المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

منذ الخامس والعشرين من كانون الأول للعام 1949، حيث جرت الانتخابات البرلمانية للكنيست الأولى في إسرائيل، والعرب الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل يشاركون فيها، منتخِبين ومنتخَبين. حتى اليوم، وبعد ما يقارب الأربعة والخمسين عامًا، لم تزل هذه المعضلة غير محلولة.

منذ الخامس والعشرين من كانون الأول للعام 1949، حيث جرت الانتخابات البرلمانية للكنيست الأولى في إسرائيل، والعرب الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل يشاركون فيها، منتخِبين ومنتخَبين. حتى اليوم، وبعد ما يقارب الأربعة والخمسين عامًا، لم تزل هذه المعضلة غير محلولة. الأصوات التي تنادي بالمقاطعة ترى في الانتخابات الاسرائيلية إنتخابات لبرلمان صهيوني للدولة اليهودية يجب عدم الخوض فيها، وبعضها يرى في المشاركة مشاركة شكلية لا أكثر، والبعض الآخر (الغالبية) يرى في هذه المشاركة حقًا لا يُنتزع بحكم كون العرب الفلسطينيين في إسرائيل مواطنين يسعون بكامل جهدهم ليكونوا مواطنين متساوي الحقوق. غالبية العرب الفلسطينيين في إسرائيل ترى في ممارسة حق الاقتراع تشديدًا وتأكيدًا على تواجدهم في وطنهم وأرضهم، دون السماح برميهم خارج اللعبة الدمقراطية الاسرائيلية وبالتالي نزع الشرعية عن مواطنتهم.

الاشكالية المذكورة تطفو على السطح وتخبو، في فترات متفاوتة أو متباعدة، لكنها لا تغيب أبدًا. الأحزاب العربية كافةً (عدا الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة التي دعت في لجنة المتابعة إلى إتخاذ موقف الورقة البيضاء وليس المقاطعة، والفرق في جوهره هو عدم حثّ العرب على عدم الذهاب الى الصناديق لأن ذلك قد يسقط الاحزاب العربية في الانتخابات البرلمانية القادمة) أيدت في 2001 مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرت آنذاك بين مرشح حزب "العمل" أيهود براك (رئيس الحكومة آنذاك)، الذي قاد الحرب على الفلسطينيين في فلسطين وفي داخل إسرائيل، وبين مرشح "الليكود"، أريئيل شارون. النتيجة معروفة للجميع. ولحسن حظ العرب - إذا سمح لي بالقول - فإن الفارق بين براك وشارون في تلك الانتخابات كان كبيرًا الى درجة أن أحدًا لم يجرؤ (ربما من باب الحياء) على إتهام العرب بسقوط براك كمرشح ليسار اسرائيلي معدوم الهوية. هذا الاتهام الذي وجهه "اليسار" الاسرائيلي الى العرب الذين قاطعوا الانتخابات في 1996 بعد مجزرة قانا التي قادها شمعون بيرس، مرشح حزب "العمل" آنذاك، والذي رأس الحكومة خلفًا ليستحاق رابين، الذي قتله يغآل عمير في الرابع من تشرين الثاني في العام 1995. سقوط بيرس آنذاك لصالح بنيامين نتنياهو بفارق أصوات ضئيل لم يُفهم كما يجب في المجتمع الاسرائيلي. الغالبية فضلت أن ترى في ذلك خيانة من العرب الذين منعوا بيرس من تكملة مشوار رابين السلامي والتفاوضي، ولكن أحدًا لم يستوعب آنذاك أن سقوط بيرس كان الطلقة الأولى (وربما الثانية بعد الطلقة التي قتلت رابين) من مسدس اليمين الاسرائيلي في طريق عودته الى الحكم، وبغالبية مطلقة. وهو ما نعيشه اليوم على جلودنا جميعًا!

"فخ" جديد!

على الرغم من أن المحللين والمعلقين والسياسيين الاسرائيليين (والعرب منهم أيضًا) يقولون في كل انتخابات إسرائيلية، إن هذه الانتخابات مصيرية وحاسمة، إلا أن الأمر في هذه الحالة لا يخلو من الكثير من الصحة. هناك من يرى في التصويت عملا "وطنيًا" من الدرجة الأولى لتقوية اليمين وشارون (أو مرشح الليكود) وهناك من يرى في الذهاب الى الصندوق عملا غير ذي جدوى وذلك بسبب الأرقام التي تظهرها الاستبيانات واستطلاعات الرأي في اسرائيل. المواطنون العرب يقعون اليوم في هذه الخانة. والأمر يزداد إحراجًا إذا تذكرنا أن المواطن العربي في البلاد قاطع الانتخابات في مرة سابقة، وبالتالي صارت عملية المقاطعة الثانية أمرًا غير مستحيل. ومع ذلك، يجب الانتباه الى طبيعة الانتخابات المقبلة: المُشرع الاسرائيلي قرر العودة الى نظام الانتخابات المنطقي النسبي وإلغاء عملية الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة. أي أن رئيس الحكومة سيكون رئيس الحزب الذي سيحصل على أكبر عدد من المقاعد.

العودة الى الطريقة القديمة في الانتخاب هي "فخ" غير صغير للعرب الفلسطينيين مواطني إسرائيل. ففي المرة السابقة كان بوسع العرب أن يصوتوا لحزب عربي يريدونه وأن يصوتوا في المقابل للمرشح لرئاسة الحكومة دون علاقة بالقائمة. هذه الامكانية غير موجودة اليوم. وبالتالي فإنه من المتوقع أن تكون حملة الانتخابات التي سيقودها حزب "العمل" و"الليكود" هذه السنة بين المواطنين العرب في إسرائيل حملةً مكثفةً وحتى شرسةً. فمرشح حزب "العمل" (عمرام ميتسناع على ما يبدو) لن يجلس وينظر الى الأحزاب العربية تخطف منه مصوتي "العمل" القدامى مرةً أخرى. الحرب هذه الانتخابات هي على كل صوت، وفي الحرب كما في الحرب!

من المهم التشديد على أن طريقة الانتخاب المباشر المرحومة كانت في مصلحة العرب في النهاية. من أجل المقارنة سأورد قسمة المقاعد في الانتخابات للكنيست الرابعة عشرة، وهي الانتخابات التي سبقت إدخال قانون الانتخاب المباشر، ومقارنةً مع هذه القسمة سأورد قسمة الكنيست الخامسة عشرة التي كانت نتيجة للانتخاب المباشر:

· الكنيست الـ (14): "العمل" 34؛ "الليكود"- غيشر- تسومت 32؛ شاس 10؛ المفدال 9؛ ميرتس 9؛ يسرائيل بعلياه 7؛ "الجبهة" و"التجمع" 5؛ يهدوت هتوراه 4؛ هديرخ هشليشيت 4؛ الدمقراطي العربي 4؛ موليدت 2.

· الكنيست الـ (15): "يسرائيل أحات" ("العمل" و"ميماد" و"غيشر") 26؛ "الليكود" 19؛ شاس 17؛ ميرتس 10؛ "يسرائيل بعلياه" 6؛ "شينوي" 6؛ "المركز" 6؛ المفدال 5؛ "يهدوت هتوراه" 5؛ القائمة العربية الموحدة 5؛ "هئيوحيد هليئومي" 4؛ "الجبهة" 3؛ "يسرائيل بيتنا" 4؛ "التجمع" 2؛ "عام إحاد" 2.

استفاد العرب من هذه النقلة عدة أمور أهمها: زيادة نائب عربي من (9) في 1996 الى (10) في 1999. وأيضًا إضعاف كبير لحزب "الليكود" وإضعاف أقل لحزب "العمل". هذا التغيير في الخريطة الحزبية أنهى عصر الحزبين الكبيرين وبالتالي فتح أمام الأحزاب الصغيرة (والعربية منها) آفاقًا سياسيةً جديدةً لم تكن متاحة من قبل، في الشارع وفي الكنيست. وفيما يخص الأحزاب العربية فإن العمل البرلماني في كنيست مشققة ومقطعة الأوصال مثل الكنيست الحالية هو أسهل. فامكانيات المحاورة والمبادلة السياسيتين أكبر من العمل مقابل حزبين كبيرين لا يتركان مجالا للمناورة السياسية. كما أن طريقة الانتخاب المباشر خلصت الجماهير العربية من حملات التجنيد والتجيير والارضاخ للأحزاب الصهيونية التي كانت تتنازع فيما بينها على الأصوات بكل ثمن. اليوم نحن نرى عودة الى تلك الأزمان، وعودة الى كل الظواهر التي رافقت والتي ولدت جراء الطريقة القديمة في إنتخاب الممثلين البرلمانيين في إسرائيل. هذه العودة تصبغ هذه الانتخابات بصبغة العجز الفردي الذي يكبل كل فرد وفرد، خاصة الضعفاء في اسرائيل، وغالبيتهم من العرب.

مستقبل غير واضح

نتيجة لكل ما ذُكر فإنه ليس بوسع استطلاعات الرأي الآن أن تتكهن بنتائج التصويت في الوسط العربي أو بعدد الذين سيصوتون. معهد "يافا" للأبحاث في الناصرة أجرى أخيرًا استطلاعًا للرأي بين المواطنين العرب وكانت النتيجة أن حوالي (54%) من المواطنين العرب سيصوتون هذه السنة. من أجل المقارنة مع السنوات السابقة يرجى النظر الى القائمة المرفقة حول نسب التصويت بين العرب على إمتداد السنوات، والأرقام تتحدث بنفسها. في القائمة المرفقة يمكن إستبيان مدى قوة الأحزاب العربية والأحزاب المرافقة لحزب "العمل" التي اختفت عمليًا في انتخابات 1981.

د. أسعد غانم، الباحث في السياسة العربية في إسرائيل يرى أن الانتخابات الوشيكة ستكون صعبة في الوسط العربي. غانم: "في المعركتين الأخيرتين كانت الانتخابات بالأساس حول رئاسة الحكومة، و"العمل" و"الليكود" اعتقدا أن التركيز يجب أن يكون على المرشح للرئاسة وليس على الحزب، أو على عضو هنا أو هناك. وهذا حصل، ليس عند العرب فقط بل عند الروس والشرقيين والمتدينين. كما أن "العمل" و"الليكود" لم يتورعا عن إبرام صفقات مع أحزاب عربية في بعض القرى والمدن العربية، وهذا يمكن إثباته بالأرقام. وهذه المرة "العمل" و"ميرتس" في ضائقة حقيقية وهما يعلمان أنهما لن يحققا قوة كبيرة".

- هل تتوقع أن تنخفض قوة الأحزاب العربية؟

"بالتأكيد. في الانتخابات الأخيرة حصلت الأحزاب العربية على (74%) من أصوات الناخب العربي ولكن هذه المرة من المتوقع أن تنخفض النسبة الى (70%) في أحسن الحالات. كما أن تراجعًا سيطرأ أصلاً على نسبة التصويت بشكل عام. واليوم نعرف أن "الليكود" أقوى من "العمل" وهو لن يترك الساحة في الشارع العربي لحزب "العمل"، وبالتدقيق في يوم الانتخابات نفسه، حيث أتوقع أن يعينوا مراقبًا منهم على كل صندوق في القرى العربية منعًا للتلاعبات."

- هل ستؤثر الدعوة الى المقاطعة في 2001 على خروج الناخب العربي الى الصناديق هذه السنة؟

"لا أعتقد. لا تنسَ أن المقاطعة في 2001 كانت بناء على قرار جماعي في لجنة المتابعة، الذي أتخذ بناءً على التقييم أن الشارع العربي نفسه ضد التصويت. ولكن هناك تبعات لتلك الدعوة وأهمها أن العرب لم يصوتوا ولم يحصل لهم شيء، وهذا أزال التخوفات والترسبات من الماضي. كما أن هناك قطاعات واسعة لا تصوت تاريخيًا، ليس فقط من منطلقات أيديولوجية، وإنما نتيجة لخيبات أمل متكررة من التأثير على السياسة الاسرائيلية، ومن الممارسات السياسية للأحزاب والنواب العرب. فتوفيق خطيب مثلا له حزبان اليوم: الحركة الاسلامية والحزب القومي العربي، وعلى هذا قِسْ."

مؤشر هام

في كل الأحوال فإن الانتخابات الوشيكة ستكون علامة فارقة في علاقة العرب الفلسطينيين مواطني الدولة مع المؤسسة الحاكمة. فإذا عاد العرب للتصويت وأنجحوا الأحزاب العربية على الرغم من كل شيء فإن هذا سيكون مؤشرًا نهائيًا على بداية مرحلة جديدة ومثيرة من علاقة الند بالند بين العرب وإسرائيل. وإذا قاطع العرب وأعلنوا أنهم (بغالبيتهم وحتى بنصفهم) خارج اللعبة المبيوعة مسبقًا فإن هذا سيكون مؤشرًا هامًا على المستقبل الهش الذي سيسود بين العرب وبين الدولة الرسمية. الطامة الكبرى ستكون لو خرج العرب للتصويت وعادوا الى إعطاء الأحزاب الصهيونية ما كانوا يعطونها في السابق، وكأننا لا رُحنا ولا جينا!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات