المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
كبح التضخم في إسرائيل: إجراءات غير مضمونة النتائج.  (يديعوت أحرونوت)

يشهد الاقتصاد الإسرائيلي حالة مضاربة بين نمو اقتصادي عال، ومداخيل ضرائب أعلى بـ 22% من المخطط، وبطالة رسمية متدنيّة، وفي المقابل، ارتفاع في التضخم المالي بوتيرة لم تشهدها السوق الإسرائيلية منذ 20 عاما، ليقرر بنك إسرائيل المركزي زيادة العبء برفع الفائدة البنكية، وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل سنوات كثيرة. وبهذا فإن النمو الاقتصادي واختفاء العجز من الموازنة العامة، يبقى عند خزينة الحكومة وكبار المستثمرين، والبنوك، في حين أن الشارع يعاني من غلاء فاحش، إلا أن هذا لا ينعكس على نتائج الانتخابات البرلمانية، التي ستجري في الأول من تشرين الثاني المقبل، بحسب الاستطلاعات المكثفة التي تظهر تباعا.

وعلى مستوى تشكيل القوائم الانتخابية، تركزت الأنظار في الأيام الأخيرة على أقصى طرفي الأحزاب الصهيونية، لدى حزب ميرتس، الذي يُعَد إسرائيليا "أقصى اليسار الصهيوني"، ولدى الحزبين الأشد تطرفا لدى اليمين الاستيطاني، إذ أنهما أنهيا في نهاية الأسبوع حالة فك التحالف، بوساطة بنيامين نتنياهو، إلا أن المعسكر ما زال يواجه احتمال خسارة ما يوازي مقعدين متوقعين لقائمة أخرى برئاسة أييلت شاكيد، لا احتمال لها لاجتياز نسبة الحسم.

ففي حزب ميرتس، وكما كان متوقعا، فازت النائبة السابقة زهافا غالئون، برئاسة الحزب، بعد 4 سنوات من خسارتها هذا المنصب، إلا أن نتيجتها كانت أقل من التوقعات، بحصولها على 60% مقابل 40% لمنافسها، النائب يائير غولان، النائب الأسبق لرئيس هيئة أركان الجيش.

وتشير نتائج رئاسة الحزب، وقائمة المرشحين، إلى أنه في حزب ميرتس ما زالت هناك قواعد متينة معنية بإبقاء الحزب عند قواعده السياسية، التي اختلت كثيرا بمشاركة الحزب في الحكومة الحالية، وانخراط نواب الحزب ووزرائه في تشريعات عنصرية ومقيّدة للحريات، وبانسحاب كبير جدا في الموقف من احتلال العام 1967، إذ أن كتلة ميرتس دعمت قوانين عنصرية، أبرزها إعادة تشريع قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، على الرغم من أن الحزب عارضه على مدى 19 عاما، وكان من بين الملتمسين للمحكمة العليا ضده.

وعلى الرغم من أن انتخابات القائمة أعادت النواب الحاليين، فإن متصدري القائمة محسوبين على رئيسة الحزب غالئون، فيما تمّ دحر رئيس الحزب المستقيل، وزير الصحة نيتسان هوروفيتس، إلى المكان السابع في القائمة، وهو مكان يبقيه خارج الكنيست، فيما حلّ الجنرال احتياط يائير غولان، في المكان الخامس، في الوقت الذي تمنح استطلاعات الرأي ميرتس بين 4 إلى 5 مقاعد، ما يعني على حافة نسبة الحسم، في حين أن الحزب حصل في الانتخابات الأخيرة على 6 مقاعد.

وبتقديرات المراقبين، فإن عودة غالئون لرئاسة ميرتس ستعيد الحزب إلى خطاب أكثر وضوحا، وتلجم احتمال معاقبة الحزب لمشاركته في الحكومة الحالية، وعلى هذا الأساس فإنه على الأرجح أن ميرتس لن يكون في دائرة احتمال عدم اجتياز نسبة الحسم، حسب الوضع القائم حاليا.

وحلّ في المكان الثاني في قائمة المرشحين، بعد غالئون، حليفها النائب موشي راز، الذي من جهة يبدي مواقف متقدمة نسبياً بشأن الاحتلال، إلا أنه مع باقي زملائه في الكتلة الحالية، دعموا أشد القوانين والسياسات العنصرية، تليه في القائمة ميخال روزين، ثم علي صلالحة من قرية بيت جن، وهو نائب حالي ومعلم متقاعد.

ظهر موضوع احتمال تحالف ميرتس مع حزب العمل لوقت قصير، بتصريح من غالئون بأنها مستعدة لتحالف، وقصدت مع حزب العمل دون أن تذكره، لترد عليها رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي في المساء نفسه، ضمن تهنئتها لغالئون، بأنها "تتمنى لميرتس النجاح بقائمته المستقلة".

وفي نهاية الأسبوع، أطلق رئيس حزب "يوجد مستقبل"، رئيس الحكومة الانتقالية، يائير لبيد، دعوة لحزبي العمل وميرتس للتحالف معا، منعا لعدم اجتياز أحد الحزبين نسبة الحسم، وفقدان أصوات كثيرة في هذا المعسكر، فكان رد غالئون عليه في شبكات التواصل بأن أرسلت إليه رقم هاتف رئيسة حزب العمل ميخائيلي، في إشارة إلى أنها هي العنوان لهذا التوجه، وأن غالئون موافقة أصلا.

ولا يبدو أن هذا الموضوع سيظهر من جديد في الأسبوعين المقبلين، حتى تقديم القوائم الانتخابية للجنة الانتخابات المركزية، لأن تحالفا كهذا كان في انتخابات أيلول 2019 للكنيست الـ 22، وسجل فشلا ذريعا جدا، وخسر كل واحد من الحزبين من تمثيله البرلماني.

معسكر المستوطنين المتطرفين

الجانب الآخر الذي تركزت عليه الأنظار في الأيام الأخيرة، هو المعسكر الأشد تطرفا في معسكر اليمين الاستيطاني، إذ انتهت في نهاية الأسبوع الماضي، حالة الانشقاق التي استمرت شهرا، في تحالف "الصهيونية الدينية"، الذي يضم حزب "الصهيونية الدينية" بزعامة النائب المستوطن المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وحزب "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة النائب المستوطن المتطرف إيتمار بن غفير، من تلاميذ الحاخام مئير كهانا.

والتقى الاثنان  (سموتريتش وبن غفير)، في نهاية الأسبوع الماضي، في بيت بنيامين نتنياهو في مدينة قيساريا، وتم توقيع اتفاق يضمن 5 مقاعد للحزب الذي يقوده بن غفير، لكن بترتيب ليس منظما، كما طالب بن غفير من قبل، بحصوله على المقاعد، 2 و5 و7 و9 و10، شرط أنه في حال حصلت القائمة على 10 مقاعد وأكثر، فإن ميزانية المقعد العاشر البرلمانية، تذهب لحزب الصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش.

وقد واجه الحزبان ضغوطا شديدة من حاخامات المستوطنين المتطرفين ومن نتنياهو ذاته، خوفا من خسارة عشرات آلاف الأصوات من هذا المعسكر، في حال خاض كل واحد من الحزبين الانتخابات بقائمة منفصلة. وتتوقع استطلاعات الرأي حصول هذه القائمة التحالفية على ما بين 10 إلى 12 مقعدا، بدلا من 6 مقاعد حققها التحالف في الانتخابات الأخيرة، في آذار 2021.

ومصدر جدي لهذه الزيادة الحاصلة هو تفكك حزب "يمينا"، الذي كان يترأسه نفتالي بينيت، وابتعاد مصوتي "يمينا" من التيار الديني الصهيوني عن الحزب الذي شكلته الوزيرة أييليت شاكيد، "روح صهيونية"، مع شركاء من معسكر اليمين الاستيطاني، من بينهم الوزير يوعز هندل والنائب تسفي هاوزر، وهذا التحالف لا إمكانية له باجتياز نسبة الحسم، إذ أن استطلاعات الرأي تمنحه في أقصى تقدير 2% من الأصوات، بينما المطلوب 3.25%.

وحسب التقديرات، فإنه إذا استمرت استطلاعات الرأي في التنبؤ بابتعاد شاكيد وقائمتها عن نسبة الحسم، فإنها ستواجه ضغوطا هي الأخرى للانسحاب من المنافسة، وهناك من يعتقد أن الضغوط لربما قد تبدأ في الأيام المقبلة، حتى قبل تقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية، في منتصف الشهر المقبل.

في الأيام القليلة المقبلة من المفترض أن تستكمل باقي الأحزاب إعداد قوائمها، في حين أن استطلاعات الرأي تميل بغالبيتها إلى منح معسكر الليكود بقيادة نتنياهو أغلبية ضيقة من 61 مقعدا، وفي صلب هذا الزيادة الكبيرة في قوة الليكود، من 30 مقعدا اليوم، إلى 35 مقعدا، ويساهم في هذه الزيادة انخفاض نسبة التصويت بين العرب، التي حسب التقديرات فإنها ستكون في محيط نسبة الانتخابات السابقة، حوالى 44% أو أقل بقليل، إذا لم تحدث قفزة جدية ترفع نسبة التصويت بين العرب. وللتوضيح، فإن انخفاض نسبة التصويت بين العرب يخفض تلقائيا نسبة التصويت العامة، ما يجعل عدد الأصوات المطلوبة للمقعد البرلماني أقل، وهذا يفيد الأحزاب الكبيرة. ففي انتخابات آذار 2020 بلغت نسبة التصويت بين العرب حوالى 64%، وانهارت إلى محيط 44% في انتخابات آذار 2021، وهذا الفارق، 20%، يعادل 4 مقاعد برلمانية على الأقل.

الحالة الاقتصادية

يشهد الاقتصاد الإسرائيلي حالة تضارب في المعطيات بحيث تبدو متناقضة. فمن جهة، يعاني الشارع من استمرار ارتفاع التضخم المالي، إلى مستويات لم يعرفها الاقتصاد الإسرائيلي منذ 20 عاما، وبلغت نسبة التضخم في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 5.2%، بعد أن كانت  في تموز الماضي وحده 1.1%. وفي المقابل فإن نسبة البطالة الرسمية، من دون بقايا تأثير الكورونا، مثل القطاع السياحي، 3.7%، وهي النسبة التي كانت قائمة في مطلع العام 2020 قبل اندلاع أزمة الكورونا.

وفي المقابل، فإن الموازنة العامة تشهد فائضا ماليا، على الرغم من أن العجز المخطط لميزانية العام الجاري، كان 3.9%. ويعود اختفاء العجز إلى الارتفاع الحاد في مداخيل خزينة الضرائب، التي سجلت في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري زيادة بنسبة 21%، عن الفترة نفسها من العام الماضي، وأعلى بنسبة 20% من المخطط للأشهر السبعة الأولى من هذا العام.

وبلغ إجمالي مداخيل الضرائب في الأشهر السبعة الأولى 281 مليار شيكل، ما يعادل حاليا 85 مليار دولار، وهذا أعلى بحوالى 52 مليار شيكل عما كان متوقعا. في المقابل، فإن الصرف الحكومي كان أقل بنسبة 11% عما كان مخططاً له في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري.  

على الرغم من هذا، فإن المراقبين يستبعدون أن ينتهي العام الجاري من دون عجز في الموازنة العامة، إذ جرت العادة أن تستفيد كل حكومة من الفائض أو انخفاض نسبة العجز، لتسديد مستحقات مستقبلية، خاصة في مجال تسديد الديون، وهذا البند الوحيد الذي يجوز لحكومة انتقالية القيام به. ما يعني أن الصرف على بنود أخرى سيكون ما بعد انتخابات في الأول من تشرين الثاني، وفي حال تشكيل حكومة جديدة، أو بتوافق بين الأحزاب الكبيرة.

لكن هذه المعطيات الاقتصادية لم تمنع بنك إسرائيل المركزي من رفع الفائدة البنكية الأساسية، للمرة الرابعة على التوالي في غضون أربعة أشهر، إذ رفع البنك الفائدة في الأسبوع الماضي بنسبة 0.75%، وباتت الفائدة الأساسية حالياً 2%، مقابل 0.1% حتى منتصف شهر نيسان الماضي.

وجاء في تقرير البنك المركزي أن رفع الفائدة الحاد تم على خلفية استمرار النشاط الاقتصادي القوي في السوق الإسرائيلية في الربع الثاني من السنة الحالية، إذ سجل النمو الاقتصادي ارتفاعا بنسبة 6.8%، وكانت نسبة الاستهلاك الفردي قد تجاوزت نسبة 10%. كذلك، وحسب البنك، فإن وراء رفع الفائدة، هبوط نسبة البطالة وارتفاع عدد المنخرطين في سوق العمل، وبعبارة أخرى، حسب البنك، فإن رفع الفائدة سيقلص حجم الأموال التي بيد الجمهور، ما يقلص حجم الطلب وبالتالي يقود الأسعار إلى الانخفاض.  

لكن رفع الفائدة البنكية سيقود إلى أعباء أشد على الجمهور، فإلى جانب موجة الغلاء المتفاقمة، فإن أقساط تسديد القروض الإسكانية تسجل ارتفاعا متواصلا، بسبب ارتفاع الفوائد البنكية، وهذا إلى جانب استمرار ارتفاع أسعار البيوت، التي سجلت في الأشهر الـ 12 الأخيرة ارتفاعا بنسبة لامست 18%، وخاصة في المدن الكبرى، ووسط البلاد.

وعلى الرغم من كل هذه الضربات الاقتصادية، إلا أن الجمهور الإسرائيلي ما زال صامتا، ولم تخرج الصرخة بعد إلى الشارع، وبالإمكان وضع تفسيرات عديدة لهذا السكوت، منها الاعتقاد بأن موجة الغلاء أسبابها خارجية، وهي ظاهرة عالمية، لا بل يدعي بعض المحللين أن نسب الغلاء في السوق الإسرائيلية أقل من معدلات الغلاء في الدول الأوروبية، ولكن بعض المحللين نبّه إلى حقيقة أن معدل الأسعار الغذائية والبضائع الحياتية الاستهلاكية في إسرائيل، هي أعلى بنحو 30% من معدل أسعارها في الأسواق الأوروبية، ولهذا لا يمكن القول إن الغلاء هو أخف وطأة، لأنه يأتي على أسعار مرتفعة أصلا.  

ويرى المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، سامي بيرتس، أن قرار رفع الفائدة يأخذ في الحسبان الكثير من المؤشرات المحلية والخارجية. لكن يبدو أن محافظ بنك إسرائيل البروفسور أمير يارون، ركّز هذه المرة على المؤشرات المحلية، وبشكل أقل على ما يحدث في العالم. فعندما ينظر المحافظ إلى السوق الإسرائيلية فهو يجد سوق عمل تنشط بشكل جيد مع نسبة بطالة منخفضة، 3.7%، ومع نسبة تشغيل مشابهة للتي كانت عشية أزمة الكورونا، ومع نحو 150 ألف مكان عمل شاغر يدل على قوة سوق العمل المحلية.

هناك أيضا سبب آخر وهو أن ارتفاع الأسعار في الشهرين الأخيرين كان كبيرا، وساهمت فيه معظم الفروع؛ الغذاء وأجرة الشقق وحتى التعليم والصحة والمواصلات. في ما يتعلق بالأشهر القريبة، فإن بنك إسرائيل يبدو هادئا نسبيا في أعقاب التخفيف في سلسلة التزويد (أسعار النقل البحري بدأت بالانخفاض) وانخفاض أسعار النفط وضريبة الوقود الإضافية، وجزء من البضائع، وبالطبع تعزز سعر الشيكل الذي يبطئ ارتفاع أسعار البضائع المستوردة.

يعترض المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيفر بلوتسكر على فكرة أن رفع الفائدة سيلجم التضخم، ويقول "إذا كان نمو اقتصادنا منيعا بهذا القدر في وجه رفع الفائدة، فكيف سيترجم هذا إلى تبريد الاقتصاد؟، فالتبريد هو شرط ضروري لكبح التضخم المالي. وكيف بالضبط يمكن لرفع بنك إسرائيل للفائدة أن يخفض سعر الغاز الطبيعي، والمواد الخام لإنتاج لتر الحليب أو الحديد للبناء؟". 

وتابع "لم نقل بعد كلمة عن الدائرة السحرية النفسية للتضخم المالي: عندما يرفع الجميع في المحيط الأسعار، فإن الإمعة وحده لن يقفز إلى عربة الغلاء، سواء أكان محقا أم لا. آجلا أم عاجلا ستقفز عليها أيضا وبحق، نقابات العاملين الأجيرين الذين تآكلت قوتهم الشرائية. هكذا ستبدأ دائرة تضخم مالي جديدة، من البداية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات