المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يسود لدى البعض في إسرائيل اعتقاد بأن السقوط الأخير لحزب العمل على خلفية نية ثلثي نوابه (2 من 3 نواب!) الانضمام إلى حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، التي تجري هذه الأيام مفاوضات لتأليفها بين حزبي الليكود و"أزرق أبيض"، بما قد يعنيه ذلك من انهيار لـ"اليسار الإسرائيلي" التقليديّ وتلاشيه كليّاً، ناجم عن تبوء "مُخلّص دجّال" على شكل عضو الكنيست عمير بيرتس زعامته في آخر جولتين انتخابيتين من الجولات الثلاث التي جرت خلال العام الأخير.

ولا بُدّ من الإشارة في الوقت ذاته إلى أن جزءاً من هذا البعض لا يستنتج من ذلك فقط أنه لا يجوز من الآن فصاعداً ارتكاب خطأ كهذا، والسير مرة أُخرى وراء دجالين على غرار بيرتس، بل أيضاً يجب، بالإضافة إلى هذا، العمل على إقامة حزب يساري حقيقي، والكفاح من دون هوادة من أجل المبادئ الكونية لليسار المتمثلة بالأساس في السلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ومثل هذا الاستنتاج يأتي، في أحيان كثيرة، كتحصيل للخوض في ماهية هذا "اليسار"، مع ملاحظة أن مثل هذا الخوض يفضي إلى خلاصة فحواها أنه يسار يعاني من أزمة هوية في الجانبين السياسي والاقتصادي- الاجتماعي.

وكما قلنا مرات من الصعب حصرها فهذا اليسار يشخّص عن اليمين، خلافاً لليسار في العالم، فقط بموجب موقفه من "عملية السلام". وبالرغم من ذلك فإنه حتى فيما يتعلّق بهذه العملية انقاد مثلاً وراء الرواية التي صاغها رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، وهو نفسه أحد "رموز" هذا اليسار، وسيطرت بكثافة، على السجال السياسي والإعلامي، عقب فشل قمة "كامب ديفيد" العام 2000. فضلاً عن ذلك، فإن هذا "اليسار الصهيوني" لم يعد يرفع راية حقيقية فيما يتصل بالتخلّي عن احتلال 1967. ورموزه هم نفسهم الذين بشروا أثناء أعوام أوسلو بأن الاحتلال انتهى عملياً، وأن ما تبقى هو بضعة أعوام من المفاوضات فقط. وحتى لدى عودة "اليسار الصهيوني" إلى الحديث عن احتلال 1967 فالغاية القصوى الواقفة خلف الالتفات إلى هذا الجذر تبقى، في العمق، صرف الاهتمام والنظر عما ينطوي عليه هذا الاحتلال كذلك من ثابت ومتغير في السياسة الاسرائيلية الرسمية المؤدلجة بالصهيونية.

وربما يتعين أن نعيد التذكير بأنه ثمة في إسرائيل قراءات كثيرة تؤكد أن ما يعرف باسم "اليسار الصهيوني" لم يعد قائماً. ووفقاً لإحداها فهو لم يعد قائماً على الأقل منذ أن عبرت إسرائيل، العام 2005، "انقلاباً سياسياً" ترتب، ضمن أشياء أخرى، على خطة "فك الارتباط" عن قطاع غزة التي طرحها رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، واصطاد سياسياً من خلالها ليس أطرافاً خارجية فحسب، إنما أيضاً اصطاد أطرافاً إسرائيلية، لم يكن حزب العمل الوحيد بينها من خانة "أحزاب اليسار" تحديداً. وهناك من يرى أن هذا "اليسار" اختفى من واجهة الحلبة السياسية في إثر اذدنابه الكامل لخطة شارون السالفة، بموازاة هروبه من استحقاقات تحديد البحث حول هويته. وقد أظهر استطلاع للرأي العام أُجري فور الانتهاء من "فك الارتباط" مع القطاع، أنه حتى 50 بالمئة من ناخبي حزب ميرتس عبروا عن رغبتهم في استمرار وجود حكومة شارون. وقالت غالبية المنتسبين إلى حزب العمل إنها ترغب بأن يخوض حزبها الانتخابات العامة المقبلة في قائمة يترأسها شارون.

وأخيراً وليس آخراً ينبغي التذكير، ربما بقدر كبير من المفارقة الساخرة، أن من بين القلائل الذين ما زالوا يؤمنون بوجود "يسار مؤثر" في إسرائيل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فيما يؤكد كثير من المحللين بالاستناد إلى واقع الحال أنه عندما يتكلم نتنياهو عن إيمانه هذا يبدو كما لو أنه يؤدي مقطعاً هزليّاً لا أكثر، أو يردّد نكتة سمجة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات