المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما زال من المبكر، جداً ربما، رصد التداعيات المتتالية لما حصل في ما يصفه الإسرائيليون بـ"يوم السبت الأسود"، السابع من تشرين الأول الأخير، ثم الحرب الانتقامية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، والتغيرات التي ستحملها تلك التداعيات على المجتمع الإسرائيلي في المجالات المختلفة، وفي مقدمتها السياسية والأمنية بشكل خاص، لكن أيضاً الاجتماعية (على صعيد مستقبل العلاقات بين اليهود والعرب في داخل إسرائيل تحديداً). إلاّ أن استطلاعات الرأي العام التي أجريت وتُجرى في إسرائيل منذ ذلك اليوم قد تشكل مؤشراً إلى إرهاصات هذه التغييرات وبداية التراكم الكمي الذي سيقود إلى إحداث التغيير النوعي في مرحلة لاحقة ما، بصرف النظر عن مضمون هذا التغيير، جوهره واتجاهاته، سواء على مستوى الشخوص أو على مستوى السياسات.

ومن بين هذه الاستطلاعات، نتوقف هنا عند تلك التي أجراها "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" منذ بدء الحرب وأطلق عليها اسم "استطلاعات حرب السيوف الحديدية" (وهو الاسم الذي أطلقته إسرائيل على الحرب ضد غزة) وكان أبرزها وأهمهما استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لشهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو الاستطلاع الذي يجريه "مركز فيطربي"، الذي يعمل في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، للرأي العام والسياسات في إسرائيل مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. لكنّ استطلاع المؤشر الأخير، لشهر تشرين الأول 2023، أجري في الفترة الواقعة بين 24 و26 منه ونشرت نتائجه يوم 31 تشرين الأول. وقد شمل هذا الاستطلاع عينة من المستطلَعين قوامها 753 شخصاً من الذكور والإناث (602 منهم من اليهود و151 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق)؛ وكان الاستطلاع الأول والأكبر الذي يجرى بعد السابع من تشرين الأول ومنذ اندلاع الحرب ليس لفحص القوة الانتخابية للأحزاب المختلفة ولخارطة التشكيلة البرلمانية المحتملة برسم أحداث 7 تشرين الأول والحرب التي تلتها، وإنما لفحص مواقف الجمهور الإسرائيلي حيال قضايا أخرى لا تُطرح في استطلاعات الرأي العادية عادة. 

قلة قليلة جداً تعتمد على بنيامين نتنياهو

السؤال الأهمّ والأبرز في هذا الاستطلاع كان، بطبيعة الحال، حول التوتر الشديد السائد بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وقادة الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، على خلفية نفي نتنياهو تلقيه أي تحذير استخباراتيّ، من مصر أو سواها، بشأن مّا تخطط حماس لتنفيذه ثم اتهامه المباشر، الصريح والعلني، لهؤلاء القادة الأمنيين بأنهم هم المسؤولون عن الإخفاق الأمني المريع الذي تكشف بالهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس على البلدات والقواعد العسكرية في جنوب إسرائيل، في المنطقة المعروفة باسم "غلاف غزة" تحديداً.

وكان السؤال بالصيغة التالية: "نُشرت في عدد من وسائل الإعلام تقارير عن توترات بين رئيس الحكومة، نتنياهو، ورؤساء الجيش والأجهزة الأمنية حول الحرب في غزة وإدارة التطورات على الجبهة الشمالية مقابل حزب الله. فبمَن تثق أكثر وعلى من تعتمد أكثر؟". ورداً على هذا السؤال، جاء رد الأغلبية بأنهم يعتمدون أكثر على قادة الجيش والأذرع الأمنية: 50% من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 53% من المشاركين اليهود و22% من المشاركين العرب. في المقابل، قالت قلة قليلة جداً إنها تعتمد على نتنياهو أكثر: 7.3% من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 6.9% من المشاركين اليهود و8.8% من المشاركين العرب.

وقال 18% من مجمل المشاركين و19% من المشاركين اليهود و14.4% من المشاركين العرب إنهم يعتمدون على نتنياهو وقادة الجيش بالدرجة نفسها، بينما قال 25% من مجمل المشاركين و19% من المشاركين اليهود و55% من المشاركين العرب إنهم لا يعتمدون على أي أحد من هذه الأطراف.

ومن بين النتائج المثيرة للاهتمام بشكل خاص في هذا السياق أن 10% فقط ممّن يعرّفون أنفسهم بأنهم ينتمون إلى "معسكر اليمين" قالوا إنهم يعتمدون على نتنياهو أكثر مما يعتمدون على قادة الجيش، بينما قال 34% منهم إنهم يعتمدون على الطرفين بالدرجة ذاتها. 

في سياق متصل تماماً، من المهم الإشارة إلى ما أظهرته نتائج استطلاعين سابقين "سريعين جداً" أجراهما المعهد نفسه في غضون أسبوع واحد تقريباً، قبل استطلاع "مؤشر الصوت" ـ الأول ("استطلاع السيوف الحديدية الأول") في الفترة بين 15 و17 تشرين الأول بين عيّنة من 612 مشاركاً (507 يهود و105 عرب)؛ والثاني ("استطلاع السيوف الحديدية الثاني") في الفترة بين 18 و19 تشرين الأول بين عيّنة من 610 مشاركين (507 يهود و103 عرب). وقد كانت النتيجة الأبرز في الاستطلاعين المذكورين أن ثقة الجمهور بالحكومة الإسرائيلية بلغت الحضيض وتراجعت إلى 18% فقط، وهو أدنى مستوى لها منذ بدأ رصدها في العام 2003. وكان الانخفاض الأكبر في مستوى الثقة بالحكومة بين المواطنين اليهود المنتمين إلى "معسكر اليمين" ـ من 42% من حزيران الأخير إلى 31% اليوم.

أما النتيجة البارزة الأخرى في "الاستطلاعين السريعين جداً" فكانت أن أغلبية من الجمهور الإسرائيلي عموماً (62%) تعتقد بأن الحكومة لا تمتلك اليوم أي خطة عمل واضحة للمراحل المقبلة. وهذا ما يراه، أيضاً، 71% من مصوتي أحزاب "اليسار" و55% من مصوتي أحزاب "الوسط" و33% من مصوتي أحزاب اليمين.

متشائمون حيال مستقبل النظام الديمقراطي والوضع الأمني

السؤالان التاليان هما من بين الأسئلة الثابتة التي تتكرر دائماً في استطلاعات "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الشهرية. لكنّ ثمة أهمية خاصة واستثنائية في مجرد طرحهما على الجمهور ونتائج الإجابات عليها في هذا التوقيت بالذات، للمرة الأولى بعد أحداث ما يوصف بـ"يوم السبت الأسود".

السؤال الأول الذي نعنيه هو: ما هو شعورك تجاه وضع النظام الديمقراطي في إسرائيل في المستقبل المنظور؟ على هذا السؤال جاءت الإجابات على النحو التالي، بحيث لا تحتاج إلى أي شرح أو تعليق: 39% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم "متفائلون" (28%) و"متفائلون جداً" (11%). وهو ما قاله 42.6% فقط من المشاركين اليهود (31.1% متفائلون و11.5% متفائلون جداً) و25.6% فقط من المشاركين العرب في الاستطلاع (14.8% متفائلون و10.8% متفائلون جداً). أما المتشائمون حيال مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل في المدى المنظور فهم: 50.8% من مجمل المشاركين في الاستطلاع (27.9% متشائمون و22.9% متشائمون جداً). وهو شعور 47.3% من المشاركين اليهود (28.7% متشائمون و18.6% متشائمون جداً) و64% من المشاركين العرب في الاستطلاع (23.9% متشائمون و40.1% متشائمون جداً).

أما السؤال الثاني فهو: ما هو شعورك تجاه وضع إسرائيل الأمني في المستقبل المنظور؟ وعلى هذا السؤال جاءت الإجابات على النحو التالي، وهذه أيضاً لا تحتاج إلى أي شرح أو تعليق: 41.1% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم "متفائلون" (33%) و"متفائلون جداً" (8.1%). وهو ما قاله 45.8% فقط من المشاركين اليهود (37.6% متفائلون و8.2% متفائلون جداً) و17.8% فقط من المشاركين العرب في الاستطلاع (10.6% متفائلون و7.6% متفائلون جداً). أما المتشائمون حيال مستقبل وضع إسرائيل الأمني في المدى المنظور فهم: 52.4% من مجمل المشاركين في الاستطلاع (33.2% متشائمون و19.2% متشائمون جداً). وهو شعور 48.3% من المشاركين اليهود (14.6% متشائمون و33.7% متشائمون جداً) و72.3% من المشاركين العرب في الاستطلاع (30.5% متشائمون و41.8% متشائمون جداً).

في موضوع آخر، سُئل المشاركون عن آرائهم بشأن الإفراج عن أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية في مقابل الإفراج عن المختطَفين الإسرائيليين لدى حركة حماس، فقال 43.2% من مجمل المشاركين إنهم يؤيدون ذلك وإن هذا سيكون قراراً سليماً: 19.5% قالوا إنهم "واثقون إن الأمر سيكون سليماً" و23.7% قالوا إنهم "يعتقدون إن الأمر سيكون سليماً". وهذا ما قاله أيضاً 39.7% من المشاركين اليهود (15.6% واثقون و24.1% يعتقدون) و60.5% من المشاركين العرب في الاستطلاع (38.7% واثقون و21.8% يعتقدون). في المقابل، قال 39% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إنهم يعارضون صفقة تبادل كهذه: 21.5% "واثقون إنه قرار غير سليم" و17.5% "يعتقدون بأنه قرار غير سليم". وكان هذا، أيضاً، رأي 44.8% من المشاركين اليهود (25.1% واثقون و19.7% يعتقدون)، مقابل 10.8% فقط من المشاركين العرب في الاستطلاع (3.9% "واثقون إنه قرار غير سليم" و6.9% "يعتقدون بأنه قرار غير سليم").

كما سُئل المشاركون في الاستطلاع عن آرائهم بشأن "العلاقات بين مواطني إسرائيل اليهود ومواطني إسرائيل العرب، اليوم"، فاعتبر 12.8% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع أنها "جيدة" (11.1%) أو "جيدة جداً" (1.7%). وهو ما قاله 11% من المشاركين اليهود في الاستطلاع (0.3% "جيدة جداً" و10.7% "جيدة") و21.2% من المشاركين العرب في الاستطلاع (8.4% "جيدة جداً" و12.8% "جيدة")؛ بينما اعتبرها 32.4% من مجمل المشاركين "سيئة" (19.9%) أو "سيئة جداً" (12.5%) واعتبرها كذلك أيضاً 32.4% من المشاركين اليهود (20.3% "سيئة" و12.1% "سيئة جداً") و32.6% من المشاركين العرب في الاستطلاع (18.2% "سيئة" 14.4% "سيئة جداً").

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات