المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ترامب بالعبرية والإنكليزية في تجمع للائتلاف اليهودي الجمهوري في لاس فيغاس. (أرشيفية)

أظهر التقرير السنوي لمعهد "سياسة الشعب اليهودي"، التابع للوكالة اليهودية (الوكالة الصهيونية)، قلقه من انعكاسات تطبيق مخطط فرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة من الضفة الغربية، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى إجراء حسابات عميقة، قبل اتخاذ القرار. كما عبّر التقرير الذي يقدم سنويا للحكومة الإسرائيلية، عن قلقه من تأزم علاقات حكومة بنيامين نتنياهو مع الحزب الديمقراطي الأميركي، محذرا من التدخل في الانتخابات الأميركية الوشيكة.

تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي"، هذا العام، جاء مختصرا مقارنة مع تقارير السنوات الـ 16 التي سبقته، وكما يبدو بفعل أزمة كورونا، التي أخذت نصيبها في التقرير، من حيث انعكاساتها اقتصاديا وسياسيا على إسرائيل والعالم. ولكن التقرير انشغل في ثلاث قضايا مركزية، الجانب الديمغرافي وعلاقة إسرائيل بيهود العالم، وهذا جزء دائم في كل التقارير السنوية. وثانيا، علاقة إسرائيل بالحزبين الأميركيين، على ضوء الانتخابات الأميركية القريبة، وثالثا مخطط فرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة المحتلة.

كما عرّج التقرير على مواضيع أخرى، مثل العلاقات مع الصين، على ضوء أزمة العلاقات الأميركية- الصينية.

تأسس "معهد سياسات الشعب اليهودي" في مطلع سنوات الألفين، ليكون ضمن مؤسسات الوكالة اليهودية (الصهيونية)، وكان اسم المعهد بداية "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، إلا أن هذا الاسم كما يبدو خلق حساسية، لأنه يُظهر شكلا من أشكال الوصاية، وبعد سنوات تم اسقاط كلمة "تخطيط".

ويقول أفينوعام بار يوسف، رئيس المعهد، والمدير العام المؤسس للمعهد، في مقدمة التقرير، وهي كانت كلمة وداعية أعلن فيها مغادرته المعهد، إنه أقيم بتوصية من رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون، ليكون مكلفا بوضع تقرير سنوي أمام حكومات إسرائيل، مع توصيات لها، إلى جانب تقارير تخصصية أخرى.

فعلى سبيل المثال، تم في هذا المعهد وضع مخطط ضرب وكالة غوث اللاجئين "الأونروا"، من خلال تغيير تعريف "اللاجئ"، على أن يكون الشخص الذي تم تهجيره من فلسطين، وأيضا الابن الأول، ولكن ليس الأحفاد وذريتهم. ومن كانت تعمل على هذا المشروع، د. عينات وولف، انتخبت للكنيست لولاية واحدة، 2009- 2013، ضمن حزب العمل، وقد استقدمها رئيس الحزب في حينه إيهود باراك، وخلال تلك الولاية بدأت حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، في تسويق مخطط ضرب الأونروا، وكانت وولف ناشطة في هذا المجال في حينه.

ويقول بار يوسف في كلمته: "تمت إقامة معهد سياسة الشعب اليهودي، من أجل سد فراغ في حقل تخطيط سياسات الشعب اليهودي، على المستوى العالمي، من منطلق الالتزام العميق تجاه المجتمعات اليهودية في كل العالم، والاعتراف بأن دولة إسرائيل هي الدولة النواة للشعب اليهودي، والتزامها باستمرار وجود الشعب وازدهاره".

وبحسب بار يوسف، فإنه ليس من السهل تقديم المشورات، لأنها لن تكون سهلة على جميع الآذان، "وبالذات ليس على جميع الآذان اليهودية". وبسبب ذلك، يقول، جنّد المعهد على مر السنين "أدمغة" متعددة في مجال وضع الاستراتيجيات في مجالات مختلفة، ومن اتجاهات مختلفة، "من اليسار واليمين والحريديم والعلمانيين"، بحسب تعبيره.

إسرائيل والحزبان الأميركيان

في ما يخص الانتخابات الأميركية، أوصى التقرير بأن "تحذر إسرائيل من إظهار تأييد لأي من المرشحين الاثنين للرئاسة، وعليها أن تحافظ على علاقات جيدة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، دون أن تظهر هذه العلاقة على أنها تبن لكل قائمة القيم التي يتبعها الرئيس. وهذا أمر مطلوب على ضوء اتساع التقاطب السياسي في الولايات المتحدة، وهو ما بات يؤثر على شكل وحجم تأييد الحزبين لإسرائيل".

هذه التوصية لم تأت من فراغ، بل جاءت في أعقاب تدخل بنيامين نتنياهو المكشوف كليا في الانتخابات الأميركية، في العامين 2012 و2016، لصالح الحزب الجمهوري. ففي 2012 كان التدخل مباشرة ضد الرئيس باراك أوباما، الذي نافس على ولاية ثانية وفاز بها بسهولة.

ويرى التقرير أن التقاطب المتزايد بين الحزبين الأميركيين الأكبرين، الجمهوري والديمقراطي، ينعكس أيضا على علاقة الأميركان اليهود بإسرائيل. وقالت تقارير سابقة إن الغالبية الساحقة من اليهود في الولايات المتحدة تؤيد الحزب الديمقراطي باعتبار أنه يطرح مواقف أكثر ليبرالية، مقارنة بمواقف الحزب الجمهوري، التي زاد تزمتها في فترة دونالد ترامب.

يشار إلى أنه بحسب أحد الاستطلاعات التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، هناك ارتفاع في نسبة تأييد الأميركان اليهود لمرشح الحزب الديمقراطي، جو بايدن، ووصلت النسبة إلى 75%، على الرغم من أنه تقليديا، تتراوح نسبة تأييد الأميركان اليهود للحزب الديمقراطي ومرشحيه للرئاسة، ما بين 67% إلى 72%.

وبحسب ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن هناك غضباً في حملة ترامب من أنه على الرغم من كل سياساته تجاه إسرائيل منذ أن وصل إلى البيت الأبيض في مطلع 2017، فإن نسبة تأييد اليهود للحزب الديمقراطي ارتفعت.

وتبلغ نسبة اليهود من بين ذوي حق الاقتراع الأميركان 2%، ولكن نسبتهم من بين المصوتين فعليا 4%، بسبب ارتفاع نسبة مشاركتهم في الانتخابات، وهذه النسبة تكون أعلى في الولايات التي تشهد تمركزا أكبر لليهود مثل نيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا.

وأوصى التقرير أيضا بأن "على إسرائيل أن تطور حوارا مستمرا مع اليهود في الولايات المتحدة الأميركية، وبضمنهم أولئك الذين ينتقدون سياسات إسرائيل، من أجل ضمان استمرار مثلث العلاقات: إسرائيل- واشنطن- يهود الولايات المتحدة".

وعلى صعيد العلاقات الأميركية- الإسرائيلية، يقول رئيسا مجلس الإدارة لمعهد سياسة الشعب اليهودي، دينيس روس، المستشار الأميركي الرئاسي الأسبق، وستيوارت أيزنشتات "إن القيادة الأميركية في العالم، التي تتعلق بها إسرائيل، تراجعت بفعل السياسة الخارجية التي اتبعها ترامب، تحت شعار "أميركا أولا". وهذا القيادة الغائبة برزت في فترة وباء كورونا؛ إذ لم يكن ترامب كرؤساء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في فترات أخرى، قادوا مجموعة الدول العشرين الكبار G20 إبان الأزمة الاقتصادية بين العامين 2008 و2009، واهتموا بتنظيم دعم منظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. فالإدارة الحالية لم تتصرف على هذا النحو".

واستعرض الكاتبان الإجراءات التي اتخذها ترامب، مثل قطع الأموال عن منظمة الصحة العالمية، ورفض التعاون مع المؤسسات العالمية لدعم الدول النامية. ويريان أن هذه فرصة إسرائيل لدعم عدد من هذه الدول الفقيرة على الصعيد الطبي، "ومن شأن هذا أن يعزز مكانة إسرائيل لدى تلك الدول".

قلق واضح من مخطط الضم

واضح من التقرير أن صياغته انتهت قبل الإعلان عن اتفاق التطبيع مع دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أدى إلى تأجيل تطبيق مخطط الضم، وفرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة المحتلة لفترة ليست معروفة، فبنيامين نتنياهو أعلن أنه لم يتخل عن تطبيق المخطط، ولكنه يريد إعطاء فرصة لاتفاقيات التطبيع، كما أن الطرف الآخر للمعاهدة لم يذكر كلمة إلغاء مخطط الضم.

ويحذر التقرير في أكثر من مكان من تبعات مخطط الضم على مستويات عدة، ولكن أيضا على مستوى العلاقة مع الأميركان اليهود، ورد فعل الحزب الديمقراطي، خاصة في حال فاز مرشحه في الانتخابات.

ويقول دينيس روس وستيوارت أيزنشتات إنه ستكون لمخطط الضم انعكاسات على العلاقة مع "يهود الشتات" حسب تعبيرهما، وقالا "إن الحوار العام في إسرائيل هو أحادي الجانب، متأثر جوهريا من المواقف الأيديولوجية. فصحيح حتى الآن، أن مخطط الضم يحظى بتأييد كبير ذي أهمية في الكنيست. ولكن من المناسب للجانبين، المؤيد والمعارض، إجراء تحليل عميق حول كلفة وفائدة المخطط، قبل اتخاذ القرار الملزم". و"إن إدارة ترامب فتحت أمام إسرائيل فرصة مميزة لتحديد حدودها، بموجب احتياجاتها الاستراتيجية. ومن جهة ثانية، فإن تطبيق الضم يثير معارضة دولية مهمة، وسيشعل خلافات داخلية لدى الشعب اليهودي في العالم، وسيشكل تهديدا ممكنا، على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية". والقصد هنا هو أن تتحول إسرائيل مع الزمن إلى دولة ثنائية القومية.

ويتابع الكاتبان: "لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالتأكيد ماذا سيكون رد الأردنيين. فالملك الأردني عبد الله الثاني أشار إلى أنه سيكون مضطرا للرد. كذلك فإن الفلسطينيين يعارضون بشدة إجراءات الضم. وخطر انهيار السلطة الفلسطينية كنتيجة لهذه الخطوة هو إمكانية يجب أخذها بالحسبان، رغم أنه من الصعب التنبؤ بتأثيرات الضم على الشرق الأوسط.. وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ، إلا أنه من السهل نسبيا، توقع النتائج في الحلبة الدولية، وبين يهود الشتات: فمن دون شك سيزيد الضم حالة النفور من إسرائيل في غرب أوروبا، وفي المجتمعات اليهودية هناك، وفي الولايات المتحدة الأميركية. وفي الولايات المتحدة سيتسع الشرخ بين المجتمعات اليهودية الأرثوذكسية، التي بشكل عام من المتوقع أن تؤيد الضم، وبين المجتمعات اليهودية اللا أرثوذكسية، التي بشكل عام من المتوقع أن تعارض الضم".

وشدد الكاتبان، بروح ما جاء في التقرير، الذي تتسلمه الحكومة الإسرائيلية، كما سبق وذكر هنا، على أن "الإجراءات أحادية الجانب ستعمق بالتأكيد الخلافات بشأن الدعم لإسرائيل، بين الحزبين الأميركيين الجمهوري والديمقراطي؛ بينما عمل أولئك الذين يكافحون حركة المقاطعة "بي دي إس" سيكون أصعب وأكثر تعقيدا بقدر كبير. فمن شأن الضم أن يصبح بمثابة "جائزة يانصيب" لمن يسعى لعزل إسرائيل، وتسويد صورتها".
ولهذا يوصي التقرير الحكومة الإسرائيلية بأن تجري فحصا معمقا قبل أن تتخذ القرار، من حيث انعكاسات هذا الإجراء على طبيعة إسرائيل، وعلى صعيد ردود الفعل على الساحة الفلسطينية وفي الشرق الأوسط، ولكن بشكل خاص، على مستوى العالم، ودول كبرى، وعلى مستوى العلاقة مع الحزب الديمقراطي الأميركي، والعلاقة مع المجتمعات اليهودية في الولايات المتحدة والعالم.

ويمكن الاستنتاج مما تقدم أن تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي" يبدي قلقا، لم يصرّح به مباشرة، من مشروع الضم، وهذا انعكس في إبراز سلسلة من الانعكاسات السلبية على إسرائيل في حال تطبيقه.

العلاقات مع الصين

منذ أن بدأ تطور العلاقات الإسرائيلية- الصينية، الاقتصادية والعسكرية، في سنوات التسعين، اصطدمت إسرائيل مع إدارات الرؤساء الأربعة الأخيرين، بمن فيهم الحالي؛ بمعنى الرؤساء كلينتون وبوش الابن، وأوباما وترامب، أي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ومن أبرز محطات الصدام، كانت اتفاقيات لبيع قطع وآليات عسكرية، وفيما يتعلق بالتقنيات العالية، إضافة إلى مجالات اقتصادية مختلفة.

ولأن الرئيس دونالد ترامب صعّد الصدام مع الصين في فترة ولايته، فإن مسألة العلاقات بين إسرائيل والصين كانت من النقاط البارزة في تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي". وجاء فيه "أن إسرائيل تجد نفسها بين المطرقة والسندان، على ضوء المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، وستكون تحت ضغوط جدية من جانب إدارة الرئيس ترامب، في ما يتعلق بالاستثمارات الصينية في البنى التحتية الإسرائيلية، مثل الموانئ وشبكات القطارات والاتصالات، والتجارة في قطاع الهايتك".

وتابع التقرير: "إن التخوفات من تأثير الصين قائمة في الحزبين الأميركيين، وكما يبدو ستضطر إسرائيل إلى دفع ثمن ليس قليلا في علاقاتها مع الصين، ولهذا من الضروري لإسرائيل أن تتوصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة، إذ ليس واضحا بعد كم سنة ستغير الإدارة الأميركية توجهها للصين، وأيضا في مسألة العلاقات الإسرائيلية الصينية". وأشار التقرير إلى أنه حتى في حال لم يفز ترامب، فإن هذه المسألة ستبقى ماثلة أيضاً أمام الإدارة الأميركية التالية.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات