ينبغي أن نعيد التذكير بأنه قبل أسبوع واحد من حلول الذكرى السنوية الأولى لاندلاع حرب الإبادة على غزة، التي بدأت يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت إسرائيل أنها دخلت إلى ما تصفها بأنها "مرحلة جديدة" من القتال تتسّم أساساً بتوسيع نطاق الحرب لتشمل الجبهة الشمالية، حيث شرع الجيش الإسرائيلي في شنّ ما قال إنها "عملية برّية مركزة" في جنوب لبنان، معلناً أنها ستركّز، في بدايتها، على البنى التحتية التي أنشأها حزب الله قريباً من منطقة الجدار الحدودي، تحضيراً لشنّ هجوم على المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية الحدودية على غرار هجوم "طوفان الأقصى".
ما زال فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت يوم 5 تشرين الثاني الحالي، يمنح أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حافزاً على التحليق بعيداً في كل ما يتعلّق بالتوقعات الإسرائيلية منه خلال ولايته الرئاسية الثانية التي سوف تبدأ يوم 20 كانون الثاني 2025.
ولعل الأمر المهم عند قراءة هذه التوقعات هو سبر الرغبات التي ينطوي عليها هذا التحليق حيال الواقع المرتبط بمصير الحرب على قطاع غزة ومستقبل القضية الفلسطينية وسائر القضايا الإقليمية وفي طليعتها الصراع مع إيران.
شهدت الفترة القليلة الفائتة تطوّرين لا بُدّ من التوقف عندهما نظراً إلى ما ينطويان عليه من تداعيات قد تؤثر في مستقبل الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، وتتسبّب باستمرار المواجهات في جبهات أخرى، وباحتمال التصعيد مع إيران. التطوّر الأول انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، والتطوّر الثاني قيام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت. ويمكن مقاربة هذين التطورين من زوايا متعدّدة، ولكن سنقتصر هنا على الزاوية المتعلقة برؤية نتنياهو لهما، سواء على مستوى التوقعات، أو على مستوى التمنيات.
عشية الانتخابات الأميركية التي ستجري غداً الثلاثاء (5 تشرين الثاني 2024) ومن شأنها أن تنطوي على نقطة تحوّل في كل ما يتعلّق بمآل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، فإن أول ما ينبغي التذكير به - وهو ما سبق أن أكّدناه مرات عديدة- أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يراهن منذ فترة طويلة على عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
تتفق معظم التحليلات الأمنيّة والسياسية في إسرائيل على أن قيامها لأول مرة، يوم 26 تشرين الأول الحالي، بشنّ هجوم جوي واسع على أهداف في مواقع عدة في إيران، بما في ذلك أهداف قريبة من العاصمة طهران، أثبت أنها تمتلك تفوّقاً جوياً واستخباراتياً، فضلاً عن أنه تسبّب أيضاً بتحرّرها من خوف دفين عكسته سيناريوهات استشرافية بشأن مثل هذا الهجوم في الماضي القريب والبعيد، وفحوى هذا الخوف أن تنفيذ هجوم جوي إسرائيلي على إيران يمكن أن يؤدي إلى إسقاط طائرات وأسر طيارين أو حتى مقتلهم، ولكن هذا لم يحدث.
في الوقت الذي تُسلّط فيه الأضواء على الحرب مع حزب الله في الجبهة الشماليّة، وعلى الردّ الإسرائيلي على إيران، يبدو أن إسرائيل بدأت بتنفيذ ما تخطط له في كل ما هو مرتبط بـ "اليوم التالي" للحرب بالنسبة إلى قطاع غزة. ولعل ما أثار مثل هذا الاحتمال هو قيام إسرائيل بإعادة "الفرقة العسكرية 162" إلى جباليا برفقة دعوة سكان شمال القطاع إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً عبر "محور نتساريم"، وهو ما اعتبره الكثير من المحللين بمثابة تحقيق لجزء كبير من الفكرة التي يُطلق عليها اسم "خطة الجنرالات" والتي يُعَد اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند من أبرز الممثلين لها في الإعلام، وهي تهدف إلى السيطرة على شمال قطاع غزة، وإخلائه من السكان المدنيين هناك، وفرض حصار على المنطقة، كخطوة يُفترض أن تعزّز تحقيق أهداف الحرب ضد حركة حماس (استعادة المخطوفين، وتقويض القوة العسكرية والسياسية لحماس). وفي الخطة اقتراح ينص على تجويع الناس الذين سيبقون في شمال القطاع بافتراض أنهم بصورة أساسية من عناصر حماس. وأشير في أكثر من مناسبة، كان آخرها في سياق ورقة تقدير موقف صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إلى أن المنظومة الحكومية والسياسية في إسرائيل تفاعلت مع الخطة بإيجابية، على الرغم من أنها لم تعتمدها بالكامل بعد.
الصفحة 1 من 45