المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو في استقبال شحنة من لقاح شركة فايزر في مطار بن غويون، أمس. (أ.ف.ب)
نتنياهو في استقبال شحنة من لقاح شركة فايزر في مطار بن غويون، أمس. (أ.ف.ب)

سيرى المهنيون المختصون في استطلاعات الرأي الإسرائيلية في الأسابيع المقبلة، أنهم سيكونون أمام الانتخابات الأصعب، من بين الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الـ 24، من حيث تقدير النتائج النهائية، وحتى شبه النهائية؛ نظرا للظروف الصحية، وعدم القدرة على توقع ما سيكون يوم الانتخابات، وانعكاسها على نسب المشاركة في الاقتراع. وأيضا نظرا لحالة التنقلات، غير المسبوقة بحجمها، بين الأحزاب والقوائم المنافسة، خاصة وأن استطلاعات الرأي تشير إلى وجود ما بين 26 وحتى 36 مقعدا برلمانيا "عائما" في الانتخابات المقبلة. وثالثا، كعوامل رئيسية مرشحة ليكون لها تأثير، هي كيفية سير محاكمة بنيامين نتنياهو، التي ستبدأ قبل 6 أسابيع من يوم الانتخابات، في جلسات متلاحقة للاستماع لشهود الاثبات.

فانتخابات العقدين الأخيرين، أظهرت ضعفا في توقع النتيجة الأقرب للانتخابات، حتى تلك التي جرت في الأيام الأخيرة قبل يوم الانتخابات، وهذا يعود إلى سلسلة عوامل، كما يبدو لا تستطيع استطلاعات الرأي استيعابها. وأهمها نابع من تقلبات ديمغرافية متسارعة في الجمهور اليهودي، على صعيدين: الأول الارتفاع المستمر، وبوتيرة عالية، في نسبة المتدينين اليهود من كافة التيارات، كون تصويتهم منهجيا بغالبيته الساحقة. يضاف له أن نسبة مشاركتهم في التصويت في يوم الانتخابات، تفوق النسبة العامة بنحو 16% إلى 20%، والنسبة الأعلى للحريديم. والصعيد الثاني، هو الارتفاع المستمر في نسبة المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية، الذين بغالبيتهم الساحقة يدعمون أحزاب اليمين الاستيطاني والحريديم. ولكن الآن، ستضاف لتعقيدات بلورة شريحة مستطلعين نموذجية لتركيبة الجمهور في إسرائيل، تعقيدات جديدة، سيكون لها تأثير على النتيجة النهائية.

انتخابات في ظل الكورونا

منذ الآن سيكون من الصعب توقع الأوضاع الصحية التي ستكون قائمة في يوم الانتخابات. فإسرائيل حتى الآن، تسجل ذروة نسبية في عدد التطعيمات، نسبة لعدد السكان، ويجري الحديث عن قرابة 1.4 مليون تطعيم، حتى نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري، كانون الثاني. في حين يجري حديث عن أن مخزون اللقاح نضب. إلا أنه في الأسبوع الماضي، قال بنيامين نتنياهو إنه حتى نهاية آذار المقبل، سيكون كل الجمهور قد حصل على تطعيم اللقاح ضد الكورونا.

ولكن قبل الوصول إلى يوم الانتخابات، فإن استعدادات الأحزاب لخوض الحملة الانتخابية، ستتأثر بحالة الإغلاق الشامل، الذي بدأ في نهاية الأسبوع الماضي، ومن المفترض أن يستمر أسبوعين، خاصة استعدادات الأحزاب التي تعتمد على المؤسساتية الحزبية لاختيار قوائم المرشحين. يضاف إلى هذا أن قيادات الحملات الانتخابية سيكون عليها اختلاق أنماط دعاية انتخابية ملائمة. وفي الأساس، كيفية الاتصال المباشر ميدانيا مع الجمهور، وهذا عنصر قوى ومركزي في حملات تسويق الأحزاب، وسيكون من الصعب رؤية الأحزاب تتجه لحملات جماهيرية ميدانية في الأسابيع المقبلة، ما سيضعها في حالة قلق حول مدى وصولها إلى الناخب ومعرفة موقفه.

النقطة المركزية الأكثر تأثيرا من غيرها، في ما يتعلق بأزمة الكورونا، هي مدى إقبال الجمهور على صناديق الاقتراع. فالوباء يتفشى بأصناف تحوّر جديدة، وبات العالم يسمع عن أصناف جديدة من الكورونا، مقرونة بمناطق ودول في العالم، وتنتقل إلى دول أخرى بوتيرة سريعة. وفي حال كانت الجائحة في ذروتها، فإنها ستكون سببا لامتناع نسبة جدية من الجمهور عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، وبشكل خاص أولئك الذين التصويت ليس على رأس أولوياتهم، وعلى استعداد للتنازل عنه، في إطار وقايتهم. في المقابل، فإن من لديهم التزاما تجاه أجندة سياسية وفكرية، سيتجهون بنسبة أكبر من غيرهم إلى صناديق الاقتراع. ونسبة الالتزام السياسي ترتفع جدا لدى الأحزاب الدينية المتشددة والأيديولوجية، وبفجوة كبيرة عن الأحزاب الأخرى. وفي الحالة الإسرائيلية، فإن هذا الالتزام العالي سيكون لدى جمهور المتدينين المتزمتين الحريديم، والتيار الديني الصهيوني، المسيطر على الأجواء السياسية في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة. فأصلا التصويت لدى هذين الجمهورين هو أعلى بما بين 16% وحتى 20% كما ذكر سابقا هنا. ومن شأن المشهد الافتراضي الذي نعرضه هنا بخصوص انتشار الكورونا، أن يزيد من قوة الأحزاب الدينية، التي هي في عقر اليمين الاستيطاني أكثر بكثير من وزن جمهورها من بين ذوي حق الاقتراع.

تنقلات وتشكيلات انتخابية بوتيرة عالية

حتى الآن، بالإمكان القول إن الحلبة السياسية الإسرائيلية تشهد حركة تنقلات حزبية غير مسبوقة بحجمها، على الرغم من أنه تقريبا قبل كل انتخابات نشهد تنقلات وتشكيلات انتخابية جديدة.

وفي مركز الحدث الآن قائمتان جديدتان ستنافسان في معسكرين: القائمة التي يعمل على تشكيلها النائب المنشق عن حزب الليكود، جدعون ساعر، الذي ستكون منافسته الأساس في معسكر اليمين الاستيطاني، ولكنه سيكون عنوانا لما يسمى جمهور "الوسط" مع ميول يمينية. وفي المقابل، القائمة التي يشكلها حاليا رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي، التي ستنافس في معسكر ما يسمى "الوسط- يسار".

وهذا في الوقت الذي تتواصل فيه الاتصالات لتشكيل قوائم أخرى، تعرض نفسها على تحالفات انتخابية، أو أنها ستقرر خوض الانتخابات بشكل منفرد، برغم نسبة الحسم العالية.

كذلك فإن الكتل البرلمانية القائمة تشهد تشققات، فكتلة "أزرق أبيض" حالها كحال السفينة الغارقة، وتزداد التوقعات بأن ينسحب زعيمها بيني غانتس من المنافسة، لربما مبكرا أو قبل الانتخابات. ولم يبق في الكتلة سوى نصف أعضائها الـ 15 وأسماء بارزة فيها غادرت لقوائم أخرى، أو حتى أنها أعلنت مغادرتها السياسة مرحليا أو كليا.

وظهرت في الأيام الأخيرة بوادر شرخ، أو أزمة، في تحالف اليمين الاستيطاني "يمينا"، برئاسة نفتالي بينيت، الذي فازت كتلته في انتخابات آذار 2020 بـ 6 مقاعد، وتمنحه استطلاعات الرأي حاليا ما بين 13 إلى 14 مقعدا. وحسب تقارير صحافية، فإن حزب "الاتحاد الوطني" (هئيحود هليئومي) الذي يترأسه المستوطن المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يطالب بضمان 4 مقاعد ضمن المقاعد الثمانية الأولى في القائمة. وهذا الحزب هو الأكبر نسبيا في التيار الديني الصهيوني في المستوطنات، ولكن قوته هناك لا تعادل 4 مقاعد، إلا أن له قوة وحضورا في معسكر اليمين الاستيطاني بشكل عام. ويرى نفتالي بينيت أن التشدد الديني لدى سموتريتش وحزبه "الاتحاد الوطني"، سيكون عائقا أمام استقطاب جمهور علماني يميني استيطاني. وفي الأيام الأخيرة، أطلق سموتريتش حملة إعلامية يسوّق فيها حزبه، دون تركيز على التحالف القائم. وفي اطلاعنا على التعليقات في صفحته، يطالب عدد من المعلقين بفك الشراكة مع بينيت وشريكته العلمانية أييلت شاكيد. ومثل هذه التعليقات توحي بجو ما في جمهور التيار الديني الصهيوني، المتشدد دينيا وسياسيا. وليس واضحا حتى الآن مصير تحالف "يمينا"، الذي في حال انشقاقه، فإن الكتلتين اللتين ستنشقان عنه ستخسران من قوتيهما المجتمعة.

وحتى مطلع الأسبوع الجاري، استمرت الأزمة في القائمة المشتركة التي تمثل أساسا الجمهور الفلسطيني في إسرائيل، وفي حال انشقاق القائمة لكتلتين، فإن القوة المجتمعة للقائمتين ستكون أقل من 15 مقعدا، حسب استطلاعات، ونسبة من خسارة المقاعد ستكون نتيجة تراجع متوقع في نسبة المشاركة في التصويت، وأيضا نزوح أصوات إلى الأحزاب الصهيونية؛ خاصة وأنه تجري محاولات لتشكيل قائمة أو أكثر، في ظاهرها "قائمة يهودية عربية مشتركة"، ولكن في واقع الأمر ستستهدف الجمهور العربي أساسا، كتلك التي يقيمها رئيس بلدية حيفا السابق يونا ياهف.

وتمنح استطلاعات الرأي حاليا القائمة المشتركة 11 مقعدا بالمعدل، بدلا من 15 مقعدا حققتها في انتخابات آذار 2020. وكما ذكر من قبل، فإن المقاعد الـ 11 هي على الرغم من الأزمة الحادة القائمة بين مركّبات المشتركة، وفي الأساس بسبب موقف القائمة العربية الموحدة، برئاسة النائب منصور عباس، وهي الذراع البرلماني للحركة الإسلامية (التيار الجنوبي). ما يعني أنه في حال انتهاء الأزمة، واستمرار القائمة المشتركة، فإنه سيكون باستطاعتها تحقيق قوة أكبر مما تتوقعها استطلاعات الرأي حتى الآن.

وهذا هو المشهد الحزبي الحاصل، واستنادا لاستطلاعات الرأي فإن الحديث يجري عن ما بين 26 إلى 36 مقعدا هي أصوات عائمة، ستنتقل لعناوين أخرى، وهذه المقاعد مصدرها كالتالي: ما بين 7 إلى 10 مقاعد قد يخسرها الليكود. وما بين 16 إلى 20 مقعدا باتت "مشاعا" من أصل 33 مقعدا، كانت للتحالف السابق لـ"أزرق أبيض"، لأن استطلاعات الرأي منحت قائمة "يوجد مستقبل" 13 إلى 14 مقعدا، وقائمة "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس ما بين 4 إلى 5 مقاعد.

كذلك فإن الخطر يتهدد القائمة المشتركة بفقدان 4 مقاعد، ولربما أكثر في حال انشقاقها.

وتعويم هذا الكم من المقاعد البرلمانية من شأنه أن يقلب التوزيعة البرلمانية رأسا على عقب في الولاية البرلمانية المقبلة.

نتنياهو فشل في تأجيل محاكمته

في الأسبوع الماضي وافقت المحكمة على طلب بنيامين نتنياهو تأجيل جلسة الاستماع للائحة الاتهام المعدّلة في القضية التي عرفت باسم "ملف 4000"، التي تتضمن اتهاما بتلقي الرشوة. إذ أن المحكمة كانت قد طلبت من النيابة العامة تعديل لائحة الاتهام، بإسقاط تعبير "عائلة نتنياهو" من لائحة الاتهام، والتركيز عينيا على شخص نتنياهو، إضافة إلى تعديلات أخرى تعد هامشية.

وقدمت النيابة اللائحة المعدلة في الأسبوع الماضي، واستغل نتنياهو حالة الإغلاق الشامل ليطلب تأجيل جلسة الاستماع للائحة المعدلة، كمقدمة لطلب تأجيل بدء جلسات الاستماع لشهود الإثبات في لائحة الاتهام التي تتضمن ثلاثة ملفات. إلا أنه حسب التقديرات، فإن المحكمة لن توافق على تأجيل جلسة الاستماع لشهود الاثبات، خاصة وأن الحديث يجري عن ثلاث قضايا؛ إذ ستبدأ جلسات الاستماع لشهود الإثبات في الأسبوع الأول من شهر شباط المقبل، بعد أن كانت المحكمة قد أجلت الجلسات في وقت سابق بثلاثة أسابيع.

كما هو معروف، فإن نتنياهو خاض الجولات الانتخابية الثلاث في العامين الأخيرين، في ظل التحقيقات والتوصيات بمحاكمته، وحتى تقديم لائحة اتهام للمحكمة، ولم تؤثر على شعبيته وقوة الليكود الانتخابية، التي زادت في انتخابات آذار 2020. إلا أن ما كان في الجولات الانتخابية الثلاث لصالح نتنياهو، قد يتبدل ويتقلب، حسب المشهد الظاهر حاليا، وهذا يعود لعاملين اثنين: أولا، ستجري الحملة الانتخابية في ظل انعقاد جلسات المحكمة، التي سيكون على نتنياهو حضورها، والاستماع لشهود الإثبات، وخاصة الشاهد الأساس، مدير مكتبه الأسبق نير حيفتس. وبالإمكان القول منذ الآن إن وسائل الإعلام ستنقل إفادات الشهود مباشرة، وستحمل تفاصيل لم تظهر للجمهور حتى الآن، ما من شأنه أن يلعب دورا في بلورة الموقف من نتنياهو. وثانيا، أنه في الجولات الانتخابية الثلاث غابت القائمة المنافسة لنتنياهو في معسكر اليمين الاستيطاني، بينما هي اليوم حاضرة بقوة، حسب الاستطلاعات، بقيادة جدعون ساعر، الذي سيكون من الصعب على نتنياهو التحريض عليه سياسيا، والادعاء أنه "يساري". فمواقف ساعر أشد تطرفا وعدوانية تجاه الشعب الفلسطيني من مواقف نتنياهو المتطرفة أصلا؛ ما يعني في هذا المشهد الافتراضي للمحكمة أن نتنياهو والليكود سيتضرران من سير المحاكمة، إذ أن ساعر سيكون عنوانا لمن سيمقت نتنياهو وحالة الفساد المتهم بها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات