المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تثير المؤشرات الاقتصادية الإسرائيلية، على مختلف الصعد، قلقا جديا في الأوساط الاقتصادية الرسمية والخاصة الإسرائيلية. وبحسب ما يراه محللون، فإن إسرائيل على شفا انتهاء سنوات جيدة للاقتصاد، بتضخم منخفض، وبطالة تلامس الصفر، وكذا فائدة بنكية من الأقل عالميا، وفائض كبير سنويا في الضرائب والموازنة العامة، إذ أن كل التقارير تشير إلى انقلاب في هذه المؤشرات، ما يعني أن الاقتصاد سيدخل مرحلة أخرى غير تلك التي عرفتها إسرائيل في السنوات الأخيرة.

فقد أظهر الاقتصاد الإسرائيلي، في السنوات الـ 12 الأخيرة على وجه الخصوص، متانة جعلته يجتاز الأزمة المالية العامية، في 2008- 2009، من دون أي أضرار تذكر على المستوى الاستراتيجي، وقد عايش الاقتصاد ركودا لبضعة أشهر في العام 2009، وعاد النمو إلى وتيرة أعلى.

وقال الملحق الاقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إن مسؤولين كباراً في الوزارات وفي المؤسسات الاقتصادية الرسمية، وفي شركات كبرى، يشعرون بقلق، فقد انقلبت المؤشرات دفعة واحدة. وفي حين سجّل النمو في الربع الأول من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 8ر4%، فإن الربع الثاني سجل ارتفاعا بـ 2%، وهذه نسبة ركود، لكونها تلامس نسبة التكاثر السكاني السنوي، وهي حوالي 9ر1%.

وقد يضطر بنك إسرائيل ووزارة المالية إلى تعديل تقديراتهما للنمو الاقتصادي للعام الجاري. فقد أشارت آخر توقعات للنمو الاقتصادي، صادرة عن البنك المركزي، أن النمو في هذا العام سيرتفع بنسبة 7ر3%، بدلا من نسبة 4ر3% وفق تقديرات سابقة، في حين سيرتفع النمو في العام المقبل 2019 بنسبة 5ر3%، وهذا مطابق للتقديرات السابقة. أما تقديرات وزارة المالية للنمو في العام الجاري، فهي ما تزال عند نسبة 5ر3%، بينما تقديرات منظمة التعاون مع الدول المتطورة OECD مطابقة لتقديرات بنك إسرائيل المركزي، فقد سبقته بهذه التقديرات منذ أشهر.

وكان النمو قد سجل في العام 2017 نسبة 4ر3%، بعد أن كان قد سجل في العام 2016 ارتفاعا بنسبة 4%، فاجأت الأوساط الاقتصادية.

أما التضخم المالي، فقد سجل في شهر آب الماضي ارتفاعا بنسبة 1ر0%، وبذلك بات التضخم في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري بنسبة 1%، في حين أن التضخم في الأشهر الـ 12 الأخيرة ارتفع بنسبة 2ر1%. وهذا عمليا تضخم في نطاق الهدف الذي وضعته السياسة الاقتصادية في سنوات الألفين، ما بين 1% إلى 3%. وحسب التقديرات الأولية، فإن التضخم سيكون في العام الجاري ما بين 8ر0% إلى 2ر1%.

وحتى الآن، تتفق جميع التقديرات على أن السوق الإسرائيلية مقبلة على موجة غلاء في شتى القطاعات، وليس فقط في أسعار البيوت، التي تتخبط التقارير بشأن ارتفاعها أو تراجعها، إذ أن الحديث يجري أساسا عن ارتفاعات أكثر في أسعار المواد الغذائية، وأيضا في أسعار الخضراوات والفواكه، في حين أن أسعار النفط في العالم باتت أعلى مما كانت عليه في النصف الأول من العام الجاري، ما سيقود حتما إلى رفع أسعار الوقود، إلا إذا تراجع سعر صرف الدولار مجددا أمام الشيكل.

وعلى صعيد البطالة، فقد سجلت في شهر آب الماضي نسبة 2ر4%، بعد أن وصلت في الثلث الأول من العام الجاري أدنى مستوى لها، 8ر3%. إلا أن محللين يقولون إن البطالة ما تزال متدنية، لأن النسبة بين من هم في جيل العمل من 25 عاما إلى 64 عاما، ما تزال في حدود 9ر3%، وهي نسبة تعد لا بطالة، كون الغالبية العظمى من هؤلاء هم في فترة تنقل من مكان عمل إلى آخر، بمعنى لا وجود لنسبة بطالة مزمنة كبيرة.

تراجع جباية الضرائب

ويستدل من التقارير الأخيرة لسلطة الضرائب، الصادرة في الأيام الأخيرة، أنه عمليا لم يعد فائض في جباية الضرائب، فحتى الفائض القليل الذي تم تسجيله في النصف الأول من العام الجاري بدأ يتلاشى، خلافا لما كان في السنوات الخمس الأخيرة على الأقل. يضاف إلى هذا أن صرف الميزانية العامة بات أقرب إلى نسبة 100%، ما أمسى يهدد الاحتياط الذي تنص عليه موازنة العام الجاري.

ونذكر أنه في السنوات الخمس الأخيرة كانت تسجل خزينة الضرائب فائضا بنسبة 6% بالمعدل، وهذا كان مليارات الدولارات، أتاحت للحكومة تقليص الدين العام، وتحويل قسم منه إلى ميزانية الجيش، إضافة إلى الفائض الحاصل في الموازنة العامة. وطيلة تلك السنوات كانت الحكومة تسعى، في الشهرين الأخيرين من كل عام، لزيادة الصرف للوصول إلى سقف العجز المالي المحدد في كل واحدة من ميزانيات السنوات الأخيرة.

أما حاليا، وحسب التقارير، فإن الفائض يتراوح ما بين 5ر1% إلى 2%، وهناك احتمال لتلاشي هذا الفائض مع اكتمال العام الجاري، إذ قال تقرير لوزارة المالية، صدر في نهاية شهر آب الماضي، إن كل المؤشرات تدل على أنه في هذا العام لن يكون فائض في جباية الضرائب، بالقدر الذي كان في السنوات الخمس الماضية، التي كان فيها المعدل السنوي للفائض 6%، أعلى مما هو مخطط، بينما يجري الحديث حاليا عن فائض لهذا العام قد لا يتجاوز نسبة 2%، ما سيجمد بالضرورة برامج للتخفيض الضريبي، الذي وضعه وزير المالية موشيه كحلون، مع رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، في النصف الأول من العام الجاري. وعمليا لا يوجد اليوم أي حديث عن أي تخفيض ضريبي.

وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الحديث انتهى عمليا حول تخفيض ضريبة القيمة المضافة، إذ كان كحلون قد ألمح سابقا إلى احتمال خفضها إلى نسبة 16%، بدلا من 17% اليوم.

الفائدة البنكية

وأمام واقع التضخم المالي، فإن الأنظار باتت تتجه أكثر نحو الفائدة البنكية، التي ستبقى في الشهر المقبل تشرين الأول عند مستواها، 1ر0%، للشهر الـ 44 على التوالي. والاعتقاد السائد هو أن بنك إسرائيل قد يعلن عن رفع الفائدة البنكية، إما في شهر تشرين الثاني، أو كانون الأول، الأخير من العام الجاري، وذلك إلى نسبة 25ر0%، لتكون وفق تقديرات بنك إسرائيل في نهاية العام 2017. وبرغم أن البنك توقع مرارا رفع الفائدة في العامين الماضيين، فإن وتيرة التضخم وتعزز قيمة الشيكل أمام الدولار، كانت تمنع ذلك.

غير أن محافظة بنك إسرائيل، كارنيت فلوغ، أعلنت مباشرة أنه لن يكون ارتفاع في الفائدة البنكية، طالما أن التضخم لا يتمركز لعدة أشهر في قلب النطاق الذي حددته السياسة الاقتصادية، ما بين 1% إلى 3%، وهذا ما فسّره المحللون بأن البنك سيرفع الفائدة إذا رسا التضخم لعدة أشهر عند نسبة 2%، وفي حال كان هذا فعلا قصد البنك المركزي، فإن الفائدة لن ترتفع في هذا العام، ولا حتى في النصف الأول من العام المقبل، خاصة وأن سعر صرف الدولار أمام الشيكل تراجع مجددا في الشهر الأخير، وهبط عن حاجز 6ر3 شيكل للدولار، بعد أن قفز حتى قبل شهرين عن حاجز 7ر3 شيكل للدولار؛ في حين أن رفع الفائدة سيزيد من اقبال المستثمرين على الأسواق المالية الإسرائيلية، ما سيساهم في خفض أكثر لسعر الدولار، وهو ما ينعكس سلبا على قطاع الصادرات.

لكن فلوغ ستغادر منصبها في شهر تشرين الثاني المقبل، إذ أبلغت وزير المالية موشيه كحلون، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أنها ليست معنية بطلب تمديد ولايتها إلى ولاية أخرى من خمس سنوات. ومن شأن استبدال الأشخاص أن يتبعه تغيير في التوجهات؛ فعلى سبيل المثال تقول التقارير الاقتصادية إن في اللجنة المختصة بالفائدة في بنك إسرائيل عضوا واحدا من أصل أربعة يطالب باستمرار برفع الفائدة البنكية.

بين قلق وتفاؤل

ونقلت "يديعوت أحرونوت" عمن وصفته بأنه مسؤول كبير في وزارة المالية قوله: "لأسفنا إن الفائض الكبير في جباية الضرائب وفي الموازنة العامة، الذي عرفناه في السنوات الأخيرة قد انتهى، ونحن عمليا في عهد جديد". وقد كان الفائض في السنوات السابقة ناجما عن صفقات ضخمة في الاقتصاد الإسرائيلي، مثل بيع شركات ضخمة، خلال العامين الماضيين، بينما هذا العام لا توجد صفقات بهذا المستوى. كما أن سلطة الضرائب كانت قد أجلت في وقت سابق قسماً من مرتجعات ضريبية للجمهور، وهو ما يتم تسديده في العام الجاري. وحسب المسؤول فإن هذا التراجع في جباية الضرائب من شأنه أن يزيد العجز في الموازنة العامة.

في المقابل تنقل الصحيفة ذاتها عن مسؤولين في محيط وزير المالية قولهم إنهم ليسوا مذهولين من وضعية الاقتصاد، ويعتبرون "أن الوضع ما زال جيدا جدا، وسيستمر هكذا"، وأضافوا أن الاقتصاد ما زال في وضع جيد، لكن في كل اقتصاد هناك اهتزازات في مراحل معينة، إلا إن هذا لا يعني أن الاقتصاد الإسرائيلي دخل مرحلة مختلفة كليا عما كان حتى الآن.

وهذا يناقض ما قاله مسؤول آخر في وزارة المالية للصحيفة بأن مؤشرات النمو المنخفضة، وارتفاع نسبة البطالة مجددا، وارتفاع أسعار البيوت من جديد، يستوجب التفكير من جديد في وضعية الاقتصاد. وعلى هذا الأساس فقد تشكل في مطلع الشهر الجاري طاقم في وزارة المالية يضم ممثلين عن مؤسسات مالية واقتصادية رسمية لمتابعة هذا الأمر ولوضع آليات لمنع التدهور.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات