المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*موشيه كحلون يقر إجراءات لإخفاء مشاهد العوز التي تظهر في وسائل الإعلام في مواسم الأعياد العبرية *جدل حول دور الحكومة الرسمي في توزيع المساعدات الغذائية والمد الكبير في دور الجمعيات الخاصة *شبكات التسوق الكبرى تتحدث عن تراجع ملموس في حجم المشتريات لعيد الفصح العبري*

فجّر وزير الرفاه الاجتماعي الإسرائيلي موشيه كحلون (ليكود) في الأيام الأخيرة التي سبقت عيد الفصح العبري، الذي انتهى في آخر الأسبوع الماضي واستمر أسبوعًا، قضية الطوابير التي تشهدها إسرائيل على أبواب الجمعيات الخيرية التي توزع الطعام على الفقراء قبل العيد، وخلافا لسنوات مضت فإن هذه السنة لم تظهر فيها أعداد الذين تدفقوا على هذه الجمعيات، لكن بحسب تقديرات سابقة، فإن الحديث يدور على مئات الآلاف من الإسرائيليين.

وقال كحلون إنه أمر بوقف تصوير ما يجري في داخل هذه الجمعيات، مؤكدا أن هذه المشاهد تمس بمشاعر المحتاجين.

وأضاف في تصريحات لوسائل الإعلام: "إذا كنتم تريدون أن تعطوا، فأعطوا بالسر"، ثم دعا إلى سحب الميزانيات الحكومية من هذه الجمعيات، على أن تتكفل الحكومة بتوزيع المساعدات على المحتاجين. وقال إنه يجب العمل كي تكون هذه الجمعيات في العام المقبل زائدة عن اللزوم، فهذه الجمعيات فيها مديرون عامون يحصلون على رواتب تصل إلى عشرات آلاف الشيكلات، على حساب الفقراء.

لكن لاحقا تراجع كحلون، ليقول لصحيفة "هآرتس": "إن الوضع الحالي مثير للغضب، غير أن الجمعيات الهامة، أي القديمة والكبيرة، يجب أن تواصل عملها، لكن عليها أن تغير أسلوب عملها، ونحن في الوزارة نعمل على استبدال المواد الغذائية بإيصالات مالية، تشتري بواسطتها العائلات ما تحتاج إليه".

ويستند كحلون في حديثه هذا إلى استطلاع للرأي العام أجرته جمعية "يديد" (صديق) التي تعنى بالقضايا الاجتماعية، إذ تبين منه أن 94% من العائلات المحتاجة للمساعدات الغذائية، طلبت استبدال الرزم الغذائية بالحصول على بطاقات شراء، تسمح لها بشراء البضائع التي تراها مناسبة لها، إذ أن ليس كل ما في الرزم تحتاجه العائلات.

وتقول الجمعية إنها أجرت الاستطلاع من خلال المقابلات الشخصية، وشارك فيه 540 مستطلعا من بينهم مسنون، ودل الاستطلاع على أن 5% فقط من الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم مستعدون للقدوم إلى جمعيات توزيع الأغذية من أجل الحصول على رزمة مساعدات أو على وجبة طعام ساخنة، بينما قالت الغالبية الساحقة إنها تريد الحفاظ على هيبتها واحترامها الشخصي، ولهذا لا تريد الوقوف في طوابير الانتظار من أجل الحصول على رزم المواد الغذائية.

كحلون سيواجه صعوبة!

ونقلت صحيفة "ذي ماركر" عن مسؤولين في وزارة الرفاه الاجتماعي التي يتولى كحلون المسؤولية عنها قولها إنه بالفعل توجد مشكلة، ولكن لا يوجد ضمان بأن تسمح الحكومة للوزير كحلون أن يطبق ما يطمح له في الزمن القريب، بمعنى حتى موسم أعياد رأس السنة العبرية في نهاية الصيف المقبل.

وقال مسؤولون إن الوزارة وزعت بنفسها هذه المرّة ولأول مرّة إيصالات مالية، على شكل بطاقات ممغنطة، لحوالي 31 ألف عائلة في إسرائيل، بقيمة إجمالية تصل إلى 400 شيكل لكل عائلة، وكان هذا بالتعاون مع جمعية "الصندوق من أجل الصديق"، لأن الميزانية التي رصدتها الوزارة لهذا الغرض لا تكفي وكانت في حدود 3ر1 مليون دولار.

من جهة أخرى، فإن مسؤولي الجمعيات يعترضون على ما يقوله كحلون، إذ يقول المدير العام لجمعية "لتيت" (عطاء) وهي من أكبر الجمعيات المُمَأسسة في إسرائيل، عيران فاينتروب، "إن في إسرائيل عشرات الجمعيات التي تعمل في الميدان، وليس في المجلس المركزي لحزب الليكود (الذي يتبع له كحلون)، والسبب الوحيد الذي يجعل جمعية لتيت توزع المواد الغذائية هو أن الحكومة لا تفعل شيئا حيال قضية الفقر، وإذا كان في نية الوزير كحلون أن يعمل وليس فقط أن يتكلم، فإن جمعية لتيت تلتزم بوقف نشاطها في حال أخذت الوزارة على عاتقها القيام بالمهمة".

ويقول مسؤول آخر في إحدى الجمعيات إنه وفق التقارير التي تقدمها الجمعيات، فإن الرواتب التي تدفعها تساوي نسبة 7% من مجمل التبرعات التي تجبيها، ولكن من جهة أخرى هناك تقارير تتحدث عن أن رواتب المديرين العامين للجمعيات التي يصل عددها إلى نحو 320 جمعية، يتراوح ما بين 14 ألف إلى 26 ألف شيكل شهريا.

ويدافع عن هذا مسؤول آخر في إحدى الجمعيات بقوله: إن كل جمعية بحاجة إلى شخص مهني وناجح ليديرها، وأمثال هؤلاء لو عملوا في ميادين أخرى سيتقاضون رواتب أعلى وبكثير، وحتى ثلاثة اضعاف ما يتقاضونه في الجمعيات.

دعوة لكحلون كي يطبق ما يقوله

وتقول المحللة السياسية أفيراما غولان في مقال لها ظهر في صحيفة "هآرتس" وتحت عنوان "حينما يكون اليمين اجتماعيا" إن "كحلون سياسي مثابر، وكما أنه لم يخف وبادر إلى تدخل شديد في عمل شركات الهواتف الخليوية، فها هو لا يخفي مرارته من ثقافة المساعدات الخيرية، التي باتت مع السنين جمعيات كثيرة تزدهر دوما، وفيها شبكات موظفين ورواتب عالية لمديريها".

وتابعت غولان أن كحلون يعبر في هذا عن موقف اجتماعي يساري بشكل واضح، خلافا لسلفه في الوزارة، إسحق هيرتسوغ، الذي كان نصيرا كبيرا لتطوير عمل الجمعيات وزيادتها، كبديل لعمل الحكومة ودورها.

وتقول غولان إن الضبابية زالت عن عمل الجمعيات، فهي تعد بالمئات وتشغل عمالا من خلال شركات قوى عاملة، من دون شروط اجتماعية، وبذلك فإن آلاف العمال والموظفين المهنيين تحولوا مع الزمن إلى قناة تحويل أموال للفقراء، وهذا بدلا من شبكات المساعدات الاجتماعية الرسمية التي تراجعت مع السنين.

وتختتم غولان: ربما أن كحلون تملكه الغضب حينما رأى الرئيس الجديد لحزب "كاديما" المعارض شاؤول موفاز يوزع المواد الغذائية على المحتاجين، وفهم أنه سينشغل بخصم "اجتماعي"، ولكن على أية حال فإن انتقاداته للجمعيات صحيحة ولها ما يبررها، وتعبر عن موقف رسمي صحيح، والآن بات عليه أن يبرهن انه قادر على فعل شيء وتطبيق السياسة التي يدعو لها.

وقالت صحيفة "هآرتس" في مقال افتتاحي: "لقد أغضب وزير الرفاه كحلون جمعيات الإغاثة وتوزيع الغذاء، حين انتقد طريقة "القاء الصناديق" المهينة، على حد قوله، واتهم مديري الجمعيات بسحب الرواتب على حساب الضعفاء. أما الجمعيات من جهتها فادعت أنها تملأ فراغا خلقته الحكومة".

وتابعت الصحيفة: "إننا نأمل أن تشعل أقوال كحلون والعاصفة التي أثارتها نقاشا جماهيريا فتؤدي الى تغيير السياسة. وخلافا لكثيرين قبله في هذا المنصب، يؤمن كحلون بإعادة المسؤولية عن رفاه المواطن الى الدولة. ويبدو أن الجبهة التي فتحها ضد الجمعيات ستستوجب منه موقفا حازما كذاك الذي أظهره ضد شركات الهواتف الخليوية".

ومضت قائلة: "يمكن الافتراض بأن تعبيره الحاد ينبع من الضغوط التي تمارسها الجمعيات مؤخرا، بمعونة لجنة المالية ولوبي الأمن الغذائي في الكنيست، مطالبين أن تضع الوزارة تحت تصرفهم مرة أخرى صندوق الاغاثة للجمعيات، بمبلغ 200 مليون شيكل، حسب تعهد الحكومة".

و"كثرة الجمعيات تعكس واقعا مركبا تتداخل فيه الضائقة الحقيقية مع استغلالها لأغراض سياسية وغيرها، ومع منظمات تعمل بروح النموذج الخيري الأميركي وتتنافس مع منظمات أصولية وجمعيات الصدقات، والجميع يعصرون غدة الرحمة الإعلامية عشية كل عيد".

وتقول الصحيفة إن "الضائقة ليست موضوعا فولكلوريا. ولجنة الأمن الغذائي الناشئة عن وزارة الرفاه، والتي رفعت استنتاجاتها في آذار 2008، وإن كانت قضت بأن 31 في المئة من المنازل في إسرائيل تعيش ضائقة غذائية، إلا أنها بالتوازي دعت إلى ترتيب حكومي لتوزيع الغذاء. ولكن هذه التوصية لم تطبق".

وتختتم الصحيفة: إن الانتقاد الذي يوجهه الوزير كحلون للجمعيات مبرر، وتوزيع القسائم الذي بادر إليه هو خطوة سليمة، ولكنها غير كافية. الآن يتعين عليه أن يقود سياسة واضحة تتبنى الرفاه بدلا من الصدقات.

تراجع المبيعات في

شبكات الأغذية

من جهة أخرى، وفي سياق ذي صلة، أعلنت شبكات التسويق الكبرى في إسرائيل عن تراجع واضح في المبيعات التي سبقت عيد الفصح العبري، رغم أنه من أكبر مواسم بيع الأغذية، مقارنة مع باقي الأعياد، وهذا يأتي بعد تقارير متزامنة تحدثت عن تراجع ملحوظ في مبيعات شبكات تسويق الاغذية والمواد البيتية في الربع الاول من العام الجاري.

وقالت شركة "ميغا"، وهي واحدة من أكبر شبكتي محلات التسوق الكبرى للمواد الغذائية والبيتية في إسرائيل، إنها لمست تراجعا كبيرا في التسوق قبل عيد الفصح العبري، إلا أنها وضعت في مقدمة الأسباب تزامن بدء العيد مع نهاية الأسبوع، وقالت إنه في العيد في العام الماضي أجرى المتسوقون جولتي شراء، واحدة عشية العيد والثانية في نهاية الأسبوع الذي يحل في أسبوع العيد.

أما السبب الثاني، حسب "ميغا"، فهو الأوضاع الاقتصادية، إذ تراجعت سلة المشتريات للعائلة الواحدة بنسبة مئوية قد تصل إلى 5%. ولكن في حين تحدثت شبكتي "شوبرسال" و"ميغا" عن تراجع، فإن الشبكات الصغيرة تحدثت عن ارتفاع في مبيعاتها، غير أن هاتين الشبكتين تسيطران على 50% من حجم التسوق، في حين أن الشبكات الصغيرة نسبتها مجتمعة هي في حدود 32%، مقابل 6ر17% للحوانيت الخاصة في الأحياء.

ومثلا أعلنت شبكة التسوق "رامي ليفي"، المنتشرة بالذات في المستوطنات، عن ارتفاع مبيعات بنسبة 33%، وقالت شبكات مشابهة من حيث الحجم إن مبيعاتها زادت بنسبة 12%، ولكن شبكات أخرى تحدثت عن نفس نسبة المشتريات في العام الماضي.

غير أن التراجع البارز في مشتريات العيد كان في حوانيت الهدايا، بحسب تقرير نشره الملحق الاقتصادي "مامون" الذي يوزع مع صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وقالت عدة شبكات حوانيت للهدايا لها فروع عدة في أنحاء مختلفة من البلاد إن حركة المشتريات كانت ضعيفة بشكل خاص في هذا العام، ويعتقد مسؤولون في هذه الشبكات أن حملة الاحتجاجات الشعبية كان لها تأثير على حركة المشتريات.

وكما يبدو فإن هذا هو انعكاس لحالة عدم الوضوح في الشارع الإسرائيلي بشأن المستقبل الاقتصادي، وما إذا كانت ستندلع أزمة اقتصادية جديدة، الأمر الذي يجعل المستهلكين يغيرون في أولويات الصرف.

وكما ذكر، فقد تبين من تقارير لشبكة الحوانيت الخاصة "ميني ماركت" في الأحياء أن هناك تراجعًا بنسبة 3ر7% في مبيعاتها في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي 2011. ويعزو المراقبون هذا التراجع، الذي سيؤثر على مستقبل عمل الكثير من هذه الحوانيت نظرا لنسبة الأرباح القليلة في المواد الغذائية، إلى المنافسة الشديدة في الأسعار، لأن أسعار هذه الحوانيت تبقى أعلى من غيرها، وبشكل خاص في شبكات التسوق الكبرى، إضافة إلى تراجع القوة الشرائية.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الليكود, الكنيست, يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات