منذ تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في نهاية 2022، يشهد النظام السياسي تحوّلًا نحو نمط سلطوي مغلق، ويتم خلاله المصادقة على تشريعات جديدة تُقيد الرقابة الدولية، وتُقنن حصانة الجيش والمستوطنين، وتستهدف المجتمع المدني الفلسطيني والإسرائيلي الحقوقي. الهامش المحدود الذي أُتيح سابقًا للفلسطينيين للتوجه إلى الحماية الدولية أو المحكمة العليا الإسرائيلية يتآكل تدريجيًا، ويُستبدل بتشريعات تُجرّم الرقابة الدولية وتمنع أي مساءلة، مما يُنتج نظامًا يعزل الفلسطينيين كـ "حالة استثناء" خارجة عن القانون.
منذ بداية عمل الحكومة الإسرائيلية الحالية في 29 كانون الأول 2022، تشهد مشاريع شق الطرق الاستيطانية والاستثمار بالبنى التحتية للطرق تسارعًا غير مسبوق. فقد تم تخصيص حوالى 3.6 مليار شيكل لشوارع المستوطنات (وهي ميزانية قياسية مقارنة بالسنوات السابقة)، بالإضافة إلى تطوير خطة خمسية (2023-2027) والشروع بتنفيذها لتطوير البنى التحتية للاستيطان تشمل المياه، والكهرباء، والإنترنت، والبنى التحتية المطلوبة لرفع عدد المستوطنين إلى مليون في العقد القادم (لا يشمل عدد مستوطني القدس).
استطاعت إسرائيل على مدار العقود الماضية، أن تحجز لنفسها مكانًا متقدّمًا في ركب الدول المصنّعة للأسلحة والتقنيات العسكرية- الأمنية الحديثة والمتطورّة، يعزى ذلك، بشكلٍ كبير، إلى الاحتلال الذي يوفّر لها ساحة مفتوحة لاختبار هذه التقنيات والمنظومات، وهو ما يسميه البعض "النمط التجريبي للحرب" (experimental way of warfare). يُعرّف "النمط التجريبي للحرب" كنظام حربي يعتمد على التجريب المستمرّ، حيث يتم دمج التقنيات الناشئة مباشرة في العمليات العسكرية، ويرتكز على تبنّي عدم اليقين والفشل كقوى منتجة مطلوبة لتحفيز الابتكار والتطوير العسكري، مما يعيد تشكيل الحرب كمساحة دائمة للاختبار، التعلّم، والتكيف الاستراتيجي.
من أبرز نتائج حرب الإبادة على قطاع غزة التدمير الممنهج لمعالم الحياة الاجتماعية وترك المجتمع في حالة فراغ تنظيمي، بدون أطر قانونية أو إدارية أو بنى تحتية حيوية. مع نهاية عام 2024، دمرت إسرائيل 63٪ من المنازل، وهجرت 90٪ من سكان القطاع، محوّلة إياهم إلى سكان خيام. كما دمرت نحو 84٪ من المنشآت الصحية، و92٪ من شبكات الطرق والمياه والكهرباء بشكل شبه كامل، تاركة خلفها ما يقارب 40 مليون طن من الحطام، يُقدر أن رفعه سيستغرق نحو 15 عامًا.
الصفحة 2 من 21