المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الأحزاب الدينية في إسرائيل: زيادة متسارعة ترفدها تغيرات ديمغرافية.  (أ.ف.ب)

يواصل المكلّف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، رئيس الليكود بنيامين نتنياهو، مسعاه لإنجاز المهمة، رغم أنه كان يطمح لعرض الحكومة على الهيئة العامة للكنيست للحصول على الثقة في الأسبوع الماضي، إلا أن تمترس بعض الشركاء في مواقفهم بشأن توزيع الحقائب المركزية يؤخر عرض الحكومة. من ناحية أخرى، أظهر بحث في تفاصيل نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، أجريناه لهذه المقالة، أن 30% من اليهود صوتوا للقوائم الدينية من التيارين الصهيوني والمتزمت (الحريديم)، مقابل 22 بالمئة قبل عامين، كما دلّ الفحص على أنه من حيث كم الأصوات لهذه القوائم ارتفع بنسبة 45% خلال عامين.

كل احتمالات موعد تشكيل الحكومة قائمة، ابتداء من يوم نشر هذه المقالة، وحتى نهاية الفترة الأولى للتكليف التي تستمر حتى يوم 11 كانون الأول المقبل، علما أن القانون يجيز تمديد أسبوعين للمكلف الأول بتشكيل الحكومة، وفي كل الأحوال، من الصعب جدا رؤية عدم تشكيل الحكومة برئاسة نتنياهو، قائمة على ذات القاعدة الحزبية المعروفة، والتمسك بالليكود ورئيسه كخيار وحيد.

ما واضح منذ الآن، أن تحالف "الصهيونية الدينية"، الذي حصل على 14 مقعدا، انشق إلى ثلاث كتل، بموجب اتفاقية التحالف المبرمة، وأول الأحزاب التي انشقت، حزب "نوعام"، ويتمثل بنائب واحد، و"نوعام" هو الحزب الأشد تطرفا من بين المتطرفين، فهو كما حزب ""قوة يهودية"، منبثق عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة في إسرائيل صوريا، وفي دول عديدة في العالم.    

في نهاية الأسبوع، أعلن حزب "قوة يهودية"، بزعامة إيتمار بن غفير، وله 6 مقاعد، انفصاله عن كتلة "الصهيونية الدينية"، إلا أن الكتلتين ستكونان وحدة واحدة، في المفاوضات لتشكيل الحكومة، وتوزيع المناصب البرلمانية. وقرار بن غفير بأن يكون في المفاوضات وحدة واحدة مع "الصهيونية الدينية"، يقلل من احتمال ما طرحته أوساط في كتلة الليكود، بأن يعرض نتنياهو حكومة أقلية على الكنيست، إلى حين حل الخلاف مع زعيم كتلة "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، الذي يصر على تولي حقيبة "الدفاع" (الأمن)، في حين أبلغه نتنياهو  نهائيا بأن هذه الحقيبة لحزبه، الليكود؛ خاصة وأنه حسب ما نشر في وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الإدارة الأميركية تتحفظ، الى درجة الرفض، من تولي سموتريتش حقيبة الدفاع، وهذا التحفظ يسري أيضا على تولي بن غفير حقيبة الأمن الداخلي، إلا أن هذه الحقيبة بات متفقا عليها لبن غفير. 

في ظل الخلاف بين الليكود وزعيم "الصهيونية الدينية"، ظهرت في الأجواء السياسية والإعلامية أنباء تقول إن هناك حوارا بين الليكود وقادة كتلة "المعسكر الرسمي"، وخاصة بيني غانتس، وحتى هناك من تحدث عن اتصالات مع حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، لكن محادثات كهذه، وإن وجدت، لن تفضي لشيء، وإنما هي مجرد مناورات حزبية للضغط على شركاء الليكود ونتنياهو الفوريين.

وبالنسبة لحزب "يوجد مستقبل"، فإن كتلتي الحريديم سترفضان كليا أي شراكة معه، بسبب موقفه من مطالب الحريديم بشأن الاعفاء من الخدمة العسكرية لشبان الحريديم، وأيضا في قضايا مدنية؛ في حين أن في كتلة "المعسكر الرسمي" من يعارض الشراكة مع كتلتي "الصهيونية الدينية" "وقوة يهودية"، وخاصة إيتمار بن غفير، وبعض النواب يرفضون رئاسة نتنياهو للحكومة. 

الخلافات مؤشر لمستقبل الحكومة

الخلافات والتصلب في المواقف بين أطراف الحكومة المقبلة، حتى وإن رأيناها عابرة، إلا أنها مؤشر لمستقبل هذه الحكومة، التي من المتوقع أن تشهد بشكل دائم خلافات داخلية، رغم ما يبدو من انسجام سياسي بين الأطراف الأربعة. وهذا بسبب السقف العالي لكل واحدة من الكتل الشريكة لليكود.

كتلتا الحريديم، شاس ويهدوت هتوراة، تتركز مطالبهما في ميزانيات مؤسسات الحريديم الدينية والتعليمية، وعدم تغيير الوضع القائم بالنسبة لمنهاج التعليم في مدارس الحريديم، التي لا تتبع المنهاج الحكومي الرسمي، وتمنع دراسة مواضيع أساسية، مثل الرياضيات المتقدمة، وعلوم عصرية. كذلك فإن الكتلتين ستطالبان بعد سن القانون الذي من ناحية عملية يسحب صلاحية المحكمة العليا في إلغاء قوانين وقرارات حكومية، بإعادة العجلة إلى الوراء في كل ما يتعلق بخدمة الشبان الحريديم الإلزامية في الجيش الإسرائيلي.

أما بشأن القوانين ذات الطابع الديني، فيما يتعلق بقوانين الحلال المشددة، بحسب الشريعة اليهودية، وقوانين السبت والأعياد، ما يرتبط بحركة المواصلات والحركة التجارية، فإن كتلتي الحريديم ستجدان كتل "الصهيونية الدينية" و"قوة يهودية" و"نوعام"، وحتى نوابا من الليكود إلى جانبها.

سيكون سقف مطالب كتل "الصهيونية الدينية" و"قوة يهودية" و"نوعام" بشأن الاستيطان، وتسريع عملية تهويد القدس المحتلة، عالياً جداً، فعلى الرغم من أن هذه مطالب ليست بعيدة عن توجهات نتنياهو السياسية، إلا أن الأخير لا يريد خلق حالة استياء في الحلبة السياسية العالمية، على الرغم من اختلال موازين القوى عالمياً لصالح إسرائيل.

كذلك فإن "الصهيونية الدينية"، ومعها قطاع واسع من كتلة الليكود، سيطالبان بسن قوانين تفرض قيوداً أشد على حرية التعبير والعمل السياسي في إسرائيل، وقوانين أشد قمعا للفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1967.

حتى وإن بدا أن هناك توافقاً بين الأطراف حول عدد من المطالب السياسية والمجتمعية، فإن نتنياهو كرئيس حكومة سيجد نفسه في حالة فتح ساحات صدام مع قطاعات واسعة في الجمهور الإسرائيلي، مثل القوانين ذات الطابع الديني، والميزانيات الضخمة التي ستتدفق على مؤسسات الحريديم، واستمرار امتناعهم عن الخدمة العسكرية.

ارتفاع حاد في التصويت للأحزاب الدينية

دلت النتائج النهائية للانتخابات، التي تعدّلتنهائياً في الأسبوع الماضي بأعداد أصوات تُعد هامشية، على أن نسبة التصويت العامة في انتخابات الأول من تشرين الثاني الجاري للكنيست الـ 25، قد بلغت 70.63%، مقارنة بنسبة 67.4% في انتخابات آذار 2021 للكنيست الـ 24. 

وقد تحقق نصف هذه الزيادة في النسبة المئوية بارتفاع نسبة التصويت بين العرب من 43.5% في انتخابات العام 2021، إلى نسبة 55.5% في انتخابات الشهر الجاري. كما أن نسبة التصويت بين اليهود سجلت ارتفاعا آخر، وبلغت 73.4%، وهذا يعني أن 80% من اليهود الذين تواجدوا في البلاد يوم الانتخابات، مارسوا حق التصويت، مقابل نسبة 58.3% من العرب الذين تواجدوا في البلاد.

وقد زاد عدد الأصوات الصحيحة بين جولة الانتخابات الأخيرة، وتلك التي جرت في 2021 بنسبة 8%، وبلغ عدد الأصوات الزائدة 355 ألف صوت، من بينهم 126 ألف صوت عربي، زيادة عن انتخابات 2021، التي سجّلت حضيضا في نسبة تصويت العرب للكنيست، ما يعني أن نسبة الأصوات العربية من الزيادة الكلية 35%، رغم أن نسبتهم في سجل الناخبين هي 15.8%.

وقد دخل إلى الكنيست في ولايته الجديدة 28 نائبا جديدا وعاد إليه 3 نواب سابقون، وهذا خلافا للتوقعات بأن يكون عدد النواب الجدد أكبر، إلا أن الأحزاب حافظت على ترشيح غالبية النواب من الولاية السابقة، وحوالي 25% من النواب الجدد هم من كتلة "الصهيونية الدينية" التي ضاعفت عدد نوابها بحصولها على 14 مقعدا.

وما زال التمثيل النسائي في الكنيست متخلفا عن الوضع القائم في الدول المتطورة، وحتى في دول أقل تطورا، وبلغ عدد النساء 29 امرأة، ويشكلن نسبة 24% من أعضاء الكنيست الـ 120.

اللافت في نتائج الانتخابات الأخيرة أن الكتل الدينية، التي تمثل التيار الديني الصهيوني، والتيار الديني المتزمت، الحريديم، حصلت على 30% من أصوات اليهود، مقابل نسبة 27% في انتخابات العام 2021، ونسبة 22% في انتخابات العام 2020، بموجب فحص أجريناه في النتائج النهائية الكلية، وتشمل القوائم اليهودية التي لم تجتز نسبة الحسم.

وقد وجدنا في المقارنة أن حزب شاس للمتدينين اليهود المتزمتين، من الحريديم الشرقيين، زادت أصواته بنسبة 24.4% مقارنة مع الأصوات التي حصل عليها في العام 2021، وهذا أعلى بكثير من نسبة تكاثر الحريديم الطبيعي، خلال 19 شهرا بين جولتي الانتخابات (التكاثر الطبيعي لدى الحريديم حوالي 6%، وبمعدل 4% سنويا). في حين أن تحالف يهدوت هتوراة للمتدينين المتزمتين، من الحريديم الغربيين (الأشكناز)، زادت أصواته بنسبة 12.8%، وهذا أيضا أعلى من نسبة التكاثر الطبيعي لهذا الجمهور التي هي أعلى مما لدى الحريديم الشرقيين. 

أما لدى التيار الديني الصهيوني، الذي خاض الانتخابات بقائمتين، "الصهيونية الدينية" وحصلت على 14 مقعدا، مقابل 6 مقاعد في انتخابات 2021، وقائمة "البيت اليهودي" التي لم تجتز نسبة الحسم، وحصلت على 1.2% من الأصوات، وكانت عمليا حلة جديدة- قديمة لحزب "يمينا" المنحل، وترأستها أييلت شاكيد، فقد زاد عدد أصوات القائمتين مجتمعة بنسبة 14.8%، وهذا أيضا أعلى من نسبة التكاثر لدى هذا الجمهور خلال 19 شهرا، بنسبة تقديرية 4.5%، وبمعدل 3% سنويا.

وكل نسب الزيادة الكبيرة هذه، في الوقت التي ارتفع فيه عدد الأصوات الصحيحة لجميع القوائم مجتمعة، بما فيها تلك التي لم تجتز نسبة الحسم، بنسبة 8%، مقارنة بانتخابات آذار 2021.

في البحث عن مصادر هذه الزيادة العالية، وجدنا أن نسب التصويت العالية جدا، أصلا، لدى هذين الجمهورين ارتفعت بشكل طفيف، بعد احتساب الأصوات التي حصلت عليها هذه القوائم، من خارج أماكن سكن المصوتين. بقصد أن تعديلات الأنظمة التي تتيح التصويت خارج أماكن التصويت، ساهمت في ارتفاع هذا النمط من التصويت بشكل حاد في انتخابات 2021، وبقدر أكبر في الانتخابات الأخيرة، إذ أن أكثر من 9.6% ممن مارسوا حق التصويت صوتوا خارج أماكن سكناهم، كنسبة عامة. وحسب التقديرات، فإن 5% من العرب الذين مارسوا حق التصويت، صوتوا خارج أماكن سكناهم، مقابل 10% بين اليهود. 

والقصد هنا أنه خلافا لسنوات سابقة، فإن نسبة التصويت المسجلة في التجمعات السكانية، باتت تعطي توجها، ولكن ليست نسبة تصويت نهائية للساكنين في كل تجمع سكاني.

على هذا الأساس، في تقديرنا أن نسبة التصويت لدى جمهور الحريديم تراوحت ما بين 88% إلى 90%، بينما لدى جمهور التيار الديني الصهيوني تراوحت ما بين 84% إلى 86%، وإذا افترضنا أن من هذا الجمهور من هم في عداد المقيمين في الخارج بشكل دائم أو حتى المهاجرين (بنسبة أقل من العلمانيين) فإن هذا يعني أن أكثر من 92% من الأشخاص من هذين الجمهورين، الذين كانوا متواجدين في البلاد يوم الانتخابات، قد مارسوا حق التصويت، مقابل 76% من اليهود غير المتدينين.

مصادر الزيادة

بحسب التقديرات المختلفة، فإن نسبة الحريديم من بين إجمالي السكان باتت تلامس 14%، لكن من بين ذوي حق الاقتراع فإنهم أقل من 11%، بسبب ارتفاع نسبة من هم دون سن 18 عاما، بفعل نسبة التكاثر والولادات العالية جدا. وكذا بالنسبة لأتباع التيار الديني الصهيوني، الذين تقدر نسبتهم من إجمالي السكان في حدود 15%، ومن بين ذوي حق الاقتراع حوالي 13%. لكن نسبة التصويت العالية جدا لدى هذين الجمهورين تجعل نسبتهم من بين من مارسوا حق التصويت أعلى بشكل ملحوظ.

ونسبة التصويت العالية لدى المتدينين اليهود هي ظاهرة دائمة في كل جولة انتخابية، ولذا فإن مصدر الأصوات الزائدة في الانتخابات الأخيرة، وبهذه النسبة الكبيرة، متعددة الاتجاهات.

أحد المصادر اللافتة في الزيادة الحاصلة في التصويت للأحزاب الدينية، وخاصة في التيار الديني الصهيوني، بالإمكان رؤيته في التراجع الكبير في عدد أصوات حزب الليكود، بنحو 237 ألف صوت، مقارنة مع انتخابات الكنيست الـ 23 التي جرت في آذار 2020. والتراجع كان أكبر بنحو 48 ألف صوت، في انتخابات الكنيست الـ 24 في آذار 2021. 

قسم جدي وملحوظ من تراجع عدد أصوات الليكود يكمن في جمهور التيار الديني الصهيوني، الذي توغل فيه الليكود بشكل خاص في انتخابات العام 2015 للكنيست الـ 20، والجولات الثلاث التي جرت في العامين 2019 و2020. لكن بعد فحص خسارة أحزاب لعدد أصوات بين جولات الانتخابات، تبقى زيادة كبيرة لدى قوائم الأحزاب الدينية، وبالإمكان الاستنتاج، أولا بالنسبة لحزب شاس الذي سجّل أعلى نسبة زيادة، 24.4%، أن هذا الحزب عاد إلى قطاع مصوتين خسر حصة الأسد منه منذ انتخابات 2015، وهو جمهور اليهود الشرقيين، من خارج المتدينين منهم. 

في المقابل، فإن زيادة أصوات تحالف يهدوت هتوراة، لليهود الأشكناز، الأشد تزمتا دينيا في جمهور الحريديم، بنسبة 12.4%، من الصعب معرفة مصدرها، لكن حوالي نصفها تعود للزيادة الطبيعية لدى هذا الجمهور.

الشيء الواضح، أيضا خلال الحملة الانتخابية، أن قائمة "الصهيونية الدينية" التحالفية بين الحزب الذي يحمل ذات الاسم، وحزب "عوتسما يهوديت" بزعامة إيتمار بن غفير، وأيضا قائمة "البيت اليهودي" السابق ذكرها، برئاسة أييلت شاكيد، ولم تعبر نسبة الحسم، قد حصلتا على كم جدي من الأصوات من الجمهور اليميني الاستيطاني المتشدد العلماني.

يمكن القول إن هذه المعطيات والاستنتاجات من شأنها أن تكون مقدمة لفحص أكثر عمقا في التحولات السياسية والدينية في الشارع اليهودي الإسرائيلي، ومن الصعب التقدير كيف ستكون حال المستقبل؛ لكن ما هو معروف منذ الآن هو أن الأحزاب والتحالفات الدينية اليهودية تعتمد بشكل ثابت في زيادة قوتها السياسية والبرلمانية على النسبة العالية جدا في التكاثر الطبيعي، مقارنة مع نسبة التكاثر الطبيعي لدى الجمهور العلماني اليهودي، والتي تحوم حول 1.5%.  

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات