المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

فضلاً عن قضية كون الانتخابات الإسرائيلية العامة القريبة بمثابة منافسة بين أحزاب اليمين على خلفية التمرّد على استمرار زعامة بنيامين نتنياهو لمعسكر اليمين جراء اتهامه بشبهات فساد، وإخضاعه سياسة إسرائيل الداخلية والخارجية إلى مصالحه الخاصة وأجندته الشخصية المتمثلة في الهروب من محاكمته أو إلغاء هذه المحاكمة إن أمكن، فإن حقيقة ذهاب إسرائيل إلى انتخابات رابعة خلال أقل من عامين تطرح قضية أخرى هي جوهر السيناريو الذي قد تكون حظوظ نجاحه مضمونة في مآلات الحلبة السياسية الحزبية، بغية التخلص من عهد نتنياهو أخيراً.

بطبيعة الحال من السابق لأوانه الكلام عن عناصر مثل هذا السيناريو، الذي من المتوقع أن يظل في نطاق التكهنات إلى أن تظهر النتائج النهائية للانتخابات. وفي هذا الشأن تحديداً يُعاد التذكير بأن سيناريواً كهذا كان ماثلاً بقوّة، وانطوى على احتمالات تأليف حكومة تستند إلى أغلبية مناهضة لاستمرار حُكم نتنياهو، لو تمّ اعتماد الاستعانة بأصوات نواب القائمة المشتركة الخمسة عشر.

وبموجب ما كتب أحد المحللين الإسرائيليين مؤخراً، فإن معظم الناخبين في الانتخابات الثالثة التي جرت في آذار الفائت، كانوا من المؤيدين لعدم الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو، وفقما انعكس ذلك في عدد المقاعد التي فازت بها قوائم تحالف "أزرق أبيض"، وتحالف أحزاب العمل وميرتس و"غيشر"، وحزب "إسرائيل بيتنا"، والقائمة المشتركة، ولكن هذه الأغلبية لم تُمارس لأن الجمهور العربي في إسرائيل لا يؤخذ في الحسبان ولا حتى لغرض عزل رئيس حكومة متهم بقضايا جنائية، أي أنه عندما يجري الحديث حول قرار الأغلبية فهو يعني بلا أيّ رتوش، وربما بشكل بدهي، الأغلبية اليهودية، إن لم تكن الأغلبية الصهيونية حتى.

وشكلت طريقة التعامل مع القائمة المشتركة في تلك الانتخابات مؤشراً إلى انعدام السمة الديمقراطية لنظام إسرائيل السياسي. وينبغي ألا نكون واهمين بأنه سيحدث تغيير في هذا الصدد. بل إنه يمكن القول إن الديمقراطية التشاركية الناجمة عن التمثيل السياسي لم تكن قائمة في إسرائيل أصلاً فيما يخصّ العرب، ولذا فإن تقويضها الآن كان تحصيل حاصل أكثر من كونه إجراءً مُدبّراً، مسبق الغائيّة.

وما تجدر الإشارة إليه هو أن زيادة قوة القائمة المشتركة في الانتخابات الثالثة من 13 إلى 15 مقعداً والتي تسببت بترجيح كفة ترشيح رئيس "أزرق أبيض" بيني غانتس لمنصب المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، بزيادة عدد مقاعد "إسرائيل بيتنا"، كانت مناسبة لتصعيد خطاب التحريض والكراهية ضد المواطنين العرب. كما تفاقم هذا التصعيد على خلفية انخراط القائمة المشتركة في عدد من الخطوات الرامية إلى إسقاط حكومة نتنياهو ومنها: سن مشروع قانون يمنع نتنياهو من مواصلة تولي منصب رئاسة الحكومة بينما هو متهم بالفساد؛ منع مرشحي حزب الليكود من تولي مناصب مهمة في الكنيست مثل رئاسة الكنيست ورئاسة لجنة المال واللجنة المنظمة. وهي خطوات كان ممكناً الدفع قدماً بها حتى من دون إقامة ائتلاف حكومي على خلفية فوز تحالف "أزرق أبيض" والقائمة المشتركة وتحالف أحزاب العمل و"غيشر" وميرتس مع حزب "إسرائيل بيتنا" بـ62 مقعداً في الكنيست الـ23.

وقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في حينه إن الحملة الرامية إلى سنّ قانون يمنعه من إقامة حكومة هي بمثابة محاولة لإلغاء إرادة الشعب وتشكل تقويضاً لأسس الديمقراطية. وتابع: "إن رغبة الشعب واضحة. ويشمل المعسكر الوطني الصهيوني 58 مقعداً، ومعسكر اليسار الصهيوني يضم 47 مقعداً"، وشمل حزب "إسرائيل بيتنا" في المعسكر الأخير لكنه لم يستبعد القائمة المشتركة بمقاعدها الـ15 من هذا المعسكر وحسب (وهذا قد يكون طبيعيّاً)، بل أيضًا شدّد على أن مناصريها ليسوا جزءاً من الشعب الإسرائيلي. كما قالت الوزيرة ميري ريغف (الليكود) إن المبادرين إلى سنّ مشروع القانون الذي يمنع رئيس حكومة قُررت مقاضاته يسعون لتنفيذ انقلاب وتغيير نتائج الانتخابات بأساليب تتناقض مع الديمقراطية. وأضافت أن الليكود هو الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد ويحظى بدعم الأغلبية الصهيونية في الدولة، وأكدت أنها لا تأخذ أصوات ناخبي القائمة المشتركة بعين الاعتبار، كونها "تسعى لتحويل إسرائيل إلى دولة كل مواطنيها وتشجع الإرهابيين".

في ذلك الوقت اعتبر حتى تامير باردو، الرئيس السابق لجهاز الموساد وعضو حركة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، أن الكلام الصادر عن وزراء وأعضاء كنيست، القائل إن الائتلاف مع ممثلي القائمة المشتركة يشكل خطراً على أمن مواطني إسرائيل، هو كلام غير مسؤول، وغير مقبول وعنصري. كذلك أيضاً هو الكلام عن "مؤيدي الإرهاب" وعن "مخربين ببدلات رسمية" وغيرهما من سائر الأوصاف التي تُلصَق بأعضاء الكنيست العرب لتحويلهم إلى غير شرعيين. ورأى أيضاً أن كل مس وانتهاك لحقّ بالمواطنين العرب في المساواة الكاملة وفي مستقبل يضمن تحقيق الذات سواء من خلال محاولة إقصائهم عن الحيز السياسي الشرعي أو من خلال كلام غير مسؤول بشأن نقل منطقة المثلث مع سكانها إلى السيادة الفلسطينية المستقبلية، هو ليس تعبيراً عن عنصرية مُدانة فحسب، بل أيضاً يمكن أن يؤدي إلى المسّ بأمن الدولة. غير أن أقوالاً كهذه لا تؤثر في واقع سياسي إسرائيلي راسخ بعمق يعتبر العرب لمجرّد كونهم كذلك خارج المعادلة، كما هي حالهم أولاً ودائماً.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات