ترجّح آخر التقارير والتحليلات الإسرائيلية، وخصوصاً من جانب المحللين والمراسلين العسكريين، أن يشهد شهر أيلول الحالي تطوريْن دراماتيكييْن فيما يتعلّق بسيرورة الحرب على قطاع غزة المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023:
التطوّر الأول، مضاعفة إسرائيل حدّة القتال في مدينة غزة، تمهيداً لقيام الجيش الإسرائيلي باحتلال المدينة، بناءً على قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت).
بالتوازي مع توجّه الأنظار أكثر فأكثر نحو قرار "الكابينيت" الإسرائيلي احتلال غزة، تؤكد تحليلات إسرائيلية كثيرة، خصوصاً من جانب أوساط اليمين الإسرائيلي الشريك في ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو، أن هذا القرار مرتهن في أفق السياسة التي تتمسك بها الحكومة برؤية محدّدة مؤداها تفكيك فكرة حركة حماس، والبنية التحتية الفكرية والدينية والتعليمية التي تغذي صراعها ضد الاحتلال وإسرائيل.
(1) قبل عقد من الأعوام، وتحديداً في خريف 2015، نشر ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، مقالة في مجلة "ذي ماركر" الشهرية، نشرنا ترجمتها الكاملة في ملحق "المشهد الإسرائيلي"، شدّد فيها على أن تفكّك "النواة الصلبة" في المجتمع الإسرائيلي وارتفاع الوزن الديمغرافي لمن أسماهم "أقليات" أكثر تأثيراً على مستقبل إسرائيل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته في ذلك الوقت موشيه كحلون، وعائدات الغاز الطبيعي. وأشار إلى أن تزايد أعداد اليهود الحريديم (المتشددون دينياً) والمنتمين إلى الصهيونية الدينية في مقابل تراجع أعداد "العلمانيين" (*) يُعدّ أبرز التغييرات الديمغرافية في المجتمع الإسرائيلي وسوف يتعمق خلال الأعوام المقبلة ("المشهد الإسرائيلي"، 22/9/2015).
ليس مبالغة بتاتاً أن معارضة الداخل الإسرائيلي لخطة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو التي تنصّ على احتلال غزة تبدو أوسع، وقد تكون أبعد مدى، من معارضة أي من الخطط السابقة التي تضمنتها حرب الإبادة والتدمير التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وهي معارضة تشمل أيضاً "رموز" المؤسسة الأمنية وفي طليعتهم رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زامير.
في وسع من يراقب آخر المستجدات، على مستوى التحليلات الإسرائيلية المتواترة حول واقع الحرب التي تستمر إسرائيل في شنّها على قطاع غزة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أن يلاحظ أن هناك استنتاجين آخذين في الترسّخ أكثر فأكثر في أوساط أصحاب هذه التحليلات وربما في صفوف الرأي العام الإسرائيلي: الاستنتاج الأول، أن الحرب استنفدت نفسها ولم تعد تمتلك القدرة على الوصول إلى أهدافها مثلما صاغتها الحكومة الإسرائيلية ومثلما يُحدّدها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. والاستنتاج الثاني، أن هناك تراجعاً جوهرياً في مكانة إسرائيل الدولية على خلفية الحرب وما ترتكبه خلالها من ممارسات ولا سيما سياسة التجويع.
جزم الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي ("هآرتس"، 20/7/2025) بأنه للمرة الأولى منذ شنّ الحرب العدوانية على قطاع غزة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بات من الواضح أن لإسرائيل خطة تطهير عرقي بعيدة المدى، وأن رئيس جهاز الموساد ديفيد برنياع زار، الأسبوع الماضي، واشنطن لمناقشة "إجلاء" سكان غزة، فيما كشف الصحافي باراك رافيد عن أن برنياع قال لمحدّثيه إن إسرائيل بدأت فعلاً محادثات مع ثلاث دول في هذا الشأن. وبوسع هذا الجزم أن يكشف النقاب عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء إقامة ما توصف بأنها "مدينة إنسانية" في جنوب القطاع، وجرى اعتبارها بحق أنها معسكر اعتقال يتم في المرحلة الأولى نقل عدد كبير من سكان القطاع إليه لتمكين تنفيذ عملية الترحيل بفاعلية في وقت لاحق.
الصفحة 1 من 50