المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

احتدام الجدل حول قانون ثبات الحكم ورفع نسبة الحسم

*تتركز الأنظار على رفع نسبة الحسم بينما يتضمن القانون بنودا ليست أقل خطورة *هدف التغييرات المقترحة في شكل نظام الحكم والعمل البرلماني تقليص مجال نشاط المعارضة وتهميش الوزن السياسي للمواطنين العرب*

كتب برهوم جرايسي:

احتدم الجدل في الكنيست في الأيام الأخيرة حول قانون ما يسمى "ثبات الحكم ورفع نسبة الحسم"، الذي بادرت له أحزاب في الائتلاف الحاكم، إذ أن لجنة القانون والدستور البرلمانية تسرّع بحث هذا القانون تمشيا مع هدف المبادرين لإقراره كليا مع انتهاء الدورة الشتوية الحالية في نهاية آذار المقبل، إلا أن خلافات جدية ظهرت في صفوف الائتلاف الحاكم حول رفع نسبة الحسم تمنع تقدم تشريعه، بينما عقدت كتل المعارضة مؤتمرا صحافيا جماعيا لتعلن فيه معارضتها لهذا القانون، الذي تتركز الأنظار فيه على رفع نسبة الحسم، في حين أنه يشمل بنودا إشكالية من ناحية ديمقراطية، فهو يقلص مجال نشاط المعارضة البرلماني، ويهمش تأثير وزن ممثلي المواطنين العرب في الكنيست.

وكان حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، قد طرح مشروع قانون ما يسمى "ثبات الحكم ورفع نسبة الحسم" في شهر حزيران من العام الماضي 2013، أي بعد بدء عمل الحكومة بثلاثة أشهر، وأقره الكنيست بالقراءة التمهيدية، ومن بين ما نص عليه رفع نسبة الحسم من 2% اليوم إلى 4%. وبعد هذا بشهر واحد، طرح حزب "يوجد مستقبل" بزعامة وزير المالية يائير لبيد قانونا مشابها، ولكن برفع نسبة الحسم إلى 3%، ونال كلا القانونين دعم الائتلاف الحاكم، وجرى إقرار القانونين لاحقا معا بالقراءة الأولى، في نهاية شهر تموز الماضي، ما يعني إسراع إقراره.

نسبة الحسم

كما ذكر فإن القانون بشأن نسبة الحسم ينص على رفع النسبة من 2% إلى 4%، إذ أن اقتراح "يوجد مستقبل" جرى التراجع عنه تكتيكيا، لأنه بموجب القانون إذا ما أقر الكنيست بالقراءة الأولى نسبة معينة، بالإمكان تخفيضها لدى التصويت عليها بالقراءة النهائية، ولكن لا يمكن رفعها في تلك القراءة، ولهذا فقد اتفق الحزبان على الذهاب إلى النسبة الأعلى في التصويت على القانون بالقراءة الأولى، كي يكون هناك مجال لتقليص النسبة لاحقا، إذا ما وافق الائتلاف على ذلك.

والجمهور المستهدف الأول من رفع نسبة الحسم هو الكتل الثلاث الناشطة بين المواطنين العرب، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي) التي تخوض الانتخابات بتحالفات مع قوى أخرى مثل الحركة العربية للتغيير.

وتحصل كل من هذه اللوائح الثلاث على نسبة متفاوتة تتراوح ما بين 5ر2% إلى 4ر3%، ما يعني أن نسبة حسم 3% تجعل هذه الكتل أمام معركة اجتياز هذه النسبة، ولن يكون أمامها مفر في أي انتخابات مقبلة ترتفع فيها نسبة الحسم إلا الانخراط في لائحة واحدة أو لائحتين مترابطتين باتفاق فائض أصوات.

ويرى المواطنون العرب، رغم وجود رغبة واسعة بخوض الانتخابات بلائحة واحدة، أن نمطا كهذا يمنع الحق في التعددية السياسية كسائر المجتمعات.

لكن المعارضة المبدئية لرفع نسبة التصويت لا تقتصر على الجمهور العربي، بل تصل أيضا إلى اليسار الصهيوني الممثل بحركة ميرتس. إلا أن معارضة حزب "العمل" تأتي من موقعه في صفوف المعارضة، وكذا الأمر بالنسبة لحركة "شاس" لليهود المتدينين الشرقيين، بينما كتلة "يهدوت هتوراة" لليهود المتدينين الغربيين (الأشكناز) تعارض هي أيضا القانون كون كتلتها التي تضم 7 نواب مؤلفة من ثلاثة أحزاب ناشطة بين جمهور الحريديم "الأشكناز".

لكن تأكد في الأيام الأخيرة أن المعارضة وصلت أيضا إلى صفوف الائتلاف، وبالذات صفوف اليمين الأشد تطرفا، من أمثال النائب موشيه فيغلين من حزب الليكود الحاكم ومن يتزعم التيار الأكثر تطرفا، والنائبة أوريت ستروك من كتلة "البيت اليهودي"، وهي من قادة المستوطنين الأشد تطرفا في مدينة الخليل، وغيرهما.

هذه المعارضة لم تأت صدفة، وبطبيعة الحال ليست من باب الحفاظ على حقوق الأقلية العربية، بل لأن التيار المتشدد يأخذ في الحسبان وضعيته السياسية، فكتلة "البيت اليهودي" مؤلفة من ثلاثة إلى أربعة أحزاب يمينية متطرفة متشددة، منتشرة في مستوطنات الضفة، وتأخذ في الحسبان احتمال عدم توافقها مجددا في أي انتخابات مقبلة.

كذلك فإن النواب المتطرفين ينظرون إلى نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حينما منعت بضع مئات الأصوات من وصول اللائحة الأشد تطرفا إلى الكنيست، التي شملت مرشحين من عصابة "كهانا" الإرهابية، إذ حصلت اللائحة على ما يقارب 70 ألف صوت في تلك الانتخابات، وبذلك فقد التيار المتشدد مقعدين برلمانيين.

لكن ليس هذا فحسب، فهناك أيضاً أسباب أخرى تدفع لمعارضة نواب في الائتلاف لهذا القانون، لأن الشق الثاني منه يشدد من شروط الانشقاق عن الكتل البرلمانية، فبموجب القانون القائم بإمكان كل مجموعة برلمانية تشكل ثلث الكتلة البرلمانية، ولا تقل عن نائبين اثنين، الانشقاق عن الكتلة البرلمانية "الأم" وتشكيل كتلة جديدة، لتحظى بتمويل مباشر، شرط أن يكون هذا الانشقاق قد جرى بعد ثلاثة أشهر على الأقل من الانتخابات البرلمانية.

أما اقتراح القانون الذي يجري تشريعه، فإنه يرفع المدة القانونية للحصول على تمويل من الكنيست للكتلة البرلمانية إلى عامين على الأقل من يوم الانتخابات البرلمانية، ويستثني هذا البند من القانون الأحزاب، بمعنى يحق لحزب مسجل وقائم من قبل أن ينشق عن كتلة برلمانية شريك فيها في أي وقت ويحصل مباشرة على تمويل برلماني.

بطبيعة الحال، فإن هذا الاستثناء لا يأتي صدفة لأن صاحب القانون أفيغدور ليبرمان يتزعم حزبا خاض الانتخابات بلائحة مشتركة مع حزب الليكود، ولهذا من غير المعقول أن يطرح قانونا يقيد حرية حركته الحزبية في الكنيست.

ومن المفترض أن يدب مشروع القانون هذا القلق لدى حزب آخر أو أكثر في الائتلاف الحاكم، فحزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني وصل إلى الكنيست بعد أن أحرز نسبة 5% من أصوات الانتخابات الأخيرة، لكن ليفني لم تؤسس حزبا يستطيع أن يضمن لها هذه النسبة مجددا في الانتخابات المقبلة، ولا يبدو حتى الآن أنها ستحقق قفزة في أي انتخابات مقبلة، ولذا فإن رفع نسبة الحسم حتى إلى 3%، سيشكل لها تحديا، إذا لم تخض الانتخابات المقبلة بتحالف جديد مع حزب مثل "كاديما" الذي انشقت عنه وحصل على 2% من الأصوات، وله مقعدان اثنان برئاسة شاؤول موفاز.

أكثر من هذا، ففي المؤتمر الصحافي الذي عقدته المعارضة وجه رئيس كتلة "يهدوت هتوراة" النائب يعقوب ليتسمان وخزة ليست سهلة لرئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وقال له: عليك أن تنظر إلى تجارب الماضي، فقد كانت هناك كتلة برلمانية من 15 نائبا، وفي الانتخابات التالية فقدت كل تلك المقاعد، وتلك الكتلة كانت برئاسة والد يائير، يوسف لبيد، الذي خسر كل شيء في انتخابات 2006.

وهو يقصد أن حزب "يوجد مستقبل" حديث العهد ظهر في استطلاعات الأشهر الأخيرة كمن يفقد عددا من مقاعده فيما لو جرت الانتخابات البرلمانية في هذه الأيام، ولذا ينصحه ليتسمان بأن يعيد النظر في موقفه من رفع نسبة الحسم.

وقد برزت خلافات أطراف ونواب الائتلاف الحاكم في آخر جلسة عقدتها لجنة القانون والدستور البرلمانية في الأسبوع الماضي، حينما جاهر عدد من نواب الائتلاف بمعارضتهم لرفع نسبة الحسم، فبالإضافة إلى معارضة فيغلين وستروك، اعترضت على هذه الخطوة أيضا النائبة عادي كول من حزب "يوجد مستقبل"، الذي بادر هو أيضا لرفع نسبة الحسم، وموقفها نابع من أسس ديمقراطية إذ أنها الأكثر يسارية في هذا الحزب.

وقيل في الأسابيع الأخيرة إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان قد توصلا إلى تفاهم بينهما لرفع نسبة الحسم إلى 25ر3%، إلا أن هذا التفاهم المعلن لم يصل إلى باقي أطراف الائتلاف ولا إلى اللجنة البرلمانية المختصة.

بنود ليست أقل خطورة

كما ذكر، فإن القانون يتضمن بنودا أخرى إضافة إلى رفع نسبة الحسم وتقييد شروط الانشقاق، تتعلق بشكل حجب الثقة عن الحكومة، فالقانون القائم ينص على أن حجب الثقة عن الحكومة يحتاج إلى أغلبية عددية لا تقل عن 60 نائبا، وفي حال تم حجب الثقة عن الحكومة يبدأ رئيس الدولة مشاوراته بين الكتل البرلمانية لتكليف نائب آخر بتشكيل الحكومة، ويمنح فترة 28 يوما، وبعدها 14 يوما آخر، وتكون الحكومة في هذه الحالة حكومة تسيير أعمال.

كذلك فإن الوضع القائم يجيز للمعارضة تقديم اقتراحات حجب الثقة عن الحكومة، شرط أن الكتلة أو مجموعة الكتل البرلمانية التي تقدم الاقتراح لا يقل عدد نوابها عن عشرة نواب، وبناء عليه تبحث الكنيست بعد ظهر كل يوم اثنين من ثلاثة إلى أربعة اقتراحات لحجب الثقة عن الحكومة، وهذا نمط يشهده الكنيست أسبوعيا منذ قرابة عشرين عاما، إذ أن من بادر إلى هذا النمط كان حزب الليكود في فترة حكومة إسحاق رابين بهدف إرهاق الائتلاف غير المتماسك في حينه، ومن بعد تلك الفترة تمسكت كل أحزاب المعارضة بهذا النمط.

وفي واقع الأمر، فقد تحولت مقترحات حجب الثقة إلى جلسات فارغة تكثر فيها المقارعات الخطابية، ولا تحظى بأي اهتمام اعلامي، لكن المعارضة تنظر إلى هذا النمط كفرصة ضرورية لها لطرح وجهات نظرها من على منصة الكنيست أسبوعيا.

أما القانون المقترح، فإنه يسمح بعرض اقتراحات حجب الثقة عن الحكومة مرة واحدة في الشهر، على أن تتم الجلسات بحضور رئيس الحكومة، إلا إذا تقدم 61 نائبا بطلب لحجب الثقة عن الحكومة.

وجاء في الاقتراح أنه في حال تم حجب الثقة عن الحكومة بأغلبية لا تقل عن 61 نائبا، فإن الحكومة لا تتحول إلى حكومة تسيير أعمال بل تستمر في عملها كالمعتاد، وفي المقابل فإن على رئيس الدولة أن يكلف نائبا آخر بتشكيل الحكومة، ولكن في فترة لا تزيد عن 21 يوما، على أن يشكل المرشح حكومة لا يقل عدد أعضاء الائتلاف فيها عن 65 نائبا، وإذا لم ينجح فإن الحكومة القائمة تواصل عملها كالمعتاد وكأن شيئا لم يكن.

وهذا لم يأت صدفة، بل يأخذ بعين الاعتبار أن نواب الكتل الثلاث الناشطة بين المواطنين العرب ينضمون عادة لكل اقتراح حجب ثقة عن الحكومة، ولكنهم لا يكونون شركاء في أي حكومة بديلة، بمعنى أنه في حال تم حجب الثقة عن الحكومة بأغلبية 61 نائبا أو أكثر بقليل، فإن 11 من داعمي حجب الثقة يكونون من هؤلاء النواب، وبذلك فإن الباقي لن يكون بمقدورهم تشكيل ائتلاف بديل ذي أغلبية، وهذا يعني تهميش الوزن السياسي لممثلي المواطنين العرب، حتى من خلال قوانين فاقدة لأي منطق أخلاقي وسياسي وحتى برلماني.

فحين يقترح القانون أن تستمر الحكومة التي حجبت الثقة عنها بالاستمرار في عملها كالمعتاد، فإن هذه الحكومة لن يكون بمقدورها طرح أي قانون وضمان تأييده، كما لن يكون بمقدورها إقرار ميزانية عامة، لأنها لا تحظى بأغلبية، ما يعني أن الحكومة ستواصل عملها من دون أي تحديثات بحاجة إلى قرارات من البرلمان، وهذا أمر من الخيال.

حيرة إسرائيل في نظامها

إن هذا القانون بشقيه هو تعبير عن "حيرة" إسرائيل بشأن نظامها الانتخابي ونظام الحكم فيها، فغالبية القوى السياسية الإسرائيلية معنية بتغيير النظام الانتخابي، على أساس اعتقاد بأن النظام القائم هو السبب في حالة عدم الاستقرار التي تواجهها إسرائيل، بتجاهل تام للواقع السياسي وواقع الصراع الذي وضع إسرائيل عند مفترق طرق.

وكانت الدعوات لتغيير النظام الانتخابي ونظام تشكيل الحكومة فد تصاعدت في مطلع سنوات التسعين، حينما واجهت حكومة "الوحدة" بين الليكود و"العمل" أزمة ائتلافية قادت إلى تفككها، إذ رأى الحزبان الأكبران، الليكود و"العمل"، أنهما يواجهان ما يسمونه في إسرائيل "ابتزاز الأحزاب الصغيرة"، وخاصة المتدينة المتزمتة. لكن لاحقا مع تشكيل حكومة إسحاق رابين، التي ارتكزت على دعم خارجي من الكتلتين اللتين مثلتا المواطنين العرب، ظهر قلق معلن وغير معلن من شكل الحكومات المقبلة في حال زاد عدد النواب العرب، ومن هنا جاءت سلسلة مقترحات منها الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، الذي قلب كل الموازين الحزبية وضرب الحزبين الكبيرين، إلى أن تخلص الحزبان الأكبران من هذا النمط الذي أنهك قوتهما البرلمانية في العام 2002 بعد ست سنوات على تطبيقه.

من غير الواضح، حتى الآن، كيف ستنتهي الأمور بشأن القانون المقترح، ويسود اعتقاد أنه في نهاية المطاف سيتم رفع نسبة الحسم إلى 3%، أما باقي البنود فهي تحت علامة سؤال.

وقد جرت العادة في إسرائيل على أن يتم التوافق بين الأحزاب الكبرى من ائتلاف ومعارضة حول تغييرات من هذا النوع، وحتى الآن فحزب المعارضة الأكبر "العمل" ليس شريكا في هذا القانون ويعارضه، ولكن كما يبدو حاليا فإن من الصعب على الائتلاف أن يقر القانون كليا كما يريد حتى انتهاء الدورة الشتوية الحالية للكنيست.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات