بالرغم من أن أزمة جائحة كورونا في إسرائيل ما زالت في ذروتها يمكن ملاحظة أن هناك سعياً محموماً لاستخلاص عدة تبصرّات تتعلق بما ستمسي عليه الصيرورة الإسرائيلية فيما بعد هذه الأزمة غير المسبوقة، يؤكد بعضها أنها لن تكون كما كانت قبلها. وهي تبصرّات غير مرتبطة فقط بالأزمتين الصحية والاقتصادية، إنما أيضاً بالشروخ الاجتماعية، ومستقبل نظام الحكم. من هذه التبصرّات بالوسع أن نشير الآن إلى ما يحيل على قطاع اليهود الحريديم المتشددين دينياً، وعلى ما سيترتب على سلوك أقطاب اليمين الجديد بالنسبة إلى مستقبل "الديمقراطية الإسرائيلية"، وهو ما سنتوقف عنده هنا وإن بنظرة طائر، على أن نتابعه بقدر أكبر من التفصيل في قادم الأيام.
هل ستبدأ تظاهرات الاحتجاج ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والتي تطالبه بالاستقالة، سواء على خلفية تقديمه إلى المحاكمة بشبهة ارتكاب مخالفات فساد أو على خلفية فشل حكومته في مواجهة أزمة فيروس كورونا، تؤتي أكلها؟
هذا هو السؤال الذي يطغى على الكثير من التحليلات الإسرائيلية في الأيام القليلة الفائتة مع دخول هذه الاحتجاجات أسبوعها الـ15 واستقطابها للمزيد والمزيد من الإسرائيليين وبالأساس المتضررين من تداعيات الأزمتين الصحية والاقتصادية- الاجتماعية اللتين ترتبتا على تفشي فيروس كورونا وعلى الفشل في مكافحته.
من المتوقع أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية في إسرائيل ترتباً على تداعيات جائحة كورونا، كما تؤكد ذلك تباعاً تقارير إسرائيلية داخلية وأخرى خارجية توقفنا عندها في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي". ولعل أبرز تلك التقارير الخارجية وأهمها، تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD الذي وجد أنه بينما كان الاقتصاد الإسرائيلي قوياً قبل تفشي فيروس كورونا، من المتوقع أن ينكمش بنسبة 6 بالمئة في العام 2020 ومن المرجح أن يكون التعافي بطيئاً، مشيراً إلى أن إسرائيل على أعتاب هزّة اقتصادية لم تشهد مثيلاً لها.
يبدو أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني المعروفة باسم "صفقة القرن"، ستظل مدرجة في جدول الأعمال، وقد تترتب عليها مفاعيل عدة حتى ظهور نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري يوم 3 تشرين الثاني المقبل. وكذلك يمكن أن تبقى في حال فوز ترامب وخسارة منافسه الديمقراطي.
ومع أن الحديث بشأن ضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل الذي تضمنته الخطة توقف الآن، تؤكد تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين وفي طليعتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن الضم أرجئ ولم يتم إلغاؤه، وأن خطة تنفيذه ستبقى مطروحة على الطاولة. وثمة تلميحات صريحة، سواء من جانب نتنياهو أو من جانب الضاربين بسيفه إسرائيلياً وأميركياً، إلى أن الضم سيحظى بقوة دفع أكبر لدى فوز ترامب.
يشير المشهد الحزبي في إسرائيل، خلال الفترة الأخيرة، إلى أن الانتخابات العامة المقبلة لا تزال مسألة وقت، حيث يشفّ الحراك الطاغي عليه عن استعداد متواتر لجولة انتخابية مرتقبة قد لا يطول موعدها عن عام واحد، في الحدّ الأقصى. وليس مبالغة القول إن جُلّ الأحزاب الإسرائيلية، كي لا نقول كلها، تتصرّف على هذا الأساس.
استمرت، الأسبوع الفائت أيضاً، الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل منذ عدة أسابيع والتي يبذل الواقفون وراءها جهوداً قصوى من أجل توسيع المشاركة الجماهيرية فيها عبر التركيز على ضرورة منحها زخماً أكبر للوصول إلى غاية رفع مزيد من أصوات الاحتجاج في الوقت عينه ضد الأزمتين الصحية والاقتصادية الناجمتين عن تفشي فيروس كورونا، وضد أداء حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، والذي يتسم بأنه محتكم بالأساس إلى كون رئيسها يخصص جلّ وقته لهدف واحد فقط: بقاؤه في سدّة السلطة بأي ثمن.
الصفحة 36 من 51