المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو.. "مكاسب" التطبيع قد يبددها غضب المستوطنين.

كانت نهاية الأسبوع الماضي بهيجة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فقد حقق ما يراه إنجازا سياسيا إقليميا كبيرا، بإبرام اتفاق التطبيع مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن ما أن نزل عن منصة المؤتمر الصحافي الاحتفالي، وبعد إعلانه عن تأجيل الضم، مقابل ادعاء الإمارات بإلغائه، وبيان دونالد ترامب بأن الضم لم يعد على الأجندة حاليا، واجه هجوما حادا ضده من معاقل المستوطنين، التي يتمدد الليكود فيها خلال السنوات الأخيرة، وقد تتأثر قوة الليكود بينهم الآن في أعقاب تأجيل مخطط الضم. إلا أن أي خسارة محتملة لنتنياهو والليكود بين المستوطنين قد يتم تعويضها لدى جمهور يصدّق الإنجاز السياسي هذا. وما يقلق نتنياهو حاليا هو اتساع دائرة القلق بين الجمهور، جراء استفحال سوء الأوضاع الاقتصادية. ولكن نتنياهو الذي كما يبدو سيقرر لاحقا انتخابات مبكرة، ما زال مطمئنا لفوزه بسبب استمرار غياب البديل.

ولا بد من القول إن المخطط الذي يلوّح به رئيس الحكومة منذ عام كامل، لفرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة المحتلة، لا يقف على رأس أولويات الغالبية الساحقة من الجمهور. بل هذا الأمر ملح لدى جمهور المستوطنين، وبالذات قياداتهم، الذين باتوا يتهمون نتنياهو بالخيانة ونقض وعده. ومن المفترض أن يشن المستوطنون ضده حملة واسعة، قد تتحول إلى ميدانية، وبالذات لدى المستوطنين العقائديين من التيار الديني الصهيوني ومجموعات استيطانية متطرفة. وهذا لا يعني أن الليكود سيتلقى ضربة قاصمة جراء إعلانه تأجيل الضم، بعد الإعلان عن اتفاق التطبيع مع دولة الإمارات.

وللتوضيح، نشرح المشهد من ناحية أرقام ونتائج انتخابات.

حسب التقديرات، فإن عدد ذوي حق الاقتراع في المستوطنات هو ما بين 270 إلى 280 ألف صاحب حق اقتراع، وهؤلاء يشكلون 4,5% من ذوي حق التصويت، ولكن ترتفع نسبتهم إلى 5,4% من الناخبين في يوم الانتخابات، بفعل الفارق الضخم في نسبة التصويت بينهم وبين باقي شرائح ذوي حق التصويت. وهذا العدد من دون القدس، ومن دون موديعين التي ثلثها في داخل الضفة وتعد مستوطنة ولكن أنماط التصويت فيها مختلفة بقدر كبير.

وبموجب مسح نموذجي قمنا به لغرض الفحص هنا، تبين أن الليكود حصل في انتخابات آذار 2020 في المستوطنات، من دون القدس وموديعين، على حوالي 50 ألف صوت، مقابل 40 ألف صوت في انتخابات 2015، وهذا العدد حقق لليكود 1,25 مقعد في الكنيست، من أصل 36 مقعدا حصل عليها الليكود في تلك الانتخابات الأخيرة. ونستند في هذه التقديرات، على بحث "الخارطة السياسية في المستوطنات 2013- 2015"، الصادر عن مركز "مدار"- رام الله 2015، وقد ارتكز ذلك البحث على مسح لنتائج التصويت العينية، والتوزيعة الديمغرافية للمستوطنين، في انتخابات العامين 2013 و2015.

من الواضح أن الليكود سيخسر من قوته في المستوطنات، في حال لم يطبق نتنياهو مخطط الضم، وبالتأكيد أن موضوع الضم يشكل أولوية وشأنا مقررا لجمهور محدود خارج المستوطنات أيضا، ولكن كل الحديث بالمجمل هو عن قوة محدودة جدا، سيعوّضها الليكود على ما يبدو من جمهور محدود آخر، يرى أهمية في إبرام اتفاق التطبيع مع الإمارات، ويسجل لنتنياهو نقاطا قيادية إضافية.

ما يراد قوله هو أنه ليس الضم ما سيقرر في الانتخابات المقبلة حجم قوة الليكود، الذي تواصل استطلاعات الرأي التنبؤ بخسارته عددا جديا من المقاعد؛ فأحد الاستطلاعات الأخيرة في نهاية الأسبوع الماضي، تحدث عن فقدان الليكود لرُبع مقاعده، بمعنى خسارة 9 مقاعد من أصل المقاعد الـ 36؛ ولكن هذا على خلفية الأزمتين الصحية والاقتصادية. ونكرر القول إن هذه الاستطلاعات قد توحي حاليا بمؤشر ما، ولكن لا يمكن الاستناد عليها كنتيجة منذ الآن لانتخابات ما تزال قيد الفرضية، وقرارها بيد شخص نتنياهو.

وكلما تقدمت الأيام ستتضح الصورة أكثر بشأن وجهة نتنياهو، رغم شبه الإجماع على أن مسألة الانتخابات لدى نتنياهو قد حُسمت، ولكنه سيبحث عن التاريخ الذي يخدمه هو، بما يتناسب مع هدف الاستمرار لأقصى ما يمكن من وقت على كرسي رئاسة الحكومة. وهذا الأسبوع سيكون مؤشرا أوضح لنوايا نتنياهو، ولكن ليس الحاسم حتى الآن. فقد أقر الكنيست في الأسبوع الماضي بالقراءة التمهيدية مشروع القانون الذي يجيز تأجيل إقرار الموازنة العامة لمائة يوم إضافي بعد الـ 25 من آب الجاري، الذي هو حتى الآن الموعد النهائي لإقرار الموازنة العامة، وإلا فإنه سيتم حل الكنيست تلقائيا. وعلى هذا المشروع الذي قدمه النائب تسفي هاوزر، من كتلة "أزرق أبيض" الشريكة في الائتلاف، ووافق عليه نتنياهو، أن ينهي مسار التشريع حتى يوم الأربعاء القريب، 19 آب الجاري، وهو آخر يوم عمل للهيئة العامة للكنيست، قبل يوم 25 آب. والتقديرات متضاربة، بين إقرار القانون كليا وبين أن يضع الليكود، بأمر من نتنياهو، عراقيل لمنع الاستمرار في تشريعه. ولكن حتى لو تم تشريع القانون كليا، فهذا لا يعني زوال الأزمة كليا، لأن نتنياهو سيختلق أزمات أخرى تبريرا للانتخابات المبكرة.

ويستدل من تقارير صحافية أن نتنياهو يريد نقض الاتفاق مع كتلة "أزرق أبيض" في بند آخر، وهو بند التعيينات الكبرى. والمطروح حاليا تعيين منصبي المدعي العام والقائد العام للشرطة. وبحسب اتفاق الائتلاف، يتم تأجيل كافة التعيينات الكبرى، إلى ما بعد 6 أشهر من يوم تشكيل الحكومة، حتى تكون قد أنجزت إقرار الميزانية المزدوجة للعامين الجاري والمقبل، وهو أيضا ما انقلب عليه نتنياهو، ويريد إقرار ميزانية لعام واحد فقط، ليفتعل أزمة حول ميزانية العام المقبل، ويحل على أثرها الحكومة، ويتجه لانتخابات يعتقد نتنياهو أنها ستقلب موازين القوى لصالحه، وتحسن مكانته، حتى في ظل محاكمة الفساد التي يخضع لها.

وحسب تلك التقارير، فإن نتنياهو سيضع شروطا أمام كتلة "أزرق أبيض" ورئيسها بيني غانتس، بمعنى أن يمرر ميزانية مزدوجة، مقابل تعيين كبار المسؤولين، خاصة السابق ذكرهما، والمعني بهما نتنياهو.

الإشكالية هنا هي أن نتنياهو يريد التأثير على تعيين المدعي العام، الذي سيكون عليه الإشراف على سير محاكمته بقضايا الفساد، وفي هذا تضارب مصالح صارخ. وقد أعدت نائبة المستشار القانوني للحكومة مسودة ورقة موقف، تشرح فيها وجه التناقض في تدخل نتنياهو بالتعيينات الكبرى، المتعلقة بتطبيق القانون، وأولها المدعي العام والقائد العام للشرطة. وبعث أحد محامي نتنياهو برسالة للمستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، يرفض فيها مسودة الموقف، ويتهم مندلبليت بأنه يواصل استهداف نتنياهو من خلال هذا الموقف. ومن المفترض أن يصدر الموقف النهائي عن مكتب المستشار القانوني للحكومة في الأيام المقبلة، استباقا لأي تعيينات جديدة قد تظهر. وحسب التقديرات، فإن الموقف الصادر حتى الآن، سيبقى على حاله، بمعنى رفض تدخل نتنياهو بالتعيينات.

وفي واقع الحال، فإن نتنياهو ليس بحاجة للتدخل مباشرة وعلنا في هذه التعيينات، بل هو يحارب عدم الانتقاص من صلاحياته، وهو متهم أمام المحكمة. فحينما تأتي ساعة التعيينات، فإن أذرع نتنياهو في حكومته قادرة على أن تمثّل موقفه، وهذا ممكن في وزارة الأمن الداخلي (الشرطة)، ولكن العقبة قد تكون في وزارة العدل، المسؤولة عن تعيين المدعي العام، إذ يتولى الوزارة آفي نيسانكورن، من كتلة "أزرق أبيض".

ما يقلق الجمهور سيقلق نتنياهو- الأوضاع الاقتصادية

ذكرنا فيما سبق أن مسألة فرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة المحتلة، ليست الأولوية القصوى لدى الغالبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي، فهذه بالتأكيد هي أولوية قصوى لدى المنتفعين كليا من الضم، أي المستوطنين. وهم أصحاب الصوت الأعلى والمهيمن على الحلبة السياسية، لأن جمهورهم موحد خلف قوى سياسية منه وداعمة له، في حين أن الجمهور الواسع مشتت.

في هذه المرحلة، فإن قلق الجمهور يصب في ناحية أخرى: الأوضاع الاقتصادية المأزومة، التي باتت تنعكس على جيب الناخب. بمعنى أن اهتمام الناخب في المرحلة المقبلة، سيكون مختلفا عن فترات سابقة، وستقفز إلى الواجهة الأوضاع الاقتصادية، التي تستفحل من يوم إلى آخر.

ففي الانتخابات الثلاث التي جرت في العامين الجاري والماضي، قلنا إن الأوضاع الاقتصادية الجيدة نوعا ما، لدى الجمهور اليهودي، تلعب دورا في الزيادة المستمرة في قوة نتنياهو والليكود. ولكن الآن الأوضاع باتت تتقلب والمزاج مختلف والقلق يتصاعد. وهذا الأمر انعكس في الاستطلاع الدوري الذي نشره مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، في الأسبوع الماضي، بشأن ثقة الجمهور بأوضاعه الاقتصادية، إذ دلّ الاستطلاع الأخير على أن ثقة الجمهور بالأوضاع الاقتصادية في حضيض غير مسبوق اسرائيليا، حسب وصف صحيفة "كالكاليست"، (-30%)، وتحل إسرائيل في المرتبة ما قبل الأخيرة، في قائمة دول منظمة التعاون والتنمية للدول المتطورة OECD، وتليها اليونان. ويبين الاستطلاع أن ثقة الجمهور بأوضاعه الاقتصادية انهارت من وضعيتها السيئة، التي كانت عليها في شهر أيار الماضي -14%، إلى -30% في مطلع آب الجاري. وهذا مؤشر للكثير من النواحي، منها المزاج العام، ولكن أيضا القدرة على الاستهلاك، وأن الجمهور لن يستعجل لصرف ما لديه؛ في حين أن تراجع الاستهلاك سيزيد الأوضاع سوءا.

وهذه الأوضاع تظهر في التقارير الاقتصادية التي تظهر تباعا، ومنها التقرير الأهم، تقرير بنك إسرائيل، الصادر في الأسبوع الماضي، وقال إن الصرف الحكومي لدعم الاقتصاد في أزمته الحالية، هو الأقل من بين الدول المتطورة، والأعضاء في منظمة OECD، من حيث حجم الصرف مقارنة بحجم الناتج العام. فحتى الآن، تتهم الصحافة الاقتصادية بنيامين نتنياهو بأنه ينثر أموالا كي يُسكت الجمهور، دون حساب مستقبلي لوضعية الخزينة، التي ستتكبد ديونا هائلة، ستتبعها ضربات اقتصادية على الجمهور.

وهذا ينعكس في تقديرات بنك إسرائيل المركزي في الأسبوع الماضي، الذي حذر مجددا من اتساع ظاهرة الإفلاس. وكانت تقديرات سابقة قد تحدثت عن أن أكثر من 70 ألف مصلحة اقتصادية ستغلق أبوابها هذا العام، وستفتح من جديد 40 ألف مصلحة. ما يعني أن عدد المصالح الاقتصادية في إسرائيل يتقلص هذا العام بنحو 30 ألف مصلحة، وهناك من يقدر بنحو 40 ألف مصلحة. في حين أنه في السنوات العشر الأخيرة، كان يزيد عدد المصالح الاقتصادية بنحو 10 آلاف مصلحة سنويا. وخلف هذا التقليص سيكون سوء أوضاع، وإغلاق أماكن عمل، على الأقل لأصحاب هذه المصالح.

ومن هنا فإن تقديرات البطالة ما تزال تقلق المؤسسة الإسرائيلية؛ وبالإمكان القول إنه من الصعب وضع الإصبع على نسبة واضحة، فهناك تضارب في الاحصائيات، بين 10,5% وحتى 18% بطالة. ولكن حتى النسبة الأقل، تعادل ثلاثة أضعاف نسبة البطالة التي كانت قائمة حتى شهر شباط الماضي. ويحذر بنك إسرائيل من أنه في حال وقوع موجة ثالثة من فيروس كورونا في الخريف المقبل، وتبع هذا إغلاقات في الاقتصاد، فإن الأوضاع ستزداد سوءا.

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس (ذي ماركر) إن إسرائيل دخلت إلى الأزمة بمعطيات اقتصادية جيدة. فقد دخلت وحجم الدين العام لديها يعادل أكثر بقليل من 60% (60,2%) من حجم الناتج العام، وهذه نسبة "مثالية" للاقتصاد، فدول متطورة كبرى غارقة في الديون بنسبة أعلى بكثير، مثل الولايات المتحدة الأميركية واليابان، ولكن ضخامة الاقتصاد هناك وركائزه قادرة على تخفيض الدين مستقبلا.

أما الآن، وحسب بيرتس، فإن حجم الدين العام سيرتفع حتى نهاية العام الجاري إلى 80%، بدلا من 75% حسب تقديرات سابقة لبنك إسرائيل، وهذا الارتفاع يعني زيادة عبء الديون بما بين 230 مليار إلى 250 مليار شيكل، سيكون على إسرائيل تسديدها في السنوات اللاحقة.

كذلك الأمر في العجز في الموازنة العامة، إذ سيرتفع هذا العام من 3,4% من حجم الناتج العام في نهاية 2019، إلى 13% في نهاية العام الجاري، بدلا من 12% وفق تقديرات سابقة، بمعنى أن كل التقديرات للمؤشرات الاقتصادية تتدهور تباعا.
هذا مشهد اقتصادي يجب أن يقلق بنيامين نتنياهو، مع قراره الذي سيصدر في وقت يقرره هو للتوجه إلى انتخابات مبكرة، بناء على وضعيته القضائية، ومستقبل استمرار جلوسه على كرسي رئاسة الحكومة، في ظل محاكمة الفساد.

وحتى الآن، كما نشرنا من قبل، فإن نتنياهو يسعى إلى إرضاء الجمهور الغاضب اقتصاديا، وعلى هذا الأساس سارع إلى حل الكفاحات النقابية، مثل كفاح نقابة الممرضات والممرضين، وكفاح نقابة العاملين الاجتماعيين، وعلى هذا الأساس نثر مخصصات متساوية تقريبا لكل الجمهور، وبالذات لمن هم ليسوا بحاجة إطلاقا لأي معونة اقتصادية. ولكن ليس واضحا إلى أي مدى هذا سيساعده في انتخابات مبكرة، إذا ساءت الأوضاع الاقتصادية أكثر، وخرجت عن نطاق السيطرة، فهو ليست لديه الأدوات لإسكات الأجهزة الرسمية ومنعها من إصدار بيانات؛ وحتى لو ظهرت تقارير أخف وطأة فإن ما يشعر به الجمهور سيكون هو الأساس.

ومثلما ذكر في السابق، وهذا صحيح الآن أيضا، فإن نتنياهو ما زال مستفيداً فقط من غياب بديل حقيقي له.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات