المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خلافات أولية في الائتلاف الحاكم قد تؤدي إلى تصدعات

*الدورة الشتوية الجديدة للكنيست هي الدورة الأكبر منذ عامين *سلسلة القوانين والمبادرات الحساسة قد تفجر خلافات منها ما هو منظور وآخر متوقع *خلافان كبيران ظهرا منذ اليوم الأول للدورة: مستقبل قانون تجنيد شبان الحريديم ومبادرة جديدة لتقييد صلاحيات المحكمة العليا*

كتب برهوم جرايسي:

بدأت منذ منتصف الشهر الماضي، تشرين الأول، الدورة الشتوية للكنيست، وهي الأكبر من بين دورتين برلمانيتين سنويا، وتستمر عادة خمسة أشهر ونصف الشهر، وستكون هذه الدورة الأكبر منذ عامين، إذ أن الدورة الشتوية السابقة تخللتها الانتخابات البرلمانية والسعي لتشكيل الحكومة. والامتداد الزمني للدورة الشتوية يضع الائتلاف الحاكم أمام امتحانات أكثر وحتى أصعب، وفي الحالة القائمة فإن الائتلاف سيواجه قضايا قد تؤدي، ولو نظريا، إلى خلافات وتصدعات فيه.

وكما ذكرنا في تلخيص الدورة البرلمانية الصيفية، في "المشهد الإسرائيلي"، قبل نحو ثلاثة أشهر، فقد أقرت الدورة الصيفية بالقراءة الأولى قوانين ذات بعد استراتيجي على المستوى الداخلي في إسرائيل، ومنها ما سيولد أزمات على المديين القصير والبعيد. كذلك، فإن كثيرا من هذه القوانين والقرارات يمكن اعتبارها "حقول ألغام" في طريق الائتلاف الحاكم، الذي نجح في الدورة الصيفية في السير بين النقاط وتجاوز الخلافات. ولاحقا ظهرت مبادرات جديدة من شأنها أن تولد خلافات في الائتلاف، خاصة السعي لسن قانون جديد يقيد صلاحيات المحكمة العليا، وهي تندرج ضمن محاولات قائمة منذ سنوات.

مبادرات قوانين

جديدة خلافية

مع افتتاح الدورة البرلمانية ظهر جدل في داخل الائتلاف الحاكم، حول مبادرة قانون لعدد من نواب اليمين المتطرف، تهدف إلى تقويض صلاحيات المحكمة العليا، وبشكل خاص صلاحية المحكمة في نقض قوانين أقرها الكنيست، وهي مبادرة تندرج ضمن سلسلة القوانين والإجراءات التي سعت إليها جهات إسرائيلية، ومنها اليمين المتطرف في العقد الأخير، لتقويض صلاحيات جهاز القضاء.

ولاقت المبادرة اعتراض وزيرة العدل تسيبي ليفني وحزبها، وكذلك اعتراض كتلة "يوجد مستقبل" التي يرأسها وزير المالية يائير لبيد، وهذا جدل قد يرافق الدورة البرلمانية لوقت ليس قليل، إذ أن هذه المبادرات لا تتوقف.

كذلك أقرت اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات بفارق صوت واحد مشروع قانون يقضي بمنع الحكومة من مجرد التفاوض حول القدس، إلا بموافقة عددية من 80 نائبا من أصل 120 نائبا في الكنيست، وأيضا في هذه الحالة عارض القانون وزراء حزبي "الحركة" "ويوجد مستقبل"، إلا أنه في حين أظهرت رئيسة "الحركة"، ليفني، معارضة حادة مستأنفة على القرار ليبت به من جديد في الاجتماع العام للحكومة بكامل تركيبتها، فإن حزب "يوجد مستقبل" أعلن أنه لن يستأنف على القرار، وهناك من عزا الأمر إلى موقف رئيس الحزب لبيد من القدس ورفضه أي انسحاب مستقبلي منها.

لكن مشاريع القوانين المتوقعة، والمتعلقة بسير العملية التفاوضية، وشكل العلاقة مع الجانب الفلسطيني، لن تتوقف عند هذا الحد، وحسب ما ينشر هناك سلسلة من هذه المشاريع ستطرح على اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات، بالأساس من نواب الائتلاف، ومنها ما هو مدعوم مباشرة من أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم.

ونذكر منها تحويل قانون "الاستفتاء الشعبي" إلى قانون "أساس"، ما يعني عدم القدرة على نقضه وإلغائه مستقبلا، إلا بأغلبية عددية من 80 نائبا. ويجري الحديث عن القانون الذي أقره الكنيست خلال ولاية حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، ويقضي بإخضاع كل اتفاق يتضمن انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من مناطق "ذات سيادة إسرائيلية"، والمقصود القدس والجولان المحتلين، لاستفتاء شعبي، في حال لم يحظ الاتفاق بأغلبية عددية من 80 نائبا في الكنيست.

ومطلب التحويل يصر عليه حزب المستوطنين "البيت اليهودي" وخاصة رئيسه، وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، وتحظى المبادرة بدعم من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلا أن الأخير يماطل في هذه الفترة بطرح الأمر على الكنيست، كي لا يثير ضجة في الحلبة الدولية، في ظل المفاوضات الجارية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

كذلك هناك مشروع قانون يمنع اطلاق سراح أسرى فلسطينيين في اطار ما يسمى بـ "مبادرات حُسن نية"، وإنما فقط من خلال الاتفاق الدائم مع الجانب الفلسطيني.

وسلسلة المشاريع هذه من شأنها أن تقود إلى خلاف في مركزه حزب "الحركة" بقيادة ليفني، ولكن ليس واضحا إلى أي حد مستعد هذا الحزب لمغادرة الحكومة في حال جرى إقرار مثل هذه المشاريع كليا في الكنيست.

تجنيد الحريديم

أقر الكنيست في الدورة البرلمانية الصيفية السابقة مشروع قانون يفرض التجنيد العسكري الإلزامي على شبان اليهود المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين يرفضون الخدمة لأسباب دينية رغم مواقفهم اليمينية، وينص القانون على فرض الخدمة بشكل تدريجي على أن تكون المرحلة النهائية في العام 2020، وهذا ليس صدفة، إذ يهدف الأمر إلى أمرين: أولا أن هذا قد يخفف من حالة غضب الحريديم، الذين سيراهنون على افشال القانون لاحقا، وثانيا، أن من وضع فكرة التدريج، بنيامين نتنياهو، يأخذ بالحسبان احتمال اضطراره للجوء إلى كتل "الحريديم" لاحقا، لمساندة حكومته في حال شهدت تصدعات، وبذلك يكون هناك احتمال لتجميد العمل بالقانون.

لكن في حين أن القانون حظي لدى اقراره بالقراءة الأولى بإجماع في الائتلاف الحاكم، فإنه في الأسابيع الأخيرة بدأت تظهر تصدعات واضحة في هذا الاجماع، خاصة من حزب "البيت اليهودي"، الحزب الأقوى والأكبر للتيار الديني الصهيوني، فقد عبر رئيسه نفتالي بينيت عن تحفظات من تشديد عدة بنود فيه، مثلا إعفاء 1800 شاب فقط من الحريديم، سنويا، وبات بينيت يطلب عدم تقييد العدد، كذلك يطلب رفع سن الالتزام بتنفيذ أمر التجنيد إلى 26 عاما بدلا من 21 عاما، حسب ما ينص عليه القانون.

وعمليا فإن بينيت وحزبه يتبنيان موقف وزير الدفاع موشيه يعلون، الذي هو كما يبدو يعبر أيضا عن موقف قيادة الجيش، إذ أن هناك مؤشرات إلى وجود تحفظات لدى قيادات في الجيش من التجنيد الجارف لشبان الحريديم، فمثلا نقرأ من حين إلى آخر، أن التجنيد العام لشبان الحريديم سيضع عقبات أمام تقدم المجندات في الجيش، وسيخلق حواجز كثيرة أمام وجود النساء، كذلك فإن هذا الكم الذي يقدر سنويا بأكثر من 8 آلاف شاب (الشابات معفيات فورا بموجب إعفاء المتدينات)، وهم من الذين لا يمكن تجنيدهم في وحدات قتالية بسبب طبيعة حياتهم وثقافتهم وتدينهم، قد يتحول إلى عبء على الجيش، وفق تلك التقارير.

لكن الأهم هو أن حزب "البيت اليهودي" بات يعيد حساباته السياسية من جديد، فتحالفه الوثيق مع حزب "يوجد مستقبل" العلماني، ليس ضمانة قوية لمعارك السياسة الافتراضية للحزب، حول احتمال التوصل إلى أي نوع من الاتفاقيات مع الجانب الفلسطيني، ويشعر "البيت اليهودي" أن الصدام مع "الحريديم" في موضوع التجنيد، قد يُضعف قوة الاعتراض البرلمانية على مثل هذه الاتفاقيات مع الجانب الفلسطيني.

ولهذا فإننا نلمس أن "البيت اليهودي" أقدم على خطوة إلى الخلف في الصدام المباشر مع "الحريديم"، وبات الحزب ينصت أكثر إلى قيادات متشددة وخاصة حاخامين بارزين بين جمهور المستوطنين حذروا من قبل من المبادرة للصدام مع الحريديم.

نشير هنا إلى أن "البيت اليهودي" أيد لدى تشكيل الحكومة مطلب "يوجد مستقبل" بعدم ضم كتلتي "الحريديم" إلى الحكومة وهذا لعدة اعتبارات، فأيديولوجيا يرى التيار "الديني الصهيوني" أن التزايد الحاد للحريديم، وسط رفضهم للصهيونية، يشكل خطرا على الصهيونية في إسرائيل، ولكن بموازاة ذلك تتأكد المعلومات أن لدى رئيس الحزب بينيت، الذي يتولى وزارة الاقتصاد واسعة الصلاحيات، أجندة اقتصادية صقرية، متطابقة مع وجهة يائير لبيد وبنيامين نتنياهو، وكان على علم بأن ضم "الحريديم" للحكومة لن يسمح بتطبيق مثل هذه السياسة التي انعكست في ميزانية الدولة للعامين الحالي والجاري.

ولهذا فإننا سنرى لاحقا، مع التقدم في تشريع هذا القانون، حالات من الصدام بين الحزبين المتحالفين، "البيت اليهودي" و"يوجد مستقبل"، ما يعني تأجيل الإقرار النهائي للقانون، وهذا خلاف يشكل حزب "الليكود" فيه طرفا مؤيدا لتخفيف حدة القانون، قد يؤدي إلى التصدع الأوضح في الائتلاف الحاكم.

قانون ثبات الحكم

أقر الكنيست في الدورة الصيفية السابقة قانون ما يسمى "ثبات الحكم ورفع نسبة الحسم" في الانتخابات البرلمانية، بالقراءة الاولى، بعد دمج قانونين تم اقرارهما بالقراءة التمهيدية، وفي هذا القانون بعض الجوانب الخلافية بين أطراف الحكومة، ففي حين يريد حزب "إسرائيل بيتنا" رفع نسبة الحسم فورا من 2% إلى 4%، فإن حزب "يوجد مستقبل" يريد رفع النسبة تدريجيا، 3% في الانتخابات المقبلة، و4% في الانتخابات التي تليها. وقد أقر الكنيست القانون بصيغة رفع نسبة الحسم إلى 4%، ولكن هناك من يقول في الائتلاف إن النسبة ستهبط مجددا إلى 3%، خلال إعداد القانون للقراءة النهائية.

ولاحقاً وردت معلومات في وسائل الإعلام ادعت أن رئيس الحكومة نتنياهو بات يطرح تحفظات من بعض بنود القانون، كي لا يثير ضده اعتراضات من جهات حقوقية تؤدي إلى اظهار إسرائيل في الحلبة الدولية القريبة عليها بأنها ضد أسس الديمقراطية، لأن القانون يستهدف بشكل واضح المواطنين العرب.

كذلك، فإن القانون يواجه تحفظات من حزب "الحركة" لكونه سيكون مهددا من نسبة الحسم المقترحة، إضافة إلى تحفظات مبدئية من شخصيات في الحزب، ونرى تحفظات مشابهة لدى عدد قليل من نواب "يوجد مستقبل". ولكن رغم كل ذلك، فإن لجنة القانون والدستور، التي يرأسها نائب حزب "إسرائيل بيتنا" تعقد جلسات مكثفة للتقدم في إقرار القانون.

وبحسب سلسلة من المؤشرات، فإن التقدم في هذا القانون سيؤدي إلى ظهور خلافات جدية داخل الائتلاف الحاكم تساهم في تعميق التصدعات القائمة.

الخلاصة

لا يعني ما تقدم أن التصدعات المفترضة ستؤدي حتما إلى تفكك الائتلاف الحاكم في هذه الدورة الشتوية، فقد علمت التجربة بأن عملية تفكك الائتلاف تسبقها أشهر عديدة من الخلافات و"شد الحبل" بين مختلف الأطراف، لأن أي حزب من الأحزاب الائتلافية لا يتخلى بهذه السهولة عن قسطه في أرفع دوائر اتخاذ القرار، التي تمنحه القوة، وهذا أمر يتعزز كثيرا في ظل تلاشي دور الأيديولوجيا والمواقف المبدئية لدى الغالبية الساحقة من الكتل البرلمانية والنواب، إذ أن ما يحكم قرارات غالبية الأحزاب والكتل هو تشابك مصالح وأجندات.

غير أن الأمر الأبرز في ما تقدم هو التصدع الحاصل في التحالف الأقوى ضمن الائتلاف الحاكم، بين حزبي "يوجد مستقبل" و"البيت اليهودي"، هذا التحالف الذي ظهر فجأة بعد يوم من الانتخابات البرلمانية التي جرت في مطلع العام الجاري، وكان محط مفاجأة للحلبة الإسرائيلية، نظرا لسلسلة التناقضات المفترضة في توجهات الحزبين، خاصة الاجتماعية، ومن ثم السياسية، ورغم ذلك فإن التحالف كان وثيقا، ولكن كما سبق ذكره هنا فإن ما وحّد الحزبين كان السعي لتطبيق أجندة اقتصادية متفق عليها، ومستقبل هذا التحالف سيحكمه تطور الأحداث في الدورة الشتوية الجديدة، كونه يشكل ركيزة جدية لاستمرار تماسك الائتلاف الحاكم برمته.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات