المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

هناك احتمال معقول بأنه بعد خمس أو عشر سنوات سننظر للسنوات الأخيرة ونعتبرها واحدة من الفترات التي اتسعت فيها الفجوات الاجتماعية الأكبر في المجتمع الإسرائيلي.

ويوجد لهذا سبب واحد ووحيد: الارتفاع الحاد في أسعار البيوت بنحو 80% خلال سبع سنوات. فمن نجح في شراء بيت قبل الارتفاع الحاد في الأسعار، قفز بثروته عمن لم يشتر بيتا في نفس الفترة.

وهذه عمليا ثروة على الورق، فانهيار أسعار البيوت قد يقلص الفجوات، ولكن مرحليا فإن الوضع القائم يساهم في بلورة الشعور بالثراء لدى من اشترى بيتا، بينما من لم يشتروا بيوتا فإن أحلامهم قد تبددت. فمن خلال ثروة ذاتية صغيرة، وقرض اسكاني ضخم جدا، نجح مشترو البيوت في أن يضاعفوا ثروتهم ولربما أكثر.

قبل 103 سنوات طوّر خبير الاحصائيات الإيطالي كاردو جيني مقياسا لفحص اللامساواة في المداخيل بين الناس، ومنذ ذلك الحين يرتكز العالم على هذا المقياس، الذي يطلق عليه اسم واضعه، كمقياس لفحص حجم الفجوات في المداخيل بين الأغنياء والفقراء. ويفحص المقياس الفوارق بين الناس على أساس المداخيل، وهو يشكل مؤشرا جيدا ليجيب على كيفية تقاسم المداخيل قبل وبعد دفع الضرائب.

ولكن في هذا المقياس هناك نقص كبير، فهو يتجاهل الثراء الذي تراكم بأيدي الناس، من دون علاقة بالمداخيل، مثل الورثة، والهدايا، أو مداخيل لم يتم ابلاغ سلطات الضرائب عنها، وهذا من شأنه أن يعرض أحيانا صورة وضع ليست دقيقة عن الفجوات الاجتماعية الحقيقية في المجتمع، وتكون بالتالي الاستنتاجات ليست صحيحة. فمثلا إذا تقاضى شخصان نفس مستوى الراتب، ولكن يوجد لأحدهما بيت حصل عليه بالوراثة، فإن مقياس جيني يضعهما في نفس خانة تدريج المداخيل، التي يقسمها إلى عشر مراتب.

البيت هو المُلك الأغلى في ملف استثمارات غالبيتنا، وأيضا بند الاستهلاك الأعلى من بين مصاريفنا. وإذا أردنا أن نجري حقيقة حساب الفجوات الاجتماعية بين الجمهور فعلينا أن نأخذ بالحسبان ليس فقط المدخول، الذي من شأنه أن يكون مؤقتا ومتغيرا، وإنما أيضا ملكية العقارات والممتلكات. ويتضح أن هناك من أجرى بالفعل هذا الفحص، وهو "معهد الاصلاحات البنيوية". فقد أقام هذا المعهد المحامي شراغا بيران، أحد أثرياء إسرائيل. وبيران هو أحد أصحاب الأسهم الأكبر في "مجموعة ألون"، التي تملك شبكة التسويق "ميغا"، التي تواجه حاليا صعوبات مالية قاسية. واثنان من الباحثين في المعهد، ماؤور ميلغروم وغلعاد بار لفيف، فحصا اللامساواة في ملكية العقارات في إسرائيل، من خلال استطلاع مكتب الإحصاء المركزي عن العام 2013.

والأخبار السيئة من هذا الاستطلاع أن الفجوات الاجتماعية في مسألة الثراء في إسرائيل أكبر بكثير من الفجوات في الممتلكات. أما الأخبار الجيدة، فهي أنه بخلاف مقياس جيني، الذي بموجبه إسرائيل هي أكثر دولة تشهد حالة "لامساواة"، فإن إسرائيل على مستوى الفجوة في الثراء، تحل في وسط قائمة الدول المتطورة. وتفسير هذا هو أن إسرائيل دولة شابة نسبيا، ليس فيها تقليد أجيال متعددة لنقل الورثة، كما هي الحال مثلا في دول شمال أوروبا، التي فيها فجوات المداخيل أقل.

وبموجب هذا البحث، فإن 10% من السكان في إسرائيل يمتلكون 50% من إجمالي الثراء في إسرائيل، مقابل سيطرتهم على 27% من اجمالي المداخيل، في حين أن 1% يمتلكون 23% من الثراء العام. وبموجب هذا البحث، فإن معدل الثراء للعائلة في إسرائيل هو مليونا شيكل (قرابة 513 ألف دولار)، مقابل معدل 2ر10 مليون شيكل (62ر2 مليون دولار) لدى 10% من السكان. ولدى 1% من السكان يبلغ ثراء العائلة الواحدة معدل 8ر46 مليون شيكل (12 مليون دولار). وبموجب قائمة أكبر 500 ثري في إسرائيل، التي تعدها سنويا صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، فإن 500 عائلة في إسرائيل (من أصل 47ر2 مليون عائلة) تملك 7ر7% من إجمالي الثراء في إسرائيل.

أما في المراتب الاقتصادية- الاجتماعية الدنيا فيتبين من البحث، أن 11% من العائلات في إسرائيل لديها ثراء أقل من ألف شيكل (260 دولارا). كما أن 5% من العائلات مدانة أكثر من قيمة أملاكها، وكما يبدو من بينهم بعض حيتان المال السابقين. كذلك نرى أن 17% من العائلات في إسرائيل، أي 420 ألف عائلة، تعيش في حالة فقر من حيث الممتلكات، وأن قيمة أملاكها لا تكفي لمعيشة ثلاثة أشهر، بموجب الحد الأدنى لسلة الاستهلاك الشهرية.

كذلك هناك احصائية هامة تربط بين الملكية وبين المداخيل والاستقرار في العمل، فضمان العمل يسمح باقتناء ممتلكات في كل مستويات المداخيل، لأن تدفق المداخيل ثابت ومستقر، وهذا ينعكس في النسبة العالية لأصحاب البيوت، وللاستثمارات في السنوات الأخيرة بين العاملين في القطاع العام والبنوك، الأمر الذي يشير إلى أن الفوارق في مستوى ضمان العمل هي جانب هام في اتساع الفجوات.

ولا تكشف الاحصائيات معلومات مثيرة للفزع في المجتمع الإسرائيلي، فالفجوات الاجتماعية هنا هي مسألة معروفة، وكذا بالنسبة لاتساعها في العقود الثلاثة الأخيرة، ولكنها تعرض مسائل هامة منها هل لدولة إسرائيل شأن بتقليص الفجوات؟، وإذا كان الجواب ايجابيا بأي شكل؟. وظاهريا، فإن الحكومة تقر من حين إلى آخر اجراءات تدعم تقليص الفجوات في المداخيل، مثل رفع الحد الأدنى من الأجور، وتطبيق "ضريبة الدخل السلبية"، وتحسين شروط رواتب العاملين ضمن شركات القوى العاملة، ودمج قطاعات فقيرة، مثل المتدينين المتزمتين (الحريديم) والعرب في الاقتصاد، وسن قانون تقاعد عام ورسمي.

وبالإمكان الادعاء أنه من حين إلى آخر فإن الدولة تفعل شيئا، مثل قرار بنك إسرائيل المركزي تقييد رواتب المدراء العاملين في القطاع المالي. ولكن من الصعب الادعاء أن لهذه الحكومة وسابقاتها سياسة منتظمة لتقليص الفجوات الاجتماعية. وعمليا لا توجد أيضا أهداف لتقليص الفجوات في مستوى المداخيل، فيكفي ارتفاع أسعار البيوت كي يقضي على كل هذه الإجراءات.

وهذا يطرح السؤال: إذا أرادات الحكومة تقليص الفجوات فماذا عليها أن تفعل، وأي جوانب عليها أن تعالج؟ هل بالمداخيل أم بالثراء؟ فظاهريا في سوق تنافسي ليس على الحكومة أن تنشغل في مسألة توزيع الثراء والمداخيل، وإنما أن تفسح المجال أمام الأسواق، ولليد المجهولة أن تفعل فعلها. ولكننا خبرنا منذ وقت طويل أن اقتصاد السوق لا يقوم بهذه المهمة، وفي أحيان كثيرة فإن من يخرّب الهدف هي الحكومة بحد ذاتها، فمثلا أسعار البيوت عندنا متأثرة من سيطرة الدولة الكاملة على الأراضي، وعلى أساس هذا فإن الفجوة الحاصلة بين من يملكون بيوتا وبين من لا يملكون تقع على عاتق الحكومة.

والحلول التي يعرضها "معهد الإصلاحات البنيوية"، هي معالجة مسألة الأملاك من الأسفل إلى الأعلى، بمعنى منح حقوق ملكية للسكان في أحياء الضائقة والمدن والبلدات البعيدة عن المركز. وقانون المساكن الشعبية ينص على هذا، ولكن منذ أن نشأ جيل جديد هناك نقص في البيوت. وهذا الجيل الذي يتكبد ارتفاع أسعار البيوت يجب أن يجد عرض السكن الملائم له أيضا في البلدات البعيدة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات