المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

جهاز التعليم الإسرائيلي ينشر حالة من الرعب بين معلّميه وطلابه

شكوى طالبة ضد أحد المربّين بأنه "يعبر عن آراء يسارية متطرفة" قد تؤدي إلى فصله من العمل

كتب سليم سلامة:

لا تزال قضية المربّي الإسرائيلي آدم فيرتي، المدرس في مدرسة "أورط غرينبرغ" الثانوية في بلدة "كريات طبعون" في شمال إسرائيل، تتفاعل بكثير من التداعيات وتثير ضجة واهتماما شديدين، ليس في الأوساط التعليمية والتربوية فحسب، بل أيضا على صعيد الأوساط السياسية والحكومية والإعلامية المختلفة التي تواصل تناول هذه القضية في محاولة لاستجلاء الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اشتعالها، ثم توضيح دلالاتها الجوهرية وما تنطوي عليه من إسقاطات على وضعية جهاز التربية والتعليم في إسرائيل، حاضرا ومستقبلا.

وكانت هذه القضية قد انتشرت، إعلاميا وسياسيا، قبل نحو أسبوعين حينما كشف معلق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية لشؤون التربية والتعليم، أور كاشتي، عن إقدام إدارة شبكة مدارس "أورط" على استدعاء المربي آدم فيرتي إلى "جلسة استماع" تمهيدا لفصله من العمل، وذلك في أعقاب رسالة وجهتها ضده إحدى طالبات المدرسة المذكورة وضمنتها اتهامات بأن فيرتي تفوه أمام طلابه بتصريحات تنم عن "مواقف يسارية متطرفة"!!

لكن الاهتمام والقلق الكبيرين اللذين تثيرهما هذه القضية يتجاوزان ذلك بكثير بطبيعة الحال، كونها قضية فردية محلية في بلدة "هامشية" في إسرائيل، نظرا لما تكشفه عن وجهة التدهور الخطيرة التي يسير فيها المجتمع "الديمقراطي" في إسرائيل، بشكل عام، وجهازه التعليمي ـ التربوي بشكل خاص، بما يعتمل فيه من سيرورات جوهرية ومقومات أساسية. إنها قضية المربي الذي يرفض أن يكون مجرد "أداة" لحشو عقول الطلاب (جيل المستقبل) بالمعلومات وبالمصطلحات السياسية ـ الاجتماعية المهيمنة في خدمة المؤسسة السلطوية الرسمية، وكيفية تعامل هذه الأخيرة مع هذا المربي وأمثاله، وهو ما تدلل عليه، بشكل صارخ، المواقف التي اعتمدتها في هذه القضية كل من إدارة هذه المؤسسة التعليمية (شبكة مدارس "أورط")، وزارة التربية والتعليم والأحزاب السياسية المختلفة في إسرائيل.

التعبير عن "رأي آخر" - خيانة!

وكان آدم فيرتي، مدرّس موضوع "الفلسفة وتراث إسرائيل" في المدرسة المذكورة، قد أوضح تطورات قضيته هذه حين رواها أمام "لجنة الاستماع" التي شكلتها إدارة "شبكة أورط"، خلال "جلسة الاستماع" الأولى: خلال إحدى الحصص التعليمية التي أشرف عليها خلال السنة الدراسية الماضية، ردّ بالضحك على ما قالته إحدى الطالبات (تدعى سابير صابح) من أنه "ينبغي رمي جميع العرب في البحر". وحين سألته الطالبة عن سبب ضحكه، ردّ بأن "آراءها تثير الضحك". وقال فيرتي، أمام "لجنة الاستماع" إنه "يعترف بأن ردّه ذاك لم يكن صحيحا ولا مقبولا" وإن جلسة الاستيضاح التي عقدتها مديرة المدرسة آنذاك انتهت بتقديم اعتذاره للطالبة. وبعد ذلك ببضعة أشهر، قالت الطالبة ذاتها، خلال إحدى الحصص التعليمية، إن "في دولة إسرائيل عقوبة إعدام للخونة"، ثم خاطبتني قائلة: "أنت خائن"! وفي أعقاب ذلك، طلبت مديرة المدرسة من الطالبة الاعتذار لي، لكنها رفضت. ولم تلزمها المدرسة بذلك! أما الجولة الأخيرة فجاءت في مطلع الشهر الحالي حينما وجهت الطالبة صابح رسالة شكوى ضدي إلى وزير التربية والتعليم، شاي بيرون، الذي قام بتحويلها إلى المدرسة للمعالجة.

وتضمنت رسالة شكوى الطالبة ضد المربي "اتهامه" بأنه "يعبر عن آراء يسارية متطرفة" وبأنه قال أمام طلابه إن "الجيش الإسرائيلي غير أخلاقي" وإنه "يخجل بجيش دولته" وإن "دولة إسرائيل ليست دولة اليهود، بل دولة العرب"!

وردا على هذه "الاتهامات"، نفى فيرتي ادعاء الطالبة الأخير بشأن دولة إسرائيل، وتوقف عند ما ادعته بشأن عدم أخلاقية الجيش الإسرائيلي، وهو ما تبين أنه النقطة الأهمّ والأكثر حساسية لدى إدارة "شبكة أورط"، التي قال مديرها العام، تسفي بيلغ، إنه "من غير الجائز الاعتراض على أخلاقية الجيش الإسرائيلي"! وقال فيرتي إن "بعض الطلاب طرحوا، خلال الحصة التدريسية، الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم"، فحاول هو مناقشة الطلاب: "قُلت إن هذا الادعاء إشكاليّ، لأنهم يفترضون كون الجيش الإسرائيلي الأكثر أخلاقية في العالم كبديهية، بصرف النظر عما إذا كنت جميع ممارساته أخلاقية أم لا. وعلى هذا دار النقاش: ليس على أخلاقية الجيش الإسرائيلي، إنما تحليل فلسفي لهذا الادعاء. وفي نهاية النقاش، سألني الطلاب حول رأيي في الموضوع، فقلت إن ثمة بين ممارسات الجيش ما هو غير أخلاقي. وإذا ما كانت رؤية المدرسة، كمؤسسة تربوية، إن كل ما يقوم به الجيش هو أخلاقي – فهذا وضع خطير، برأيي"!

وأوردت الطالبة، في رسالة الشكوى ضد المربي، "اتهاما" آخر مؤداه أن فيرتي قال، في مؤتمر عقد في خارج البلاد، "تحيا فلسطين"! وردا على هذا، أوضح فيرتي أن الأمر حصل قبل بضع سنوات لدى افتتاح معرض كان يعمل هو فيه في مدينة نيويورك، ردا على تصريحات أدلى بها نائب وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، داني أيالون، ضد العرب والفلسطينيين. وأضاف فيرتي: "أنا على استعداد لتقبل الادعاء بأنه لم يكن من اللائق أن أقول هذا أمام الطلاب، لكنني لا أعتقد بأن في ذلك مخالفة قانونية.... إنه من سوء حظنا اعتبار الحديث عن حقوق الإنسان تطرفا يساريا. فإذا كان يتم اعتبار رأي بأن ممارسات ما تنتهك كرامة الإنسان (سواء كان لاجئا إفريقيا أو فلسطينيا على الحاجز العسكري) موقفا سياسيا، فإن وضعنا سيء للغاية. إذ ليس من الممكن اعتبار القيم الإنسانية الأساسية موقفا سياسيا. إنها ليست كذلك، بل هي قيم يفترض أن تكون مقبولة لدى مختلف التوجهات السياسية في دولة ديمقراطية. ويؤكد مرسوم المدير العام لوزارة التربية والتعليم، على نحو صريح، ضرورة إتاحة التعبير عن مختلف المواقف والآراء في الصفوف التعليمية، باستثناء الآراء العنصرية"!

مسعى انتقامي صارم وسريع

منذ الكشف عن هذه القضية، بذلت "شبكة مدارس أورط"، بمختلف مستوياتها الإدارية، جهدا واضحا للتنديد بهذا المربي وبالمواقف والآراء التي نُسبت إليه في "لائحة الاتهام"، للتنصل منه ومنها، ثم لاتخاذ إجراءات إدارية سريعة وصارمة لمعاقبته، حتى كادت تفلح في تنفيذ ذلك، لولا الكشف الإعلامي عن القضية وتفاعلاتها ولولا تجند عدد غير قليل من طلاب هذا المربي وزملائه المربين الذين حذروا من "المسّ بقدرة المربين على التربية"، في ظل صمت مطبق من وزارة التربية والتعليم، وزيرها، وقادة الأحزاب السياسية في البلاد.

فقد لجأت إدارة الشبكة، على الفور، إلى وقف عمل المربي ومنعه من دخول المدرسة "حتى انتهاء البتّ في الأمر"، ثم قامت باستدعائه إلى "جلسة استماع" تمهيدا لفصله من العمل، وأتبعتها بجلسة استماع أخرى، ثانية، عقدت الأسبوع الماضي، أمام "لجنة استماع خاصة" ضمت ثلاثة من مسؤولي الشبكة: نائبة المدير العام للشبكة لشؤون القوى البشرية، ميراف عطاري، المديرة اللوائية في الشبكة، ليئه كلاينمان، ومدير مدرسة الشبكة في بلدة "كريات طبعون"، آفي شفارتس.

وحسب مراسل صحيفة "هآرتس" لشؤون التربية والتعليم، أور كاشتي، فإن الاستماع إلى التسجيل الصوتي الكامل لما دار في جلسة الاستماع (والذي نشرت الصحيفة مقاطع أساسية منه) "يثير الرعب": من التهديدات التي تعرض لها فيرتي، من غياب أي تعاطف أو دعم من جانب مسؤولي "شبكة أورط"، من التشبث العنيد بـ "مبادئ تربوية عقيمة"! مضيفا أن "مجريات جلسة الاستماع، وخاصة الادعاءات التي قدمها مسؤولو الشبكة، تشكل الدرك الأسفل التربوي"! وبينما كانت إدارة الشبكة قد ادعت، منذ تفجر القضية وفي جميع وسائل الإعلام، بأن فيرتي "اعترف خلال جلسة الاستماع بأنه قال، فعلا، إن الجيش الإسرائيلي هو جيش غير أخلاقي وإن أقواله تلك كانت أحادية الجانب ومتطرفة وإنه هو الذي طلب، شخصيا، النظر في وقف عمله في الشبكة"، تقدم مجريات الجلسة ـ كما تم تسجيلها بالصوت ـ صورة مغايرة تماما، أكثر تعقيدا من مجرد عرض المربي وكأنه "تجاوز جميع حدود اللباقة والأعراف المرعية في الحوار"، كما عرضته الشبكة.

فقد حاول فيرتي إقناع رؤسائه بأن "التعبير عن آرائي أمام الطلاب ليس مخالفا للأنظمة ... ولا أرى حاجة إلى الاعتذار عن منهجي التربوي بأن أكون منفتحا مع الطلاب، لا في محاولة لإقناعهم، ولا في محاولة للتأثير عليهم، بل في محاولة للتعامل معهم بصدق وصراحة وتدريبهم على التصرف بالمثل... أنا لا أحاول إقناعهم برأي ما، بل أحاول أن أعرض أمامهم الرأي الآخر، المخالف، إلى جانب مساعدتهم في استجلاء الحقيقة... وهو ما يشهد عليه جميع طلابي، تقريبا، بمن فيهم مؤيدو ميخائيل بن آري أيضا" (أحد زعماء جماعة كهانا)! وفي المقابل، حاول مسؤولو الشركة "إقناعه" بأنه اقترف جريمة بـ "الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي هو جيش غير أخلاقي"، لأن ذلك يشكل "ممارسة الحق في التفسير، دون أن تكون مخول الصلاحية" (!) وبأن عليه، بالتالي، "استخلاص العبر"!

وشكا فيرتي أمام اللجنة من أن النص الكامل لرسالة الشكوى التي وجهتها الطالبة صابح نشر، بالكامل، على صفحة "الفيسبوك" التابعة لعضو الكنيست السابق ميخائيل بن آري ("الاتحاد القومي" - حركة امتداد لحركة "كاخ" التي أسسها الفاشي مئير كهانا)، وحظيت بسيل من التعليقات التي تضمن بعضها تحريضا سافرا ضده وضد الطلاب والمعلمين الذين أبدوا تأييدا وتعاطفا معه، بل تهديدات مباشرة على حياته وحياة زوجته. وقال: "ليس ثمة سبب في أن تُشن حملة تهديد وتحريض هوجاء ضد مربٍّ يعمل في مدرستكم دون أن يصدر أي رد أو تعقيب من جانبكم. إن حقيقة التزام المدرسة الصمت حيال هذه الحملة التحريضية، باستثناء اثنين من المدرسين الذين تربطني بهم علاقة شخصية، هو مؤشر خطير جدا".

لكن مسؤولي الشبكة يواصلون "الحوار" معه باتجاه إدانته، استنادا إلى ادعاءات الطالبة وما ورد في رسالة الشكوى التي وجهتها ضده: "هكذا تدحرجت الأمور. ومَن يدخل في حفرة كهذه، يتعين عليه أن يدرك إسقاطات ذلك. إنها كرة ثلجية"! ثم تخاطبه نائبة المدير العام للشبكة لشؤون القوى البشرية، ميراف عطاري، فتقول: "لا بد أنك تدرك أن الآراء التي عرضتها أمام الطلاب هي آراء متطرفة جدا، لا تنسجم مع التيار المركزي... ألا تفهم هذا؟ إنك تتحدث عن منهج تربوي مناقض لتوجهات وزارة التربية والتعليم.... أنظر إلى أين أوصلتنا، إنها مادة متفجرة... أنظر إلى أين أوصلت نفسك بطريقة التربية هذه"!! ثم لا تجد عطاري أي حرج في اعتماد أسلوب مباشر، تماما: "سأحاول تقديم اقتراح للخروج من هذه المشكلة: لن نقوم نحن بفصلك من العمل، بل تقوم أنت بتقديم استقالتك بادعاء إنك لا ترغب في مواصلة العمل في المدرسة على خلفية التطورات التي حصلت... إنني أرى أن هذا هو المخرج الأمثل لحل هذه المعضلة، مشكلتك أنت ومشكلة الجهاز برمّته... أكتُب أنك غير معني بمواصلة التعليم في المدرسة ولا تقلق بالنسبة للطلاب: إن أردت توديعهم فسنهتم بأن يتم ذلك بصورة محترمة. بالإمكان التوصل إلى حل مُرضٍ يتيح لجميع الأطراف مواصلة الحياة بصورة طبيعية... أقترح عليك تقديم استقالتك، لمصلحتك أنت ولمصلحة الجهاز كله"!!

جهاز التعليم ينشر الرعب بين طلابه ومعلميه!

لم تلتفت إدارة "شبكة أورط" ووزارة التربية والتعليم (التي حولت إليها شكوى الطالبة) إلى الآراء العديدة المخالفة لرأي الطالبة المشتكية، والتي تؤكد أن فيرتي تصرف طبقا لتعليمات الوزارة بمحاولته إجراء نقاش مفتوح ونقديّ بين الطلاب، بل وتشجيعهم على بلورة آرائهم ومواقفهم. ولم تُعر إدارة الشبكة، والوزارة أيضا، أدنى اهتمام للمظاهرة التي نظمها المئات من طلاب وخريجي المدرسة نفسها وأهاليهم، ولا للعريضة التي جمعوا عليها التواقيع تأييدا للمربي فيرتي وتأكيدا لدوره البنّاء في توعيتهم وصقل وعيهم النقدي. وقال أحد الطلاب المشاركين في المظاهرة إن ما يجري في هذه المدرسة هو "كم أفواه للمعلمين وللطلاب"، فيما قال آخر إن "القضية لم تعد تخص المربي فيرتي وحده فقط، بل أصبحت أكبر وأوسع بكثير: إننا نطالب بالتوقف عن نهج كم أفواه المعلمين وإتاحة مجال أوسع للتفكير النقدي"! وقال أحد المعلمين في المدرسة نفسها: "المعلمون أصبحوا جمهورا من الخائفين الذين يتصرفون بحذر شديد لئلا يتجاوزوا الخط الرسمي"! وأضاف: "ينبغي الانتباه إلى حالة عدم التوازن السائدة في جهاز التعليم: فالمعلمون الذين يأخذون طلابهم إلى الخليل لزيارة المستوطنين فيها والتضامن معهم يحظون بالتصفيق والتقدير، بينما يوصم أي معلم يرفض القيام بهذا بأنه يساري خطير يجب إبعاده ومنعه من التحدث إلى أبناء الشبيبة"!!

وعلى خلفية الحاصل مع المربي فيرتي، قام مدير المكتبة في المدرسة نفسها بنشر قصيدة القس الألماني مارتن نيملر، الذي قاوم النازية، بعنوان "لم أرفع صوتي"، على مدونة المكتبة. لكن إدارة الشبكة سارعت إلى إصدار أوامرها له بشطب القصيدة من المدونة، موضحة له بأنه "في الإمكان ذكر ألمانيا النازية في يوم ذكرى الكارثة فقط"!! وهو ما عقب عليه أحد المربين في المدرسة بالقول: "حالة من الهلع المطبق تسود هنا"!!

وعلى الرغم من أن وزارة التربية والتعليم لا تزال تلتزم، رسميا، موقف الصمت حيال ما يجري في هذه المدرسة وفي "شبكة أورط"، إلا أن بعض وسائل الإعلام نقلت عن موظفين كبار في الوزارة تنديدهم بما يجري واتهامهم بأن "شبكة أورط تجري محاكمة ميدانية للمربي فيرتي"! وأعاد هؤلاء الموظفون التذكير بفصل المفتش العام لموضوع المدنيات في وزارة التربية والتعليم، أدار كوهين، في شهر آب 2012، استجابة لضغوط سياسية شديدة مارستها الأحزاب اليمينية على المديرة العامة السابقة للوزارة، داليت شطاوبر، على خلفية مصادقته على كتاب جديد لتدريس موضوع المدنيات بعنوان "على درب المواطنة"، بزعم أن الكتاب "يشتمل على أخطاء كثيرة وفيه انحياز سياسي، إذ تميز مضامينه بحق مجموعات ومجتمعات في إسرائيل وتظهر الخلافات والنقاشات بين اليمين واليسار وكذلك العرب واليهود بشكل غير متوازن"!! لكن الحقيقة أن الحملة اليمينية ضد الكتاب أثيرت بسبب ما تضمنه من إشارات إلى وجود رواية فلسطينية، إلى جانب الإسرائيلية الصهيونية، وغيرها مما لم يرق لبعض العاملين في الوزارة ولبعض السياسيين، الذين يصرون على عدم ذكر الرأي الفلسطيني بأي شكل من الأشكال.

وأكد موظفو الوزارة المذكورون أن فصل أدار كوهين "لا يزال يشكل شارة تحذير أمام كل مَن يحاول الخروج عن المسار الرسمي المركزي. هكذا تعمل منظومة الكبت وكم الأفواه"! ولفت الموظفون أنفسهم إلى أن معلمي موضوع المدنيات في المدارس الإسرائيلية، عامة، يشكون منذ بضع سنوات تخوفا حقيقيا وشديدا من مغبة إقدامهم على مناقشة مواضيع "حساسة" مختلف عليها أمام طلابهم. ويتذمر المعلمون من أن "قائمة الممنوعات هذه آخذة في الازدياد والاتساع باستمرار، حتى أصبحت تشمل الآن، أيضا، مواضيع تتعلق بحقوق الإنسان وبحقوق الأقلية العربية في الدولة ذات الأغلبية اليهودية". والخوف نفسه، أيضا، يسود بين مدرّسي موضوع التاريخ الذين يؤكدون أنهم يجدون صعوبة بالغة في طرح ومناقشة "مواضيع تتعلق بالمسؤولية اليهودية عن طرد الفلسطينيين في العام 1948، بحدود 1967 أو بتنازلات للجانب الفلسطيني.... أما العنصرية والتمييز، تجاه العرب أو المهاجرين، فليس ثمة مَن يتطرق إليهما، إطلاقا تقريبا"!

ومن بين الجهات التي نشرت رسائل مفتوحة تعبر عن دعمها وتأييدها للمربي آدم فيرتي، كتب "مجلس معلّمي المدنيات"، مثلا، إلى وزير التربية والتعليم، شاي بيرون، يقول: "عندما يلجأ جهاز التعليم إلى ردات فعل كهذه على أحداث من هذا القبيل، بما يضع المربّي في موقع المتهم، فإن الرسالة التي تـُبث إلى جمهور المعلمين والطلاب، على حد سواء، هي رسالة إشكالية جدا... إن اعتماد رسالة يتيمة من طالبة وحيدة لشن مثل هذه الحملة، التحريضية، التهديدية والعقابية، ضد أحد المربين من شأنه تكريس وتعزيز ثقافة الإذعان للخط السائد، ثم الخوف، بل الرعب، بين المعلمين وبين الطلاب كافة"!

ويبقى السؤال المركزي الآن، بعد هذه الحملة الترهيبية وبصرف النظر عن النتيجة النهائية التي ستؤول إليها قضية المربي فيرتي العينية: هل سيكون جهاز التعليم الرسمي في إسرائيل قادرا، بعد اليوم، على تحمّل أي مربٍ يجرؤ على قول ما لا ينسجم مع الخط الرسمي المهيمن؟ وهل سيجرؤ المعلمون، بعد اليوم، على المخاطرة بفعل ذلك أم سيفضلون "سلوك القطيع" درءا لخطر فصلهم من عملهم وقطع أرزاقهم؟.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات