المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"عندما يفتتح موشيه غفني اجتماع اللجنة المالية ويشيد بأحمد الطيبي، الذي يغني ترنيمة للنائب موشيه غفني- فنحن نتحدث عن تعاون. إنه تعاون بين أعضاء الكنيست العرب والحريديم. إنه ائتلاف مناهض للصهيونية متناغم بين الكتلتين. القائمة العربية هي طابور خامس، وللأسف، أصبحت أحزاب الحريديم مناهضة للصهيونية"، بهذه الأقوال فسّر أفيغدور ليبرمان تأييده لحكومة وحدة، ومعارضته لأي إمكانية تشكيل حكومة أقلية، تستند على نواب كتلتي الحريديم.

حينما يعمل ليبرمان لأجل مصالحه السياسية، فإنه لا يتوانى عن التحريض الوحشي، لبناء قوته من خلال خلق موجات من الكراهية ضد أكبر جمهورين من بين الأقليات في المجتمع الإسرائيلي: الحريديم والعرب.

يمر خط واضح بين الكراهية للحريديم والكراهية للعرب، وفي كلتا الحالتين، إنها السياسة العنصرية والساخرة، هي التي تخلق أضرارا جسيمة للمجتمع الإسرائيلي. ونذكر أن مستقبل إسرائيل يعتمد على هاتين الأقليتين.

وفقا للتوقعات الديموغرافية لمكتب الإحصاء المركزي، فإنه بحلول العام 2065 ستستقر نسبة العرب من بين السكان عند 19% (21% اليوم، وهذه نسبة تشمل القدس المحتلة ومرتفعات الجولان السوري المحتل- المحرر) وستقفز حصة الحريديم إلى 32% (12% اليوم)، وستشكل المجموعتان معا 51% من السكان. وهذا يعني أن الأغلبية التقليدية والعلمانية اليوم ستتقلص إلى 49% فقط.

إن التحريض ضد كلتا الأقليتين، وتحديدهما كطابور خامس، أو معادية للصهيونية، يتناقض بشكل صارخ مع المصلحة الرسمية. ومن يتبع هذا النهج، فإنه يكون بحد ذاته طابورا خامسا، لأنه يخرّب بسابق توجيه مستقبل إسرائيل.

ومع ذلك، لا يمكن التقليل من أهمية قراءة ليبرمان للخريطة السياسية والاجتماعية: فلدى إسرائيل بالفعل مشكلة خطيرة مع هاتين الأقليتين، وسياستها تجاههما تثير أسئلة قاسية. وفي حين أنه في حالة العرب، هناك نجاحات جزئية (على الرغم من التحريض الوحشي ضدهم)، والمجتمع العربي يتقدم في معدلات التعليم والتوظيف، فإن الوضع لدى الحريديم معكوس. وعمليا، لا يوجد اليوم خيار سوى الاعتراف بأن سياسة دمج الحريديم في المجتمع الإسرائيلي قد فشلت.

لقد فشلت دولة إسرائيل فشلا ذريعا على الجبهات الرئيسية الثلاث، التي حاولت فيها النهوض بالحريديم خلال العقد الأخير: في أهداف التجنيد العسكري، في مجال التعليم العالي، والأسوأ من ذلك كله، الدمج في سوق العمل.

ويركز الفشل على الرجال الحريديم، ففي حالة نساء الحريديم هناك نجاحات جزئية، وقد بدأ هذا بوضوح في العام 2015. فإذا كان حتى ذلك العام تفاؤل بوجود رسم بياني للتقدم في دمج الرجال الحريديم على الجبهات الثلاث، فمنذ العام 2015 تم استبدال التفاؤل بالتشاؤم، بسبب لجم التقدم وحتى التراجع، في العمل والتعليم، وفق البيانات المسجلة. وقد بات ذلك العام عام الصدع، وربما ليس بالصدفة.

البيانات، على أي حال، غير حاسمة. ففي الأيام الأخيرة نشرت صحيفة هآرتس تسريبا للجيش الإسرائيلي بشأن بيانات تجنيد الحريديم في 2018 (السنة المنتهية في حزيران)، وفقا للنشر، بلغ عدد المجندين الحريديم 2480 جنديا فقط- أي انخفاض بنسبة 20% في عدد المجندين مقارنة بعام 2017 (3070)، وأقل بكثير من الهدف غير الرسمي المتمثل في 3250 من المجندين الحريديم. (لاحقا تم الكشف عن أن هذه الاحصائيات يتم تزييفها الى الأعلى منذ العام 2011- المحرر).

نظرا لأن الجيش الإسرائيلي يخفي بيانات تجنيد الحريديم، ربما بسبب إخفاقه في التجنيد، خشية أن يتم استخدام الرقم سياسيا في الانتخابات والصراعات الداخلية داخل الجيش، فمن غير الواضح مدى دقة هذا الرقم، والتقديرات التي وصلت إلى ذي ماركر كانت أعلى في عدد المجندين، بينهم من 2700 إلى 3020. على أي حال، تشير جميع التقديرات إلى انخفاض عدد المجندين، في حين نما التكاثر الطبيعي لدى الحريديم بنسبة 4% سنويا.

والأسوأ من ذلك، أن رقم عدد المجندين الحريديم غير دقيق للغاية، لأنه يتضمن عددا كبيرا من الذين خرجوا من جمهور الحريديم الى التدين أقل أو حتى العلمانية. من المحتمل أن يكون عدد الذين غادروا الحريدية، وما زالوا ضمن الاحصائيات في الجيش حوالي 15%.

الجيش مرتاح لتضخيم عدد المجندين الحريديم، لإثبات أنه يحقق أهداف التجنيد التي حددتها الدولة. على أرض الواقع، لا يقتصر الأمر على تجنيد الحريديم فحسب، بل إن الزيادة في تجنيدهم تقريبا تعود إلى أولئك الذين يتخلون عن الدين.

في جانب التعليم العالي، الصورة ليست أقل سوءا. بعد ما يقرب من عقد من النشوة، بسبب الارتفاع الحاد في عدد الطلاب الحريديم، شهدت السنوات الثلاث الماضية لجما في أعدادهم. في العام 2010، أطلق مجلس التعليم العالي برنامج السنة الأولى لتشجيع دمج الحريديم في الدراسات الأكاديمية. كان يُنظر إلى البرنامج الذي امتد لخمس سنوات على أنه تقدم كبير، فقد ارتفع عدد الطلاب المتدينين من 6 آلاف طالب في عام 2010 إلى 11500 طالب في عام 2015. في نفس العام، شرع مجلس التعليم العالي ببرنامج مدته خمس سنوات، كان من المفترض أن يصل عدد الطلاب المتدينين فيه إلى 19 ألفا بحلول عام 2022. ولكن هذا لن يحدث على ضوء الوضع القائم الآن. ففي السنوات الثلاث الأخيرة، توقف عدد الطلاب الحريديم عند حوالي 11 ألف طالب، ولم يسجل أي ارتفاع.

علاوة على ذلك، فإن معظم الطلاب من الطالبات، رغم أنه من الواضح أن مشكلة الاندماج تقع على عاتق رجال الحريديم وليس نساء الحريديم. أسوأ من ذلك، فهذا الرقم لم يعد ذا صلة. 11 ألفا هو عدد الطلاب الذين يبدأون دراستهم في الأكاديمية، ولكن لاحقا تصل نسبة التسرب بين الطلاب الرجال إلى 46%، وبين الطالبات من الحريديم إلى 28%، ما يعني أن عدد الخريجين هو أقل بكثير من الطلاب الذين يبدأون تعليمهم.

هذان الإخفاقان يؤديان إلى الأسوأ من ذلك: الاندماج في سوق العمل. فنساء الحريديم يندمجن في سوق العمل بشكل جيد، على الرغم من تدني الإنتاجية لديهن، والأجور المنخفضة، ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للرجال الحريديم. فعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلتها الدولة، فقد توقف اندماج رجال الحريديم في سوق العمل.

فإذا كانت هناك زيادة في انخراط رجال الحريديم في سوق العمل بحلول عام 2015، حتى وصلت النسبة في أحيان قليلة الى أعلى من 52%، فإن الاتجاه قد انعكس. اليوم، نسبة انخراط الرجال الحريديم في سوق العمل هبطت الى 48%. وهذا بالمقارنة مع حوالي 87% بين الرجال اليهود من غير الحريديم.

التوجه القائم في مجتمع الحريديم، منذ عام 2015، كان خط الفشل المستمر. وبدلا من التكامل، هناك اقصاء ذاتي؛ وبدلا من التقدم، هناك نكسة وابتعاد. وليس من قبيل الصدفة أن يحدث هذا الفشل في وقت واحد في جميع المناطق، وخط الصدع هو العام 2015.

كان هذا هو العام الذي أطاح فيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالحكومة الوحيدة التي ترأسها من دون أحزاب الحريديم، وكانت حكومة بالشراكة مع حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد. ووضعت تلك الحكومة سياسة حاولت دفع الحريديم إلى الانخراط في سوق العمل، ودراسة المواضيع الأساسية في المدارس، والتوقف عن العيش على حساب المخصصات الاجتماعية التي يتلقاها طلاب المعاهد الدينية.

وفي الوقت الذي بدأت فيه هذه الجهود تؤتي ثمارها، أطاح نتنياهو بالحكومة، وبعد انتخابات 2015، شكل حكومة جديدة، بالطبع بالتعاون مع أحزاب الحريديم. وجميع الخطوات التي أطلقتها حكومة نتنياهو، جنبا إلى جنب مع "يوجد مستقبل"، تم إلغاؤها بل واتخذت قرارات بعكسها. وعاد الحريديم لركوب الحصان السياسي، واستسلم لهم نتنياهو عن طيب خاطر. والنتيجة هي تغيير سلبي في الحوافز التي تشجع الحريديم على العمل، ولهذا رأينا التراجع في كل مجالات العمل والتعليم والتجند في الجيش.

طبعاً من المستحيل الاستمرار في الاستسلام لإملاءات أحزاب الحريديم، لأن استسلامهم يؤدي إلى انسحاب دمج الحريديم في الاقتصاد والجيش، وفي نهاية المطاف على حساب المصلحة الوطنية. وإن الحريديم في طريقهم لأن يكونوا 32% من السكان، وإذا لم ندمجهم لن يكون لنا مستقبل.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات