المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بن غفير (يمين) وسموتريتش. (وكالات)

بتاريخ 26 آب 2022، توصل إيتمار بن غفير (رئيس حزب "قوة يهودية") وبتسلئيل سموتريتش (رئيس حزب "تكوما (الاتحاد القومي)" وتحالف "الصهيونية الدينية") إلى اتفاق لخوض الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في قائمة واحدة. ويمثل الحزبان تيارين متنافسين داخل قطاع الصهيونية الدينية في إسرائيل، وفي انتخابات الكنيست الـ 24 في آذار 2021، خاضا الانتخابات ضمن قائمة انتخابية واحدة حصدت 6 مقاعد الأمر الذي اعتبر في حينه إنجازا سياسيا. لكن منذ ذلك الإنجاز وحتى اليوم، نمت القاعدة الانتخابية للصهيونية الدينية إلى أن أصبح كل حزب من الاثنين يعتبر نفسه التيار الأكبر، الأمر الذي أدى إلى دخول الحزبين في سجالات لتحسين حظوظهما من ناحية التمثيل داخل الكنيست.

وبحسب استطلاع الرأي الأكثر تفاؤلا في ما يخص مستقبل هذين الحزبين، تقدر القناة 13 الإسرائيلية بأن حزب "قوة يهودية" قد يحصد وحدة 9 مقاعد، بينما حزب "تكوما" قد يحصل على 7 مقاعد. 

تلقي هذه المقالة الضوء على مكانة الصهيونية الدينية داخل المشهد السياسي- الحزبي الإسرائيلي، وتنظر في الاختلافات داخله.

الصهيونية الدينية هي تيار إسرائيلي عريض ومتنوع يؤمن بضرورة المزاوجة بين التوراة والعمل. والتوراة تشير إلى التزمت الديني الذي يعتبر أن التوراة هي مصدر التشريع الأهم، وفي بعض الحالات الأوحد، وتنصاع إلى أحكام الشريعة اليهودية في ما يخص العمل السياسي، والعودة إلى أرض إسرائيل، وإقامة مملكة اليهود. أما العمل، فيشير إلى قدرة اليهود، كبشر فاعلين، على إحداث تغييرات في مصيرهم من خلال العمل، والنشاط السياسي، أو باختصار من خلال الصهيونية كأيديولوجية علمانية نقلت اليهود من حاشية التاريخ إلى متنه. تاريخيا، لا تتقاطع التوراة مع العمل، إذ أنه حسب اليهود المتزمتين، فإن التفسير الأرثوذكسي للتوراة يرى أن الصهيونية، أو الحركة القومية اليهودية (باختصار: العمل)، هي مخالفة لمشيئة الله (باختصار: التوراة) الذي لم يأذن بعد بعودة اليهود إلى أرض الميعاد. وبالتالي، لا يمكن لليهودي الذي يتبنى "توراة إسرائيل" كدستور عمل أن يكون صهيونيا، ويشارك في حركة قومية تعيد "شعب إسرائيل" إلى "أرض إسرائيل". الصهيونية الدينية، كما أشرنا في منشورات مركز مدار السابقة، هي ذلك التيار الذي استطاع أن يجمع بين التوراة والعمل، لكنها ظلت تيارا هامشيا حتى قيام الدولة. بعد قيام الدولة، أسست تيارات الصهيونية الدينية حزب المفدال في العام 1956، الذي ظل حزبا حمائميا، وكان يعتبر تابعا لحزب مباي الإسرائيلي "اليساري الصهيوني" إلى أن تم احتلال الضفة الغربية العام 1967 والسيطرة على تلك الجغرافيا التي يعتقد اليهود أنها تشكل أساس التوراة: نابلس، الخليل، بيت إيل، والقدس وغيرها.

منذ تلك اللحظة، وبتنظير من قبل الحاخام كوك الابن، تحولت الصهيونية الدينية إلى تيار يميني همه الأوحد هو الحفاظ على "أرض إسرائيل"، بحيث أن كوك رأى بالاحتلال إشارة من الله لبدء الخلاص، وأنه يتوجب على اليهود أن يساهموا في تعجيل الخلاص من خلال الحفاظ على ما منحهم الله من نعيم. في العام 1977، ومع فوز اليمين الإسرائيلي في انتخابات الكنيست لأول مرة (ما بات يعرف باسم "الانقلاب")، حصل تغييران مهمان على دور المفدال: أولا، دخل المفدال في سياق انزياح مستمر نحو اليمين، واليمين المتشدد، وبات حليفا أبديا لليمين الإسرائيلي، خصوصا حزب الليكود. ثانيا، وعلى الرغم من هذا الانزياح نحو اليمين، فقد كانت هناك باستمرار أجيال جديدة داخل المفدال تهدده من الداخل وتشكك في يمينيته، وتدعو إلى انشقاقات لتشكيل أحزاب جديدة ترى نفسها أكثر يمينية وأكثر تشددا من حزب المفدال الذي عادة ما يتم وسمه من قبل المنشقين عنه بأنه بين كلاسيكي وبراغماتي. هذه الانشقاقات لها أسباب عديدة، أهمها بأن الأجيال الجديدة من الصهيونية الدينية، التي تربت داخل صفوف المفدال، كانت ترى أن اليمين الإسرائيلي بشكل عام هو يمين ضعيف، وعلماني، وأن سلوكه السياسي يُعدّ براغماتيا، خصوصا بعد تنازل الليكود عن سيناء (عام 1978)، أو عدم قدرته على منع اتفاقيات أوسلو (1993)، أو بعد أن تنازل أريئيل شارون اليميني عن قطاع غزة (2005). لا داعي هنا إلى استعراض التسلسل التاريخي لانشقاقات المفدال التي نجدها في منشورات "مدار" السابقة، أو سرد بروفايل كل الأحزاب التي ولدت من رحمه. ويكفي أن نشير الآن إلى أن الصهيونية الدينية، في المشهد السياسي- الحزبي الحالي، تتواجد في أماكن عدة هي:

  1. حزب الاتحاد القومي- "تكوما" الذي يعتبر التيار الأكثر تطرفا داخل الصهيونية الدينية، تأسس في العام 1999 من قبل منشقين عن حزب المفدال وكان من بين قادته رحبعام زئيفي، أوري أريئيل، وتسفي هندل. واليوم، يقف بتسلئيل سموتريتش على رأس الحزب باعتباره الزعيم الشاب الصاعد الذي لا منافس حقيقياً له. ويعتبر سموتريتش زعيم التيار الحردلي بداخل الصهيونية الدينية، إذ إنه يعتبر محافظا جدا من الناحية الثقافية ويعارض قيم الليبرالية، المساواة، والانفتاح الحداثي، ويدعو إلى تطبيق التوراة بشكل حرفي، خصوصا في ما يتعلق بالشأن السياسي ومستقبل الأراضي المحتلة. لكن الاتحاد القومي، وخصوصا سموتريتش، لا يسعى إلى أن يكون حزبا قطريا يطمح إلى رئاسة الحكومة، أو تمثيل كل الشعب الإسرائيلي (كما هي الحال لدى حزب "يمينا" سابقا بزعامة نفتالي بينيت، الذي يعتبر طيفا ليبراليا داخل الصهيونية الدينية). في المقابل، يسعى سموتريتش فقط إلى قيادة تيار الصهيونية الدينية، وتمثيل هذا القطاع داخل البرلمان، والمساهمة في تشريعات تحافظ على "أرض إسرائيل"، وتهجير الفلسطينيين، والمحافظة على ميزانيات لصالح الاستيطان، وغيرها من الأمور القطاعية المتعلقة بالصهيونية الدينية. 
  1. حزب "قوة يهودية" الذي يمثله إيتمار بن غفير. يعتبر بن غفير نفسه من سلالة مئير كهانا، مؤسسة حزب كاخ المحظور والمتطرف. وحزب كاخ الذي تلاشى في منتصف التسعينيات كان يدعو إلى تحويل أرض إسرائيل إلى وطن لليهود فقط، وأنه على "الأغيار" إما الرحيل أو الحياة تحت الشروط التي يضعها اليهود بدون الخضوع لمعايير الدولة الديمقراطية الحداثية. واليوم، يقوم بن غفير، الذي ينتمي إلى تيار الصهيونية الدينية في شقه الحردلي، بإعادة الاعتبار لتعاليم الكهانية من خلال تأسيس حزب "قوة يهودية". وحسب بن غفير، فإن حزب "تكوما" (بزعامة سموتريتش) يعبر أكثر عن الصهيونية الدينية النخبوية، واليهودي الأشكنازي الأبيض. في المقابل، يرى أتباع بن غفير أن حزب "قوة يهودية" قادر على تمثيل الصهيونية الدينية الشرقية المتطرفة، إذ إن معظم قاعدته الانتخابية تقع في مكانة ما بين الليكود وحزب شاس المتزمت الشرقي. 
  1. حزب "يمينا"، أو اليمين الجديد، وهو حزب أسسه نفتالي بينيت وأييلت شاكيد للتعبير عن تيار ليبرالي من الصهيونية الدينية يطمح إلى تمثيل كل الإسرائيليين، والوصول إلى رئاسة الحكومة. بعد استقالة بينيت من العمل السياسي، انحسر حجم الحزب، وتقوم شاكيد حاليا بمحاولات إنعاش أخيرة للحزب بعد أن تحالفت مع جماعة "ديرخ إيرتس" (سابقا من أتباع موشيه يعلون عندما أسس حزب "تيلم" وتحالف مع أزرق أبيض في العام 2019) لتشكيل قائمة انتخابية جديدة باسم "الروح الصهيونية" التي من المتوقع أن تعرض على لجنة الانتخابات المركزية للمصادقة عليها في منتصف أيلول 2022. 
  1. على الرغم من أن الأحزاب الثلاثة السابقة تمثل أطيافاً مختلفة من الصهيونية الدينية، إلا أن هذا القطاع لا ينحصر تمثيله فقط في الأحزاب التي تسم نفسها بشكل واضح بالصهيونية الدينية، بل هناك تمثيل لهم داخل معظم الأحزاب الإسرائيلية. مثلا، وبعد إجراء انتخابات داخلية تحضيرا لانتخابات تشرين الثاني 2022، نجد أن هناك المرشح يايا فينك في المرتبة السابعة داخل قائمة حزب العمل. أما حزب أزرق أبيض (الذي يتحالف مع "أمل جديد" وغادي أيزنكوت) فيضم صهيونيين دينيين عديدين، مثل حيلي تروبر، متان كهانا، أوريت فركاش هكوهن، وزئيف إلكين. في حزب "يوجد مستقبل" أيضا، هناك إليعازر شطيرن، وموشيه طور باز. أما الليكود، فيضم الكثيرين من أتباع الصهيونية الدينية أو مناصريهم، وأهمهم يولي إدلشتاين، شلومو كرعي، وموشيه فيغلين. 

ومع أن أتباع الصهيونية الدينية موزعون على معظم الطيف السياسي- الحزبي في إسرائيل، يعتبر حزبا الاتحاد القومي و"قوة يهودية" الحزبين الأساسيين اللذين يعبران بشكل تنظيمي، أيديولوجي وسياسي، عن مجتمع الصهيونية الدينية. والصراع، الذي يمكن تسميته جزافا بأنه صراع "معاتبة"، والذي حصل بين الحزبين خلال الأسابيع الماضية، يعبر عن نمو حقيقي في القوة الانتخابية لكلا الحزبين، ورغبة كل حزب في تزعم الصهيونية الدينية برلمانيا. بالطبع، وعلى الرغم من نمو قوتهما، فإن الحزبين ما يزالان يعتبران جزءا أساسيا من تحالف "مريدي نتنياهو"، بل إن الأخير هو الشخص الذي نجح في التأثير على الحزبين وحثهما على الوصول إلى اتفاق بالدخول إلى الكنيست ضمن قائمة انتخابية مشتركة. حسب الاتفاق الذي أبرم يوم الجمعة، تحت إشراف نتنياهو، يحصل كل من الاتحاد القومي و"قوة يهودية" على خمسة مقاعد ضمن المراتب العشر الأولى، على أن تبقى رئاسة القائمة (أي المرتبة الأولى) محفوظة لسموتريتش. 

وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن الصهيونية الدينية تتزعم ذلك النهج السياسي الذي لا يقبل التنازل عن أي جزء مما يدعونه أرض إسرائيل الكبرى، ويشدد على الأهمية التوراتية للضفة الغربية والقدس، ويدعو إلى تفكيك الإدارة المدنية وضم الضفة الغربية (وفي أحسن الحالات، ضم مناطق "ج")، وإنهاء مفهوم حل الدولتين. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات