المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1240

* من بيروت الى جنين
حرب لبنان 1982/2002

تأليف: عيريت غال وايلانه هَمِرمن

إصدار: عام عوفيد، سلسلة "وثيقة"

155 صفحة، تل ابيب 2002

يتضمن الكتاب شهادات لأربعة عشر اسرائيليا شاركوا في حرب اسرائيل الشاملة على المقاومة الفلسطينية في لبنان في صيف 1982، كما رُوِيت للمؤلفتين، بعد عشرين عاما على وقوع الحرب، من المكان الذي يقفون فيه اليوم، ويجدون أنفسهم يواصلون بطريقة أو بأخرى تلك الحرب التي بدأوها هم في لبنان وتواصلت في أرض الفلسطينيين أنفسهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي داخل إسرائيل بهذا القدر أو ذاك أيضاً.

نحن هنا أمام روايات لمقاتلين إسرائيليين شاركوا في تلك الحرب، تنتظم جميعا في نسيج المأساة الكبير الذي صنعته سياسة اسرائيل الرسمية التي قررت شن العدوان، كما جاءت على السن جنود كانوا في تلك الحرب في اوائل العشرينات من اعمارهم. وهي تقدم صورة مؤلمة لم تُعرف كل تفاصيلها الى الان، لشهور الحرب الاولى الحاسمة وحتى وقوع مذبحة العصر في صبرا وشاتيلا.

لكن يخيل أن السؤال الأهم الأن ونحن نطالع شهادات عن حرب وقعت قبل عشرين عاما ولم تنته بعد كيف وجدت المؤلفتان الطريق الى الربط بين ما كان آنذاك في بلاد الأرز وما هو كائن في فلسطين اليوم، وكيف يمكن لهذا العمل الكتابي أن ينتظم ضمن جهود إسرائيلية اخرى لوقف هذا العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني في وطنه، بقيادة نفس الجنرال الذي صار رئيس حكومة بعد عقدين من الزمن تقريبا على خروجه الى عدوانه الإجرامي، في حرب شاملة كان وما زال يصفها بأنها "من أعدل حروب إسرائيل"!؟

تكتب المؤلفتان في مستهل الكتاب:

"في الشهور التي كرسناها لجمع الشهادات للكتاب سمعنا في القدس أصوات إطلاق القذائف والرصاص في بيت جالا وبيت لحم. بعد ذلك سمعنا مرة تلة الاخرى اصوات الانفجارات من اماكن مختلفة في المدينة: شارع غزة، شارع يافا، مفترق بات. ليل نهار أزت من فوقنا الطائرات العمودية، وعلى شاشة التلفزيون شاهدنا الدبابات والمصفحات والجنود يتنقلون في شوارع الضفة وشوارع رام الله، ونابلس وقلقيلية وجنين. على طاولة العمل في غرفة كل واحدة منا وضع جهاز تسجيل واسمعَنا اصوات الناس الذين حكوا لنا بأنفسهم هذه الايام، كل واحد في مكان سكناه او عمله في ارجاء البلاد، كيف ارسل قبل عشرين عاما لكي يحارب، بالدبابة والمصفحة او راجلا في شوارع الرشيدية وعين الحلوة وصور وبيروت. سمعنا وشاهدنا واصغينا وتنقلنا وسط ذهول كبير بين الواقع الراهن والواقع من تلك الايام. جُذبنا بقوة كبيرة اليهما واستصعبنا التصديق: فكلاهما يتداخل الى واقع واحد، وهذا الواقع الواحد، جراء حجم الشبه الكبير والساخر بينهما، يصبح كالحلم، الحلم السيء الذي لا يمكن الاستيقاظ منه.

"لأن الاصوات والمشاهد هي تقريبا نفس الاصوات والمشاهد، وحتى الكلمات تبدو نفس الكلمات. آنذاك حاربوا "البنى التحتية للارهاب"، وسط تجمعات سكنية مكتظة ووعدونا بالسلام والامن، واليوم يحاربون "البنى التحتية للارهاب" وسط تجمعات سكنية مزدحمة ويعدوننا بالسلام والامن. في ذلك الوقت ارادوا استبدال نظام الحكم لدى الاخرين، واقامة "نظام جديد" في لبنان، واليوم يسعون لاستبدال الحكم لدى الاخرين، وإحداث "إصلاحات" في السلطة الفلسطينية. آنذاك طوّقوا وأغلقوا وطهّروا وجمعوا الرجال في الساحات وصنّفوا واعتقلوا وحققوا، واليوم يفعلون ذلك/ بنفس الكلمات، وبنفس الاساليب. ولا سلام، ولا أمن.

"اليوم هو رئيس حكومة، وآنذاك كان وزير دفاع: ارئيل شارون، مهندس "المخطط الكبير" الذي بموجبه دارت تلك الحرب في لبنان. واليوم هو وزير الامن، بينما لم يكن في حينه سوى كولونيل: بنيامين بن اليعيزر، شخصية هامشية في ذلك الوقت، ومع ذلك، وسواء كان ذلك بالصدفة ام لا، احدى الشخصيات الناشطة الاولى في العلاقة التي توثقت منذ 1976 مع قادة المسيحيين في لبنان ومع ذراعهم العسكرية، "الكتائب"، وهي علاقة لعبت دورا جوهريا جدا في مخططات شارون. وحقا، بعض الابطال لم يتغيروا بالفعل، ومؤكد ان البطل الرئيسي لم يتغير. حتى بعض مقاتلي ذلك الوقت، هم وابناؤهم ايضا الان، قد يقفون بالتأكيد عند الحواجز في مداخل مدن ومخيمات وقرى – أمر لا يصدق!"

مع ذلك، فإن الفصل التاريخي الموثق في الكتاب – السنة الاولى من حرب لبنان – ليس ملكا للتاريخ بعد. فهو ليس مجرد فصل مؤلم وعلامة فارقة على طريق تاريخ دولة اسرائيل والمجتمع الاسرائيلي، بل جزء لا يتجزأ من الحاضر، منذ ذلك الحين والى اليوم – منذ "خطة اورانيم" الكبرى و "العقل الحديدي" و "عناقيد الغضب"، وحتى "الحرب الوقائية" و "الطريق المثابر". هذا ما يتصاعد بحدة مذهلة ومفاجئة من الحكايات الشخصية المثبتة في الكتاب. ولعل ذلك عائد الى انها ليست استعراض تاريخ ولا تدعي الدقة في سرد الوقائع الجافة حسب تسلسلها، وانما هي ذكريات تُحكى هنا من المكان الذين يقف فيه اصحابها الان، هذا الراهن الخصوصي وهذا الراهن المأساويّ المشترك لجميع الاسرائيليين الان.

في إحدى الشهادات يسجل احد الجنود رأيه في تلك الحرب التي غرقت اسرائيل فيها عشرين عاما ويقول: "كانت حرب لبنان هي الإثم وصبرا وشاتيلا العقاب".

ترى، لو طلب منه اسماع رأيه في هذه الحرب القذرة الدائرة الان على الفلسطينيين، فبأي الكلمات كان سيصفها؟

المصطلحات المستخدمة:

دورا, دولة اسرائيل, اورانيم

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات