المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مع اقتراب تشكيل الائتلاف الحكومي اليميني الجديد في إسرائيل، تم توقيع اتفاق ائتلافي بين حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو وقائمة الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش. لطالما كانت بنود البرنامج الانتخابي لقائمة الصهيونية الدينية بنوداً صعبة التطبيق، ومغالية في تطرفها لأنها تشمل تفكيك الإدارة المدنية، والمطالبة بضم فعلي للضفة الغربية، ورفع عدد المستوطنين إلى مليون، وتسوية كل أراضي "ج" لصالح اليهود، وغيرها. اليوم، وبين ليلة وضحاها، أصبح سموتريتش الحاكم الفعلي للضفة الغربية المحتلة والمسؤول المباشر عن تعيين المنسق، ورئيس الإدارة المدنية، وصاحب الصلاحيات الواسعة في تحديد المصير القانوني للأراضي، والمسؤول عن استقدام مستوطنين جدد. تستعرض هذه المقالة البرنامج الانتخابي وجدول أعمال قائمة الصهيونية الدينية، وتقارنها ببنود الاتفاق الائتلافي، لتلقي الضوء على مستقبل الضفة الغربية خلال فترة ولاية الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

من يمثل بتسلئيل سموتريتش؟

نشر مركز مدار العديد من المقالات والكتيبات وحلقات البودكاست حول الصهيونية الدينية وتحولاتها، خصوصا بعد العام 1967. وفي إحصاء جرى العام 2017، صنف نحو 29 بالمئة من الإسرائيليين أنفسهم كمنتميين إلى تيار الصهيونية الدينية، وهو التيار الذي يجمع بين الهوية الصهيونية القومية (بناء دولة قومية لليهود في فلسطين) والهوية التوراتية (الاستيطان هو فريضة دينية). على العكس من الصهيونيين العلمانيين الذين أقاموا الدولة (1948)، واحتلوا الضفة الغربية (1967) والذين يعتبرون احتلال الضفة الغربية "ضرورة أمنية"، أو مسألة يمكن أن تخضع لحسابات سياسية ودبلوماسية، فإن الصهيونية الدينية تنظر إلى الاستيطان في الضفة الغربية والقدس كفريضة دينية ومهمة إلهية من شأنها أن تعجل الخلاص المنتظر. داخل الصهيونية الدينية ثمة العديد من التيارات، منها الصهيونية الدينية الليبرالية "المتفتحة" (مثل نفتالي بينيت)، والصهيونية الدينية التي لا ترى أنها مضطرة إلى تشكيل حزب سياسي (مثل غالبية الصهيونيين الدينيين الموزعين على أحزاب أخرى مثل الليكود، يوجد مستقبل، أزرق أبيض، أمل جديد، وغيرها). لكن التيار الأكثر تشددا داخل الصهيونية الدينية هو التيار الحردلي الذي يمثله سموتريتش. دينياً، يعتبر الحردليون من المتزمتين والمتشددين في تطبيق تعاليم الدين اليهودي لدرجة أن المرجعية الوحيدة لحياتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية هي التوراة. سياسياً، يؤمن الحردليون بفكرة السيادة اليهودية على أرض إسرائيل الكاملة وضرورة المشاركة الفاعلة في مؤسسات الدولة والجيش بهدف المحافظة على هذه السيادة كشعيرة دينية، على أن التخلي عن أداء هذه الشعيرة، حسب الحردلية، قد يؤول إلى عقاب إلهي. أما ثقافيا، فهم أقرب إلى السلفية في محاكاتهم لحياة اليهود القدماء بحيث أنهم يفضلون الانغلاق الثقافي الذي يجنبهم "إثم" الاختلاط والتأثر بالحياة الإسرائيلية ذات الطابع الأوروبي الحداثي، وبالتالي هم يرفضون الانفتاح على القيم الليبرالية، كالمساواة واحترام التعددية والمفهوم الحديث للديمقراطية. وللتيار الحردلي (الذي تتركز قاعدته الجماهيرية في مستوطنات الضفة الغربية والقدس بشكل أساس) تبعات غاية في الأهمية سواء على الحياة السياسية داخل إسرائيل (من حيث تقبل الحردليين لقيم المساواة واحترامهم لقواعد اللعبة الديمقراطية وتداول السلطات مع إسرائيليين "غير متدينين")، أو على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني (من حيث رفضهم العقائدي لدولة فلسطينية، وموقفهم من أراضي الضفة الغربية التي تعتبر أراضي توراتية يحرم التنازل عنها). 

