المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اصدرت المحكمة العليا، الأسبوع الفائت، أمرًا احترازياً مؤقتاً يمنع هدم منزل شُيّد بدون ترخيص في قرية عارة في منطقة المثلث (الشمالي). والى جانب المنزل المذكور بضعة منازل اخرى استصدرت بحقها أيضًا أوامر هدم إدارية. وبذلك أعلنت المحكمة، عمليًا، هدنةً مؤقتةً في الصراع الدائر منذ أكثر من خمس سنوات، والذي تصاعد واحتدم في الفترة الأخيرة،

بقلم: يوسف الغازي

اصدرت المحكمة العليا، الأسبوع الفائت، أمرًا احترازياً مؤقتاً يمنع هدم منزل شُيّد بدون ترخيص في قرية عارة في منطقة المثلث (الشمالي). والى جانب المنزل المذكور بضعة منازل اخرى استصدرت بحقها أيضًا أوامر هدم إدارية. وبذلك أعلنت المحكمة، عمليًا، هدنةً مؤقتةً في الصراع الدائر منذ أكثر من خمس سنوات، والذي تصاعد واحتدم في الفترة الأخيرة، كما يقول رئيس المجلس المحلي عارة - عرعرة، جميل مرزوق. <<في الأشهر الأخيرة تشن السلطات حملة شاملة لهدم البيوت غير المرخصة في منطقة وادي عارة، والتي يزيد عددها، حسب تقديري، عن ألف منزل>>، قال مرزوق وأضاف: <<تفاديا لحدوث انفجار عنيف في المنطقة، أناشد السلطات المسؤولة الإحجام عن هدم المنازل في وادي عارة وتنفيذ التزاماتها المترتبة عن الأتفاقية التي وقعت عليها الدولة لتمكين اصحاب هذه المنازل من الحصول على تراخيص البناء>>.

في ظاهر الأمر يبدو ان القضية بدأت قبل ثلاثة اشهر، حين أصدرت أوامر الهدم الإدارية ضد المنازل في قرية عارة. لكن الحقيقة هي أن الحاصل الآن هو تطور جديد في قضية قديمة، يكمن أساسها في الخلاف حول مستقبل أراضي الروحة. ففي أيار 1998 أصدر القائد العام للجيش آنذاك، أمنون ليفكين - شاحك، أمرًا بإغلاق منطقة عسكرية في أراضي الروحة - وهي الأراضي الواقعة إلى الغرب من شارع وادي عارة، والملاصقة لمجموعة من القرى العربية، ويعيش فيها حوالي 70 ألف مواطن. أمرُ الأغلاق - وخاصة بعد فرض قيود مشددة على المواطنين في الدخول إلى هذه الأراضي والتنقل في المنطقة، مما حرمهم من فلاحة اراضيهم - نَسَف، عمليًا، جملةً من الإتفاقات والتفاهمات التي كانت سائدة طوال عشرات السنين بين الجيش وبين أصحاب الأراضي. وردًا على ذلك، أقام اصحاب الأراضي، بدعم من <<لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب>>، خيمة اعتصام احتجاجية في المكان.

في 27 أيلول 1998، هاجمت قوات من الشرطة وحرس الحدود خيمة الإعتصام وفككتها، الأمر الذي أثار موجة من المظاهرات عند مدخل مدينة ام الفحم استمرت ثلاثة أيام وتخللتها صدامات بين المتظاهرين وقوات الشرطة وحرس الحدود والجيش، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. في اليوم الثالث من المظاهرات، عشية "يوم الغفران" العبري، قام رئيس الدولة آنذاك، عيزر وايزمن، بزيارة الى ام الفحم في محاولة منه لتهدئة الخواطر. ولكن، بعد مغادرته المكان ببضع ساعات، انقضت قوات كبيرة، ضمت جنودًا مقاتلين وقناصةً مزودين بأسلحة اوتوماتيكية ذات عدسات تلسكوبية، على الشباب المتواجدين عند مدخل ام الفحم، مما أسفر عن وقوع اصابات عديدة كان بينها إصابة ثلاثة شبان بالرصاص الحي.

إثر ذلك، وفي محاولة لإيجاد حل للنزاع، شرعت وزارة الأمن في مفاوضات مع ممثلي السكان والسلطات المحلية العربية في وادي عارة، استمرت اكثر من سنة وشارك فيها نائب وزير الأمن افرايم سنيه، ورئيس اللجنة الوزارية لشؤون المواطنين العرب متان فلنائي. وفي ختام تلك المفاوضات تم التوقيع يوم 30/12/2000 على <وثيقة تفاهمات> حددت الأنظمة التي يسمح بموجبها للسكان، القاطنين بمحاذاة منطقة التدريبات العسكرية، بفلاحة أراضيهم وتصريف امورهم الحياتية اليومية بشكل معقول. كما حددت الوثيقة، تفصيلياً، الأراضي التي سيتم ضمها الى مناطق نفوذ القرى العربية المجاورة: عارة - عرعرة، كفرقرع، أم الفحم، بسمة وطلعة عارة. وكما هو متبع عادة في مثل هذه القرارات، عينت وزارة الداخلية <لجنة لفحص الحدود> برئاسة بروفيسور يوسي غينات من جامعة حيفا، مهمتها وضع توصيات بشأن ترسيم الحدود البلدية الجديدة في المنطقة. قدمت اللجنة توصياتها الى مدير عام وزارة الداخلية مردخاي مردخاي في تشرين الثاني / نوفمبر الأخير.

* بسبب الضائقة السكنية

لكن <لجان التنظيم والبناء> واصلت عملها كالمعتاد وكأنه لم يكن أي اتفاق. وهكذا، في ظهيرة يوم 5/11، حضر مبعوثون عن لجنة التنظيم والبناء اللوائية في حيفا إلى منزل عائلة وشاحي الجديد في قرية عارة وألصقوا على الباب أمر هدم إداريًا بادعاء أن المنزل بُني على أرض زراعية ودون ترخيص. كما صدرت أوامر مماثلة بحق ثلاثة منازل اخرى مجاورة لا تزال في مراحل البناء، تملكها ثلاث عائلات: ماجد ضعيف، حسن زبارقة ومصلح يونس، وكذلك صدرت أوامر مماثلة بحق منازل اخرى في القرية.

رئيس اللجنة، د. حاييم كوبلمان، أبلغ وزير الداخلية ايلي يشاي، بنِيَّته إصدار أمر الهدم، قبل إصداره بستة أيام. وبعد ثلاثة أسابيع من ذلك تبين أنه أخطأ في رقم القسيمة التي اقيم عليها المنزل المنوي هدمه. فأبلغ الوزير بالخطأ، لكنه لم يؤجل تنفيذ الأمر، مخالفًا بذلك بنداً في القانون يُلزم بأبلاغ وزير الداخلية بالنية لأصدار أمر هدم اداري، قبل موعد أصداره.

المنزل المنوي هدمه شيّدته عائلة وشاحي لأحد أبنائها. وائل عبد الغني وشاحي في الخمسين من عمره، ويعمل في متجر صغير يملكه في المنطقة، وزوجته فاطمة، ممرضة في صندوق المرضى، وهما والدان لخمسة أبناء. قبل بضع سنوات اشتروا قطعة أرض وأقاموا عليها منزلاً لأبنهم مؤنس الذي يدرس الأقتصاد وإدارة الأعمال في كلية رمات غان، وينوي الزواج في هذه السنة. صحيح أن قسيمة الأرض التي أقيم عليها المنزل تابعة لمنطقة نفوذ اللجنة اللوائية في حيفا، ولكن كان من المفترض ضمها، مع قسائم اخرى، الى منطقة نفوذ مجلس عارة - عرعرة المحلي، بموجب وثيقة التفاهمات من كانون الأول 2000. عائلة وشاحي بدأت أعمال البناء قبل تنفيذ الضم وقبل تغيير صفة الأرض من زراعية الى سكنية. ويقول وائل وشاحي انهم فعلوا ذلك <<بسبب الضائقة السكنية واستنادا الى أن الأرض التي بنينا عليها المنزل سيتم ضمها الى المجلس المحلي في قريتنا>>. ويضيف أن كثيرين في قريته وفي القرى المجاورة فعلوا مثل ما فعل.

قبل موعد النظر في الطلب الذي قدمه وائل وشاحي الى محكمة الصلح في الخضيرة لإلغاء أمر الهدم ، قدمت السلطات ضده لائحة اتهام جنائية. أي أن الدولة اتخذت بحقه إجراءين على <المخالفة> نفسها. وفي 12/1/2003، ردت محكمة الصلح طلب وشاحي لألغاء أمر الهدم وأقرت وجوب تنفيذه في غضون 15 يوماً، بل وفرضت عليه أيضًا غرامة مالية مقدارها 2500 شيكل.

قبل صدور قرار المحكمة المذكور ببضعة أيام، توجه رئيس المجلس المحلي عارة - عرعرة، مرزوق، الى وزير الداخلية وطالبه بألغاء أوامر الهدم إستنادًا الى حقيقة أن الأراضي التي بنيت عليها هذه المنازل سيتم ضمها الى منطقة نفوذ المجلس المحلي، بموجب "اتفاقية الروحة". كما طالب مرزوق وزير الداخلية بالعمل لتنفيذ الأتفاقية، لتمكين المجلس المحلي من اتخاذ الأجراءات اللازمة لتغيير صفة الأراضي وتخصيصها، من زراعية الى سكنية.

مرزوق قال، هذا الأسبوع، ان السلطات الرسمية تشن حملة الهدم دون أي تمييز. <<الناس يبنون بدون تراخيص ليس بقصد المعاندة أو التحرش، وإنما لأنهم لا يحصلون على تراخيص البناء، على خلفية عدم إقرار الخرائط الهيكلية لقرانا طوال عشرات السنين>>. ويشير مرزوق الى أن خطر الهدم يتهدد عشرة منازل في قريتي عارة وعرعرة اللتين يسكن فيهما حوالي 15،000 مواطن. <<إذا نفذت أوامر الهدم، فالويل لنا جميعًا>>، قال مرزوق.

* يشجعون الأنفصال

في نهاية كانون الثاني / يناير دفع مؤنس وشاحي الغرامة المالية التي فرضتها عليه المحكمة. لدى انتهاء المدة التي حددتها المحكمة لتنفيذ أمر الهدم، دون تنفيذه، توجه كوبلمان الى المحكمة واستصدر منها، بحضور طرف واحد فقط (هو) قرارًا بتمديد المدة. ورَدًا على ذلك، قدم وشاحي استئنافا الى المحكمة المركزية في حيفا التي قررت النظر في الأستئناف يوم 20/3 المقبل، لكنها لم تلغ أمر الهدم. وعلى ذلك قدم محاميه، عبد أبو واصل، استئنافًا الى المحكمة العليا، التي أصدرت قاضيتها داليه دورنر، في نهاية الأسبوع الماضي، قرارًا احترازيًا مؤقتًا لتأجيل تنفيذ أمر الهدم الى حين إصدار قرار نهائي في الموضوع، وأمهلت السلطات الحكومية 21 يوما لتقديم ردها.

منذ مطلع كانون الثاني هذا العام، وبمبادرة من حركة <تعايش - شراكة يهودية – عربية> تتناوب ورديات من المتطوعين العرب واليهود على التواجد الدائم في خيمة الأعتصام الإحتجاجية المقامة بجانب منزل عائلة وشاحي، طيلة ساعات الليل والنهار، في محاولة لمنع تنفيذ أوامر الهدم بحق المنزل والمنازل الثلاثة الأخرى المجاورة. وقد علق هؤلاء يافطات كتبت عليها شعارات باللغتين العربية والعبرية: <<لا لهدم البيوت، نعم للحياة الكريمة>>. وزار الخيمة حتى الآن عدد كبير من المتضامنين، بينهم رؤساء سلطات محلية وأعضاء كنيست يهود وعرب واعضاء لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب. قوبل قرار المحكمة العليا تأجيل تنفيذ الهدم بارتياح بين أصحاب المنازل وسكان القرى في وادي عارة وورديات المتطوعين في الخيمة.

سكرتير اللجنة الشعبية للدفاع عن اراضي الروحة، سليمان فحماوي، أوضح هذا الأسبوع، انه في أعقاب تقديم توصيات لجنة فحص الحدود الى مدير عام وزارة الداخلية، أعد رؤساء السلطات المحلية العربية خطة مفصلة لمستقبل الأراضي التي سيتم ضمها الى قراهم. وتشمل الخطة تغيير الصفة والتخصيص من أرض زراعية الى ارض سكنية، على خلفية ضائقة السكن الحادة التي يعاني منها سكان هذه القرى. <<ازاء حالة الغليان الحالية بين المواطنين جراء أوامر الهدم العديدة، نأمل ان يثمر اللقاء المزمع عقده هذا الأسبوع بين رؤساء السلطات المحلية في قرى وادي عارة وبين نائب وزير الداخلية دافيد أزولاي، بايجاد حلول بناءة تمنع وقوع مواجهات لا نريد وفدقوعها>>، قال فحماوي.

غينات من جهته قال انه <<مصدوم من أن بيوتا ستهدم في قرية عارة بأوامر من وزارة الداخلية، خلافا لتوصيات لجنة الفحص وبما يتناقض معها، خاصة وان هذه التوصيات تتلاءم تماما مع بنود الأتفاقية التي وقعت عليها الدولة مع المواطنين العرب في وادي عارة>>. وأضاف غينات انه منذ تقديم التوصيات قبل ثلاثة أشهر، لم يرفضها وزير الداخلية <<وحتى اذا ما تعارض قراره مع توصيات اللجنة، فليس ثمة أي تبرير لهدم المنازل قبل البت في الموضوع. ان الرغبة في هدم المنازل في وادي عارة تدفع بالمواطنين العرب الى التحول من الرغبة في المساواة الى التطلع نحو الإنفصال. هدم البيوت لا يضيف مدماكًا واحداً فقط الى التوجهات الإنفصالية، بل يضيف اليها طابقاً كاملا>>.

* لا يزالون يفحصون الخرائط

ثلاثة تعقيبات مختلفة وردتنا من مكتب الناطقة بلسان وزارة الداخلية، طوفا الينسون، ردًّا على توجهنا لاستيضاح موقف وزير الداخلية إيلي يشاي بشأن أوامر الهدم. ففي التعقيب الأول جاء ان <<الوزير يشاي سيبحث الموضوع، بعد ان تقدم اللجنة توصياتها>>. وبعد أن أوضحنا للناطقة أن توصيات لجنة غينات قد قدمت منذ تشرين الثاني، عادت وأرسلت تعقيبا مصححا جاء فيها ان <<توصيات لجنة غينات قدمت حقا الى الوزارة، لكنها لم تكن مرفقة بالخرائط، ولذلك تمت اعادتها الى اللجنة>>.

بروفيسور غينات قال، ردًا على ذلك: <<لا أساس لهذا الكلام من الصحة. التوصيات جرى تسليمها بحضور جميع أعضاء اللجنة. أنا جلست الى جانب مدير عام الوزارة مردخاي مردخاي وعرضت التوصيات على ظهر خارطة. وليس صحيحاً ان التوصيات أعيدت الى اللجنة، كما تدعي الوزارة>>.

لكن الناطقة الينسون لا تزال تصر: <<بما أن الخرائط لم تكن واضحة، فقد أعيدت التوصيات الى اللجنة>>.

ورد غينات على هذا قائلا: <<تبين لي من فحص قمت به أنا ان ادارة الوزارة تنوي توجيه رسالة الى أعضاء اللجنة تطلب فيها منهم عقد اجتماع آخر للجنة للأجابة على بعض التساؤلات. لكن حتى اللحظة، وبعد مرور ثلاثة أشهر على تقديم التوصيات، لم أتلق أية رسالة كهذه>>.

بعد يومين، وصلت الى غينات فعلا رسالة من وزارة الداخلية وفيها طلب لفحص الخرائط من جديد.

(يوسف الغازي "هآرتس" 20/2 - ترجمة: "مدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات