المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يُمكن القول إن الدعم والتأييد الذي أظهره المجتمع الإسرائيلي في الفترة الأولى من الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة، يتأتّيان من الصدمة الجماعية التي حدثت في هجوم حماس صبيحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، بالإضافة إلى الشعور بـ"التهديد الجماعي الوجودي"، كما ورد في خطابات قادة المستويين السياسي والعسكري الأمني في إسرائيل في التعقيبات الأولى على الهجوم، وهو ما عزّز من الشعور الإسرائيلي بأنهم أمام "حرب اللاخيار" وما يترتّب عليه ذلك من ضرورة حشد وتجنيد الدعم المجتمعي الكامل للحرب ولأهدافها العسكرية والسياسية.

في هذه المساهمة نستعرض أبرز ما ورد في تقرير إسرائيلي جديد صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي في جامعة تل أبيب بعنوان "حول التأييد الشعبي الواسع للحرب ومحدّداته" أعدّه كل من مئير إلران وأريئيل هايمان، علماً أن المصطلحات والأفكار الواردة أدناه مصدرها الدراسة نفسها.

يُشير الكاتبان في البداية إلى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تحظى بدعم الجمهور الإسرائيلي بشكلٍ واسع ولا سيما في الأسابيع الأربعة الأولى لـ "المناورة البرية"، حيث كان لافتاً حالة الإجماع الساحقة للشارع الإسرائيلي وللمؤسسة الإعلامية على أهداف الحرب التي وضعها المستوى السياسي، وهذا مصدره الشعور بالتهديد العميق والحقيقي على اعتبار أنها حرب لـ "الدفاع عن النفس" ضد عدو [تمت شيطنته ووصمه بـ "الإرهابي" وبأنه "لا إنساني" وغير ذلك]، وهذا التأييد هو ذو قيمة كبيرة بالنسبة للمجهود الحربي ضد حركة حماس. لكن السؤال المطروح بحسب مُعدّي التقرير هو: إلى أي مدى سيستمر هذا الدعم مع مرور الوقت وهو ما يتطلّبه المجهود الحربي؟ وما هي العوامل التي قد تؤدي إلى تقويضه أو تغيير طابعه ومستواه؟

الإجابات التي يسوقها كل من إلران وهايمان يُمكن استعراضها على النحو التالي:

  • طبيعة الحرب ومدّتها: يُشير التقرير إلى أن الحرب ضد حماس قد تمتد لفترة طويلة، لأشهر أو أكثر، وإن كانت بدرجات شدّة متفاوتة، بالتالي، فإن توفّر الدعم والتأييد المجتمعي للحرب ضروري لإنجاحها، وهذا مرتبط بكمية الإنجازات العسكرية وطبيعتها التي يتم تحقيقها خلال الحرب. غير ذلك، من الممكن أن يتسبب غياب الإنجازات والأضرار التي يتعرّض لها الجيش وحجم الخسائر في صفوفه إلى جانب آثار الصدمة الجماعية التي حدثت صبيحة السابع من أكتوبر المنصرم إلى الإضرار بهذا الدعم والتأييد.
  • الأسرى والمحتجزون: بحسب التقرير، هذه القضية مؤلمة ومعقّدة بالنسبة لإسرائيل، وإسرائيل تجد نفسها في وضع غير مسبوق من حيث وجود نساء وأطفال في أسر حماس، وهذه قضية تزيد من تعقيد الوضع أمام صنّاع القرار، وطالما لم يتم حلّها مع مرور الوقت بشكلٍ كامل، فمن المتوقّع أن تتسبّب بضرر جسيم لقدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود وهو ما سيُلحق الضرر بالدعم المجتمعي للمجهود الحربي.

 

  • الإسرائيليون الذين تم إخلاؤهم من الجبهتين الشمالية والجنوبية: يُشير التقرير إلى أن هؤلاء الذين تم إجلاؤهم من مستوطنات غلاف قطاع غزة أو من الجبهة الشمالية وبعضهم لا يُسمح لهم بالعودة في الوقت الحالي، قد ينفد صبرهم ويخرجون للتعبير عن معاناتهم في حال طالت الحرب وما يرافقها من اتهامات، كل ذلك قد يؤدّي إلى زعزعة المناعة القومية وبالتالي تآكل الدعم والتأييد المجتمعي للحرب.

 

  • التحدّي المدني على الجبهة الشمالية: بحسب التقرير، فإن إخلاء قرى وبلدات على الجبهة الشمالية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر ومع تصاعد المواجهة مع حزب الله حوّلت هذا الملف إلى عبء على إسرائيل من حيث انعدام القدرة على إعادة الحياة إلى طبيعتها بالنسبة لهؤلاء خلال الحرب. إن أي تغيير في هذا الوضع يتطلّب بحسب الكاتبين حربا واسعة، وربّما شاملة، مع حزب الله، وهذا الأمر سيكون صعباً جداً بالنسبة للجبهة الداخلية الإسرائيلية وعلى البنية التحتية والاقتصاد برمّته. إن مثل هذه الحرب في حال اندلعت مع استمرار الحرب على قطاع غزة ستكون صعبة للغاية على الجبهة الداخلية إلى درجة تقويض الدعم المجتمعي الحالي، وتُثير تدريجياً شكوكاً حول استمرار هذا الدعم والتأييد في ظل البحث إسرائيلياً عن سبل للخروج من هذه المعضلة على الجبهتين (الشمالية والجنوبية).

 

  • توسيع المواجهة- متعدّدة الجبهات: يُشير التقرير إلى أنه صحيح حتى الآن أن الجبهات المختلفة لم تبدِ استجابة لدعوات حركة حماس في البداية إلى الانخراط في مواجهة "وحدة الساحات" وخاصة في الجبهة الشمالية حيث لا يرغب حزب الله حتى كتابة هذا التقرير في فتح مواجهة شاملة بإرادته ولحساباته الخاصة مع الجيش الإسرائيلي، لكن من ناحية ثانية ما زالت الاحتمالات قائمة باشتعال الوضع الأمني في الضفة الغربية ويعود ذلك إلى "الاحتكاك العنيف" المتصاعد بين اليهود من اليمين المتطرّف والفلسطينيين. من ناحية ثالثة؛ ما زال الوضع في إسرائيل هادئاً بين العرب واليهود، لكن أي إدارة غير مسؤولة أو غير حذرة لهذه القضية الحساسة قد تتسبّب في مواجهة غير مرغوبة من شأنها التأثير على "مناعة" الجبهة الداخلية واستمرار الدعم والتأييد للحرب.

 

  • الاقتصاد القومي والشخصي: إن استمرار الحرب، أو توسّعها لتضم جبهة إضافية (الجبهة الشمالية)، سيرافقهما ارتفاع كبير في الأسعار، سوف تترتّب عليه خسائر للاقتصاد العام والشخصي. من ناحية ثانية؛ استمرار الحرب يعني استمرار تعبئة جنود الاحتياط وهو ما يؤدي إلى استمرار الغياب عن سوق العمل. من ناحية ثالثة؛ عدم عودة الحياة إلى طبيعتها بما في ذلك المدارس والجامعات، والصعوبات التي تواجهها عمليات التصدير والاستيراد وكل ذلك تترتّب عليه خسائر اقتصادية وهو ما قد يؤدي إلى تآكل الدعم المجتمعي للمجهود الحربي.

 

  • الإهمال في أداء الوزارات الحكومية: يُشير التقرير إلى أن هناك أداء سيئاً ويتسم بالإهمال والفشل لبعض الوزارات والمكاتب الحكومية في مقابل استمرار التجنّد الطوعي المدني، وعلى الرغم من أن بعضها يسعى بشكلٍ بطيء إلى تحسين جودة الخدمات، فإنها ما زالت بعيدة عن توقعات واحتياجات الجمهور الإسرائيلي في هذه الفترة الصعبة. هذه الظاهرة، قد تتسبّب بإثارة حالة كبيرة من الإحباط لدى الكثيرين وهو ما ينعكس بالضرورة على تماسك الجبهة الداخلية واستمرار الدعم المجتمعي.

 

  • السياسة الإسرائيلية: يؤكّد التقرير على أن شعار "معاً ننتصر" الذي رفعه الساسة في إسرائيل مع اندلاع الحرب قد يبدو شعاراً فارغاً في مواجهة سيناريو تصاعد وتعمّق الاستقطاب العميق أصلاً بين الجمهور الإسرائيلي لكن بقوة أكبر، حيث أن الانقسامات ما زالت موجودة رغم أنها تحت السطح في الوقت الحالي، ناهيك عن الخلافات الأساسية حول الرأي من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ومكانة السلطة الفلسطينية ودورها في إعادة الإعمار بعد الحرب وغير ذلك من القضايا الخلافية. كل هذه القضايا تولّد حالة من القلق وعدم اليقين والإحباط لدى الجمهور الإسرائيلي في ظل غياب إنجازات عسكرية حقيقية سريعة، ما قد يُراكم ويعمّق من التصدّعات العميقة تحت السطح، وهذا يُشكّل خطراً حقيقياً ويهدّد التضامن الحالي والضروري في زمن الحرب.

 

  • الوضع الدولي: يُشير التقرير إلى الدعم الدولي الكبير جداً من الدول الغربية وتحديداً من الولايات المتحدة الأميركية والجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم، على الرغم من التصدّعات الناجمة عن حجم الدمار في قطاع غزة والإعلام المناهض لإسرائيل، لكن يجب أن يتم الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الوضع قد يتغير للأسوأ في حال طال أمد الحرب وتصاعد حجم الدمار في القطاع، ولذلك من المرجّح أن تتصاعد الضغوطات الدولية على إسرائيل لوقف الحرب أو كبحها قبل أن تتصاعد الضغوط الداخلية، وذلك بسبب الخلافات العميقة على خلفية الوضع ما بعد الحرب. لذلك يؤكّد التقرير أن تراجع الدعم الدولي وبخاصة الأميركي قد ينعكس سلباً على الجبهة الداخلية في إسرائيل وهو ما سينعكس سلباً على حجم الدعم والتأييد فيها.

 

ختاماً، يُشير التقرير إلى أن تراكم هذه العوامل، كلّها أو بعضها، يعني أن الزمن هو عامل مركزي وحاسم في هذه الحرب، وأن هذا العامل لا يعمل بالضرورة لصالح إسرائيل و"مجهودها الحربي". إن الحرب الطويلة، لا سيّما في حال امتدت لتشمل جبهات أخرى، تُشكّل تحدياً كبيراً ومعيقاً لقدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود، وقد تخلق "ساعة رملية" من شأنها تقويض الدعم والتأييد الحاليين والإضرار بحالة التجنّد الواسعة للمجتمع الإسرائيلي في دعم الحرب، كما أن احتمالية اندلاع أية اضطرابات داخلية لن تؤثّر على الوضع المجتمعي العام فحسب، بل أيضاً على الشعور السائد داخل الجيش. لذلك، يُقدّم التقرير توصيات للمستوى السياسي بضرورة التركيز على الجبهة الداخلية، والوقوف عند كل المعضلات والمعيقات سابقة الذكر والتعامل معها بجدية بعيداً عن الارتجال والارتباك، لأن الدور الذي قام به المجتمع المدني في إسرائيل لسدّ الفراغ الحكومي على مدار الحرب لا يبدو كافياً بل يتطلّب- إلى جانب التركيز على الحرب والجيش- تنظيماً حكومياً إلى جانب المجتمع المدني لتقديم حلول عاجلة على المدى القصير وأساسية على المديين المتوسط والبعيد.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات