المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

جرت العادة أن تتسابق الدول والجيوش على عقد صفقات لشراء واقتناء الأسلحة والمعدّات العسكرية أو إلغاء عقد بعضها في أعقاب الحروب والمواجهات العسكرية، حيث تُختبر هذه الأنظمة والأسلحة بشكلٍ حقيقي بعيداً عن الاختبارات التجريبية. وقد أشرنا في مساهمة سابقة حول منظومة الدفاع الخاصة بالدبابات الإسرائيلية- "معطف الريح"[1] - إلى أن التقنيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية شكّلت على مدار العقود الأخيرة "ذخراً لإسرائيل"، التي استطاعت بسببها أن تتقدّم الصفوف في قائمة الدول المصنّعة للأسلحة والتقنيات العسكرية والأمنية، كما أشرنا إلى أنها تنفرد- دون غيرها- في القدرة على اختبار وتجربة وتطوير الأسلحة، والتقنيات (الأمنية على وجه الخصوص كالتجسّس والتنصّت والمراقبة) إلى جانب التقنيات الدفاعية من التهديدات الصاروخية (التي سنتناول إحداها) بسبب طبيعتها العسكريتارية واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والسيطرة على الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني في حدود فلسطين الانتدابية بشروط مختلفة.

في هذه المساهمة، نُسلّط الضوء على واحدة من أهم التقنيات الدفاعية التي روّجت لها إسرائيل خلال العقد المنصرم وهي منظومة الدفاع الصاروخي "السهم (حيتس) 3"، لا بل هي المنظومة التي حظيت بالنصيب الأكبر من الترويج والتسويق الإعلامي والعسكري خلال هذه الحرب دون غيرها من المنظومات والتقنيات التي لم تحظَ بنفس الاهتمام بالرغم من التسويق الهائل لها قبل اندلاع المعركة.

منظومة "حيتس 3" بالعبرية، أو "السهم 3" بالعربية، هي عبارة عن صاروخ مضاد للصواريخ خارج نطاق الغلاف الجوي، وهو مصمّم خصيصاً للتغلّب على التهديد الصاروخي الذي تُشكّله الصواريخ الباليستية التي يتم اعتراضها خارج نطاق الغلاف الجوي للتقليل من مخاطر انفجار الرأس الحربي، أو ما يتضمّنه من مواد كيماوية/ نووية/ بيولوجية أو بقايا الصاروخ. الصاروخ من إنتاج مشترك لشركة "حوما" في قسم البحث والتطوير للوسائل القتالية والبنية التحتية التكنولوجية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ووكالة الدفاع الصاروخي الأميركية (MDA) والصناعات الجوية الإسرائيلية.[2]

يُعد "السهم 3" المستوى الأعلى من النظام الدفاعي الإسرائيلي مُتعدّد الطبقات الذي تحيط إسرائيل به نفسها من أجل مواجهة التهديدات الصاروخية العادية والباليستية (نظام أور، القبة الحديدية، مقلاع داود، السهم 2، والسهم 3 والتي لكل منها مجال دفاعي خاص بها وفقاً لنوع الصاروخ ومداه)، وتقوم فلسفة تعدد الطبقات على أن التهديد (الصاروخي) الذي تفشل منظومة دفاعية ما في اعتراضه، تقوم بذلك المنظومات الدفاعية الأدنى وهكذا. يعمل الصاروخ بمنظومة الرادار "أورن أدير" الذي طوّرته شركة "ألفا" الإسرائيلية، وهو ما يُكسبه قدرة على اعتراض الأقمار الصناعية أيضاً، وهذا الأمر مقتصر على عدد محدود جداً من الدول حول العالم.

تُشير "أوريان"، المهندسة في مشروع تطوير منظومة الدفاع الصاروخية "السهم"، إلى أن الهدف من الصاروخ يتمثّل في إزالة التهديدات التي تشكّلها الصواريخ الباليستية وإبعادها إلى أقصى حد ممكن خارج الغلاف الجوي، ما يُقلّل من الأضرار الناتجة عن عملية الاعتراض التي قد تُحدثها منظومات دفاعية أقل من "السهم"، كما أن المدى المخصّص للاعتراض لمنظومة "السهم 2" و"السهم 3" يصل إلى نحو 2000 كيلومتر مقابل 40 كيلومتراً لمنظومة "القبّة الحديدية"، و300 كيلومتر لمنظومة "مقلاع داود". 

وحول الفرق بين منظومتي "السهم 2" و"السهم 3" فإن كلتيهما مصمّمتان لاعتراض الصواريخ الباليستية لكن الأولى داخل الغلاف الجوي والثانية خارجه، كما أن "السهم 2" التي دخلت إلى الخدمة العام 2000 رأسها الحربي مكون من مواد متفجّرة تعمل على تدمير التهديد (الصاروخ) بواسطة الرأس الحربي المتفجّر، أما "السهم 3" التي دخلت إلى الخدمة في العام 2017 فطاقتها الحركية لوحدها قادرة على تدمير الهدف، كما أن الصاروخ يتمتع بقدرة عالية على المناورة وتغيير الاتجاهات بالإضافة إلى امتلاكه لأجهزة استشعار كهروضوئية متقدّمة. أما بالنسبة إلى تكاليف الاعتراض لهذه المنظومة فتبلغ 2 مليون دولار لصاروخ "السهم 3"، مقارنة بـ 1.5 مليون دولار لمنظومة "السهم 2"، و700 ألف دولار لمنظومة "مقلاع داود"، و30 ألف دولار لصاروخ "القبة الحديدية".[3]

خلال الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة- "السيوف الحديدية"- نجحت منظومة "السهم 2" في اعتراض صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون من اليمن في اتجاه إيلات في مطلع تشرين الثاني الحالي، ومن ثم نجحت منظومة "السهم 3" في اعتراض صاروخ باليستي آخر بعد أسبوع مصدره اليمن على ارتفع عال جداً خارج الغلاف الجوي وفي البحر الأحمر بعيداً عن هدف الصاروخ الفعلي، وبذلك يُعد هذا الاختبار الفعلي الأول لهذه المنظومة، وقد ترافق ذلك مع ترويج إعلامي إسرائيلي ضخم على خلاف المنظومات الدفاعية والتقنيات الأخرى التي لم يُكتب حول نجاحاتها كثيراً. 

تجدر الإشارة إلى أنه خلال الصيف المنصرم، وافقت الولايات المتحدة الأميركية على صفقة أمنيّة ضخمة بين إسرائيل وألمانيا، بموجبها تقوم ألمانيا بشراء منظومة "السهم 3" من إسرائيل بلغت مقدارها 3.5 مليار دولار (14 مليار شيكل)، وهي أكبر صفقة أمنية في تاريخ الصناعات العسكرية الإسرائيلية.[4] وبعد نجاح هذه المنظومة في الاختبار الفعلي الأول لها خلال هذه الحرب، قد نشهد في الفترة المقبلة توجهاً مشابهاً لبعض الدول للحصول على هذه المنظومة.

إجمالاً؛ على الرغم من التكلفة الباهظة لتفعيل هذه المنظومة في التصدّي للتهديدات الصاروخية، فإنها تُشكّل نظام اعتراض فريد من نوعه من وجهة نظر إسرائيل وهي جزء لا يتجزأ من نظام الدفاع الجوي متعدّد الطبقات المُحيطة بها، وبالتالي، فإنها توفّر لها درعاً وقائياً متعدداً ومتنوعاً من الصواريخ الباليستية المتوسطة والطويلة المدى.

 

[1] للمزيد، أنظر/ي: https://short-link.me/wW5c

[2] ليلاخ شوفال، "الصفقة الأمنية الأكبر في تاريخ الدولة: تمت الموافقة على بيع "حيتس 3" الإسرائيلية إلى ألمانيا"، يسرائيل هيوم، 17.08.2023، https://www.israelhayom.co.il/military-life/world-news-military-life/article/14505624

[3] دين شموئيل ألمس، "2 مليون دولار تكلفة الاعتراض: مهندسة مشروع حيتس تتحدّث عما وراء الكواليس"، غلوبس، 15.11.2023، https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001462433

[4] شوفال، "الصفقة الأمنية...".

المصطلحات المستخدمة:

يسرائيل هيوم

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات