المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكدت مصادر في بنك إسرائيل المركزي للصحافة الاقتصادية الإسرائيلية، أن البنك استأنف في الأيام الأخيرة تدخله في سعر صرف الدولار أمام الشيكل، بعد أن سجل في الأسابيع الثلاثة الأولى من العام الجاري تراجعا اضافيا بنسبة 3ر1%، وبات في حدود 42ر3 شيكل للدولار، وهو المستوى الذي هبط اليه في العام 2014، وكما يبدو فإن التوجه قد يكون إلى انهيار اضافي.

 

ومع هذا الانهيار الجديد لسعر الدولار، يكون قد استكمل انهيارا بنسبة 13% منذ مطلع العام 2017، وانهيارا بنسبة 5ر16% مقارنة مع ما كان في مطلع العام 2016. والمتضرر الأكبر من هذا الانهيار، هم المصدّرون، الذين تراجعت مداخيلهم بالعملة المحلية، وهذا ما يقود إلى أزمات في شركاتهم، فيما أن الجمهور تقريبا لا يشعر بهذا الانهيار على مستوى الأسعار. ولربما أنه يلمس هذا أكثر لدى السفر إلى الخارج، مع كلفة الاقامة.

ويقول قسم الاستشارة للشؤون الاستثمارية في بنك ليئومي، إن انخفاض سعر صرف الدولار أمام الشيكل، لم يكن بسبب انخفاضه بشكل خاص أمام العملات العالمية، وهذا ما يزيد من احتمالات تدخل بنك إسرائيل في سعر الصرف، من خلال شراء دولارات، بعد أن توقف عن هذا في الأشهر القليلة الماضية.

ويقول الخبير الاقتصادي يوسي فرايمان إن ارتفاع قيمة الشيكل يشكل ضربة للاقتصاد الإسرائيلي، وبالذات في قطاع الصادرات، إذ أن ثمن البضائع بالشيكل سيكون منخفضا. في حين يقول خبراء آخرون إنه ليس بوسع المصدّرين رفع أسعارهم بالدولار، لأن في هذا خسارة للمنافسة الشديدة في الأسواق العالمية.

والمشكلة الآنية التي تزيد من التبعات الاشكالية لانخفاض سعر صرف الدولار، هي أن كل الشركات تقريبا، بنت ميزانياتها للعام الجديد على أساس معدل سعر صرف للدولار 5ر3 شيكل للدولار. وإن انهيار سعر الصرف، سيغير الكثير من صفقات الشركات ومردودها بالشيكل. وتزداد القضية حدة، على ضوء توقعات بأن يواصل سعر صرف الدولار انهياره، إلى ما دون 4ر3 شيكل للدولار، كما جرى في العام 2011.

وكان سعر الدولار قد سجل قبل سنوات طويلة ارتفاعا حادا، فمثلا في صيف العام 2004، بلغ سعر الصرف 85ر4 شيكل للدولار. وجرى في حينه الحديث عن أن سعر الدولار سيتجاوز حاجز 5 شواكل، إلا أنه منذ ذلك الحين تراجع إلى محيط 3ر4 شيكل للدولار. وبدأ مسيرة تراجعه السريعة والحادة ابتداء من النصف الأول من العام 2007. وفي العام 2008، هبط سعر الدولار إلى 2ر3 شيكل للدولار، وبعدها بدأ يرتفع وفي غضون عامين، بدأ يتراوح سعره ما بين 75ر3 إلى 95ر3 شيكل للدولار. وفي العام 2014، عاد الدولار وانهار إلى مستوى 5ر3 شيكل للدولار، كما هو الآن، ولكنه في غضون ستة أشهر، أي حتى نهاية ذلك العام ذاته، عاد الدولار إلى معدل 9ر3 شيكل للدولار. ثم بدأ يتراجع تدريجيا في العام 2016، وازدادت وتيرة تراجعه في العام الماضي 2017.

الاستمرار في شراء الدولارات

وقالت محافظ بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ، في الاسبوع الماضي، إن من عوامل ارتفاع قيمة الشيكل أمام الدولار، هو الوضع الجيد للاقتصاد، حسب وصفها. وأشارت إلى أن تراجع سعر صرف الدولار أمام العملات العالمية، هو أيضا مساهم في تراجع قيمته أمام الشيكل.

وقالت فلوغ إن سياسة شراء الدولارات في بنك إسرائيل ستستمر في العام الجديد 2018، كما كان في السنوات الماضية. وكانت فلوغ قد قالت في وقت سابق، إن سياسة شراء العملات الأجنبية هي جزء من سياسة الفائدة لدى البنك المركزي، وجزء من نهج البنك، لتطبيق أهداف السياسة الاقتصادية، والتي هي: الحفاظ على استقرار الأسعار، ودعم السياسة الاقتصادية الحكومية، التي تهدف إلى ضمان النمو الاقتصادي، وفتح أماكن عمل، وتقليص الفجوات بين الشرائح المختلفة، وضمان استقرار مالي.

وأضافت فلوغ أنه خوفا من توجيه ضربات لقطاع الصادرات، فإن البنك يتبع سياسة شراء العملات الأجنبية بشكل متعاظم. فالبنك الذي يغلق ابوابه بسبب تراجع مردود الصادرات، لن يفتح ابوابه مجددا. وبواسطة شراء العملات في بنك إسرائيل يلجمون ارتفاع قيمة الشيكل، ولكن في المقابل على المصدرين أن يلائموا انفسهم للأوضاع الناشئة، وأن يضمنوا استمرار قدرتهم على المنافسة في الاسواق العالمية.

وتقول فلوغ إنه على الرغم من شراء العملات الأجنبية، وارتفاع احتياطي بنك إسرائيل المركزي إلى أكثر من 100 مليار دولار، فإن الاحتياطي ما يزال يشكل 30% من حجم الناتج العام. بينما في دولة مثل سويسرا، فإن حجم الاحتياط من العملات يعادل حجم الناتج. وفي التشيك، يصل حجم الاحتياط إلى 60% من حجم الناتج العام.

وكثف بنك إسرائيل المركزي في السنوات العشر الأخيرة من شراء العملات الأجنبية، وخاصة الدولار، حتى ارتفع احتياطي البنك من العملات الأجنبية، من 28 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام 2008، إلى أكثر من 100 مليار دولار في هذه الأيام. ويرى البنك أن احتياطي البنك كان يجب رفعه من أجل أن يكون ملائما لحجم النشاط الاقتصادي الإسرائيلي في الأسواق العالمية، إلا أن البنك استخدم شراء الدولارات، من أجل محاربة وقف تراجع سعره.

وواجه بنك إسرائيل مرارا انتقادات لسياسة شراء الدولارات، إلا أن فلوغ كانت قد دافعت عن هذه السياسة قبل بضعة أشهر بقولها إن توقف البنك عن شراء العملات الأجنبية، من شأنه أن يؤدي إلى أضرار لا يمكن اصلاحها للاقتصاد الإسرائيلي.

الصناعيون قلقون

ويطالب اتحاد الصناعيين الإسرائيلي الحكومة ووزارة المالية خاصة، بالقيام بسلسلة من الاجراءات لمواجهة ظاهرة الاتجار بأسعار العملات، وهم من أكبر عوامل التلاعب بسعر صرف الدولار أمام الشيكل. ومن بين الاجراءات التي يطالبون بها، فرض ضريبة أعلى بشكل ملموس على الصفقات الاستثمارية الخاطفة، بمعنى تلك التي لا تعمر طويلا، وتهدف لكسب أرباح من سعر صرف الدولار المنخفض. كما يطالب المصدرون بتسهيلات وتعويضات من الحكومة، وقد كان مثل هذا الدعم في العام 2008.

وقال رئيس اتحاد الصناعيين، شراغا بروش، في حديث لصحيفة "ذي ماركر"، إن بنك إسرائيل المركزي ملزم بمعالجة التغيرات في سعر صرف الدولار، الناجمة بقسمها الأكبر عن نشاط المستثمرين في العملات الأجنبية. وقال "إن سعر صرف الدولار لا يمكننا تحمله من ناحيتنا. ولا يوجد أي منطق بالتعايش مع سعر صرف منخفض كهذا، خاصة وأن التوجه الظاهر هو استمرار انخفاض سعر الصرف. ففقط في السنة الأخيرة انخفض سعر الصرف بنسبة 11%".

وتابع بروش قائلا إنه إذا نجح المستثمرون بالعملات في التحكم بسعر صرف الدولار بأدوات حسابية، من أجل أن يحققوا ارباحا، فإنه على بنك إسرائيل أن يحمي سعر الصرف بأدوات أكثر دقة ونجاعة. كما أن البنك ملزم بالإعلان عن أنه سيكافح المستثمرين بالعملات الأجنبية بكل حزم، كي يخرجوا من الاقتصاد الإسرائيلي.

ويقول أحد الصناعيين الكبار، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، للصحيفة ذاتها، إن الدولار خسر من قيمته أمام الشيكل خلال عامين 15%، وهذا أضر بالصناعيين مرتين. أولا بسبب المردود المنخفض بالشيكل سيكون من الصعب على الصناعيين أن يخططوا للمستقبل. وثانيا أنه بسبب تدني سعر الصرف تصبح أسعار البضائع المستوردة أرخص بكثير، ما يزيد من الصعوبة على البضائع المحلية للمنافسة. ما يعني أن الضرر لا يطال فقط المصدرين، وإنما أيضا الصناعات المحلية، التي في الأسواق ما ينافسها من بضائع مستوردة.

وتقول الصحافة الاقتصادية إن القلق يتزايد لدى قطاع التقنيات العالية، التي ترتكز بقدر أكبر من غيرها على التجارة مع العالم، إن كان على مستوى الصناعات أو على صعيد تقديم الخدمات للعالم. ويقول مسؤولون في قطاع التقنية العالية إن سعر الصرف المتدني يشكل ضربة خطيرة للقطاع. وأضافوا أن بنك إسرائيل المركزي أقدم على اجراءات اقتصادية جدية وواسعة من أجل لجم سعر الصرف، ولكن منذ حوالي ستة أشهر فإن بنك إسرائيل لم يفعل شيئا للجم سعر صرف الدولار الذي يواصل تراجعه.

في المقابل، وحسب تقرير في الصحافة الاقتصادية، فإن عددا من الصناعيين قالوا إن بمقدورهم مواجهة انخفاض سعر صرف الدولار، من خلال زيادة نجاعة الانتاج وعصرنة الانتاج، ليرادف هذا فورا الحديث عن تقليص كلفة العمل من خلال تقليص أعداد العاملين. وهذا ما تتخوف منه الأوساط الاقتصادية بالذات، وهو سعي الصناعيين إلى تقليص أعداد العاملين، ما سيقود إلى اعادة سوق العمل إلى مسار البطالة، ومن هناك تكون الطريق قصيرة نحو أزمة اقتصادية.

كما يحذر مختصون من أن يبدأ مستثمرون إسرائيليون بنقل شركاتهم للخارج، سعيا إلى خفض كلفة الانتاج والتحرر من عبء سعر صرف الدولار المنخفض بالنسبة لهم.

 

المصطلحات المستخدمة:

الشيكل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات