المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نتائج "امتحانات بيزا" الدولية لتقييم الطلبة: إسرائيل في مرتبة متدنية

*وفي داخل إسرائيل نفسها: فجوات كبيرة بين الطلاب سواء على خلفية الانتماء القومي (اليهود والعرب) أو الانتماء الاقتصادي ـ الاجتماعي (الأغنياء والفقراء)*خبيرة تربوية: "هذه النتائج هي ثمرة السياسات الحكومية وسلم أولوياتها وهي ... أكثر خطورة على إسرائيل من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني"!*

كتب سليم سلامة

على الرغم من التحسن الطفيف الذي حققته، لا تزال إسرائيل تحتل مرتبة متدنية جدا في تدريج دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) في مجال مهارات طلاب المدارس في سن 15 ـ 16 عاما في مجالات مختلفة ـ وهو ما تعكسه نتائج امتحانات البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (Program for International Student Assessment -PISA)، والمعروفة، اختصارا، باسم "امتحانات بيزا" (أو: "امتحانات بيسا").

وتجرى "امتحانات بيزا" مرة واحدة كل ثلاث سنوات، ابتداء من العام 2000، علما بأن إسرائيل قد شاركت فيها أربع مرات حتى الآن، في الأعوام: 2000، 2006، 2009 و 2012.

ويهدف هذا البرنامج الاستقصائي إلى فحص وتقييم مدى "جهوزية الطلاب أبناء الـ 15 عاما للانخراط في الحياة العصرية" وما إذا كانوا يمتلكون "أدوات التفكير الأساسية والعامة".

وطبقا للنتائج التي نشرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وعرضتها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، في أوائل شهر كانون الأول الحالي، احتلت إسرائيل في العام المنصرم 2012 المرتبة الـ 40 في موضوعي الرياضيات والعلوم والمرتبة الـ 33 في موضوع القراءة، وذلك من بين 64 دولة مشاركة في البحث على المستوى الدولي.

وأظهرت نتائج الامتحان، أيضا، استمرار وتعمق الفجوات الكبيرة بين الطلاب في إسرائيل نفسها، سواء بين الطلاب اليهود والعرب، عامة، أو بين الطلاب اليهود أنفسهم تبعاً للمستوى الاقتصادي ـ الاجتماعي، أي بين الطلاب من الفئات الميسورة اقتصاديا وزملائهم من الفئات المستضعفة اقتصاديا.


وأشير إلى أن المعطيات الواردة في التقرير استخلصت من نتائج الامتحانات المطبوعة والمحوسبة التي شاركت فيها عينة شملت 5055 طالبا، غالبيتهم في الصف الثامن الإعدادي، من 172 مدرسة مختلفة في إسرائيل.

وعلى الرغم من أن تقرير OECD أشار إلى أن إسرائيل كانت، في العام 2012، واحدة من بين الدول العشر التي سجلت تحسنا ما في مستوى طلاب المدارس فيها، إلا أنها بقيت تحتل مرتبة دون المتوسط بكثير من دول المنظمة، في جميع المؤشرات.

وتبين من النتائج أنه من بين الدول الـ 64 التي شملها التقييم، احتلت إسرائيل في العام 2012 المرتبة الـ 40 في موضوعي الرياضيات والعلوم، وهو ما يعني تقدما بمرتبة واحدة فقط عما كانت عليه في العام 2009. أما في مجال القراءة، فقد احتلت إسرائيل المرتبة الـ 33، وهو ما يعكس تقدما بثلاث مرتبات عما كانت عليه في العام 2009.

وبموازاة ذلك، بينت النتائج، أيضا، حصول ارتفاع في نسبة الطلاب المتفوقين في إسرائيل، من 6% في العام 2009 إلى 9% في العام 2012، رافقه انخفاض في نسبة الطلاب الضعفاء من 39% في العام 2009 إلى 34% في العام 2012.

وقد احتلت صدارة التدريج العالمي في مجال الرياضيات كل من: سنغافورة في المرتبة الأولى، ثم هونغ كونغ في المرتبة الثانية، تليهما تايوان في المرتبة الثالثة. أما في مجال القراءة، فقد احتلت هونغ كونغ المرتبة الأولى، ثم سنغافورة في المرتبة الثانية، واليابان في المرتبة الثالثة. وفي مجال العلوم، احتلت هونغ كونغ المرتبة الأولى، ثم سنغافورة في المرتبة الثانية واليابان في المرتبة الثالثة.

فجوات كبيرة في

جميع المؤشرات

أظهر البحث وجود فجوات كبيرة جدا بين الطلاب اليهود والطلاب العرب في إسرائيل، تتلخص في فارق 100 نقطة وأكثر لصالح الطلاب اليهود في كل واحد من المجالات التي يشملها البحث. ففي موضوع الرياضيات، مثلا، بلغ متوسط علامات الطلاب اليهود 487 نقطة، مقابل 391 نقطة بين الطلاب العرب (علما بأن تدريج العلامات يجري على سلم يتراوح بين 200 و 800 نقطة)، أي بفارق 96 نقطة!

وتبيّن هذه المعطيات أن إسرائيل تحتل المرتبة الثانية من حيث الفجوات بين الطلاب في موضوع الرياضيات، على المستوى العالمي.

أما في مجال العلوم، فقد بلغ متوسط العلامات لدى الطلاب اليهود 492 نقطة، مقابل 394 نقطة بين الطلاب العرب، أي بفارق 98 نقطة!

وفي مجال القراءة، بلغ متوسط علامات الطلاب اليهود 510 نقاط، مقابل 401 نقطة بين الطلاب العرب، أي بفارق 109 نقاط!

ولدى استعراض النتائج وفقا للسلـّم الاقتصادي ـ الاجتماعي، يتضح أن متوسط علامات الطلاب اليهود من الطبقة الاقتصادية ـ الاجتماعية العليا في موضوع الرياضيات مثلا بلغ 536 نقطة، مقابل 440 نقطة متوسط علامات الطلاب اليهود من الطبقة الاقتصادية ـ الاجتماعية الدنيا، أي بفارق 96 نقطة، وبينهما متوسط يبلغ 486 نقطة بين الطلاب اليهود من الطبقة الاقتصادية ـ الاجتماعية الوسطى.

وبين الطلاب العرب، بلغ متوسط العلامات في الرياضيات للطلاب أبناء الطبقة "العليا" 430 نقاط، مقابل 373 نقطة بين الطلاب العرب أبناء الطبقة الدنيا، وبينهما متوسط يبلغ 391 نقطة بين الطلاب العرب أبناء الطبقة الوسطى.

ويظهر من تحليل هذه النتائج أن الفارق في متوسط العلامات بين أبناء الطبقات الاقتصادية ـ الاجتماعية المختلفة في الوسط اليهودي أكبر بكثير، نسبيا، من الفارق في متوسط العلامات بين أبناء الطبقات المختلفة في الوسط العربي. أي أن فارق "الطبقات" بين العرب هو طفيف جدا بالمقارنة مع فارق الطبقات بين اليهود. وهو ما يدل على حقيقة كون المواطنين العرب، عامة، في مستويات اقتصادية ـ اجتماعية متقاربة جدا، نسبيا.

ولا تتوقف الفجوات في إسرائيل عند هذا الحد فقط، بل تبرز، أيضا، في الفارق بين نسبة الطلاب المتفوقين والطلاب الضعفاء، والتي هي من أعلى النسب في العالم قاطبة، حسبما تؤكد نتائج امتحانات الـ "بيزا"، على الصعيدين كليهما: بين الطلاب بشكل عام، وبين الطلاب اليهود والعرب بشكل خاص.

التحسن الطفيف لا

يغيّر الواقع المتردي!

في تحليل هذه النتائج الجديدة، أجمع عدد من الخبراء والمختصين البارزين في مجالات التربية والعلوم في إسرائيل على حقيقة أساسية مفادها أن "التحسن الطفيف جدا في نتائج الطلاب الإسرائيليين ينبغي ألّا يضللنا ويعمينا عن الواقع: نسبة الراسبين في امتحان الرياضيات هو من بين الأعلى في الدول الغربية والفجوات بين الطلاب "الأقوياء" وبين "الضعفاء" هي من بين الأكبر والأعمق في العالم كله"، حسبما نقل مراسل شؤون "الاقتصاد التربوي" في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية (الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية).

وأضاف المراسل نفسه، نقلا عن هؤلاء الخبراء والمختصين قولهم، أيضا، إن "الحقيقة الأبرز والأخطر التي يؤكدها تقرير "بيزا" هي: إن ثـُلث الطلاب في إسرائيل لا يمتلكون الأدوات الأساسية الضرورية للانخراط في المجتمع العصري"!

ويذهب هؤلاء إلى التوضيح بأن نتائج الامتحانات في موضوع الرياضيات تبيّن ليس فقط تدني قدرات ومؤهلات الطلاب الإسرائيليين بالمقارنة مع الطلاب في الدول المتطورة، بل هي تبيّن أيضا أن نسبة الطلاب الإسرائيليين الذين حصلوا على العلامات الأدنى والأسوأ هي من بين الأعلى في العالم كله، بينما الفجوات بين قطاعات الطلاب المختلفة في إسرائيل (اليهود والعرب، الأغنياء والفقراء) هي من الأعلى بين جميع الدول المشاركة في هذا البرنامج.

ويشير هؤلاء إلى أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) تؤكد، في معرض استعراض النتائج وتقييمها، أن مقياس النجاح التعليمي في ظروف الاقتصاد العولمي لا يقتصر على تحقيق تحسن عما كان في سنوات سابقة، بل هو يشمل، أيضا، القدرة على التنافس مع الطلاب في دول العالم الأخرى. وهذا ما تؤكده حقيقة أن الدول التي حققت أعلى مستويات التحسن قياسا بنتائجها خلال سنوات خلت هي ـ إضافة إلى إسرائيل ـ دول نامية، مثل البرازيل، ماليزيا، قطر وكازاخستان! ذلك بأنه "كلما كانت النتائج أكثر تدنيا منذ البداية، كان المجال لتسجيل التحسن أكبر"!

وكما يمكن التوقع والافتراض، يؤكد الخبراء والمختصون أن هذا الوضع "ليس ضربة من السماء" ولا "قدرا محتوما"، بل هو نتاج سياسات رسمية معتمدة في إسرائيل، وخاصة خلال العقود الأخيرة، تحول دون تحقيق الطلاب الإسرائيليين إنجازات قيّمة وجدية. وطالما بقي سلم الأولويات على حاله، يؤكدون، فلن يستطيع جهاز التعليم في إسرائيل تغيير الواقع القائم وتحقيق المتوخى منه والمنشود. ومن أبرز ما يعكسه سلم الأولويات "غير الطبيعي" هذا هو أن المخصص الحكومي للطالب الواحد في إسرائيل هو من الأدنى بين دول منظمة الـ OECD، ناهيك عن أن هذا المخصص لم تتم ملاءمته للزيادة الطبيعية في عدد الطلاب، بينما هو يزداد تباعا وباستمرار في دول المنظمة الأخرى، انطلاقا من الفهم العميق لأهمية الاستثمار في التعليم.

فقد وجدت المنظمة، في تقريرها، علاقة طردية بين المخصص الحكومي للطالب الواحد وبين متوسط العلامة في موضوع الرياضيات، مثلا: كلما ازدادت الميزانيات المخصصة، ارتفعت تحصيلات الطلاب.

الفجوات في التعليم ـ خطر

يضاهي خطر الاتفاق مع إيران!

في تعقييبها على نتائج "امتحانات بيزا" الجديدة هذه، اعتبرت مديرة حركة "الكل تعليم"، فيرد ليفني، أن الفجوات التي كشفت عنها هذه النتائج، سواء على خلفية الانتماء القومي أو الانتماء الطبقي، تمثل "شهادة إخفاق" وهي "تشكل خطرا على دولة إسرائيل، ليس أقل من خطر اتفاق الدول الست مع إيران حول البرنامج النووي الإيراني"!

وأضافت ليفني: "إذا كانت دولة إسرائيل ترغب في تحقيق نجاحات اقتصادية في ظروف العولمة، فلزام عليها استنفاد كل طاقات رأس المال البشري الكامنة لديها وعدم تمكين الأقوياء، فقط، من الازدياد قوة"!

كما تطرق رئيس الدولة الإسرائيلية، شمعون بيريس، إلى نتائج "امتحانات بيزا" الأخيرة فقال، في مؤتمر حول مستقبل التعليم في إسرائيل أقيم بمبادرة صحيفة "كالكاليست" (الاقتصادي) الإسرائيلية في 24 كانون الأول الجاري: "أسأل نفسي لماذا نحن متفوقون في مجال التكنولوجيا الرفيعة المتقدمة (الهايتك) بينما نحن متخلفون في مرتبة مخجلة في مجال التعليم؟ كيف نكون متفوقين في التكنولوجيا المتطورة ومتخلفين في التعليم؟ وأقول: إذا بقي التعليم ضعيفا فسيُضعِف التكنولوجيا أيضا. علينا الحذر من القفز الموضعي، فلن ينتظرنا أحد"!!

أما رئيس "لجنة متابعة قضايا التعليم العربي" في إسرائيل، المربي محمد حيادري، فتطرق إلى النتائج مؤكدا: "طلابنا ليسوا أقل ذكاءً وقدراتهم لا تقل عن غيرهم، ولكن هذه نتيجة حتمية للسياسات الحكومية تجاه التعليم العربي التي تنتج وتكرّس هذه الفجوات منذ عشرات السنين".

وتابع قائلا إن "هذه الفجوات تعكس وضع جهاز التعليم العربي، واللا مساواة في البنى التحتية وفي الاستثمار وفي الوضع الاجتماعي الاقتصادي. وبالتالي، فلا يكفي الركون إلى سياسة التمويل التفضيلي التي تتحدث عنها الوزارة، بل المطلوب هو خطة شاملة متعدّدة السنوات لإغلاق الفجوات. وعلى مثل هذه الخطة أن تشتمل على تغييرات جذرية في مجال تأهيل المعلمين، وتخفيف الاكتظاظ في الصفوف، وتغييرات جذرية في مناهج وكتب التعليم، بما يتلاءم وخصوصيتنا القومية والثقافية والاجتماعية وحاجاتنا التربوية".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات