المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تلتقي نتائج استطلاع واسع أجراه "مركز أكورد" حول شكل العلاقات بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية الفلسطينية من المواطنين في إسرائيل، في ظل وما بعد الحرب الجارية منذ 7 تشرين الأول 2023، مع مخاوف راهنة وتوقعات سابقة وصدمات ناجمة عن حوادث ومفترقات سابقة، في ما يتعلّق بصدامات عنيفة مستقبلية. ووفقاً لتقرير نُشر في صحيفة "هآرتس" التي انفردت بنشر نتائج الاستطلاع، فإن حوالى 90% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يقدّرون، باحتمال كبير ومتوسط، أن تندلع أعمال عنف بين اليهود والفلسطينيين في المستقبل القريب، كما حدث في أيار 2021. وتبلغ النسبة الموازية بين الأقلية العربية الفلسطينية حوالى 70% من المتخوّفين.

"مركز أكورد"، كما يكتب على موقعه، هو منظمة اجتماعية أكاديمية متميّزة تعمل على تطوير وإتاحة المعرفة الأكاديمية المبتكرة في علم النفس الاجتماعي، من أجل تعزيز علاقات المساواة والتسامح والاحترام بين مختلف الفئات الاجتماعية في إسرائيل وكذلك بين المجتمع الإسرائيلي والمجتمعات المجاورة في المنطقة. ويقول: نحن نستخدم مهارات البحث والاستشارات والتطوير والتدريب لمساعدة المنظمات والهيئات المتنوعة على دمج المعرفة والأدوات من عالم علم النفس الاجتماعي في عملياتها.

مؤسس المركز هو البروفسور عران هلبرين، من قسم علم النفس في الجامعة العبرية في القدس، وهو يتوقع أن: "الصدمة الجماعية التي حدثت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر ستشكل طبيعة العلاقة بين المجموعتين لسنوات عديدة قادمة". وفي محاضرة بعنوان "نحو الانفجار؟ العلاقات بين المواطنين اليهود والعرب في ظل الحرب"، أمام منظمة "شتيل" التي أقامها "صندوق إسرائيل الجديد" لمساعدة المنظمات المدنية التي تعمل على تعزيز التغيير الاجتماعي، أوضح هلبرين أن "مذبحة 7 تشرين الأول هي حدث محدد، وله تأثير نفسي كبير جداً. السردية التي تتشكل الآن في ما يتعلق بنسيج العلاقات بين اليهود والعرب داخل المجتمع الإسرائيلي يمكن أن تذهب بشكل كبير في اتجاهات مختلفة: صراع داخلي كامل أو بناء قصة جديدة بالأمل"، كما وصفها.

ويلاحظ أن التقييم السائد لما سيأتي لدى المجموعتين بشأن احتمال اندلاع أعمال عنف بينهما، لا يشكل "نقطة انطلاق جيدة"، منوهاً أنه ربما "يخشى بعض العرب التعبير عن رأيهم"، ولهذا السبب فإن الإحصائية التي تقيس تقديرات الجمهور العربي بشأن اندلاع أعمال عنف منخفضة مقارنة بالجمهور اليهودي. ويتابع أن المواطنين اليهود والعرب الفلسطينيين في إسرائيل يعانون من "قلق جماعي وشخصي حقيقي"، يستند إلى صدمات الماضي الجماعية في الطرفين - الهولوكوست والنكبة. وهو تصوّر قد يؤدي إلى الشعور بـ "شرعيّة أخلاقية"، تجعل صاحبها يرى في نفسه أنه "يتعامل مع الشر المطلق، لتصبح القيود الأخلاقية غير ذات صلة. وكلا المجتمعين يتبنى الآن تصور الضحية الذاتي. ومن هنا، فمن السهل الانزلاق إلى العنف".

مؤسس مركز الأبحاث يقرأ الوضع الحالي بكونه يتميّز بـ "الافتقار التام إلى فهم الجانب الآخر، أكثر بكثير من ذي قبل"، مضيفاً أن التيار اليهودي السائد لا يفهم لماذا يخشى العرب التعبير عن أنفسهم بحرية على الشبكات الاجتماعية، أو لماذا لا يقفون علانية ضد حماس؛ بينما يشعر العرب بالاستياء من المطالبة المستمرة الموجهة إليهم بإدانة أعمال القتل التي تأثروا بها ولم يؤيدوها بالتأكيد، كما شدّد هلبرين في محاضرته. ويشير إلى أن الشك المتبادل ينعكس بشكل جيد في الإحصائية التالية: 90% من اليهود و98% من العرب أجابوا بأنهم يعارضون بشكل واضح أعمال العنف ضد المجموعة الأخرى، لكن في الوقت نفسه، فقد قدّر حوالى 50% من المستطلَعين في كل مجموعة بأن أفراد المجموعة الثانية المقابلة يؤيدون أعمال العنف.

إن الخوف الذي خلقته أحداث 7 أكتوبر لدى الجمهور اليهودي يتم التعبير عنه أيضاً في تصور متجانس لجميع العرب. وبالتالي فإن 89% من اليهود يعتقدون أن غالبية سكان غزة يؤيدون هجوم حماس؛ أما النسبة المقابلة للفلسطينيين في الضفة الغربية فهي 84% وللمواطنين العرب في إسرائيل 54%. وأوضح هلبرين أن "القلق يخلق عملية نفسية، إذا لم تؤد إلى الكراهية والتطرف والعنصرية تجاه العرب فسوف أكون مندهشا للغاية".

قمع لحق وحرية التعبير يتردّد صداه بقوّة أكبر وأخطر

بعد عامين على أحداث أيار 2021، التي تحمل فلسطينياً اسم هبة الكرامة، أصدر مركز عدالة تقريراً استعرض فيه، إلى جانب الوقائع والشهادات، أيضاً تحليلا قانونيا لسياسات القمع والفصل العنصري. وأكد وجود نظامين مختلفين لتنفيذ القانون وتطبيقه، واحد للعرب وآخر لليهود، ومن ضمن ذلك كيفية تعامل الشرطة والنيابة والتعامل مع الملفات من قبل المحاكم والأحكام القاسية وغيرها. 

توقف التقرير عند وسائل الرقابة والمراقبة التي تم استخدامها خلال الهبة، سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو في الحيز العام وقمع الحق في الاحتجاج وحرية التعبير. وهو ما يتردّد صداه بقوّة أكبر وأخطر في هذه الفترة، حيث كتب "عدالة" في تقرير تتطرّق معطياته للفترة بين 07.10.2023 - 13.11.2023 أنه "مُنذ يوم السبت، السابع من أكتوبر 2023، يتعرض المواطنون الفلسطينيّون في إسرائيل للملاحقة السياسية ولحملة قمع شعواء على حرية التعبير. يُعتبر هذا القمع نتاجاً لجهود منسقة وواسعة النطاق بين المكاتب الحكومية، المؤسسات الإسرائيلية والجماعات اليمينية المتطرفة، حيث تستهدف جميعها الفلسطينيين في إسرائيل وغيرهم ممن يحتجّون ضد سياسة الحكومة الاسرائيلية في غزة. إذ تتهم السلطات كل من يعبر عن رأيه، سواء فعل ذلك على منصات التواصل الاجتماعي أو عن طريق وقفات احتجاجية، بدعم تنظيمات مُعرّفة كإرهابية وفق القانون الاسرائيلي وبالتحريض على الإرهاب".

هذا يرتبط أيضاً بتحليل أحداث 2021، حيث أكد "عدالة" أنه "عند التعمّق في بنود لوائح الاتهام ذاتها، يتّضح أنّ النيابة العامة الإسرائيلية شكّلت ذراعاً أخرى لإحكام القبضة على الفلسطينيين مواطني إسرائيل، حيث تعاملت معهم على كونهم "العدو من الداخل" الذي قام بفتح جبهة إضافيّة ضد الدولة أثناء خوضها الحرب مع "العدو من الخارج"، وفقاً لتوصيفها".

ارتباطاً بهذا السياق للأحداث، منذ العام 2021، يقوم "مركز أكورد" كل بضعة أشهر بمراقبة مستويات الكراهية وانعدام الثقة بين المجموعتين، اليهودية والعربية. وبحسب هلبرين، تكشف أحدث البيانات عن "زيادة كبيرة جداً" في كراهية اليهود تجاه العرب: قبل الحرب، كان مستوى الكراهية تجاه العرب يبلغ 2.5 (على مقياس من 1 إلى 6). بينما يبلغ الآن هذا الرقم أعلى من 4. ويشير إلى معطيين مثيرين للقلق: ارتفاع درجة تأييد اليهود للعنف ضد العرب من 1.37 في آذار إلى 1.89 في تشرين الأول (بالمقابل، انخفض خلال هذه الفترة دعم العرب للعنف ضد اليهود)؛ وقفزت درجة تأييد اليهود لـ "الخطاب العدواني ضد العرب" على شبكات التواصل الاجتماعي من 1.5 إلى 2.25، على نفس المقياس، خلال هذه الفترة. (شهد هذا التوجه أيضاً انخفاضاً في الدعم من العرب). ويقول هلبرين إن معنى هذه المعطيات هو "التطبيع أو التفهم أو التسامح مع عنف اليهود تجاه العرب في إسرائيل".

إن الكثيرين من الجمهور العربي، وفقاً لهلبرين، "يعيشون شعورا بالعجز شبه الكامل. ويقولون لأنفسهم: في مواجهة مثل هذا التطرف الكبير للمجتمع اليهودي، والاضطهاد في أماكن العمل والجامعات، من الذي سيحمينا؟ شرطة (وزير "الأمن القومي") إيتمار بن غفير؟". هذه تجربة لديها أيضا إمكانات متفجرة". كذلك، فإن "مئات آلاف الأشخاص ممنوعون من التعبير عن مشاعرهم الأساسية: يجب على العرب في إسرائيل ألا يقولوا أنهم ضد قتل أو معاناة الأطفال أو الأبرياء في غزة. وهذه تجربة صعبة ستكون لها عواقبها على العلاقات بين اليهود واليهود". ويستدرك بأن هناك نقطة مضيئة واحدة، تتجلى في حقيقة أنه "لم تندلع أي أعمال شغب حتى الآن. وهذا يعني أن هناك أشخاصا جادين في المجموعتين، إلى جانب المجانين والمتطرفين".

 

تفاقم "الأرضية الجاهزة" لتأجيج صدامات محتملة

من المهم الإشارة ولو باقتضاب إلى ما يصح تسميته بـ"الأرضية الجاهزة" لأي تأجيج لصدامات مقلقة محتملة، وخصوصاً في المدن التاريخية (المسمّاة "المختلطة"). ومثلما كتب كل من د. نسرين حداد حاج يحيى والمحامي عوديد رون في "يديعوت احرونوت" (أيار 2022): "كانت هناك أسباب عديدة لأحداث أيار، لكن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب في المدن المعنية يولد أيضاً مشاعر العداء. ويجب على الحكومة أن توافق على الخطة الخمسية الجديدة في أسرع وقت ممكن انطلاقا من رؤية طويلة المدى، ومن منطلق القلق على سلامة مواطني إسرائيل اليهود والعرب على حد سواء. ففي تشرين الأول 2021، تم اتخاذ قرار الحكومة بشأن الخطة الخمسية الجديدة لتقليل الفوارق في المجتمع العربي". وتساءل الكاتبان: "ما هو سبب عدم تنفيذ الخطة حتى الآن؟ لا يمكن الافتراض أن عدم الاستقرار السياسي هو الذي يعيق طرح الخطة على طاولة الحكومة. ويجب أن تثير هذه الحقيقة القلق لدى جميع المواطنين الإسرائيليين، لأنها تحمل في طياتها خطر حدوث عدم استقرار أكبر مما نشهده الآن، والذي قد يتجلى في اندلاع آخر عاجلاً أم آجلاً. صحيح أن هناك عوامل كثيرة، منها قومية وسياسية، لاندلاع أحداث أيار 2021. وفي الوقت نفسه، لا يجوز مطلقاً تجاهل الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي يتميز به السكان العرب في المدن المختلطة، الأمر الذي يولد أيضاً مشاعر العداء، ويغرق أمل السكان العرب في المستقبل".

حالياً، اتخذت التطورات اتجاهات غاية في التطرّف وغاية في الخطورة، سواء من حيث التصعيد الحربي أو التفاقم الاجتماعي والمدني، في ظلّ حكومة قلّت مثيلاتها في المغالاة، ومناخ بلغت ذروة توتّر غير مسبوقة ربما منذ عقود. تقرير "عدالة" المشار إليه أعلاه رأى أنّ "السياسات التي انتهجتها السلطات القانونيّة، يشمل النيابة العامة، أعادت التأكيد من جديد على انتهاج إسرائيل لسياسة فصل عنصري في تطبيق القانون، التي تجلّت من جهة بإطباق سياسة سيطرة على الفلسطينيين بوسائل قمع وترهيب، ومن جهة أخرى بتوفير الحصانة القانونيّة للمستوطنين ورجال الشرطة. الممارسات الاسرائيلية خلال الهبّة لم تكن مفصولة عن السياق الإسرائيلي والقانوني العام المبني على نظام الهيمنة والتفوّق العرقي، وقد أسست بذاتها لممارسات قمع إضافيّة تمت بلورتها بالأشهر التي تلت الأحداث، من ضمنها استغلال الجريمة و"مخططات مكافحة الجريمة" في المجتمع العربي لتوسيع صلاحيّات الشرطة لزيادة السيطرة على المواطنين الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم؛ المصادقة على مخططات حكوميّة بملايين الشواكل التي كُللت مؤخرا بإعلان وزير الأمن القومي الإسرائيلي، في آذار 2023، عن إقامة "الحرس القومي"؛ وقرارات حكوميّة عديدة أخرى التي تدعو لفرض المزيد من الرقابة والمراقبة تجاه المواطنين الفلسطينيين وتحركاتهم السياسيّة". هذا السيناريو يتبدّى اليوم بألوان أشدّ قتامة مما تصوّره.

لغرض تحديد ما هي البلاغات والرسائل التي من شأنها خفض مستويات التعميم لدى الجمهور اليهودي تجاه الجمهور العربي، توجه مركز الأبحاث إلى باحثين في إسرائيل والخارج طالباً منهم اقتراح "أفضل دواء للحالة"، وتم اختبار فعالية ثمانية بلاغات مختلفة، في عينة تضم أكثر من 3000 مشارك. ووفقاً للمركز، يُظهر الاختبار الأولي أن البلاغين الأكثر فعالية لخفض مستويات التعميم هما: "التعبير عن تعاطف العرب الواضح مع المعاناة اليهودية في 7 تشرين الأول"، و"التعاون اليهودي العربي في مساعدة الضحايا من الجانبين". وهنا تقول رئيسة الصندوق الإسرائيلي الجديد، راحيل ليئيل: "إن الشراكة اليهودية العربية باتت اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. وتحت وطأة الحرب والصدمة العامة، ازداد الخوف من احتمال فتح جبهة في داخلنا. لكن أحداث أيار 2021 يجب ألا تتكرّر مرة أخرى، يجب أن نتأكد من أننا لا نتخلى عن العيش معاً".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, راحيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات