المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال تقرير دوري لبنك إسرائيل المركزي إن مخطط رفع ميزانية الأمن، الذي أعلنه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الشهر الماضي، يتطلب إيجاد مصادر مالية على المدى الأبعد، وإلا فإن هذه الزيادة ستكون على حساب الميزانيات الاجتماعية، أو على حساب زيادة الديون والعجز المالي، مما سيُفقد إسرائيل مكانتها المتقدمة لدى شركات تدريج الاعتمادات المالية، التي ارتفعت في الشهر الماضي إلى الدرجة الثالثة العالية.

وكان نتنياهو قد أعلن، في شريط فيديو انتشر في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، عزمه على القيام برفع سنوي لميزانية الأمن بما بين 2ر0% إلى 3ر0% من الناتج المحلي العام، وذلك حتى العام 2030، أو إلى حين يصبح حجم الناتج 500 مليار دولار، بينما هو اليوم حوالي 370 مليار دولار. وتشكل نسبة ميزانية وزارة الدفاع حاليا حوالي 3ر5% من حجم الناتج المحلي العام، وما يقوله نتنياهو سيعني رفع هذه النسبة إلى 8%، ما يعني أربعة أضعاف معدل النسبة القائمة في العالم (2%).

ويبلغ حجم ميزانية الأمن في كل من العامين الجاري والمقبل 71 مليار شيكل، وهو ما يعادل 7ر19 مليار دولار. وهذا أعلى مما كان في العام 2011، بحوالي 16 مليار شيكل، بمعنى أن ميزانية الأمن ارتفعت خلال 6 سنوات بنسبة تقارب 30%. ويبلغ حجم الموازنة العامة للعام 2019 المقبل 480 مليار شيكل، من بينها 82 مليار شيكل لتسديد ديون وفوائد.

ويرتفع حجم الميزانية سنويا بما بين 2% إلى 5ر2% كي يكون قريبا من ارتفاع نسبة السكان سنويا في حدود 2%، ولكن في بعض السنوات يكون الارتفاع أكبر. إلا أن نتنياهو بمخططه هذا يعلن أن ارتفاع ميزانية الأمن سيكون بنسبة أعلى من ارتفاع الموازنة العامة سنويا.

ويشار إلى أن الصرف على الأمن، وما يتبعه من صرف على الاحتلال والاستيطان، لا يتوقف على صرف وزارة الدفاع، بل يأتي أيضا من وزارات أخرى، ما يرفع الصرف الاجمالي على الأمن بميزانيات أكبر بكثير، وخاصة من ميزانية وزارة الأمن الداخلي، التي تصرف على الشرطة، ولكنها تصرف أيضا على قوات ما يسمى "حرس الحدود". وهي قوات تُحسب وكأنها جزء من عمل الشرطة، إلا أن أساس عملها هو في الضفة والقدس المحتلتين، وفي فترات الحروب، تسند لها أيضا مهمات عسكرية، وتشارك الجيش في الحرب. وتبلغ ميزانية وزارة الأمن الداخلي 7ر17 مليار شيكل.

كذلك فإن في غالبية الوزارات ميزانية مخصصة لهذا الجانب أو ذاك للأمن، وهي أيضا تصب في ذات الهدف.

وكانت ابحاث عديدة قد دلّت على أن إجمالي الصرف على الجيش والاحتلال والاستيطان يصل إلى 30% من اجمالي الموازنة الإسرائيلية العامة.

بنك إسرائيل يحذر

في تقريره الدوري قال بنك إسرائيل المركزي إن اقتراح زيادة ميزانية الأمن في السنوات العشر المقبلة، بموجب ارتفاع حجم الناتج، لا يتلاءم مع مسار خفض العجز المالي في الموازنة العامة، كما نص عليه قانون الموازنة العامة الأخير، كما أنه لا يتلاءم مع قرارات الحكومة لتوسيع الخدمات الاجتماعية، ومخططات وبرامج الرفاه الاجتماعي والبنى التحتية، ولا مع خيار الحكومة بشأن عدم رفع نسب الضرائب على مختلف أنواعها.

وعمليا، فإن بنك إسرائيل المركزي يقول إنه لا توجد للحكومة مصادر تمويل كافية لزيادة ميزانية الأمن، وإن كل تمويل إضافي لهذه الميزانية سيخلق إشكاليات، إما في شكل توزيع الموازنة العامة، أو في زيادة الدين العام.

ويقول البنك إنه في العامين الماضي 2017 والجاري 2018، اتخذت قرارات لزيادة الصرف الحكومي، أكثر من نسبة الارتفاع السنوية المتبعة، وكذا الأمر بالنسبة للعام المقبل 2019، إذ جرى رقع سقف الصرف الحكومي بنسبة 3%، وهو ما يعادل 11 مليار شيكل، كما أن الحكومة قررت رفع سقف العجز المالي للميزانية إلى 9ر2%، بدلا من 5ر2% كحد أقصى وهي النسبة التي أوصى بها بنك إسرائيل، الذي كان يفضل أن لا يرتفع العجز إلى أكثر من 2% من حجم الناتج العام.

ويقول بنك إسرائيل إن على الحكومة المحافظة على نهج صرف منضبط، "فعلى أساس الأداء الجيد للميزانية"، أعلنت شركة P&S في مطلع الشهر الماضي رفع تدريج الاعتمادات لإسرائيل من مستوى A+ إلى -AA، وهو التدريج الأعلى الذي حصلت عليه إسرائيل في تاريخها. وهذا القرار جاء في اعقاب التزام الحكومات الإسرائيلية المختلفة بتصحيح مسار الميزانية، بما يضمن خفض نسبة حجم الدين العام من إجمالي الناتج العام، حسب ما ورد في تقرير البنك.

وكانت شركة تدريج الاعتمادات العالمية P&S رفعت تدريج إسرائيل منA+ إلى -AA، وهذا يعد من أعلى ثلاث درجات اعتماد تضم كلها 28 دولة فقط، ويُعد انعكاسا لثقة بالاقتصاد الإسرائيلي، ومن شأنه أن يسهل القروض، ويخفض الفوائد على ديون الدولة. ومن شأن هذا التدريج أيضاً تشجيع الاستثمارات على التدفق، وأيضا سيكون تسويق سندات الدين العام أسهل. فإسرائيل دخلت عمليا إلى نادي الدول الـ 28 التي تدريجها الأعلى، وهي من الدول التي تمتاز بالاستقرار المالي، ما يشجع الاستثمارات الأجنبية على الدخول إلى الاقتصاد الإسرائيلي.

وفي مقابلة مع صحيفة "كالكاليست" قال رئيس مجلس الاقتصاد القومي، ومستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية، آفي سمحون، إنه لدى إعداد الميزانية الأخيرة، كان هناك بحث جاد في شكل توزيع الموازنة العامة، مشيرا إلى أنه كان من الصعب اجراء تقليصات في الميزانيات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم وغيرهما.

ويقول سمحون "أنا ورئيس الحكومة نفهم حقيقة أن كل إضافة في ميزانية الأمن تعني تنازلا (في ميزانيات أخرى) ولكن لا يوجد مصدر لإجراء تخفيض كهذا. لقد قرر رئيس الحكومة ووزير المالية أنه ابتداء من العام المقبل، سيعمل الجيش على تعزيز قوته في الجوانب الملحة لمواجهة التحديات، ما يعني أنه من ناحية يستوجب الأمر زيادة أموال، ومن ناحية ثانية مطالبة الجيش بإعادة النظر في شكل توزيع ميزانيته، وإجراء تقليصات داخلية. وعلى الجيش أن يعد سلم أفضليات، ويتنازل عن بعض برامجه"، بحسب تعبير سمحون، الذي لم يخف تأييده لخيار زيادة العجز في الموازنة العامة، رغم أن من شأن هذا زيادة الدين العام، من حيث نسبته من إجمالي الناتج العام.

ويشار إلى أنه على مدى السنوات الأخيرة تطالب أوساط اقتصادية الجيش بإجراء تقليصات في نفقاته على القوى البشرية لديه، من امتيازات للجيش النظامي وخفض رواتب ومكافآت التقاعد من الجيش، التي تعد من الأعلى في القطاع العام، إن لم تكن أعلاها.

تدهور مستمر

يقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إن خطة بنيامين نتنياهو الضخمة تعني رفع ميزانية الجيش من 71 مليار شيكل في العام الجاري، إلى 108 مليارات شيكل حتى العام 2030، على أن تبدأ الزيادة ابتداء من العام المقبل، بمعدل سنوي يتراوح ما بين 3 مليارات إلى 4 مليارات شيكل (حوالي مليار دولار سنويا). وحذر من أن الحكومة تنوي رفع العجز في الموازنة العامة إلى نسبة 3ر3% من إجمالي الناتج العام، بدلا من اجراء تقليصات أو زيادة ضرائب.

ويتابع بايلوت كاتبا أن بنك إسرائيل المركزي يقول جازما إن اقتراح نتنياهو لا يتلاءم مع سياسة خفض العجز المالي والدين العام، وزيادة ميزانيات الخدمات الاجتماعية. وعمليا، فإن محافظة بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ، وكبار الموظفين في البنك، رفعوا الراية السوداء، تحذيرا من الخطورة الواضحة الكامنة في طلب نتنياهو. وإذا كان هناك من لديه حيرة ولم يستوعب خطورة مخطط نتنياهو، فقد تلقى جوابا واضحا من البنك المركزي.

وكتب بايلوت: إن نظرة سريعة إلى أداء الحكومة سيتضح من خلالها أنه في السنوات الثلاث الأخيرة، هناك ارتفاع حاد بنيوي في عجز الموازنة العامة، من فائض في الموازنة، في العام 2014، إلى عجز ناجم عن الصرف العادي، بنسبة 4ر1%، في العام 2017. ويشار إلى أن الحكومة تسارع مع اقتراب نهاية كل عام إلى صرف زائد، حتى تصل إلى نسبة العجز المخططة في الفائض.

ويعزز بايلوت استنتاجه بشأن ارتفاع العجز أنه في حين أن الفائض في خزينة الضرائب وصل في العام الماضي 2017 إلى 12 مليار شيكل، فإنه في العام الجاري عمليا لا يوجد فائض، ما يعني أنه لن يكون للحكومة مجال لزيادة الصرف.

ويقول بايلوت "بكلمات أخرى يوجد تدهور واضح ومستمر دون توقف، في السنوات الثلاث الأخيرة، في سياسة الموازنة العامة، وهي تفقد المسؤولية التي أبدتها في سنوات سبقت خلال حكومتي نتنياهو السابقتين".

ماذا عن الأمن الاجتماعي؟

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن الشهر الماضي عرض مشهد معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة. ويبدو أن موضوعا واحدا فقط سيلعب دورا مركزيا في تلك المعركة: الأمن. والمبرر لهذا ليس فقط الوضع الأمني، وإنما الرسائل التي تبثها الحكومة، إن كان رئيسها بنيامين نتنياهو، أو وزير التعليم نفتالي بينيت، الذي يحاول أن يلتف على نتنياهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، من ناحية اليمين. وحتى وزير المالية موشيه كحلون خرج مبكرا بحملة دعائية تحمل شعار "موشيه كحلون أمنك". ولربما أن نتنياهو أراد أن يسدد ضربة استباقية، فأعلن عزمه على رفع ميزانية الجيش حتى 4 مليارات شيكل سنويا.

ويتابع بيرتس: ظاهرياً ليس للجمهور الإسرائيلي ما يمكن أن يتذمر منه. فلديه رئيس حكومة يهتم بتخطيط المستقبل البعيد، الأمن، وحتى أنه يغلف هذا بضبابية، بذريعة الأمن طبعا، ولهذا لا يمكن مجادلته بشأن الاحتياجات الأمنية على المدى البعيد. وهذا جدال صعب، لأنه ليس لدى الجمهور الإسرائيلي ذرة معرفة بهذه الاحتياجات، مثل الحاجة للطائرات والدفاعات الجوية، والقدرات التكنولوجية، ومخاطر السايبر. وميزانية الأمن معروفة كبئر من دون قاع، تشفط ميزانيات بشكل دائم. فقد رأينا على مدى السنوات الماضية كيف أن ميزانية الأمن تشذ دائما عما هو مقرر لها، وتحصل على ميزانيات إضافية في بحر كل عام.

لكن في المقابل، يقول بيرتس، إن على نتنياهو أن يقدم أجوبة على أسئلة أخرى في هذا المجال، لأن الأمن يشمل عدة جوانب، وليس فقط الأمن العسكري، وإنما أيضا الأمن الاقتصادي، والأمن التشغيلي، والأمن التقاعدي، والأمن الشخصي والاجتماعي. وإذا أطلق نتنياهو شعار "رؤية الأمن حتى العام 2030"، فإن هذا يجب أن يشمل رؤية استراتيجية أوسع، ذات غايات بعيدة المدى، وعليها أن تتعامل مع كل جوانب الأمن المجتمعي، ومواجهة التحديات المتوقعة.

ويضيف بيرتس أن خارطة التهديدات أمام الأمن التشغيلي في هذا العام واسعة جدا. وخلافا لنتنياهو الذي يقول إنه "بطبيعة الأحوال لا يستطيع شرح المخاطر والتحديات"، فإنه في هذا المجال بالإمكان أن نعرضها على الجمهور. فالتحديات أمام الأمن التشغيلي تأتي من اتجاهات كثيرة: من العولمة، التي تنقل أماكن عمل إلى حيث الأيدي العاملة الرخيصة، وحيث توجد دفيئات لمتهربي الضرائب، وحيث من الممكن الحصول عل امتيازات ضريبية أكثر، وأيضا من جهة التطور التكنولوجي، الذي يحل محل الأيدي العاملة، ويغلق أماكن عمل. لكن في ذات الوقت يخلق هذا التطور أماكن وفرص عمل أخرى جديدة، ولكنها بحاجة إلى كفاءات وقدرات علمية ومهنية. وحتى العام 2030 قد يتغير طابع سوق العمل في نواح عدة بشكل جذري، وهذا كاستمرار لما هو قائم منذ سنوات السبعين.

ويتابع بيرتس أن كل هذا يحدث ولم نتكلم بعد عن الجمهور الفقير الكبير في إسرائيل، التي تحتل المرتبة الأولى بالفقر، بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، والفجوات فيها كبيرة بين الأغنياء والفقراء، وهناك فجوات في الخدمات الصحية، وفي التحصيل العلمي في المدارس، إذ أن للأغنياء فرصة للحصول على خدمات صحية وتعليمية أفضل بكثير من غيرهم.

ويضيف بيرتس أنه لا تنقص تهديدات للأمن التشغيلي والاقتصادي والتقاعدي والاجتماعي، حتى العام 2030، وإذا قررت الحكومة أن تبحث في المخططات بعيدة المدى، فإن عليها أيضا بلورة "رؤية الأمن الاقتصادي 2030"، التي تشمل كل ما يلزم لمواجهة التحديات المقبلة في هذا المجال.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات