المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*إسرائيل تواجه تداعيات "الربيع العربي" من دون التطلع إلى التأثير عليها*

يشير الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الدكتور مارك هيلر، في مقاله في الكتيب الذي أصدره المعهد بمناسبة مرور عام على "الربيع العربي"، إلى أن رد الفعل الأولي في إسرائيل في بداية "الربيع العربي" كان "التوتر القريب من الهلع".

وأضاف أن رد الفعل هذا كان مبررا، لأن أول رئيسين تم الإطاحة بهما هما التونسي زين الدين بن علي، والمصري حسني مبارك. وأن مبارك كان "ركنا أساسيا لنظام وضع إحدى أهم الدول العربية في مسار سياسي متناسب مع المصالح الأمنية الهامة لدولة إسرائيل".

وأوضح هيلر أنه "توجد للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط أهمية بالغة بالنسبة لإسرائيل، ولذلك فإن خلع زعماء كانوا مقربين من الولايات المتحدة لم يبشر بالخير بالنسبة لإسرائيل". وأضاف أن "تخوفات إسرائيل تزايدت عندما بدأت الصورة تتضح وتبين أن القوى التي يتوقع أن تتعزز بعد سقوط الأنظمة، ليست تلك التي تنتمي إلى الشبان العلمانيين والليبراليين من أوساط الطبقة الوسطى... وإنما حركات الإسلاميين، التي تم قمعها على مدار سنين طويلة، ولكنها أثبتت قدرتها على الصمود والإصرار وأقامت شبكات اجتماعية خاصة بها، ليس فقط في الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى، وإنما في المناطق الريفية الكبرى، التي عانت من قلة التغطية الإعلامية".

وأشار هيلر إلى أن "انتشار ’الربيع العربي’ إلى أماكن مثل ليبيا واليمن وسورية رسخ إمكانية أنه مقابل خيبة الأمل جراء الإطاحة بأنظمة مريحة بالنسبة لإسرائيل، سيكون هناك بعض التعويض بإضعاف أو الإطاحة بأنظمة معادية لإسرائيل. وهذا التعويض سيتزايد بشكل كبير جدا إذا ما عادت وثارت الدوافع التي أدت إلى الهبة القصيرة في طهران في العام 2009، التي كانت بمفهوم معين مؤشرا مبكرا لـ ’الربيع العربي’، وأن تكون هذه المرة قوية بشكل يؤدي إلى انهيار النظام".

وتطرق هيلر إلى احتمالات "الاعتدال النسبي" و"البراغماتية" لدى الإسلاميين الذين تصاعدت قوتهم في الدول التي مر عليها "الربيع العربي"، وأن هذه الاحتمالات "ما زالت سؤالا لا توجد إجابة شافية عليه، وبالتأكيد ثمة إمكانية لأن تكون هذه ضريبة شفوية غايتها مصالحة جمهور معين في الدولة عموما وجماهير وحكومات أجنبية خصوصا. وحتى لو صح هذا التحليل، فإنه يوجد احتمال بأن الحاجة إلى التعامل مع إسرائيل بصورة معاكسة لتلك التي اختارها أسلافهم [في الأنظمة المخلوعة]، وبشكل مختلف عما تمليه أيديولوجياتهم، يرمز إلى أن تداعيات صعود هذه الحركات إلى الحكم على إسرائيل وأنها قد تكون أقل من كارثة سياسية بالمطلق وأقل من تهديد أمني لا يحتمل".

وأشار هيلر إلى أن التوجه السائد في إسرائيل نحو "الربيع العربي" هو أنه يتعين على إسرائيل مواجهة تداعياته، مهما كانت، ولكن من دون أن تكون لديها أية تطلعات للتأثير على صيرورتها. ورأى هيلر أن "هذا توجه واقعي للغاية، لأنه في نهاية المطاف، قدرات اللاعبين من الخارج، وحتى دول عظمى مثل الولايات المتحدة، محدودة في التأثير على تطور الأحداث في الاتجاهات التي تريدها. ورغم ذلك فإن تأثيرا هامشيا ليس مثل عدم التأثير أبدا، وينبغي دراسة عدة إمكانيات نجاعة على الأقل، باتجاه إيجابي أكثر للتداعيات السلبية على إسرائيل التي قد تأتي في أعقاب التغيير السياسي في العالم العربي، سواء كان ذلك على المستوى الثنائي أو الإقليمي. ومثال محتمل لمراقبة الأضرار الثنائية ومنعها، هو العلاقات مع الأردن، الذي يتلاءم نظامه مع المصلحة الأمنية الإسرائيلية. وبإمكان إسرائيل مساعدة الأردن، في حال واجه ضائقة اقتصادية، بأن تقدم المساعدة، وخاصة في مجال الوقود والمياه".

من جانبه، تطرق الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية في "معهد دراسات الأمن القومي"، الدكتور غابي سيفوني، إلى تداعيات "الربيع العربي" على الجيش الإسرائيلي وعملياته العسكرية وجهوزيته في الجبهات مع قطاع غزة وسيناء والأردن وهضبة الجولان والضفة الغربية.

وكتب سيفوني أن الجيش الإسرائيلي سينفذ عمليات عسكرية في قطاع غزة في المستقبل ضد حركة حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة. ورأى أن الجيش الإسرائيلي لن يتمتع بحرية العمل في القطاع كما كانت الحال قبل الثورة المصرية، لأن رد فعل الرأي العام في مصر سيكون شديدا ضد إسرائيل. لذلك، اعتبر سيفوني، سيتعين على الجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات عسكرية تكون فترتها الزمنية محدود وقصيرة ومركزة على ضرب أهداف محددة سلفا، وحتى من خلال توغل بري "من خلال علمه بأنه لن تكون لديه حرية في تفعيل أجهزة النيران لفترة طويلة". وأن عمليات كهذه تستوجب من الحكومة الإسرائيلية "بناء شرعية للعملية، والتوضيح بشكل متواصل ومنهجي للجمهور العالمي والعربي، وبضمن ذلك الجمهور المصري، بضرورة تنفيذ العملية العسكرية على اثر استمرار إطلاق الصواريخ من القطاع، وذلك إلى جانب التنسيق مع الولايات المتحدة".

وفيما يتعلق بشبه جزيرة سيناء، وصف سيفوني الوضع فيها بأنها "منطقة أصبحت تحت سلطة المنظمات الإرهابية، فيما الحكم المركزي في مصر يواصل فقدان السيطرة عليها، رغم زيادة قوات الجيش فيها". ورغم أن إسرائيل تبني جدارا أمنيا على الحدود مع مصر إلا أن هذا الجدار لن يمنع إطلاق النار من داخل سيناء باتجاه أهداف إسرائيلية.

وأضاف سيفوني أن "انعدام الاستقرار في مصر يحتم على الجيش الإسرائيلي بناء رد دفاعي لسيناريو متطرف يدخل بموجبه الجيش المصري إلى سيناء خلافا لاتفاقية السلام. وطوال سنين تم الادعاء في إسرائيل أن بإمكان الجيش بناء قوته بمجرد وصول تحذير إستراتيجي بشأن حدوث تغيير في الوضع في مصر". ورأى أن "الهزة في مصر والعالم العربي تزود مؤشرا يدل على وجود تحذير ويلزم الجيش الإسرائيلي بالبحث عن حلول قابلة للتطبيق وبإمكانها تحسين الرد الدفاعي في هذه الجبهة".

وأشار سيفوني إلى أن "الربيع العربي" تجاوز الأردن. لكنه اعتبر أن "لا يمكن التنبؤ كيف ستتطور الأمور وبأية سرعة. وينبغي أن نتذكر أن الحدود مع الأردن هي حدود مخترقة. وقد يتركز في هذه الحدود قسم كبير من الأنشطة العدائية". ودعا سيفوني في هذا السياق إلى القيام بتعاون استخباراتي بين إسرائيل وبين الدول التي توجد علاقات سلام معها.

وتابع سيفوني أنه في الأمد القريب ينبغي توقع "انتهاء فترة الهدوء" عند الحدود في هضبة الجولان، على أثر الأحداث في سورية. ولذلك رأى أن على الجيش الإسرائيلي بناء قوته في هذه المنطقة بما يتلاءم مع هذه التوقعات.

وفيما يتعلق بالضفة الغربية اعتبر سيفوني أن الوضع الأمني المستقر في الضفة الغربية "قد يكون مضللا". وأضاف أن "اندلاع مواجهة قد يحدث بعد حدث داخلي في المجتمع الفلسطيني، تتغذى من انعدام الاستقرار الإقليمي، أو على أثر نية متعمدة من جانب القيادة الفلسطينية، التي ترى بمواجهة كهذه أداة لأغراض سياسية. وفي جميع الأحوال، يتعين على الجيش الإسرائيلي بناء جهوزيته لمواجهة أعمال شغب ومظاهرات كبيرة قد تكون مشابهة للانتفاضة الأولى. ومن الجدير تأهيل القوات وتزويدها بوسائل غير قاتلة لتفريق الاحتجاجات وأعمال الشغب الكبيرة. وفي موازاة ذلك يجب تطوير القدرات الدفاعية في البلدات [أي المستوطنات] اليهودية ومواجهة محاولات تسلل منظمة أو عفوية إليها".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات