المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 684
  • أنطوان شلحت

يرتبط أحد جوانب تعامل إسرائيل مع إيران وبرنامجها النووي ومشروعها الإقليمي بما يحيل في كثير من الأحيان إلى دلالة الفزّاعة، وخصوصاً في أوقات احتدام الخلافات الداخلية. ومع أن تواتر الحديث حول إيران في الفترة الأخيرة فيه ما يشير أيضاً إلى هذه الدلالة، على خلفية حملة الاحتجاجات المستمرة على خطة الحكومة الإسرائيلية الحالية الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائي، إلا إنه لا يجوز عدم قراءة المخاطر المستجدة من أحدث المواقف الإسرائيلية إزاء هذه المسألة، وفي مقدمها خطر إقدام إسرائيل على خطوات عسكرية منفردة بعيدة المدى.

وسنكتفي هنا باستعراض ما تراكم من تفاصيل بهذا الصدد حتى لحظة كتابة هذه الكلمة:

1. تحت عنوان "رفع الاستعدادات والجهوزية بشكل كبير لتنفيذ هجوم على المنشآت النووية الإيرانية"،ذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية 12 (يوم 21 شباط الحالي) أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أجرى خلال الأسابيع الأخيرة 5 نقاشات سرية بشأن الموضوع الإيراني، وتم في أحدها اتخاذ قرار يقضي برفع الاستعدادات والجهوزية الإسرائيلية بصورة كبيرة، وعلى كل المستويات، لتنفيذ هجوم على المنشآت النووية في إيران. ووفقاً لما أوردته القناة، شاركت في هذه النقاشات النخبة الأمنية في إسرائيل، والتي شملت كلاً من وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي، ورئيس الموساد دافيد برنياع، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") اللواء أهارون حليوة، ورئيس قسم العمليات اللواء عوديد بسيوك، وأيضاً قادة عدد من الوحدات ذات الصلة في الجيش الإسرائيلي. وأشير إلى أن ما طُرح هناك قاله أيضاً رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لكلٍّ من وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جاك سوليفان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفحواه أنه في حال لم تتمكن الولايات المتحدة ودول الغرب من مواجهة التطورات في إيران، فإن إسرائيل "ستضطر إلى التصرّف بمفردها".

ولفتت قناة التلفزة- كما وسائل إعلام إسرائيلية أخرى- إلى أن هذه النقاشات جاءت على خلفية تقارير تفيد بأن إيران قامت بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 84 بالمئة، وفي حال وصولها إلى 90 بالمئة، وهو المستوى المطلوب لإنتاج القنبلة، وعدم قيام إسرائيل بأي نشاط سيكون الحديث من الناحية العملية عن تقبُّل حقيقة أن إيران تمتلك قدرات لبناء قنبلة، وهو ما يُعتبر خطاً أحمر بالنسبة إلى إسرائيل.

2. يتسّق موقف الحكومة الإسرائيلية هذا مع تحليلات أبرز الخبراء الأمنيين وفي مقدمهم خبراء "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. فقد صدرت عن هذا المعهد، في إثر هذه التطورات، ورقة تقدير موقف كتبها المدير العام للمعهد، وهو اللواء احتياط تامير هايمان، الذي شغل في السابق منصب رئيس شعبة "أمان"، تؤكد أن ثمة حاجة الآن إلى خطوات استراتيجية عاجلة يجب أن تبدأ بدفن الاتفاق النووي مع إيران الذي يُعتبر ميتاً. ومن أجل حدوث ذلك، يجب على إحدى الدول الأوروبية الكبرى إعلان أن إيران تخرق الاتفاق النووي، وليست هناك أي مشكلة في العثور على دلائل تدعم ذلك. غير أن بيت القصيد في الورقة هو دعوتها إلى وجوب إعداد وتطوير تهديد عسكري موثوق به، من خلال التعاون الوثيق مع جيش الولايات المتحدة، ووضع وسائل معينة في إسرائيل، ومواصلة التدريبات المشتركة المهمة، مع التشديد على أنه "لا يمكن الاستمرار بالطريقة الحالية التي يمكن أن تؤدي بنا في نهاية المطاف إلى قنبلة إيرانية". ومع أن هايمان ينوّه بأن الإيرانيين لم يصلوا إلى القنبلة النووية وحتى لو قرروا التخصيب على درجة 90 بالمئة فإن هذا لا يعني الوصول إلى قنبلة بل هو يُعدّ بمثابة الشرط الأول لها، إلا أنه يوضّح أن ثمة مشكلة عويصة ناجمة عن ذلك هي أنه كلما وصلوا إلى هذا المستوى فإن خيار شن هجوم عسكري فعال يأخذ في التضاؤل وكلما تقدموا أكثر في محور التخصيب وبدأوا بالتقدم أيضاً في محور تجميع السلاح وتركيب المجمع، كلما ازداد تعقيد المعلومات الاستخباراتية والعملانية. من هنا فإن الوضع الحالي شديد التعقيد.

3. تناول خبراء أمنيون إسرائيليون آخرون الموضوع الإيرانيّ من زاوية وقائع الحرب في أوكرانيا ووقوف إيران إلى جانب روسيا. وكان أبرزهم الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي مئير بن شبات الذي أكد أن سلوك إيران يثبت أن هناك تآكلاً طرأ على مكانة الولايات المتحدة وأوروبا في العالم، وقصد بذلك سلوكها في المجال النووي (امتلاك إمكانية تخصيب اليورانيوم بدرجة 84 بالمئة والقدرة على الانتقال إلى 90 بالمئة في إنتاج اليورانيوم المخصّب، ومراكمة كميات من المواد الانشطارية على مختلف درجات التخصيب، ومنع مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الدخول إلى منشآت مشبوهة، ورفض الرد على أسئلة الوكالة)، وسلوكها الذي وصفه بأنه تآمري والذي رأى أنه يشمل "تسليح وتفعيل ميليشيات وقوات عسكرية تعمل بالوكالة، وتطوير وتوسيع إنتاج وتصدير المسيّرات والصواريخ".

ولدى انتقاله إلى الحرب في أوكرانيا، رأى بن شبات أن إيران ليست متورطة في الحرب فحسب، بل أيضاً تحتل مكاناً مهماً في عملية إعادة بلورة محور الدول المعادية للولايات المتحدة والغرب. فالوقوف إلى جانب روسيا في الحرب وتعميق التعاون بين الدولتين يجري في مقابل توطيد العلاقات مع الصين التي أعرب رئيسها مؤخراً عن "تأييده للتطلعات الإيرانية في المسألة النووية".

والخلاصة التي توصل إليها بن شبات هي الآتية: يتموضع النظام في طهران كلاعب فاعل في المواجهة مع المعسكر الديمقراطي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة. وهو يرى ضعف الغرب ويستغله حتى النهاية. وتعرّض إيران الاستقرار والسلام في العالم كله للخطر، وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط. ويتعيّن على زعماء الغرب أن ينظروا إلى ما يحدث في أوروبا واتخاذ قرار بتغيير مقاربتهم حيال إيران. وعليهم أن يدركوا أن ما يفعله النظام الإيراني اليوم لا شيء، مقارنةً بما سيسمح لنفسه بالقيام به إذا حصل على ترسانة سلاح نووي. وكخطوة أولى وفورية، يجب إعلان موت "الاتفاق النووي" واتخاذ قرار العودة إلى الفرض الكامل للعقوبات، وإضافة الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة "الإرهاب" ووضع تهديد عسكري موثوق به حيال إيران. وليس هناك ما يؤكد أن الأوضاع تسير نحو حرب. لكن في المقابل من دون هذه الخطوات سيزداد كثيراً احتمال وقوعها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات