شهد الأسبوع الذي مضى مناسبة مرور 200 يوم على الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، والتي تدخل اليوم (29/4/2024) يومها الـ206 وجرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ومثلما سبق لي أن كتبت في مقام آخر، بدأت تتبلور في أوساط عدد كبير من المحللين والمراسلين الصحافيين الإسرائيليين السياسيين والعسكريين فئة تحمل شعار: يجب قول الحقيقة إلى الجمهور العريض. وتنطوي كلمة الحقيقة على مدلولاتٍ ومعانٍ كثيرة، لكن في ما يرتبط بما ننوي التوقف عنده يمكن أن نُعرّف الحقيقة اصطلاحاً بأنها الاتفاق مع ما هو قائم في الواقع فعلاً لا افتراءً. وأبرز ما تهدف إليه هذه الفئة هو أن تقول الحقيقة وبالأساس حيال ما حققته هذه الحرب وما لم تحققه، من جملة الأهداف التي وضعت لها منذ البداية.
كانت الكلمة التي استخدمها وزير الشرطة الإسرائيلية (لقبه الرسمي الآن: وزير الأمن القومي)، إيتمار بن غفير، للتعبير عن استخفافه بالهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران، فاتحة لانتقادات شديدة وجهت له من طرف الجهازين السياسي والعسكري، إلا أن رد فعله كان باستخفاف أشد، ما يدل على استمراره في تحقيق مكتسبات سياسية وتنفيذية، وتمدده بشكل أكبر في جهازي الشرطة وسلطة السجون، وهو يسعى لمزيد لا يخص صلاحياته الوزارية، مثل طلبه نقل قسم تطبيق قانون التنظيم والبناء إلى وزارته، وسط معارضة من وزارات أخرى. لكن ليس هذا فحسب بل بدأ في اختلاق نقاط صدام جديدة بينه وبين أطراف في الائتلاف، بشكل خاص ضد كتلتي المتدينين المتزمتين، الحريديم. في حين تزايد استخدام وصف تعامل بنيامين نتنياهو مع بن غفير بـ "الطفل المدلل"، إذ إنه يرى به أحد الركائز الأساسية لاستمرار عمل حكومته.
مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها السابع، وفي أعقاب إعادة انتشار الجيش والإعلان غير الواضح عن انتهاء العملية العسكرية الكبيرة في خانيونس، تزايدت الأصوات الإسرائيلية المتأثرة بأجواء الإحباط من تعثّر الجيش في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى: القضاء على حركة حماس، استعادة الأسرى والمحتجزين من قطاع غزة. إن حالة الإحباط هذه تتأتّى في أعقاب التوقّعات العالية بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي التي أنتجها خطاب المؤسستين الأمنية والعسكرية حول قيمة العملية في خانيونس وادّعاء تمركز قوة وقيادة حركة حماس وجناحها العسكري، الأمر الذي جعل العملية بمثابة "محطّة حسم" على طريق تحقيق "النصر المطلق" الذي يتحدّث عنه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والنخبتان الأمنية والعسكرية.
في نيسان 2024 أعلن اللواء يهودا فوكس نيته ترك منصبه مع انتهاء ولايته في آب 2024. فوكس هو قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، والحاكم العسكري للضفة الغربية، والذي تحت "منطقة السيادة" التابعة له تعمل أيضاً السلطة الفلسطينية (منطقتا "أ" و"ب") والإدارة المدنية (منطقة "ج")، ويعتبر أيضا "وزير الأمن الداخلي" بحيث أن الشرطة والمخابرات وحرس الحدود وباقي قنوات التنسيق الأخرى، تعمل تحت موافقته وإشرافه. يأتي إعلان فوكس هذا في ظل عام ونصف العام من احتجاجات المستوطنين عليه، والدعوة إلى تعيين قائد منطقة جديد مقرب منهم.
أصبح من المعروف أن المحاولات المحمومة، سياسياً ودبلوماسياً واستخباراتياً وكذلك قضائياً، التي بذلتها السلطات الإسرائيلية المختلفة على امتداد سنوات عديدة للإبقاء على علاقات دولة إسرائيل و"تعاونها السرّي" مع العديد من أكثر الأنظمة دكتاتوريةً واستبداداً ووحشية في العالم، عسكرياً وأمنياً بالأساس، طي السرية والكتمان، قد مُنيت بفشل واضح منذ بضع سنوات وأصبحت معروفة للقاصي والداني، بتفاصيل مرعبة حقاً، حتى لو كانت جزئية فقط. وحين يُطرح هذا الموضوع، في أي سياق كان، لا بد إلا أن يحضر اسم المحامي إيتاي ماك، الذي يُعتبر ـ وبحقّ ـ رائد المعركة، التي يخوضها وحيداً في أغلب الأحيان، من أجل إزاحة ستار السرية والغموض عن هذا المجال وما فيه من تفاصيل يمكن أن تشكل، بالتأكيد، أكثر من لائحة اتهام جنائية واحدة، بموجب القوانين الدولية، ضد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وشخوص قياداتها وضد دولة إسرائيل نفسها. ولا يزال ماك ينشط في هذا المجال وحيداً منذ سنوات، بعيداً عن أضواء "المجد" التي تُسلَّط في العادة على المحاربين من أجل حقوق الإنسان ودفاعاً عنها.
أعدّ مراقب الدولة الإسرائيلية مؤخراً "تقرير رقابة متابعة موسعاً حول موضوع الإجراءات التي تتخذها حكومة إسرائيل واستعداداتها لأزمة المناخ" العالمية، وذلك بعد نحو عامين من نشر تقرير خاص لمكتب المراقب حول هذا الموضوع في تشرين الأول 2021. ويقول معدو التقرير، إنه تم وضعه عشيّة مؤتمر المناخ الدولي COP28، الذي عقد في نهاية العام 2023. لكن لم يُطرِح هذا التقرير على طاولة الكنيست ولم يقدَّم إلى الجمهور حتّى الآن بسبب الحرب ضد قطاع غزة.
الصفحة 33 من 338