ماذا تطلب الصهيونية الدينية (البرنامج السياسي) وما الذي حصلت عليه (الاتفاق الائتلافي)؟

البرنامج السياسي لحزب الاتحاد القومي- تكوما، والذي يقوده سموتريتش، جاء تحت العنوان الآتي: "الاستيطان والسيادة في الجليل والنقب ويهودا والسامرة". ينطلق البرنامج السياسي من التوراة، ويوضح بأن "أرض إسرائيل تتبع لشعب إسرائيل حسب توراة إسرائيل- هذه هي قناعتنا وهذا هو طموحنا". وعليه، فإن تركيز حزب سموتريتش على أراضي الضفة الغربية والقدس منقسم إلى قسمين: 1) الوصول إلى سيادة أكثر على أراضي الضفة الغربية، 2) تسوية أوضاع المشروع الاستيطاني. 

  • الوصول إلى سيادة أكثر

البرنامج السياسي الحردلي هو برنامج منزوع من السياق التاريخي لبدء الاحتلال، ويأخذ اتفاق أوسلو كنقطة بداية ليقرر بأن أراضي "ج" (التي تشكل نحو 60-61% من أراضي الضفة الغربية) ما تزال تحت الحكم العسكري. وهذه الأراضي تضم نحو 480 ألف مستوطن بالإضافة إلى 120 ألف فلسطيني. حسب البرنامج السياسي، ليس هناك أي سبب مقنع لوضع نصف مليون إسرائيلي تحت حكم عسكري، حتى لو عاشت بينهم "أقلية" فلسطينية. وعليه، يدعو البرنامج إلى تفكيك الإدارة المدنية بشكل تدريجي لكن سريع (خلال عام أو عامين) ووضع المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في مناطق "ج" تحت صلاحيات الحكومة الإسرائيلية. هذا يعتبر ضما قانونيا وإداريا لأوضاع المستوطنين ومساواتهم بالإسرائيليين الآخرين. فحسب البرنامج، "يتساوى المستوطنون في الضفة الغربية مع الإسرائيليين من حيث الواجبات، لكنهم غير متساوين من حيث الحقوق"- وهذا ما يجب أن يوضع له حد على الفور. 

إضافة إلى ذلك، نص البرنامج السياسي ليس فقط على "فعل الخير" (أي بناء مستوطنات جديدة) وإنما يجب على "الخير" أن يكون مقرونا بـ "درء الشر" (أي محاربة الاعتداء الفلسطيني على أرض توراة إسرائيل- أي الضفة الغربية). وعليه، فجزء أساس من السيادة الإسرائيلية يكمن في "وجوب الرد الإسرائيلي الفعال على السيطرة الفلسطينية الممأسسة والممولة للسيطرة على الأراضي المفتوحة في المناطق ج، وهي سيطرة تهدف إلى فرض إقامة دولة فلسطينية بالقوة من خلال خلق حقائق على الأرض وفق خطة وضعها سلام فياض سابقا". 

على ماذا تم الاتفاق؟

فقط وكالة أنباء واحدة، هي "القناة السابعة" التابعة للصهيونية الدينية، هي من ادعى أن نتنياهو وسموتريتش اتفقا على تفكيك الإدارة المدنية حتى العام 2024. باقي وكالات الأنباء لم تورد الخبر. وعليه، ربما من الواقعي أن نهتم أكثر ببنود الاتفاق بين الليكود والصهيونية الدينية والتي تنص على ما يلي: 1) سن قانون جديد يسمح بوجود وزير ثان داخل أي وزارة، على أن تكون له صلاحيات محددة يتم سحبها من الوزير الأول، ومنحها للوزير الثاني داخل الوزارة نفسها، على أن يكون الثاني ذا صلاحيات واسعة في المهام الموكلة إليه ويظل في الوقت نفسه تابعا للوزير الأول (بند 21.1 من الاتفاق). 2) وعليه، يتم استحداث منصب وزير ثان داخل وزارة الدفاع الإسرائيلية وهذا الوزير الثاني لديه صلاحيات كاملة في مجال عمل وحدة تنسيق أعمال الحكومة (أي المنسق) بالإضافة إلى الإدارة المدنية، بما يشمل تعيين مسؤولي هاتين الوحدتين (بند 6.4 وبند 21 من الاتفاق). ويتم أيضا خلق نحو 23 وظيفة جديدة داخل وحدة المستشار السياسي لشؤون الضفة الغربية داخل وزارة الدفاع لتنسيق العمل، على ما يبدو، بين الجيش والصهيونية الدينية. 

بالطبع، فإن الإدارة المدنية تحديدا مسؤولة عن العديد من القضايا المتعلقة بتوسيع الاستيطان، التخطيط لتنظيم وتسوية أراضي "ج"، البنى التحتية، وغيرها. وكل هذه الأمور ستكون تحت إدارة الصهيونية الدينية. مثلا، صلاحيات إصدار تصاريح بناء ستكون تحت مسؤولية الوزير الجديد، وبالتالي هذا يلغي الحاجة إلى قرار حكومي بشأن إقامة المستوطنات جديدة أو تخصيص مناطق للبناء. 

  • الوصول إلى سيادة يشمل أيضا تسوية الأراضي (الطابو)

حسب البرنامج السياسي، فإن وحدة الاستيطان التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية لديها صلاحيات في تطوير الاستيطان، واخذ أراضي "دولة" وتأجيرها لعقود طويلة قد تصل إلى نحو 49 عاما، على أن يتم التأجير لصالح المشروع الاستيطاني اليهودي. لكن، كما هو معلوم، فإن الأغلبية العظمى من أراضي منطقة "ج" تعتبر تسوية غير منتهية، بمعنى أنها ما تزال موضع خلاف قانوني فيما يتعلق بحقوق الملكية. وعليه، يطالب البرنامج السياسي بتسوية هذه الأراضي لصالح المستوطنين. وتعتبر هذه من أهم النقاط، وأكثرها حساسية. فالخلاف الذي ظهر مؤخرا فيما يتعلق بمستوطنة جبل صبيح، بالقرب من بيتا، بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين لا يكمن فيما إذا كان يحق للمستوطنين البناء أو لا، وإنما هو خلاف قانوني حول وضعية أراضي الجبل. وبعد أشهر من قيام الجيش بإخلاء المستوطنة، قام بيني غانتس، باعتباره وزير الدفاع، بالإعلان عن أن فحصا معمقا أثبت أن قسما كبيرا من الأرض يعتبر أراضي دولة، وليس أراضي خاصة، وبالتالي يحق للجيش الآن منحها للاستيطان اليهودي. إن نقل صلاحيات التقرير بخصوص طبيعة الأراضي من وزير الدفاع نفسه إلى وزير جديد يتبع للصهيونية الدينية من شأنه أن يحول مناطق شاسعة (قد تفوق في نسبتها كل ما تم مصادرته منذ العام 1967 وحتى اليوم) إلى مناطق صالحة قانونيا للاستيطان، وبالتالي إنهاء المنازعات القانونية على تصنيف الأراضي. 

على ماذا تم الاتفاق؟

أحد أهم البنود التي لا بد من الالتفات إليها هي خلق وزارة جديدة اسمها وزارة "المهمات القومية"، ومنحها إلى وزير من الصهيونية الدينية. ينص البند 17 من الاتفاق على أن ممثلا عن وزارة المهمات القومية سيكون عضوا في مجلس أراضي إسرائيل، واللجان الموازية التي تتعلق بالتخطيط والبناء في الأراضي "ذات الأولوية القومية". كما أن القضايا المتعلقة بالأراضي والمحالة إلى "محكمة العدل العليا" تتطلب ردا من الدولة للنظر فيها أمام المحكمة. في البند 21.4 من الاتفاق، فإن الصهيونية الدينية هي التي ستكوّن هذا الرد، الأمر الذي يمنحها اليد العليا في صياغة قرارات المحكمة بشكل غير مباشر.

  • تسوية أوضاع "البؤر الاستيطانية"

البرنامج السياسي يرفض استخدام كلمة "بؤرة" لما قد تحمله من دلالات سلبية. في المقابل، يصر البرنامج على استخدام كلمة "الاستيطان الفتي أو الصغير" للدلالة على نحو 70 بؤرة استيطانية تمت إقامتها بدون إذن الحكومات الإسرائيلية، ويقطن فيها نحو 3000 عائلة أو 25 ألف مستوطن. يدعو البرنامج إلى شرعتنها، وبالتالي دفع الدولة إلى تزويدها بكل البنى التحتية اللازمة. 

على ماذا تم الاتفاق؟

من بنود الاتفاق التي تم ذكرها أعلاه، ستتمكن الصهيونية الدينية من تسوية أوضاع هذه المستوطنات. بالطبع، أحد أهم الخلافات القانونية السابقة في الحكومات الراحلة كانت تتعلق بـ "قانون التسويات"، والذي كان يدعو إلى تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية قبل أن يتم تأجيل هذه القانون لخلافات قانونية. 

  • الوصول إلى مليون مستوطن في الضفة الغربية

 إن أحد أهم مطالب المستوطنين، والذي يتردّد عادة على لسان رئيس مجلس المستوطنات، بالإضافة إلى قادة المستوطنين، هو إيصال عدد المستوطنين إلى مليون. حسب المفهوم الفلسطيني، هناك نحو 680 ألف مستوطن (بما يشمل القدس الشرقية التي تعتبر محتلة). حسب المفهوم الإسرائيلي، فإن عدد المستوطنين هو فقط 480 ألفا، إذ إن مستوطني القدس ليسوا بمستوطنين بعد قرار ضم المدينة في العام 1967. 

على ماذا تم الاتفاق؟

من غير الواضح كيف ستتم ترجمة هذه المهمة. لكن الصهيونية الدينية ترى أن تسوية أوضاع الأراضي، وتوفير منح مالية وإعفاءات مغرية، قد يشكل عامل جذب للعديد من المستوطنين الشبان. الأهم، هو أن وزارة الهجرة والاستيعاب، وهي الوزارة المسؤولة عن استقدام مهاجرين جدد، ستكون من صلاحيات الصهيونية الدينية. هذا قد يعني أن الصهيونية الدينية، بالتنسيق مع مجلس المستوطنات، قد تكون قادرة على انتقاء طبيعة المستوطنين الذين ستستوعبهم، بالإضافة إلى القدرة على توزيعهم في المناطق المرغوبة (أي الضفة الغربية) بما يتناسب مع المشروع الاستيطاني. 

الخلاصة

يمكن الادعاء، وإن كان بشكل مجازي، بأن هناك حكومتين ستقومان في إسرائيل: حكومة يترأسها نتنياهو تكون مسؤولة عن كل الإسرائيليين، وحكومة أخرى يترأسها سموتريتش تكون مسؤولة عن الضفة الغربية في ما يخص أوضاع الأراضي، الاستيطان، البنى التحتية، العلاقة مع الفلسطينيين وغيرها. بدون أدنى شك، فإن أوضاع الضفة الغربية، وتحديدا الأراضي "ج"، يتمر بتغييرات جوهرية، جزء كبير منها قد لا يمكن إعادته للوراء بشكل سهل. 

وبغض النظر عن تطرف الصهيونية الدينية، إلا أنها أيضا ترى أن فرض السيادة الإسرائيلية والشروع بضم فعلي للضفة الغربية يجب أن يكون تدريجياً نظراً للظروف الدولية. لكنها أيضا تصر على أن التدريجية يجب أن تنطوي على خطوات حقيقية؛ بمعنى ليس فقط زيادة كمية لعدد المستوطنات، وإنما قفزات نوعية في طبيعة الاستيطان، قانونيته ومداه. 

أخيرا، من غير المعروف كيف تتعامل الصهيونية الدينية مع مفهوم "الدولة الفلسطينية"، أو السلطة الفلسطينية، إذ أن الصهيونية الدينية ستكون أيضا مسؤولة عن التنسيق الأمني والمدني، والعلاقات الاقتصادية بين الضفة الغربية وإسرائيل. فكل ما يتعلق بالاقتصاد الفلسطيني هو من مسؤولية مدير عام وزارة المالية الإسرائيلية، وهي الوزارة التي سيترأسها سموتريتش نفسه مدة عامين قبل أن يبدل الأدوار مع وزير الأمن الداخلي. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات