المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* التوصيات في تقرير لجنة التحقيق أكدت مسؤولية (بالأحرى انعدام مسؤولية) براك وبن عامي وفيلك ورون. لكنه لم يخرج بأية توصيات حقيقية ضدهم * تأكيد اتهامات التحريض ولكن من دون توصيات ضد شخصيات عربية * توصية بالتحقيق في حالات القتل بواسطة قسم التحقيقات مع الشرطة * إشارة واضحة وبتوسع الى سياسة التمييز الحكومية واعتبارها "سببا رئيسيا" في أحداث أكتوبر

* التوصيات في تقرير لجنة التحقيق أكدت مسؤولية (بالأحرى انعدام مسؤولية) براك وبن عامي وفيلك ورون. لكنه لم يخرج بأية توصيات حقيقية ضدهم * تأكيد اتهامات التحريض ولكن من دون توصيات ضد شخصيات عربية * توصية بالتحقيق في حالات القتل بواسطة قسم التحقيقات مع الشرطة * إشارة واضحة وبتوسع الى سياسة التمييز الحكومية واعتبارها "سببا رئيسيا" في أحداث أكتوبر*

بقلم: هشام نفاع

التقرير الذي طال انتظاره والذي قدمته لجنة أور التي بحثت جرائم الشرطة ضد المواطنين العرب في اكتوبر 2000 أثار العديد من علامات السؤال، على الرغم من انه يحمل عددا من التوصيات الجدية. اول ما يثير الانتباه فيه هو "تنظيف" المستوى السياسي الحكومي من المسؤولية المباشرة، على الرغم من انه اشار الى قصورات جدية في سلوك وعمل ومسؤوليات كل من رئيس الحكومة السابق ايهود براك ووزير "الامن الداخلي" في حكومته شلومو بن عامي. وبالاضافة فقد تعامل التقرير مع قيادة الشرطة بشكل مخفف جدا من حيث التوصيات المباشرة مع أنه حمّل كبار الضباط مسؤولية استقدام القناصة والسماح باستعمال وسائل قمع قاتلة كالرصاص المطاطي، وعدم تقديم تقارير وبلاغات كما يقتضي القانون والانظمة المعمول بها. بالمقابل فان التقرير لم يخرج بتوصيات عقابية بحق النائبين عبد المالك دهامشة وعزمي بشارة والشيخ رائد صلاح على الرغم من أنه يثبّت مزاعم التحريض بحقهم.
يمتد التقرير على 832 صفحة، ويقع في جزئين. يُقسم الى ستة فصول تغطي العناوين التالية: الفترة السابقة للأحداث، الاحداث والتطورات التي احاطتها، الاحداث الخاصة بمعنى تلك التي شهدت حالات القتل واصابة المتظاهرين، ثم تطرق الى "مسائل محددة" مثل استقدام القناصة واستعمال الرصاص المعدني المغطى بالمطاط، وسلسلة القصورات في تقديم البيانات والتقارير الداخلية في جهاز الشرطة، وايضا من الشرطة للمستوى السياسي. ثم أورد استعراضا لمن جرى تحذيرهم.
التقرير تطرق بشكل واضح الى الوضع العام الذي تعاني منه الجماهير العربية بسبب السياسة الحكومية. ومما جاء في ملخص للتقرير، جرى تقديمه للصحفيين في غرفة مغلقة أمس، فإن الضائقة العامة التي يعاني منها المواطنون العرب في مجالات عدة، كالبطالة والفقر والنقص في الاراضي ومشاكل التعليم والبنية التحتية، "خلقت توترا مستمرا تصاعد حتى اكتوبر 2000 وكان سببا أساسيا في اندلاع احداث ذلك الشهر". وهنا اختارت اللجنة ان تشير بموازاة هذا الى ما اسمته "عمليات التطرف الايديولوجي السياسي في الوسط العربي". وراحت تستعرض أحداثا منذ يوم الارض وايضا ان "الدولة وحكوماتها على مر تاريخها فشلت كونها لم تتعاط مع المشاكل الخطيرة التي يفرضها وجود اقلية عربية كبيرة داخل الدولة اليهودية".
في الاطار الحساس الذي انتظره كثيرون والمرتبط بتحديد مسؤولية واضحة في كل واحدة من حالات القتل، من جهة، وفي الاطار السياسي والرسمي العام الذي وقعت فيه الجرائم من جهة أخرى، خرج براك وبن عامي والعديد من ضباط الشرطة دون توصية محددة ومباشرة باتخاذ اجراءات ضدهم. براك، الذي اعتبره التقرير كمن لم يتخذ اجراءات كافية لمنع استعمال وسائل قاتلة من قبل الشرطة او الحد منها، خرج سليما.. فقد اقرت اللجنة انه لا مكان للخروج بتوصية محددة ضده. نشير الى ان اللجنة نفت عن براك انه اعطى الشرطة تعليمات و "ضوءا أخضر" باستعمال "كل الوسائل" لفتح الطرق التي يغلقها متظاهرون، وذلك خلال اجتماع عقد في بيته في "كوخاف يئير" بحضور كبار قيادات الشرطة. ولكن في الوقت نفسه تشير اللجنة في تقريرها الى انها طلبت بروتوكول تلك الجلسة لكنها تلقت نسخة مكتوبة بخط اليد وباختصار وبشكل "مقطع"! وأشارت أيضا الى ان هذا الامر لا يتوافق مع النظم والمتعارف عليه في مكتب رئيس الحكومة نفسه. وهكذا فسيظل ما دار حقا وما قاله براك بالفعل للضباط في طي المجهول! الغريب ان براك (الذي خرج دون توصية محددة بحقه) وُصف في التقرير بشكل خطير: "امتنع عن الادلاء برأيه كما يتطلب الأمر في مسألة ذات أهمية استراتيجية لدولة اسرائيل ولسلامة مواطنيها". لا أقلّ!
بالنسبة لشلومو بن عامي فقد حملته اللجنة ايضا مسؤولية عدم العمل على تفعيل رقابة على الشرطة كما يقتضي منصبه وكما تفرض خطورة الاحداث. وكذلك مسؤولية عدم التيقظ لخطورة استعمال الرصاص المغطى بالمطاط رغم ما شهده يوما 1 و 2 اكتوبر من احداث خطيرة. وهنا اوصت اللجنة فقط بالا يتسلم مستقبلا مسؤولية وزارة الامن الداخلي.
بالنسبة لدهامشة وبشارة والشيخ صلاح ذكر التقرير انه نسبت اليهم تصريحات من شانها تشجيع استعمال العنف، ولكن لم تخرج اللجنة بتوصيات محددة ضدهم كونهم منتخبي جمهور. وفي حالة بشارة اشارت اللجنة الى ان المحكمة العليا اجازت حزبه خلال الانتخابات الأخيرة.
قائد الشرطة في حينه يهودا فيلك يتحمل مسؤولية ما يلي: لم يعدّ الشرطة لوقوع احداث من هذا النوع، لم يبادر لفحص أثر الرصاص المغطى بالمطاط، لم يهتم بمراقبة الاحداث نفسها، سمح باستعمال ذلك الرصاص (الذي اعتبرته اللجنة نفسها وسائل قاتلة) بشكل واسع، ورغم معرفته لاحقا باستعمال القناصة فلم يبلغ المستوى السياسي كما تقتضي النظم القانونية. وهو لم يبذل اي جهد حتى يجرى استخلاص العبر بشأن من يتحمل المسؤولية عن استقدام القناصة. ورغم كل هذا فان التوصية كانت فقط بألا يتولى في المستقبل اي مسؤولية في مجال "الأمن الداخلي". (وليس الامن عامة).
أما اليك رون الذي سبق ان أكدت ابحاث اللجنة مدى تورطه، فقد حملته اللجنة مسؤولية التالي: لقد ساهم بأقواله وبأفعاله في خلق علاقات سيئة وحتى الى قطيعة مع قيادة الجماهير العربية، مما ادى حتى الى عرقلة عمل الشرطة نفسها. وهو لم يهتم باعداد الشرطة لاحداث كهذه. وفي مسألة القناصة كان التقرير واضحا: فهو يتحمل المسؤولية عن اطلاق الرصاص من قبل القناصة على المتظاهرين "دون أي مبرر من خلال المساس بسبعة أشخاص والتسبب بموت أحدهم" وكذلك "خلافا لنظم الشرطة الملزمة المتعلقة بأوامر اطلاق النار". رون، حسب التقرير، لم يبذل أي جهد لاستعمال وسائل مخففة لتفريق المظاهرات وكل أوامر اطلاق النار لم تتم بشكل مراقب.
ورغم كل هذا فالتوصية بالنسبة اليه كانت فقط الا يتسلم في المستقبل أي وظيفة في مجال "الأمن الداخلي". وفوق هذا فقد امتدحته اللجنة كونه "اثار انطباعها بقدراته القيادية وشخصيته كضابط يحظى بالتقدير". وأيضا، يتبين لنا حسب التقرير ان اليك رون نفسه "عمل على مساعدة الوسط العربي على حل خلافاته بطرق سلمية"!
موشيه فلدمان، قائد شرطة المروج، الذي تورط باستعمال القناصة هو الآخر، ولم يتابع ويراقب ما يقع تحت مسؤوليته، أوصى التقرير بأن يخرج من سلك الشرطة. ضابط حرس الحدود في الشمال بنتسي ساو أدخل قوة من الشرطة الى ام الفحم خلافا للتعليمات من خلال اطلاق "كثيف" للنار، وأدار مواجهة امام السكان لمدة ساعات "بدون تبرير". وهو متورط في مسألة الفدقناصة أيضا. أما التوصية بحقه فكانت ألا يتم رفع رتبته لمدة أربع سنوات من يوم نشر التقرير. نذكر فقط الى انه حظي بترقية قبل نحو سنة!.
شموئيل مرملشطاين قائد شرطة الناصرة كان مسؤولا عن استقدام وتفعيل القناصة. التوصية كانت بألا يتم رفع رتبته خلال سنة.
أما غاي رايف الذي قال التقرير صراحة أسود على أبيض أنه "تسبب بوفاة مواطنين" (المغدوران وليد ابو صالح وعماد غنايم) وأطلق النار على متظاهرين من خلال "اعتبارات إشكالية بشكل جوهري"، فقد اكتفى التقرير بالتوصية بتسريحه من جهاز الشرطة.
مرشد راشد الذي اطلق رصاصة مغطاة بالمطاط أدت الى قتل رامي غرة أوصى التقرير بأن يُجري قسم التحقيق مع عناصر الشرطة تحقيقا في "الحادث الذي كان شريكا به".
بالاضافة لم تقدم أية توصية بحق عنصر وحدة القناصة "يمام" المسمى (ن) رغم انه اطلق النار دون مبرر مما أدى الى اصابة سيدة داخل سيارتها في الناصرة.
مقابل هذا أوصى تقرير اللجنة بأن يتم فتح تحقيق من قبل وحدة التحقيقات مع الشرطة في كل حالات القتل وفي عدد من الاعتداءات (سننشر حولها بالتفصيل لاحقا). وبالاضافة فقد تعاطى التقرير مع مجمل عمل الشرطة وتوقف عند التعامل العدائي القائم في هذا الجهاز مع الجماهير العربية. وجاء: "اللجنة تقر وجوب اعادة بناء علاقة الشرطة بالوسط العربي".
فيما يتعلق بوسائل تفريق المظاهرات القاتلة، أوصت اللجنة بالامتناع عن استعمال احد انواع الرصاص المطاطي المغطى بالمطاط، ولم يتضح اذا كانت هذه التوصية مطلقة أم تتعلق بنوع واحد ومحدد. هنا كان التقرير واضحا فيما يتعلق بالادعاء الذي اكده العديد من الشهود العرب: الشرطة لا تبذل أي جهد للامتناع عن استعمال وسائل عنيفة وخطيرة في حال مواجهة مع مواطنين عرب.
حاليا، من المثير للاهتمام اذا ما كان التحقيق مع المتورطين في حالات القتل سيجري فعلا بحسب التوصية، وهل سيؤدي فقط الى ادانة "العناصر" الصغيرة أي أفراد الشرطة، ام ان المسؤولية قد تصل الى الذين أعطوهم الأوامر وسمحوا لهم بإطلاق النار على متظاهرين مواطنين شبان في أكتوبر 2000!

المصطلحات المستخدمة:

لجنة أور, رئيس الحكومة, حرس الحدود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات