضوعي، أن النشر يؤدي بشكل شبه مؤكد إلى ضرر حقيقي لأمن الدولة أو السلامة العامة أو النظام العام.

كيف تعمل الرقابة العسكرية في أوقات الحرب؟

في العام 2002، وفي ندوة بعنوان "جيش الدفاع الإسرائيلي والاشتباك في أوقات القتال"، قال شاؤول موفاز الذي كان في حينها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إن "حق الجمهور أو واجبه في المعرفة ليس موضع شك طالما لم يتم تجاوز حدود الأمن الميداني". ويركز الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي جهوده خلال الحرب على المساعدة في الانتصار بأي ثمن وباستخدام كل الوسائل، حتى لو كان ذلك لا يتفق مع الرغبة في تمكين الجمهور من ممارسة حقه في المعرفة. وبهذه الطريقة، يكون الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي المسؤول الوحيد عن تقديم إحاطات إعلامية.  ومن الأدوات المهمة المستخدمة من قبل الرقابة العسكرية في أثناء القتال هي منع وصول وسائل الإعلام إلى الميدان حتى لا يتم الكشف عن "حقيقة الأمور"، وهذا يشكل انتهاكاً كبيراً لحرية الصحافة ويفتح الباب أمام الشائعات حول ما يحدث على الأرض.

وهكذا، يمكن تلخيص المواجهات بين الجيش والصحافة على أنها نظام معقد يتحكم فيه الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بقواعد اللعبة التي تملى على المراسلين والأنظمة الإعلامية. من الواضح أن الناطق لديه أدوات مهمة يمكنه من خلالها تطبيق عقوبات كبيرة من أجل منع نشر معلومات لا تتفق مع سياسته. ويتفق النقاد الإسرائيليون على أن هذه القيود تشكل انتهاكاً للصحافة وحرية الصحافة ومعرفة الحقائق. 

في العام 1974، درست لجنة كارني المسؤولية عن الإعلام في أوقات الطوارئ وفحصت جميع النظم المسؤولة عن نقل المعلومات إلى الجمهور. خلصت استنتاجات اللجنة إلى أنه لا يوجد سبب لاحتكار الناطق بلسان الجيش المعلومات في أثناء الحرب، لأن الناطق هو عنصر في مؤسسة الجيش ولا يمثل كل دولة إسرائيل. وبالتالي هناك حاجة لتنسيق هيئة معلومات حكومية تكون مسؤولة عن نقل المعلومات إلى الجمهور في أوقات الحرب. على الرغم من استنتاجات هذه اللجنة، التي تم التوقيع عليها في العام 1974، لا يزال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي مصدراً إعلامياً مركزياً في أوقات الطوارئ، ويشكل أساساً احتكاراً للمعلومات العسكرية.

إن اعتماد الصحافيين على الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في أثناء القتال يخلق صراعاً يؤدي إلى المس المحتمل بحرية الصحافة وإلى احتمال المس بالخطاب العام الناقد وبوجود مساحة عامة خصبة في المجتمع الإسرائيلي (من خلال توحيد التقارير الإخبارية وغياب الصحافة المستقلة والاستقصائية في أثناء القتال).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات