المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حمل أول خطاب ليائير لبيد كرئيس للحكومة الإسرائيلية الانتقالية والذي ألقاه الليلة قبل الماضية، الكثير من الإيحاءات الدالة على فكره السياسي، وعلى ما يمكن أن يُضمره من المواقف التي تميّزه كزعيم لحزب وسط لا ينفك يؤكد ابتعاده عن اليسار وقربه من اليمين.

ومن هذه الإيحاءات أرى وجوب أن أشير إلى ما يلي:
أولاً، شدّد لبيد على أن إسرائيل دولة يهودية. وليس هذا فحسب، إنما أيضاً "هي الدولة القومية للشعب اليهودي"، إلى جانب تشديده على أن "إقامتها لم تبدأ في العام 1948 بل تعود إلى يوم عبور نهر الأردن من جانب يهوشع بن نون وما قام به من ربط الشعب اليهودي ببلاده، وربط القومية اليهودية بالوطن الإسرائيلي إلى أبد الآبدين".

ثانياً، كرّر رئيس الحكومة الانتقالية ما دأب رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو على تأكيده، وهو أن السلام الذي تتطلّع إسرائيل إليه لا بُدّ من أن يكون مستنداً إلى الأمن. ومما قاله بهذا الشأن: "نؤمن بأنه يتعيّن علينا الحفاظ دائماً على قوتنا العسكرية. فمن دونها لا يوجد هناك أمن... ونؤمن بأنه طالما تتم تلبية حاجاتها الأمنية فستظلّ إسرائيل دولة مُحبّة للسلام".

ثالثاً، في ما يتعلّق بالتحدّيات الراهنة أقرّ لبيد بأن التحدّيات الماثلة أمام إسرائيل جمّة وجسيمة، ولكن لم يدرج ضمنها لا قضية فلسطين ولا حتى الاحتلال منذ 1967، واكتفى بالقول إنها تشمل "مكافحة إيران، والإرهاب الداخلي، وأزمة جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، وغلاء المعيشة، وتعزيز الأمان الشخصي"، مشيراً إلى أنه "بما أن التحدّيات هي بهذا الحجم، فلا يجوز لنا أن نهدر طاقتنا على المشاجرات. ولكي نوجد هنا خيراً مشتركاً نحتاج إلى بعضنا البعض".

بطبيعة الحال لم نكن نتوقع من لبيد أكثر من ذلك. بل ليس من المبالغة القول إن قيامه، بعد تسلمه مهمات منصب رئيس الحكومة الانتقالية منذ منتصف ليلة الخميس الماضية، بكسر عصاته من أول غزواته، كان نتيجة شبه حتميّة في ضوء المواقف الذي يتبناها منذ أن أسّس حزبه "يوجد مستقبل" في كانون الثاني 2012، والتي سبق لنا أن توقفنا عندها مرات عديدة، ولا نرى أي مانع من أن نعيد التذكير ببعضها.

في إحدى هذه المرات أشرنا إلى أن أول ما يتبادر إلى الذهن لدى الكلام حول طبيعة حزب "يوجد مستقبل" ولبيد نفسه، أن من يروّج تهمة اليسار حيالهما هو بنيامين نتنياهو، في حين أن لبيد نفسه لا يدع مناسبة إلا ويردّ فيها هذه التهمة، ويؤكد أنه وسطي سياسياً. وفي إحدى هذه المناسبات - في نهاية العام 2020 - شرح لبيد أن الوسط الذي يقصد تأطير نفسه في نطاقه، مغاير كليّاً لليمين الذي قال عنه إنه يتبنى "قيماً قومية"، بقدر ما هو مغاير لليسار الذي وصفه بأنه يتبنى "قيماً تقدمية وليبرالية". وبرأيه فإن ليبرالية اليسار في الممارسة الإسرائيلية استحالت إلى جزءٍ مما وصفه بأنه "ديانة حقوق الإنسان الكونية" ما أدى إلى تركه الساحة الصهيونية وإلى قيامه بأفعال تناقض فكرة الدولة اليهودية.

وفي مرة أخرى أشرنا إلى أن الأساس الأيديولوجي لحزب "يوجد مستقبل" يشي بأنه انطلق من داخل الإجماع الصهيوني اليهودي حول هوية الدولة، والتي لا ينبغي برأيه أن تكون يهودية في هويتها وتوجهاتها الثقافية فحسب، بل أيضاً عليها أن تكون ذات أغلبية يهودية ودولة قومية للشعب اليهودي في أي مكان. وتظهر يمينية هذا الحزب في الجانب السياسي من برنامجه، حيث جاء: لا يوافق الحزب على الاتهامات الذاتية التي يُطلقها جزء من الجمهور الإسرائيلي في مسألة السلام، فنحن نعتقد أن الفلسطينيين رفضوا مرة في إثر مرة يد إسرائيل الممدودة إلى السلام. ويقترح الحزب تبني "حل الدولتين" ولكن ليس بدافع الاعتراف بحقوق الفلسطينيين القومية، بل لغاية الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية ذات أغلبية يهودية، ويعتبر المستوطنين صهيونيين حقيقيين، حيث يشير البرنامج إلى أن "السلام هو الحل المعقول الوحيد للتهديد الديمغرافي ولأفكار مثل دولة كل مواطنيها ودولة ثنائية القومية". أما بالنسبة لشكل الحلّ النهائي الذي يقترحه، فيتمثل في "حل الدولتين"، من دون العودة إلى خطوط 5 حزيران 1967، وعبر الإبقاء على الكتل الاستيطانية في الضفة، والإبقاء على القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، وحلّ مشكلة اللاجئين في الدولة الفلسطينية فقط، وتمتلك إسرائيل الحق في محاربة "الإرهاب" حتى داخل الدولة الفلسطينية التي ستُقام. ويوضح برنامج الحزب السياسي أنه لا يقدم تصوراً مختلفاً منذ تأسيسه، عما طرحه نتنياهو في "خطاب بار إيلان 1"، غير أن هذا الأخير يريد من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بينما يريد لبيد انتزاع ذلك على أرض الواقع.

وفي ما يخصّ التشديد على أن إسرائيل دولة يهودية من طرف لبيد الذي يدعي بأنه علمانيّ، ينبغي أن نستعيد أنه في سياق الجلسة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي يوم 7 تشرين الثاني 2021 لإحياء ذكرى مرور 48 عاماً على وفاة رئيس الحكومة الأول ديفيد بن غوريون، آثر لبيد الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الخارجية ورئيس الحكومة البديل أن يعيد إلى الأذهان أن مقاربة بن غوريون حيال العلمانية اتسمت أكثر من أي أمر آخر بكونها ليست نقيض الدين أو التديّن بل هي تُشكّل أحد تيارات اليهودية، علماً بأن ثمة شبه إجماع بين الباحثين الإسرائيليين على التشكيك باحتمال وجود "علمانية يهودية" وإن كان بالإمكان العثور على علمانيين يهود. ومما قاله لبيد حرفياً: "إذا كنت علمانياً إسرائيليّاً فأنت عمليّاً تقليديّ محافظ. وقد لا تكون محافظاً على إقامة الشعائر والفروض الدينية، ولكنك يهوديّ من اللحظة التي تصحو فيها صباحاً وحتى اللحظة التي تغمض عينيك فيها ليلاً وتغرق في أحلامك بلغة التناخ"!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات