المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يثير انهيار وتداعي حزب الوسط بشكل نهائي أسئلة صعبة إزاء الحاجة إلى "وسط" سياسي في إسرائيل. فهل كانت العلة في نهج الحزب أم في أعضائه؟ وهل سيعود "الوسط"، كحال الصهيونيين العموميين والليبراليين وحزب الديمقراطية والتغيير (داش) و"الطريق الثالث"، للنهوض من قبره؟!<

يثير انهيار وتداعي حزب الوسط بشكل نهائي أسئلة صعبة إزاء الحاجة إلى "وسط" سياسي في إسرائيل. فهل كانت العلة في نهج الحزب أم في أعضائه؟ وهل سيعود "الوسط"، كحال الصهيونيين العموميين والليبراليين وحزب الديمقراطية والتغيير (داش) و"الطريق الثالث"، للنهوض من قبره؟!
في البداية، أعلن روني ميلو، في كانون الثاني 1998 عن نيته تشكيل قائمة وسط جديدة في إسرائيل أطلق عليها إسم ("عتيد" - مستقبل). بعد ذلك أعلن أمنون ليفكين - شاحك، "الدم الجديد" القادم من رئاسة الأركان، ودان مريدور، المنشق عن الليكود بعدما خاب أمله، عن إقامة حزب وسطي تصارعا على تبوّء زعامته إلى أن انتصر ليفكين - شاحك وتنازل مريدور. وبعد مرور وقت قصير انضم ميلو إلى شاحك واضطر مريدور الى الإكتفاء بالمكان الثالث في القائمة الموحدة. عندئذ جيء بجنرال آخر هو إسحق مردخاي، ليُنصَّب برأس القائمة، داحرا إلى الوراء رفاقه الثلاثة المذكورين. وهكذا حُشِر مردخاي، الذي امتطى في ذلك الوقت موجة التعاطف الذي ابداه تجاهه المعارضون سابقا لترشيح نتياهو لرئاسة الحكومة، وهكذا انطلق حزب الوسط شاقّاً طريقه.

داليا رابين فيلوسوف، العضو في الحزب سابقا، قالت في تصريحات الى موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" على شبكة الإنترنت إن "الفكرة كانت إنشاء كتلة وسطية، تكسر التعادل الذي لاح في ذلك الوقت بين اليمين واليسار، مع تفوق بسيط لمعسكر اليمين، وتدفع الأشخاص الذين لم يرغبوا بالبقاء في الليكود للإنتقال إلى المركز - الوسط. كان من المفروض أن تنضم بعد الإنتخابات إلى حزب العمل ليتم التوجه نحو "صنع السلام". تقول: "كان الهدف الماثل نصب أعيننا هو الإطاحة ببنيامين نتياهو (من رئاسة الوزراء) وفي اعتقادي فقد ساهمنا بالمحصلة في إسقاطه". بعد مردخاي، انضمت إلى حزب الوسط داليا رابين فيلوسوف ونحامه رونين اللتان انشقتا عن حزب العمل، ودافيد مغين المنشق عن "غيشر"، وأوري سفير، مدير عام وزارة الخارجية السابق، ود. يحئيل لاسري، المنشق عن الليكود، والحاصل على المكان التاسع في قائمة حزب الوسط.


ألأمل

جرى الحديث كثيرا عن الأمل الجديد الذي ينطوي عليه حزب الوسط، والذي أمل أعضاؤه في أن يتحول إلى قوة صاعدة في الحلبة السياسية تضع حدا للإبتزاز الديني - الحريدي ولحروب اليمين واليسار. في حملة الإنتخبات لرئاسة الحكومة عام 1999 نجح مردخاي في غرس الأمل في نفوس مؤيديه، بأنه سيفلح حقا في ترجيح الكفة لصالح باراك، بما يساعد الأخير على الإطاحة بنتنياهو.

توضح داليا رابين قائلة ان "جوهر عامل التأثير النفسي لحزب الوسط تمثل في كسر التصويت التقليدي لدى ناخبي اليمين، الذين لم يستطيعوا تصور أنفسهم ينتقلون دفعة واحدة من الليكود إلى العمل. هنا أتيح لهم الإنتقال إلى الوسط في المرحلة الأولى، ألأمر الذي يخفف عليهم صدمة التصويت لـ إيهود باراك. وبالفعل فقد انعكس ذلك في نتائج التصويت، حيث صوت الكثيرون (من ناخبي الليكود) لصالح باراك، لعدم رغبتهم بالتصويت لتنياهو الذي ضاقوا ذرعا به، لكنهم صوتوا ببطاقة انتخاب الحزب لصالح الليكود. وهكذا كانت الفجوة بين باراك ونتياهو فجوة كبيرة جدا في نهاية المطاف، في حين لم تكن الفجوة بين الليكود والعمل كبيرة". غير أن الأمل المعول على حزب الوسط كان، كما اتضح، قصير الأجل، إذ أخذت شعبية مردخاي بالهبوط في استطلاعات الرأي قبل الإنتخابات، لتهبط في إثره أيضا شعبية الحزب بأكمله، حيث أخذ صفو العلاقات بين متصدري قائمة الحزب الأربعة يتكدّر أكثر فأكثر. يقول يحئيل لاسري في معرض تفسيره لما حصل: "هذا لم ينجح لأن أجمل وأحسن الأفكار تحتاج أيضا لأشخاص يجسدونها.. لكن هؤلاء - الذين تزعموا الحزب - لم يستطيعوا الإتفاق فيما بينهم لأسباب شخصية. لم تكن هناك خلافات إيديولوجية، بل ولم تصل الأمور إلى هذا الحد من الخلاف. لقد تطورت الخلافات الشخصية مباشرة في مرحلة اتخاذ القرار بشأن زعامة الحزب. إضافة إلى ذلك كان هناك جدل حول ما سمي بـ "الأجواء"، إذ أراد روني انتهاج الليبرالية، في حين سعى مردخاي إلى اتباع مزيد من التقليدية المحافظة".

قبل يوم واحد من الإنتخابات وافق مردخاي على سحب ترشيحه لرئاسة الوزراء، وحصل حزب الوسط على ستة مقاعد وفرضت الأغلبية اللازمة للإطاحة بنتنياهو، لكنها لم تنقذ الحزب.

وتؤكد نحامه رونين من جهتها أن الحزب "ضم كثرة من الناس الجيدين ذوي القيم والمباديء"، وتضيف مستدركة: "لكنه لم يكن هناك زعيم واحد يسيرون خلفه، ولم يتم بناء قوة سياسية بشكل سليم، يقودها رجل واحد، كما لم تكن هناك هرمية واضحة". "العائق الثاني – تضيف داليا رابين - تمثل في المواقف المبهمة. كان كل شيء ضبابي للغاية، لدرجة أن كل الأمور والمواقف كانت تلائم كل من يرغب في الإستماع، بما في ذلك الناس الذين تكلموا بعدة لغات وعدة أصوات. إسحق مردخاي ذهب من ناحيته لينال بركة الحاخام عوفاديا يوسيف، فيما دعا روني ميلو وآخرون إلى وجوب انتهاج الحزب لخط علماني. كان هناك الكثيرون من الأشخاص المختلفين الذين تجمعوا ظاهريا حول هدف مشترك، لكن الصمغ الكفيل بشدهم أو إيجاد اللحمة بينهم كان مفقودا".


التفكك

وفرت مقاعد الحزب الستة لأعضائه وظائف متوسطة في الكنيست. غير أن صاعقة البرق أتت في شهر آذار 2000، عندما هزت الحزب والطبقة السياسية برمتها قضية (فضيحة) مردخاي الذي اتهم بارتكاب أفعال مشينة استقال إثرها فورا من مناصبه ومهامه السياسية. وواصل الحزب انحداره ببطء في ظل فقدان أعضائه للرغبة في مواصلة طريقه. وفي آذار 2001، أي بعد مرور عشرة أشهر على الإنتخابات، أعلن أعضاء حزب الوسط عن حل الحزب، لا سيما في ضوء ضغوط مارسها كل من أمنون شاحك وأوري سفير اللذين أعلنا اعتزالهما للحياة السياسية. داليا رابين، اغتنمت من جهتها الفرصة لتعود إلى صفوف حزب العمل، ساحبة معها المقعد السادس، وبعد حوالي سنة ونصف السنة أعلنت داليا رابين اعتزالها الحياة السياسية.

وفي آب 2001 انضم ما تبقى من حزب الوسط (مريدور وميلو ورونين ودافيد مغين ولاسري) إلى حكومة أرئيل شارون. غالبية "لاجئي" حزب الوسط لم يخرجوا بمكاسب من مغامرة انتخابات العام 1999، إذ واجه معظمهم - باستثناء داليا رابين - ولا زالوا يواجهون مصاعب في إيجاد موقع لهم.

وقد خاض كل من نحامه روبين، وروني ميلو ويحئيل لاسري، المنافسة في إطار برايمرز الليكود، لكنهم أخفقوا في الوصول إلى أماكن فعالة في الأماكن المنتخبة. وقد أعلن مريدور أخيرا انسحابه من الحياة السياسية، لكنه أكد اعتزامه دعم الليكود. رئيس الوزراء أرئيل شارون الذي أدرك أن مريدور غير مهيّأ للعودة الكاملة إلى صفوف الليكود، عرض عليه إعداد البرنامج السياسي للحكومة المقبلة، وقد استجاب مريدور لهذا العرض.

من جهة أخرى ذُكر أن عضو الكنيست دافيد مغين يصر على خوض الإنتخابات القادمة (انتخابات كانون الثاني 2003) على رأس قائمة جديدة باسم حزب الوسط وذلك على الرغم من احتضار الحزب. والجدير بالذكر أن دافيد مغين هو الوحيد الذي بقي حاملا لراية ويافطة قائمة حزب الوسط في الكنيست.


العبرة!

يقول لاسري: "عدت إلى الليكود وسأبقى فيه على ما يبدو. تضررت من قصة الغرام مع حزب الوسط، كلنا تضررنا، ولعل هذا هو السبب في أن أحدا منا لم ينتخب مجددا، ولكن لا بد من أخذ العبرة على الأقل". نحامه رونين، التي ترددت شائعات عن تفكيرها بالإنضمام إلى حزب الخُضر، قالت عقب هزيمتها في برايمرز الليكود، بأنها ستفكر في اعتزال السياسة والإنصراف إلى الإنشغال في موضوع جودة البيئة الذي تبدي شغفا به.

وتشرح داليا رابين فيلوسوف دروس وعبر تجربة حزب "الوسط" بقولها: "واضح أنه من الصعب في إسرائيل تمرير حزب جديد غير فئوي أو مبني بشكل واضح على موضوع محدد، ليكون (هذا الحزب) ملاذا لأشخاص من كل الفئات والطبقات. ولعل حالتنا تمثل تكرارا لقصة حزب (داش). ولكن بدرجة نجاح أقل بكثير".

حجاي مروم الذي احتل سابقا المكان العاشر في قائمة حزب الوسط، علق قائلا: "الشيء الوحيد الذي أستطيع قوله هو أنني أشعر بالأسف إزاء النزهة غير الموفقة التي قمت بها، وإزاء العار الذي ألحقته هذه التجربة بكل من شارك فيها". ويضيف "مروم" الذي أصبح اليوم عضوا جديدا في حزب ميرتس: "كان هناك ثمة حلما جميلا بإمكانية إنشاء قوة وسطية في الساحة السياسية الإسرائيلية، لكن هذا الحلم انقلب إلى عاصفة من الإنفعالات والمشاكل.. لقد اجتذبت الفكرة قلوب الناس حسب استطلاعات تلك الفترة، لكن ذلك انهار في اللحظة التي أخذ فيها رؤساء الحزب يتحاملون ويشهرون أحدهم بالآخر". ولا يزال لحزب الوسط بقية (...) حيث قام عضو الكنيست دافيد مغين بتقديم قائمة "الوسط" إلى لجنة الإنتخابات المركزية توطئة لخفض انتخابات 28 كانون الثاني - يناير المقبل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات