المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

*إسرائيل تحتل صدارة الدول التي تعاني من ظاهرة "هروب الأدمغة" الأكاديمية إلى الولايات المتحدة وبفارق كبير جدا عن الدول الأخرى*

أصدر "مركز طاوب لدراسة السياسة الاجتماعية في إسرائيل" ثلاثة "بيانات صحافية" يوجز فيها النتائج التي توصل إليها باحثوه في ثلاثة أبحاث جديدة أجروها مؤخرا حول: 1. أوضاع التعليم العالي في إسرائيل؛ 2. الفقر بين المسنين في إسرائيل؛ 3. أسباب تدني إنتاجية العمل في إسرائيل. وهي أبحاث تم نشرها في إطار "تقرير أحوال الدولة- إسرائيل- في العام 2013" الذي أصدره المركز مؤخراً.

هنا البيان عن أوضاع التعليم العالي:

يؤكد البحث استمرار التدهور في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل على المستويات كافة، وبشكل خاص: انخفاض عدد أساتذة الصف الأول في الجامعات الرائدة في إسرائيل عما كان عليه قبل أربعة عقود، ارتفاع عدد الطلاب بما يعادل ضعفيّ عدد الأساتذة حاملي لقب بروفسور، انتقال الجامعات من تشغيل الباحثين الأكاديميين (ذوي الكلفة المرتفعة) إلى تشغيل أعداد أكبر من المحاضرين الخارجيين غير الباحثين، اتساع وتفاقم ظاهرة "هروب الأدمغة" من إسرائيل إلى الولايات المتحدة الأميركية "بما لا يُقارن مع أي من الدول الأخرى في العالم الغربي".

ويوضح معدّ البحث، البروفسور دان بن دافيد (رئيس "مركز طاوب")، أنه "خلال العقدين ونصف العقد الأولين على قيامها، أنشأت دولة إسرائيل عددا من الجامعات البحثية التي احتلت مواقع متقدمة جدا، في الصف الأمامي، على المستوى العالمي. وبالرغم عن إغراق الدولة باللاجئين الذين توافدوا إليها وهم لا يملكون شيئا سوى ملابسهم، وبالرغم عن السنوات العجاف التي عانت فيها من نقص حاد في المواد الغذائية، وبالرغم عن الحروب الشاملة والمتكررة والضغوطات المالية الحادة، استطاعت إسرائيل أن تقيم، حتى بداية سبعينيات القرن الماضي، سبع جامعات بحثية هامة جدا ورافق ذلك ارتفاع خيالي في عدد الأساتذة الكبار فيها، بما يعادل نسبتهم في الولايات المتحدة الأميركية. ولكن، ابتداء من السبعينيات نفسها، وبينما كانت أغنى بكثير مما كانت عليه من قبل، أقدمت إسرائيل على تغيير وجهتها بصورة دراماتيكية، وهو ما تجسد في تراجع الجامعات المتواصل في سلم أولويات الدولة خلال العقود الأربعة اللاحقة، كما تبيّن المعطيات"!

فقد أظهر البحث الذي أجراه المركز أنه بينما ازداد عدد السكان في إسرائيل بين الأعوام 1973 و 2010 بنسبة 133%، ازداد عدد الطلاب في الجامعات البحثية بنسبة 157%، فيما ازداد عدد الطلاب في جميع مؤسسات التعليم العالي (بما فيها الكليات الخاصة) بنسبة 428%. ولكن، مقابل هذا الارتفاع الكبير جدا في عدد الطلاب الجامعيين، لم يرتفع عدد المحاضرين الكبار في الجامعات سوى بنسبة 9% فقط، بينما كان الارتفاع في عدد المحاضرين الكبار في جميع الكليات والجامعات بنسبة 40% فقط. كما تبين من البحث أن عدد المحاضرين الكبار في الجامعتين الأكبر في إسرائيل (الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب) تناقص خلال السنوات الـ 35 الأخيرة، بدلا من الازدياد: في الجامعة العبرية انخفض عددهم في العام 2010 بنسبة 17% عما كان عليه في العام 1973، وفي جامعة تل أبيب انخفض بنسبة 26% خلال الفترة نفسها. وكذلك في معهد الهندسة التطبيقية (التخنيون) في حيفا، انخفض عدد المحاضرين الكبار خلال العقود الأربعة الأخيرة بنسبة 26%.

أما فيما يتعلق بعدد الطلاب الجامعيين لكل محاضر كبير بين السنوات 1977 و 2010، فيؤكد البروفسور بن دافيد أن "الوضع أسوأ بكثير مما تعرضه هذه الأرقام". فقد تبين أن عدد طلاب الدكتوراه (اللقب الثالث) لكل محاضر كبير قد ارتفع من طالب واحد إلى أكثر من طالبين لكل محاضر، بينما ارتفع عدد طلاب اللقب الثاني لكل محاضر كبير بأربعة أضعاف - من 2 إلى 8 طلاب.

وسعيا منها إلى سد هذا النقص، عمدت الجامعات إلى استجلاب محاضرين خارجيين (من غير أعضاء السلك التعليمي فيها). فبينما كانت نسبة المحاضرين الخارجيين في العام 1986 حوالي 13% من مجمل عدد المحاضرين الكبار في الجامعات، ارتفعت نسبتهم في العام 2010 إلى نحو 46%. ويوضح البروفسور بن دافيد مدلولات هذا التحول فيقول: "كان لهذا الحل التوفيري، الذي يعكس تدني الاهتمام العام بالجامعات البحثية وبضرورة تمويلها ـ وهو ما تجسده الميزانية العامة للدولة ـ تأثيران سلبيان على غاية من الأهمية: الأول ـ تراجع وتدني جودة التعليم الذي يتلقاه الطلاب، وخصوصا في الدراسات للألقاب المتقدمة، والذي يتولاه أشخاص لا يشتغلون في المجال البحثي المتقدم. والثاني ـ احتمال أن المحاضرين الخارجيين كانوا ينوون مواصلة مساراتهم البحثية مستقبلا، غير أن النقص المتزايد في ملاكات المحاضرين الكبار في الجامعات البحثية، قياسا بعدد طلاب البحث المتخرجين، دفع الكثيرين منهم إلى هجر المسار البحثي أو إلى البحث عن ملاكات بحثية في خارج البلاد".

وفي هذا السياق، يبين بحث "مركز طاوب" أن إسرائيل تحتل صدارة الدول التي تعاني من ظاهرة "هروب الأدمغة" الأكاديمية إلى الولايات المتحدة، وبفارق كبير جدا عن الدول الأخرى. وهي الظاهرة الآخذة في التفاقم باستمرار خلال السنوات الأخيرة تحديدا. فخلال العامين 2003 ـ 2004، مثلا، كان هناك 25 محاضرا إسرائيليا يعملون في الولايات المتحدة لكل 100 محاضر كبير يعملون في جميع الجامعات والكليات الإسرائيلية، مقابل 1 ـ 4 محاضرين أجانب في الجامعات الأميركية من مختلف دول العالم (باستثناء كندا: 12 محاضرا كنديا في الولايات المتحدة) على كل 100 محاضر في الدولة الأم. وحتى العامين 2007 – 2008، تقلصت ظاهرة "هروب الأدمغة" من غالبية الدول إلى الولايات المتحدة، بينما اتسعت وازدادت هذه الظاهرة من إسرائيل وبلغت نسبة 29 محاضرا إسرائيليا (في الجامعات الأميركية) لكل 100 محاضر يعملون في إسرائيل.

ويلخص البروفسور بن دافيد فيقول: "ربما كان التعليم يشكل البينة الأساس الأكثر أهمية في أية دولة. وفي إسرائيل عدد من مؤسسات البحث الأكاديمي الرائدة على المستوى العالمي والتي يمكن أن تشكل مفتاحا أساسيا لتطوير جهاز التعليم في المستويين الابتدائي والثانوي ولرفع إنتاجية العمل (المتدنية جدا، نسبيا، بالمقارنة مع الدول المتطورة الأخرى)، وهما عاملان حيويان في القدرة على المنافسة في الاقتصاد العولمي المعاصر. لكن، خلال العقود الأربعة الأخيرة، تبرز في إسرائيل ظاهرة الإهمال المتواصل للمؤسسات الأكاديمية، وهو ما يشكل خطرا متزايدا على مستقبلها، المنوط بصورة مطلقة بقدرتها على البقاء في الواجهة التكنولوجية. ولئن كان تغيير المنحى لا يزال متاحا، إلا أنه يستوجب إعادة سلم الأولويات القومية إلى المسار الذي كان عليه خلال العقود الأولى من قيام الدولة ـ المسار الذي أتاح لإسرائيل أن تكون "دولة الشركات الناشئة"، وهو ما يتحتم عليها أن تكونه إن هي رغبت في البقاء في هذه المنطقة العدائية"!

المصطلحات المستخدمة:

التخنيون

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات