المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تخصص وسائل الإعلام الإسرائيلية خاصة باللغة العبرية مساحة واسعة جدا في تغطيتها لكل ما يتعلق بخطط الائتلاف الحكومي التي يطلق عليها مسمى "الإصلاحات القضائية" والتي تصفها المعارضة بأنها "انقلاب على القضاء". وتقدم شاشات القنوات التلفزيونية العبرية والصحف المطبوعة ومواقعها الإلكترونية والمواقع الإلكترونية الإخبارية ومنصاتها وحسابات مراسليها ومحلليها على مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها تغطية شاملة بدءا من الأخبار العاجلة مرورا بالتقارير والتحليلات والاستوديوهات التحليلية والمقابلات الخاصة المطولة والتغطية الدائمة للتظاهرات وصولا إلى التحقيقات الصحافية. كما تتميز وسائل الإعلام العبرية بالاستفادة من التسجيلات المسربة خاصة في الجلسات المغلقات سواء الرسمية (الحكومية) أو الحزبية أو الجلسات واللقاءات الخاصة في صناعة الأخبار.

وتشكل استوديوهات البث المصور، سواء للقنوات التلفزيونية أو للمواقع التي تبث برامجها عبر مواقع الإنترنت، ساحات للسجال الإسرائيلي- الإسرائيلي بشأن القضايا الخلافية بشكل عام، وقضية "التعديلات" على النظام القضائي بشكل خاص. وتشهد هذه الاستوديوهات أحيانا تواجد ثمانية مشاركين أو أكثر في الجلسة الواحدة، بمن فيهم مقدمو النشرة والمراسلون والمحللون من داخل الوسيلة الإعلامية ومن خارجها وبالطبع أطراف الأزمة من مسؤولين حكوميين حاليين أو سابقين أو معارضين أو قادة حزبيين.

ولم تسلم وسائل الإعلام الإسرائيلية من التراشق الإعلامي المتبادل سواء بينها بشكل مباشر أو عبر اتهام القادة السياسيين لها بالانحياز لطرف على حساب الطرف الآخر. ووقعت اعتداءات على الصحافيين من قبل متظاهرين من طرفي الأزمة، وأحيانا تعرض الصحافيون لقمع الشرطة الإسرائيلية نفسها.

الموقف ينعكس في المصطلحات

يلخص موقع "محشڤاه- نظرة إلى الساحة العامة" تناول وسائل الإعلام العبرية للأزمة السياسية الحالية ويشير إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذات التوجهات اليسارية والليبرالية أو الرافضة للتعديلات القضائية تطلق اسم "الانقلاب القضائي" أو "الانقلاب على نظام الحكم" على التعديلات القضائية، وتقدم رسائل إعلامية سلبية تجاهها من ناحية المس بالديمقراطية وبحقوق الإنسان، مقابل تغطية معتدلة أو إيجابية في وسائل الإعلام اليمينية التي تقدم رسائل للمتابعين حول "التوازن بين السلطات" و"المساواة في تمثيل المكونات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي" و"حقوق الفرد". وتركز وسائل الإعلام المعارضة للتعديلات القضائية على التبعات السلبية لها، مثل ربطها بـ"الهاوية" أو "الكارثة"، و"الحرب الأهلية"، و"فقدان الدولة"، وغيرها.

وحسب الموقع نفسه فإن المعارضة الإعلامية تحاول أن تظهر أن بعض مكونات المجتمع الرافضة للتعديلات القضائية، تمثل المجتمع الإسرائيلي كله، عبر تضخيم آرائهم وتقزيم الرأي المؤيد للتعديلات القضائية، والتشكيك فيه، ونزع الشرعية عنه، عبر التركيز على التصريحات التي تحذر من "الانقسام" و"المس بالدولة" مثل "المقاطعة" أو "التمرد" أو "تحويل الأموال إلى الخارج" أو "الكارثة الاقتصادية" وغيرها. وتهدف عبر ذلك إلى خلق صورة للمجتمع الإسرائيلي باعتباره موحدا في رفض التعديلات القضائية، ويعبر عن ذلك من خلال العمل الجماعي والمشترك والجوهري. كما تعمل التغطية الإخبارية المعارضة على تلطيف ومنح شرعية للأنشطة التي تعبر عن العصيان المدني ووضعها في إطار صهيوني عبر استخدام الأعلام الإسرائيلية وصورة قادة إسرائيليين سابقين وغيرها.

بالمقابل فإن وسائل الإعلام اليمينية والمؤيدة لخطة التعديلات القضائية تعتمد تكتيكات معاكسة وتركز على الرد على ما تقدمه وسائل الإعلام المعارضة، مثل القول "إنه في العقود السابقة كانت وجهة النظر المهيمنة في المحكمة العليا هي وجهة النظر الليبرالية المتضامنة مع أحزاب اليسار التي تقلص حضورها بشكل كبير في مواجهة وجهات النظر التي تركز على اليهودية والصهيونية وإرث الشعب الإسرائيلي".

ويشير الموقع إلى أن وسائل الإعلام العبرية المؤيدة للائتلاف الحكومي تتجنب الحديث - كما يفترض أن تفعل- عما قد يحدث في المستقبل في حالة سيطرة السلطة التنفيذية - الحكومة- على لجنة اختيار القضاة. 

 

"الكذب سيّد الموقف"!

في صحيفة "مكور ريشون" (يمينية) يتناول حجاي سيغل لجوء وسائل الإعلام العبرية من طرفي الأزمة إلى الكذب من أجل دعم مواقفها. ويذكّر سيغل بالثمن الذي دفعته قناة "فوكس نيوز" الأميركية بسبب ترديدها أخبارا كاذبة حول ادعاءات دونالد ترامب بشأن تزوير نتائج الانتخابات الأميركية، قائلا إن ذلك قد يفتح فرصة لرفع دعاوى قضائية مماثلة في إسرائيل. ويرى سيغل أنه إذا ناقشت محكمة عادلة التغطية الصحافية للتعديلات القضائية، فقد تحكم بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية هي من ضلل الجمهور.

يشير سيغل إلى رغبة اليسار في إسرائيل في إمكانية تكرار التجربة الأميركية ضد وسائل الإعلام اليمينية. بالمقابل يقول سيغل إن "روبرت مردوك (مالك قناة فوكس نيوز) دفع الملايين بسبب الأكاذيب التي بثتها القناة، أما نتنياهو وأبواقه فيحرضون حتى الآن بالمجان... وفي اليسار يحلمون برفع دعوى قضائية ضد قناة 14 المؤيدة لنتنياهو تكبدها مئات ملايين الدولارات وتقضي عليها".

ويقارن سيغل بين مبالغة وسائل الإعلام العبرية في أعداد المتظاهرين من المعارضة ومن مؤيدي الائتلاف الحكومي. ويدعو إلى تقليص عدد المشاركين في التظاهرات إلى النصف على الأقل حتى تكون الأرقام واقعية.

بالمقابل يتحامل سيغل على وسائل الإعلام المعارضة ويقول إنها تستخدم مصطلحين مضللين وخطيرين وهما "انقلاب على نظام الحكم" و"ديكتاتورية"، ويرى أن هذين المصطلحين خطيران لأنهما يحملان تحريضا في دلالتهما. فكلمة "انقلاب" تحمل دلالات إلى غايات عنيفة وقمعية وفتاكة. ويدرج سيغل عددا من عناوين صحيفة "هآرتس" التي استخدمت فيها كلمة "انقلاب" في إشارة إلى التعديلات القضائية. ويناقش سيغل، بشكل يكشف عن مسعاه للدفاع عن "التعديلات القضائية" وحكومة نتنياهو، بالقول إن هناك انطباعا مضللا تخلقه وسائل الإعلام المعارضة لدى المسؤولين الأجانب الذين يطلعون بشكل مكثف على ما يرد فيها بأن "إسرائيل محكومة بالفعل من قبل ديكتاتور قاس، يكمم الأفواه، بعد أن استولى على السلطة بالقوة". 

 

هيئة البث الإسرائيلية متهمة بالانحياز للمعارضة

تقع هيئة البث الإسرائيلية (التي تضم قنوات تلفزيونية مثل قناة "كان 11" بالعبرية وقناة "مكان 33" بالعربية، وإذاعات مثل "ريشت بيت" (صوت إسرائيل) بالعبرية، وراديو "مكان" (صوت إسرائيل) بالعربية، وعدد من الإذاعات الأخرى متعددة التخصصات واللغات، وموقعا الكترونيا وتطبيقا على الهواتف الذكية) يعتبرها الكثيرون الهيئة الرسمية، لكنها في التصنيفات الإعلامية تقع في إطار الإعلام العمومي، والفرق بين الإعلام الرسمي والإعلام العمومي أن الأول موجه لخدمة النظام الحاكم ويمثل وجهة نظره الرسمية فقط رغم أنه ممول من جيب المواطن دافع الضرائب، وعادة ما يكون في الأنظمة غير الديمقراطية، أما الإعلام العمومي فهو ممول أيضا من دافعي الضرائب، لكنه يعمل باستقلالية عمن يحكم، ويفترض أن يكون رقيبا لصالح المواطن على السلطات الثلاث، ويكون ذلك في الأنظمة الديمقراطية، مثل BBC البريطانية.

في رسالة بعث بها وزير الاتصالات في حكومة نتنياهو شلومو كرعي (ليكود) إلى مجلس هيئة البث الإسرائيلية، اتهم الهيئة بانتهاك تعليمات قانون البث العام في طريقة تغطيتها لـ"الإصلاحات القضائية". ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن كرعي إشارته في الرسالة إلى عدة أمثلة لهذه التغطية التي "انتهكت من خلالها الهيئة بشكل فج واجبها حسب القانون، ومست بمصالح الجمهور الذي تدعي أنها تبث باسمه".

وطلب كرعي من مجلس هيئة البث الإسرائيلية "القيام بواجبها واستخدام الموارد العامة التي منحت لها لخدمة كافة السكان، وبشكل يعكس تعدد الآراء في الجمهور الإسرائيلي".

لكن اتحاد الصحافيين والصحافيات ومنظمة العاملين في وسائل الإعلام الإسرائيلية سارعا إلى الرد على كرعي بالقول: "لقد اختلط الأمر على وزير الاتصالات شلومو كرعي فظن أنه هو رئيس تحرير هيئة البث الإسرائيلية. بحسب القانون فإن الوحيد المصرح له أن يكون رئيس التحرير والمسؤول عن المحتوى هو نائب مدير عام قسم الأخبار في الهيئة، ومن الجيد أن الأمر كذلك (...) إننا ندعو الوزير كرعي لأن يرفع يديه عن الهيئة، وأن يتوقف عن التهديد والتضييق على العاملين فيها وعلى مضامينها الراقية، وأن يبدأ بالعمل على مواجهة التحديات المهمة التي تنتظره في مكتبه".

معظم وسائل الإعلام تركز على سلبيات "التعديلات القضائية"

عند البحث في التقارير التي تتناول التعديلات القضائية وتأثيراتها على الإسرائيليين، نجد أن معظم وسائل الإعلام العبرية وتحديدا قنوات 11 و12 و13، وصحف "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت" و"معاريف" ومواقعها الإلكترونية وملاحقها الاقتصادية، وموقع "واللا" الإلكتروني، تميل في تغطيتها الإخبارية بشكل واضح إلى معارضي خطة التعديلات القضائية. بل إن صحيفة "يسرائيل هيوم" التي يفترض أنها مقربة من اليمين، عند البحث عن كلمتي "الإصلاحات القضائية" باللغة العبرية في موقعها، فإن معظم العناوين التي تظهر في قسم الأخبار تشي بأن هناك موقفا يميل بشكل ما إلى معارضة خطة التعديلات القضائية. الأمر يختلف في وسائل الإعلام عندما يتعلق الأمر بمقالات الرأي، إذ يتاح المجال لتناول المواقف المتباينة فتجد دان مرغليت يكتب في "يسرائيل هيوم" مقالا يقول فيه "إن الصراع في إسرائيل واضح... إما انقلاب قضائي أو ديمقراطية"، وإلى جانبه تجد مقالا لأريئيل بولشتاين يرحب فيه بتصويت الكنيست بالقراءة الأولى على الغاء قانون "المعقولية"، ويعتبر هذا القرار "مباركا" لأنه سحب من "النخبة اليسارية أداتها في فرض نفسها في النظام القضائي". ولكن بولشتاين يذهب أيضا إلى اتهام وسائل إعلام منحازة للمعارضة بتضخيم تظاهراتها في محاولاتها لتجنب الهزيمة في مواجهة مساعي الائتلاف للمضي قدما في شطب قانون المعقولية بشكل نهائي. كما يستخدم بولشتاين مصطلح "هندسة وعي الجمهور" في وصفه لطريقة تغطية وسائل الإعلام لجهود المعارضة ضد التعديلات القضائية.

بالمقابل نجد في قناة 14 اليمينية انحيازا واضحا ونبشا ضد المعارضة، ودفعا في اتجاه إقرار خطة التعديلات القضائية بشكل واسع، وعدم الاكتفاء بتحقيقها جزئيا. ويمكن رؤية ذلك من خلال البحث في عناوين التقارير والأخبار التي تضمنت كلمة "إصلاح" باللغة العبرية.

وعند مقارنة تغطية القناة 14 الخبرية بوسائل الإعلام المعارضة، نجد أن القناة المؤيدة لنتنياهو ولليمين تقدم الموقف السياسي بشكل قد يتخطى المهنية الصحافية في الصياغة الخبرية، فمثلا في خبر يتناول تجمع محتجين "يساريين" أمام مطعم كان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يتناول العشاء فيه مع زوجته، كانت الكلمات الأولى في نص الخبر "وصمة عار: متظاهرون يساريون اكتشفوا أن وزير الأمن القومي يتناول الطعام مع زوجته في مطعم في جبال القدس وتجمعوا في المكان....". واستخدام كلمة "وصمة عار" في بداية خبر مؤشر على موقف مباشر ويتناقض مع أبسط الأسس القائمة عليها الصياغة الخبرية. وقد يصلح ذلك في إطار مقالات الرأي فقط.

كما يحمل نص الخبر صيغة تشفٍ بمتظاهري اليسار بعد دفاع بعض الموجودين اليمينيين في المطعم عن بن غفير وتصديهم لمتظاهري المعارضة، وهذا أيضا لا يليق بالمهنية الصحافية عندما يتعلق الأمر بالصياغة الخبرية، فالمطلوب هو تغطية الحدث كما حدث، من دون تضمين الموقف الشخصي أو الانحياز لجهة فيه.

 

اعتداءات واعتقال صحافيين

في أكثر من مناسبة تعرضت طواقم صحافية إسرائيلية لاعتداءات من قبل متظاهرين خاصة من مؤيدي الائتلاف الحكومي، وخلال إحدى التغطيات من استوديو ميداني للقناة 13 هاجم متظاهرون يمينيون الموقع وطردوا المراسلين الصحافيين وحطموا الأثاث والإضاءة. وعادة ما تشهد تظاهرات اليمين تحاملا على وسائل الإعلام المعارضة، في المقابل تعرض طاقم يعمل مع قناة 14 المؤيدة للحكومة لمضايقات من قبل متظاهرين معارضين، كما ذكرت صحيفة "هآرتس".

وخلال الأسبوع الماضي تمّ رصد إقدام الشرطة الإسرائيلية نفسها على اعتقال مصورين صحافيين واستخدام القوة ضدهم خلال تغطيتهم تظاهرة للمعارضة، ورغم إبلاغ الشرطة أنهم صحافيون. وقالت صحيفة "هآرتس" إن مصورها رامي شلوش تعرض للضرب والاحتجاز في حيفا رغم إبلاغه الشرطة أنه صحافي وإظهاره بطاقته الصحافية لهم وكان يحمل كاميرته معه، وقام عناصر من حرس الحدود بجره وأوقعوه أرضا واحتجزوه لعدة دقائق قبل إطلاق سراحه.

من ناحيتها أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن مصورها غيل نحوشتان تعرض للاعتقال في حيفا أيضا خلال تغطيه تظاهرة المعارضة ذاتها.

وحسب "اتحاد الصحافيين الإسرائيليين في القدس" فإنه خلال الشهرين الأخيرين تم رصد "استخدام العنف عشرات المرات ضد صحافيين وعاملين في وسائل الإعلام خاصة خلال تغطيتهم للاحتجاجات". ودعا الاتحاد الشرطة الإسرائيلية إلى حماية حرية عمل الطواقم الصحافية والطواقم الميدانية وضمان عدم استخدام العنف ضدهم. 

في المجمل، من الواضح أن تبعات الخلاف على "التعديلات القضائية" تجاوزت المستويات السياسية ووصلت غرف التحرير، والواضح أن الكثير من الصحافيين الإسرائيليين الذين يدركون أهمية دور القضاء وبقائه خارج الجدل السياسي، وبغض النظر عن قناعاتهم السياسية، يتخذون موقفا معارضا لخطة اليمين في إضعاف النظام القضائي، رغم ذلك من الملحوظ أن وسائل الإعلام الإسرائيلية المعارضة أكثر انضباطا والتزاما بالمهنية وباستضافة متحدثين من كافة التيارات السياسية الإسرائيلية، في مقابل الإعلام اليميني الذي يعتبر دعم حكومة نتنياهو واجبا قوميا، ويخلط بين الموقف الشخصي (المقال) والخبر الصحافي لصالح فكرة الانحياز على حساب المهنية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات