المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
قصف على جباليا يوم 25 أيار 2025. (أ.ف.ب)
  • كلمة في البداية
  • 194
  • أنطوان شلحت

تصدر بين الفينة والأخرى أوراق ومقالات تشفّ عن مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرّف الذي يسيّر وجهة حكومة بنيامين نتنياهو الحالية ويمكن اعتبارها بمثابة شهادة على المسار الذي يتطلع لأن تنحو الحرب العدوانية ضد غزة نحوه في الوقت الحالي. وهو مسار يرتبط فقط بالسياقات التي تعني هذا اليمين المتطرّف، والذي لا يعتقد أن الحرب تحتضر، أو أنها تواجه أزمة مستعصية.

وبغية النمذجة على ما نقصد سنعرض بإيجاز، بادئ ذي بدء، آخر ما كتبته وزيرة شؤون الاستيطان أوريت ستروك من حزب "الصهيونية الدينية" في موقع "القناة 7" اليميني المتطرّف قبل ثلاثة أيام، حيث أكدت أن على إسرائيل تجنب ارتكاب "خطأين" في الوقت الراهن فيما يخص سيرورة الحرب ضد غزة (30/5/2025):

الخطأ الأول، التراجع عما أسمته بـ "خطة الفصل الإنساني" والتي تعتمد سياسة التجويع وترمي من ناحيتها إلى الحؤول دون وصول أي مساعدات إنسانية إلى حركة حماس، لأن ذلك يلحق برأيها ضرراً جوهرياً بالأهداف المعلنة للحرب، نظراً إلى "أنه لا يمكن القضاء على حماس عسكرياً ومدنياً وسلطوياً ودفعها إلى إعادة المخطوفين عندما يُتاح لها تلقّي هذه الكميات من المساعدات وتكديسها والمتاجرة بها، والسيطرة على السكان عن طريقها".

والخطأ الثاني هو الانسحاب من الأراضي التي احتلها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وفي قراءتها، ليس فقط من أجل الأسرى الإسرائيليين يجب عدم الانسحاب من الأراضي التي احتلها الجيش، بل أيضاً من أجل الجنود الذين يتم إرسالهم إلى غزة، والذين يدفعون حياتهم ثمن انسحابات كهذه. وهي تشير بذلك إلى مقتل جنود إسرائيليين بسبب عبوات ناسفة زُرعت في أماكن سبق أن احتلها الجيش، ثم في إطار صفقة انسحب منها، وهو ما سمح لحماس بالعودة وزرْع العبوات مجدداً.

ولا تقتصر هذه المواقف العدائية المتطرفة على تيار الصهيونية الدينية، الذي يوصف في جل الخطاب الإسرائيلي بأنه يقف إلى يمين حزب الليكود الحاكم، بل يتعدّاه، كما يتضح مثلاً من ورقة سياسات جديدة صدرت مؤخراً عن "معهد القدس للاستراتيجيا والأمن" الذي يعبّر عن مواقف اليمين الإسرائيلي الجديد الحاكم، وجاءت تحت عنوان "لا يوجد أناس صالحون في غزة" وهي بقلم باحثين من المعهد وضابطان في الاحتياط هما العميد إيرز وينر والعقيد البروفيسور غابي سيبوني. وقد استهلاها بالكلمات التالية:

خلال الحرب العالمية الثانية، وفي قلب ألمانيا النازية الوحشية، وُجد أفراد قلائل اختاروا القيام بفعل إنساني استثنائي، إذ خاطروا بحياتهم من أجل إنقاذ يهود مضطهدين. ووفقاً لبيانات متحف المحرقة النازية "ياد فاشيم"، فقد تم الاعتراف بـ659 مواطناً ألمانياً كـ"صالحين من بين الأمم" بسبب مساعدتهم لليهود، بالرغم من أنهم عرضوا أنفسهم، وأحياناً أفراد عائلاتهم، إلى خطر الموت الحقيقي. وكانت أفعالهم بمثابة تمرّد على نظام شمولي عنيف، وفي كثير من الحالات لم تكن سعياً للحصول على أي مقابل، بل انطلقت من دافع أخلاقي، ومن إحساس بالرحمة، والتزام بالقيم الكونية للعدالة. ولم تكن هذه أفعال جمهور واسع، بل اختيارات فردية وسط مجتمع أصبح لا مبالياً أو متواطئاً مع جرائم النظام. ولكن عند التأمل في الواقع المستمر في قطاع غزة، في ظل حرب "السيوف الحديدية" المستعرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تظهر استنتاجات مؤلمة: لم يُعثر في غزة على "صالح واحد من بين الأمم"، ولم يوجد فرد واحد وقف إلى جانب الأخلاق الإنسانية في وجه أعمال حماس، ولا من قدّم معلومات، ولا من حاول المساعدة في إنقاذ الإسرائيليين الذين تم اختطافهم يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وجاء حرفياً في الورقة: "إننا أمام واقع غير مسبوق في المجتمعات الخاضعة إلى حكم ’الإرهاب’، ففي حين أنه في أوروبا الأربعينيات وُجد الآلاف ممن ساعدوا اليهود، فإن غزة، تحت حكم حركة حماس، لم يظهر فيها، حتى الآن، شخص واحد اختار موقفاً أخلاقياً- إنسانياً. وإن غياب مثل هذه الأفعال لا يُعزى فقط إلى الخوف أو الإكراه، بل يعكس ظاهرة اجتماعية وثقافية عميقة، حيث تحوّل المجتمع بأسره، بصورة جماعية، إلى شريك في دائرة العنف والكراهية، أو أنه في الواقع تقبّلها وتعايش معها".

وتخلص هذه الورقة إلى عدة استنتاجات أبرزها ما يلي:

أولاً، أن انعدام أناس "صالحين" في غزة ليس محض صدفة، بل يعكس مجتمعاً اختار، على نحو جماعي، أن يرى في العنف و"الإرهاب" وسيلة مشروعة من أجل تحقيق أهدافه الوطنية. وحتى أولئك الذين لا يشاركون بشكل نشط في العنف أو "الإرهاب"، وربما يشكّكون في جدوى ما فعلته حركة حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فإنهم لا يقفون ضدها.

ثانياً، من أجل تغيير هذا الواقع، يجب على إسرائيل تبنّي نهج جديد، عملياتي، وديموغرافي، واستراتيجي. وحتى في حال تم نفي قادة حماس وتفكّك الحركة، فإن ما تصفه الورقة بأنه "وعي جمعي في غزة" قادر على إنتاج تنظيمات جديدة تواصل مسار "الإرهاب". لذا، فإن السبيل لقطع دائرة "الإرهاب" في القطاع يمر عبر تشجيع هجرة السكان على ضوء رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتفكيك جميع البنى التحتية الإرهابية القائمة.

ثالثاً، بالنسبة إلى أولئك الذين يختارون البقاء، يجب منع نشاط وكالة الأونروا في أوساطهم والسعي إلى إنشاء منظومة تعليمية جديدة.

رابعاً، هكذا ينبغي أن يكون الفهم الواقعي والواعي للواقع في غزة، وهو الفهم الذي يعتبر غزة كلها قاعدة لـ"الإرهاب"، لن تتمكن إسرائيل بوجودها على هذا النحو من العيش بأمان.

لا شك في أن هذه الورقة تشكّل مثالاً جيّداً للمواقف التي تؤجج مقاربة اليمين الإسرائيلي المتطرّف حيال قطاع غزة وحيال الحرب التي تشنها إسرائيل عليه، وهي مواقف بها اهتمام كبير، ومن الواجب أن يتم تسليط الضوء عليها باستمرار بوصفها تَرجمةً، فيها وبواسطتها يكشف هذا اليمين عن مساره تحديداً وتأويلاً

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات