المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

فيما يلي الجزء الأول من القسم الثاني الواسع من نص تحقيق مطوّل نشره الموقع الصحافي الاستقصائي الإسرائيلي المستقل "شومريم" حول رئيس حزب "الصهيونية الدينية" الوزير بتسلئيل سموتريتش. وسيتبعه جزء ثان وأخير:

(*) بعد أسابيع قليلة على إقرار الحكومة قانون إلغاء علّة المعقولية، بالرغم من المعارضة الشعبية غير المسبوقة التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي على نطاق واسع، أطلق الوزير بتسلئيل سموتريتش حملة "حوار الإخوة". وبحسب قوله، فإن حزبه "يشرع في عملية لتقريب القلوب"، عبر حلقات الحوار في المجتمع الإسرائيلي، لأنه "حان الوقت لرأب الصدع". أعضاء حراك احتجاج الاحتياط "إخوة السلاح" ردوا عليه بمظاهرة شارك فيها المئات أمام منزله في مستوطنة كدوميم.

سموتريتش هو سياسي يحسب خطواته بعناية. التحليل الشامل لعقيدته الأيديولوجية يقدم رؤية كونية انقلابية واضحة تتضمن الكثير من الشريعة الدينية والقليل جداً من الحوار. ففي مواجهة العلمانية، يقدم "موقفا يسعى إلى التغيير". وعن المدارس الحكومية قال: "الأطفال سطحيون ومرتبكون ومغسولو الدماغ، تقدميون ويفتقرون إلى الهوية الوطنية والشخصية والجندرية". وعن جهاز القضاء: "نريد إعادة قانون التوراة إلى مكانه".

"من لا يريد، إما أن يرحل أو سنراه في المهداف"

عندما يتعلق الأمر بالصراع مع الفلسطينيين، يردّد سموتريتش عبارات أشبه باللّازمة التي تكرر نفسها على طول الطريق. الأول هو أن الافتراض بأن الإرهاب ينبع من اليأس هو افتراض خاطئ. في مقال لمجلة "هشيلوح" العام 2017، بعد عامين من دخوله الساحة السياسية، قدم سموتريتش ما أسماه "خطة الحسم" وكتب أن "الإرهاب ينبع من الأمل في إضعافنا" وبالتالي "أي حل يجب أن يقوم على بتر الطموح لتحقيق الأمل القومي العربي بين الأردن والبحر... هذا الأمر سيستغرق وقتا، لأننا عززنا بحماقتنا الوهم لدى العرب بأنهم سيتمكنون من إقامة دولة لهم هنا".

عبارات اللّازمة الأخرى التي يستخدمها سموتريتش عادة هي: "لا يوجد شيء اسمه ’دولتان لشعبين’" و"أرض إسرائيل لنا وما هو لنا لا يمكن سرقته"، ولازمة أخرى تعكس بوضوح سعيه إلى دولة واحدة أو تنفيذ ترانسفير. ففي العام 2015، قال في خطاب ألقاه أمام الهيئة العامة للكنيست: "توجد هنا دولة واحدة فقط، دولة يهودية، ولن تقوم إلى جانبها أبداً دولة فلسطينية. من يريد العيش معنا – أهلا وسهلا، أما من لا يريد فإما أن يرحل أو سنراه في المهداف" (مهداف البنادق). وبعد مرور عام، كتب على موقع "تويتر" قائلاً: "كل ما تبقى الآن هو الانتقال من الأقوال إلى الأفعال: إطفاء الأضواء في السلطة الفلسطينية، وفرض السيادة، والقيام بكل ما ستفعله أية دولة مستقلة تحترم نفسها".

وإذا عدنا إلى رؤية سموتريتش السياسية الأمنية بالنسبة للفلسطينيين، كما عبر عنها في مقال لـ"هشيلوح"، فمن السهل أن نحدد في بنودها فكرة "حسم الصراع بدلاً من الاستمرار في إدارته"؛ "من يريد ويستطيع التخلي عن تحقيق طموحاته الوطنية، يمكنه البقاء هنا والعيش كفرد في الدولة اليهودية. ستكون هذه حياة تشمل معظم الحقوق الديمقراطية". وهو يؤكد أن نيته هي إعطاء حق التصويت للمجالس البلدية ولكن ليس للكنيست ("المشاركة في القرارات المدنية، خلافاً للقرارات القومية") ويوضح أن "هذا سيحافظ على الأغلبية اليهودية في صنع القرار في إسرائيل"، وأنه "على المدى الطويل سيتسنى تحسين العنصر الديمقراطي في الخطة من خلال تسوية مع الأردن يمكن في إطارها لعرب يهودا والسامرة التصويت للبرلمان الأردني... المواطنة الكاملة سيُنظر فيها بموازاة الولاء المطلق والخدمة العسكرية".

يرفض سموتريتش في مقاله المذكور الادعاء القائل إن التسوية التي يقترحها تحوّل إسرائيل إلى دولة فصل عنصري، أبارتهايد، ويزعم: "هناك، على الأكثر، عنصر مفقود في سلة الحريات، أو إذا شئنا - نقص في الوضوح الديمقراطي. نظام الحرية لا يبدأ وينتهي بالحق في الترشيح والانتخاب"، كما يشرح. ويتساذج لاحقاً زاعماً أن الدولة أصلاً "تنقل التركيز على الديمقراطية من المعنى البسيط لـ "حكم الأغلبية" - الذي يُشتق منه حق الترشيح والانتخاب ويشكل وسيلة لممارسته – إلى نظام القيم والحقوق. لسبب ما، في السياق الفلسطيني بالذات، فجأة يريدون التمسك بآلية الترشيح والانتخاب التقنية".

فكرة التهجير والترانسفير للعرب تصبح "ريلوكيشن"

أما فكرة الترانسفير الطوعي فيسميها سموتريتش بـ"تشجيع الهجرة"، موضحاً أن "من لا يريد أو لا يستطيع أن يطرح طموحاته الوطنية جانبا، سينال منا مساعدة للهجرة إلى إحدى الدول العربية أو إلى أية وجهة أخرى في العالم". ليست هذه هجرة على متن قوارب متهالكة، بل إنها ظاهرة حديثة للهجرة على متن طائرة نحو مستقبل منظم. "ريلوكيشن" إلى الدول التي توفر فرصة لمستقبل أفضل، واستيعاب في بيئة تشمل على الأغلب مجتمع مهاجرين من خلفية مشابهة. و"يمكن للدولة، بل ويجدر بها، أن تكون سخيّة نحو العرب الذين يفضلون العيش في دول أخرى، وأن تقدّم لهم منحة تشكّل من ناحيتها منحة فراق".

وماذا بشأن الفلسطينيين الذين لن يقبلوا الاختيار ما بين الفصل العنصري - الأبارتهايد وبين الترانسفير الطوعي؟ لا يمكن في هذا الصدد لسموتريتش إلا أن يكون أكثر وضوحا: "أولئك الذين يتعنّتون بشأن استخدام العنف... ستتم معالجتهم والتعاطي معهم بحزم من قبل قوات الأمن بقوة أكبر مما نقوم به اليوم، وفي ظل ظروف مريحة أكثر بالنسبة لنا... حين توفّر توجيه سياسي حاسم لا لبس فيه، عرف الجيش الإسرائيلي كيف يلحق الهزيمة بالإرهابيين خلال وقت قصير. قتل من يجب قتلهم، وجمع الأسلحة حتى الرصاصة الأخيرة، وإعادة الأمن إلى مواطني إسرائيل".

في مقابلة أدلى بها لمجلة "ليبرال" في العام 2018، أشار سموتريتش أيضا إلى قطاع غزة الذي انسحبت منه قوات الجيش الإسرائيلي في إطار خطة فك الارتباط، صيف 2005، وأدرجه في خطة الحسم المُشار إليها أعلاه. "غزة هي جزء من أرض إسرائيل"، جزم وأوضح: "وحتى لو كانت ذات يوم فلسطين، فلم يكن من الناحية الأيديولوجية، يجب المكوث هناك من الناحية العملية. لقد كانت حالهم أفضل في ظل الاحتلال".

في منشور نشره على صفحته في موقع فيسبوك، في الفترة نفسها، اقترح "احتلالاً كاملاً للقطاع... تقليص عدد السكان من خلال توزيع وإعادة تأهيل اللاجئين في الدول العربية أو في أوروبا... وإعادة إنشاء استيطان إسرائيلي مجيد، يمكنه إلى جانب سوق العمل في دولة إسرائيل، أن يسمح لأولئك الذين يختارون العيش تحت الحكم الإسرائيلي، بكسب الرزق والعيش بكرامة. وأذكركم بمبادئ خطة الحسم التي نشرتها بشأن يهودا والسامرة – العرب هم نفس العرب، والأرض هي نفس الأرض، والبحر هو نفس البحر... وإذا كان الأمر على هذه الحال فإن الحل هو نفس الحل".

أخلاقيات الحرب: "يجب محو قرية حوارة"

إن فهم مبادئ "خطة الحسم" يجعل من تصريحات هذا السياسي الأخيرة، وخصوصاً تلك المتعلقة بقرية حوّارة، أكثر وضوحاً. بعد مقتل الأخوين هيلل ويغئال يانيف في عمليّة، قال سموتريتش في مؤتمر جريدة "ذي ماركر" الاقتصادية: "أعتقد أنه يجب محو قرية حوارة، وأعتقد أن دولة إسرائيل يجب أن تفعل ذلك، وليس لا سمح الله أفراداً عاديين".  كانت تفوّهاته هذه في الواقع تفسيراً لتسجيل إعجابه على موقع تويتر بما كتبه هناك نائب رئيس المجلس الإقليمي شومرون، دافيد بن تسيون، الذي كتب قبل ساعات قليلة من اندلاع البوغروم في القرية: "قرية حوّارة يجب أن تُمحى اليوم... ليس هناك مكان للرحمة". لقد تم حذف تغريدة بن تسيون منذ ذلك الحين، لكن ما زال يتم تداولها على شبكة الإنترنت.

إن سموتريتش موديل 2023 هو وزير المالية في إسرائيل، ووزير في وزارة الدفاع، وعضو بارز في حكومة بنيامين نتنياهو السادسة. جوبهت أقواله عن حوارة بإدانة شديدة من قبل وزارة الخارجية الأميركية. حتى أن المسؤولين في الحكومة الأميركية قاطعوا زيارته إلى الولايات المتحدة بعد فترة غير طويلة من ذلك. أما من جانبه، فقد سارع سموتريتش إلى التلفزيون وحاول في مقابلة مع برنامج إخباري ("لقاء مع الصحافة") التقليل من الأضرار، وقال: "إن من يستطيع أن ينسب إليّ نية لمحو القرية - فهذا منوط بعقله المهووس. أما القصد من ذلك فهو أن نكون أكثر مبادرة واستباقية وهجوميّة في الحرب ضد الإرهاب لأن الناس هنا يُقتلون. لربما أن الكلام قد قيل خلال ثورة من المشاعر، لقد تعثّرت بلساني".

لكن الحقيقة أن سموتريتش لم يفشل في كلماته بالضبط. إذ سبق له أن استخدم عبارة "محو" في آذار 2019، عندما تم إطلاق صواريخ من قطاع غزة على تل أبيب. وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: "أردت أن أكتب أنه يجب على نتنياهو أن يمحو الليلة 20 مبنى تابعا لحماس في غزة ". وتابع: "أردت أن أكتب أن هذه هي الطريقة التي يتم بها استعادة الردع. ولكن عندها توقفت لأنه كان يجب القيام بذلك منذ أن تم إطلاق الصواريخ في اتجاه الجنوب. لذا، فليسوّي بالأرض الليلة عشرين مبنى، فقط إذا التزم أنه من اليوم فصاعداً سيكون حُكم سديروت نفسه مثل حُكم تل أبيب".

في كل ما يتعلق بالعمليات المسلّحة في المناطق الفلسطينية، وعمليات "تدفيع الثمن" والعمليات الإرهابية اليهودية، يتبنى سموتريتش عادة مفهوماً إضافياً يسمح له بالقفز ما بين التبرير والإدانة - الانتقام. وبهذه الطريقة يمكنه عدم تبرير الأعمال الإرهابية اليهودية من ناحية، ولا وصف المعتدين بالإرهابيين، من ناحية أخرى. فمثلا، كتب في منشور نشره عشية ذكرى الهولوكوست العام 2016: "صحيح أن الانتقام هو بالفعل قيمة مهمة وأخلاقية، لكن تم إيداعها في أيدي الدولة وفي أيدي القانون. إنها ليست بملكية الفرد"، وذلك على خلفية الهجوم الإرهابي على قرية دوما، والذي جرى فيه إحراق بيت عائلة دوابشة على أهله وساكنيه، وقتل الصبي محمد أبو خضير قبل ذلك بعام. وأضاف: "لو أن دولة إسرائيل لم تقم بحذف كلمة الانتقام من قاموسها، تحت تأثير الأخلاق المسيحية المشوهة، وقامت بذلك بطرق مشروعة ورادعة للعدو، لما كنا سنواجه هذه الحالات الصعبة لأفراد عاديين يأخذون القانون والانتقام ويطبقونه بأيديهم".

تجدر الإشارة إلى أنه حتى قبل ذلك، نُشرت مراسلة داخلية عبر الواتساب كتب فيها سموتريتش: "إن الحادث في دوما، بالرغم من كل خطورته، ليس حادثاً إرهابياً... الجريمة التي يرتكبها مواطن الدولة ليست إرهاباً، ولا تشكل تبريراً للسلوك الذي يتم تفعيله في مواجهة الإرهاب، وخصوصاً وبالتأكيد ليس في مواجهة الحلقتين الثانية والثالثة (أفراد الأسرة والأصدقاء وفي رأيي كما ذكرت ولا بمواجهة المشتبه به نفسه)".

"سيتعين علينا تصحيح التشوّه القيمي في الكنيست والحكومة"

إن شكل سلوك وأداء الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية هو موضوع يشغل سموتريتش جداً، والأمثلة على تفوّهاته في هذا الصدد تكاد لا تنتهي. إذ أعلن من على منبر الكنيست في شباط 2016: "شاركوا وانشروا أخلاقيات الحرب الحقيقية. إن الإرهابي الذي يخرج لقتل يهودي، لكونه يهودياً، مهما كان عمره، لا يعود حياً أبداً. نقطة. هذه أولى أبجديات الأخلاق". أما عن اعتقال الفتاة عهد التميمي التي صفعت جندياً في قرية النبي صالح في آذار 2018، فقد كتب على تويتر: "أنا حزين فعلاً لأنها في الاعتقال. أعتقد أنه كان يجب أن تتلقى رصاصة ما، على الأقل في مفصل ركبتها. كان من شأن ذلك أن يضعها تحت الإقامة الجبرية مدى الحياة". بعد هذه المنشورة أغلق موقع تويتر حساب سموتريتش لمدة 12 ساعة.

وقد أوضح سموتريتش لـ "القناة السابعة" (اليمينية الاستيطانية) أن التميمي "مخرّبة إرهابية خطيرة تعرض أمن إسرائيل للخطر. نتائج فعلتها هي تآكل قوة الردع لدى الجيش الإسرائيلي وأنا قلق على جنود الجيش الإسرائيلي وعلى مكانتهم وكرامتهم. وإذا كان هذا يعني أنه يجب إصابة عهد التميمي وأمثالها بإصابة جسيمة، إذاً فهذا ما يجب القيام به". وردا على منشور نشره عضو الكنيست أحمد طيبي ويظهر فيه كيف أصيب طفل من عائلة التميمي برصاص جندي في وجهه قبل "حادثة الصفع"، أجاب سموتريتش: "قلّي أحمد، هل أصابوه بالرصاص بينما كان جالسا في الصف منكبّاً على كتاب القرآن أم ربما كان بالصدفة في الخارج وقام بأعمال شغب وقذف الحجارة وعرّض حياة الجنود للخطر؟! هذا ما سأله أحد الأصدقاء".

وأخيرا في هذا الشأن، من الصعب تجاهل تعاطي سموتريتش مع قضية إليئور أزاريا، وخصوصاً ذلك الذي جاء بعد رفض استئناف الجندي الذي أدين بقتل فلسطيني جريح، وحكم عليه بالسجن لمدة 18 شهرا. "ليس قضاة المحكمة هم من يحدّد سلّم قيم المجتمع- سلّم قيم يدافع عن حياة إرهابي متوحش، ويتعامل بوحشية مع حياة مقاتل بطل ومتفوّق"، كتب رئيس الصهيونية الدينية على فيسبوك في تموز 2017، وتابع: "سيتعين علينا تصحيح التشوّه القيمي في الكنيست والحكومة - وهو الملعب الذي يتم فيه في الديمقراطيات تحديد قيم المجتمع. أدعو رئيس هيئة أركان الجيش إلى أن يصغي إلى ما يمور لدى الأغلبية المطلقة في المجتمع وإلى العفو عن أزاريا، بحيث لا يقضي ولو يوما واحدا في السجن. لا يمكن لدولة إسرائيل أن تسمح لنفسها بتحمّل مثل هذا العار في نظر أعدائها".

 (يتبع قسم أخير)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات