المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أثار مشهد وزراء ونواب حزب الليكود الذين رافقوا بنيامين نتنياهو إلى الجلسة الأولى لمحاكمته حفيظة كثيرين، والانطباع الأوسع، حتى لو لم يجاهر به كثيرون، أن نتنياهو يجر شخصيات سياسية ونوابا ويجندهم في قضيته الخاصة، وبعدها يحصلون على المكافأة.

وفي اليوم التالي للمحاكمة، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية العامة أن مكتب نتنياهو ضغط على كل وزراء ونواب الليكود ليرافقوه، ورغم ذلك فإن أقل من نصف كتلة الليكود تجاوبوا مع هذا الطلب.

وهذا المشهد مرتبط جدا بما أقدم عليه نتنياهو في اختياره للوزراء من حزب الليكود، إذ استبعد شخصيات الليكود القديمة أو ذات الحضور باستثناء وزير واحد، وقدّم عليهم نوابا من الصفوف الخلفية، إذ أن المعيار كان مدى الإخلاص لشخص نتنياهو، خاصة في مسألة مواجهته لقضايا الفساد التي يمثل للمحاكمة بشأنها.

ولكن نهج نتنياهو في "إخضاع الرؤوس"، إضافة إلى أنه كان بمثابة الضربة القاصمة لأبرز الشخصيات في الليكود، طال أيضا شخصيات الأحزاب الأخرى، إن كانت تلك التي دخلت إلى حكومته طواعية أو تلك التي استبعدها نتنياهو عن سابق إصرار. ولذا، فلا مكان للاستغراب من مكانة نتنياهو المتقدمة، في استطلاعات الرأي، والارتفاع المتواصل في قوة الليكود، لأنه كما يبدو لم يعد الجمهور الإسرائيلي يرى شخصية قيادية تقود المؤسسة الحاكمة بدلا من نتنياهو، رغم أنه غارق في قضايا الفساد.

ولم نعد نسمع عمن يسعى للمنافسة على رئاسة الليكود، ولم نعد نسمع حتى مقولة: "سأنافس على رئاسة الليكود بعد نتنياهو"، إذ أن هذا الأخير يتصرف وكأنه لا وجود للمحاكمة، أو كمن ضمن نتيجتها، في حين تتوقع وسائل إعلام أن محاكمته قد تتجاوز فترة ثلاث سنوات بمعنى إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، في ما إذا بقيت هذه الحكومة للفترة المحددة لها، حتى نيسان 2023.

على صعيد الليكود، اهتم نتنياهو بمعالجة الشخصيات الأربع التي تلته في القائمة، واختار من بينها يسرائيل كاتس، الذي حلّ ثانيا، ليتولى وزارة المالية. ولكن بعد ذلك، كانت لكل شخصية معالجة خاصة بها، إذ لم يأبه نتنياهو بتهديدات من كان رئيس الكنيست يولي إدلشتاين، بأنه إذا لم يعد لرئاسة الكنيست، فلن يقبل بأي حقيبة، وفي نهاية المطاف قبل بحقيبة الصحة. وكما يبدو مع ضمان بأن يكون مرشح الليكود لرئاسة الدولة، في الانتخابات التي تجري في الهيئة العامة للكنيست، بعد عام من الآن.

أما الشخص الرابع في القائمة، الوزير السابق غلعاد إردان، أحد الشخصيات الأكثر شعبية في حزب الليكود، فقد سعى نتنياهو لضرب مكانته، حينما شكّل حكومته في العام 2015، فقد حل إردان يومها ثانيا في القائمة بعد نتنياهو مباشرة، ولكنه تلقى عرضا وزاريا أقل من المتوقع، وفقط بعد مرور شهرين، حصل على حقيبة الأمن الداخلي والشؤون الاستراتيجية. أما الآن، فإن نتنياهو نجح في استبعاده كليا عن الكنيست، بتسفيره إلى نيويورك ليكون سفيرا في الأمم المتحدة لعام واحد، ومن ثم ينتقل إلى منصب السفير في واشنطن. وحتى إن بدا أن الحديث عن المنصب الدبلوماسي الأرفع، إلا أن هذا يعني من ناحية نتنياهو "ترانسفير سياسي" لبضع سنوات. وهذه المرّة الثانية التي يبعد فيها نتنياهو شخصية سياسية متقدمة في الليكود عن الحلبة السياسية إلى السلك الدبلوماسي، ففي العام 2015 تم إبعاد الوزير السابق داني دانون إلى منصب سفير في الأمم المتحدة.

والاستبعاد الأبرز كان من نصيب من حلّ خامسا في القائمة، غدعون ساعر، الذي لم يعرض عليه نتنياهو أي حقيبة وزارية، وبقي عضو كنيست من دون أي منصب. وهذا ردا على تحدي ساعر لنتنياهو في نهاية العام الماضي، حيث نافسه على رئاسة الليكود، ولكنه حظي بنسبة 28% من الأصوات فقط.

وكانت المفاجأة إبقاء النائب نير بركات، رئيس بلدية القدس السابق، خارج الحكومة، بعد أن كان نتنياهو وعده بحقيبة المالية، قبل انتخابات آذار الأخيرة. إلا أن بركات كما يبدو تلقى وعدا ما من خلف الكواليس، لأنه كان أول المرافقين لنتنياهو في الجلسة الأولى لمحاكمته، وظهر في وسائل الإعلام مدافعا عنه.

وثمة أسماء أخرى حصلت على منصب وزير بمهمات ليست واضحة، منها ما أثار السخرية في وسائل الإعلام، مثل حقيبة "تعزيز وتقدم الجمهور"، ومن بين هؤلاء زئيف إلكين وأوفير أكونيس ودافيد إمسالم، الوزير المنسق للشؤون البرلمانية، وغيرهم.

في المقابل، فإن نتنياهو وزع حقائب ومناصب على الأشخاص الأكثر إخلاصا له، الذين يظهرون بشكل دائم في وسائل الإعلام، ويضربون بسيفه كل من يقف في طريقه، وبشكل خاص أجهزة القضاء والنيابة والشرطة، والسياسيين الخصوم. وهكذا بات ياريف ليفين رئيسا للكنيست، وميري ريغف وزيرة للمواصلات، لتتولى بعد عام ونصف العام حقيبة الخارجية، وأمير أوحانا استحضره من بعيد ليتولى حقيبة الأمن الداخلي.

في الكتل الأخرى

نتنياهو لم ينجح فقط في استبعاد أي شخصية سياسية من أمامه في حزب الليكود وحده، بل أيضا لدى حلفائه الفوريين في اليمين الاستيطاني، وخاصة في التيار الديني الصهيوني، الذي يواجه حالة تفتت غير مسبوقة في التاريخ السياسي لهذا التيار، نتيجة توغل الليكود برئاسة نتنياهو فيه.

كذلك أسقط نتنياهو بعد انتخابات آذار الماضي "حزب الجنرالات"، الذين باتوا تحت إبطه في حكومة تبدو وكأنها تشاركية، ولكن القول الفصل فيها سيبقى بيد نتنياهو، أساسا، مدعوما من فريقه. فبعد أن فكك نتنياهو تحالف "أزرق أبيض" تحت غطاء "وضعية الطوارئ الخطيرة التي تعيشها إسرائيل"، وانسحاب حزب "مناعة لإسرائيل" برئاسة بيني غانتس من تلك الشراكة، وجد نفسه أمام معضلة في توزيع الحقائب الوزارية والمناصب البرلمانية، لأن ما توفّر لديه ولشركائه الأكثر إخلاصا، المتدينين المتزمتين الحريديم، لم يكن كافياً. ورأى أن التخفيف هو باستبعاد كتلة "يمينا" اليمينية الاستيطانية، التي تمثل التيار الديني الصهيوني، عن طريق تقديم عرض وزاري، معروف مسبقا أنها سترفضه، وهذا ما حصل، ولكن ليس قبل أن أضعف نتنياهو هذه الكتلة، بسحب نائب منها، رئيس حزب "البيت اليهودي"، ليسند له حقيبة القدس، بلا صلاحيات محددة لها. بهذا، يرى نتنياهو أنه حقق ثلاثة أهداف: ضمن حقائب أكثر لنواب حزبه، وثانيا أضعف هذه الكتلة، وفرض عليها الجلوس في المعارضة، والمستهدف كهدف ثالث هو رئيس هذا التحالف، نفتالي بينيت، "النجم السياسي" الأقوى في التيار الديني الصهيوني في هذه المرحلة.

كذلك يعتقد نتنياهو أن إبقاء أفيغدور ليبرمان سنوات إضافية في مقاعد المعارضة سيضعف مكانته السياسية، خاصة وأن نتنياهو يقود نهجا يمينيا متطرفا، مقنعا لليمين الاستيطاني، ولا يمكن مقارعته في هذه الزاوية.

ولكن تبقى "الضربة الأقوى" لمن تم اعتبارهم على مدى عام ونصف العام "الخصم الأقوى" لنتنياهو، كتلة الجنرالات، الذين لأسباب ستحتاج لفترة أطول لنعرف المخفي حاليا منها، وافقوا على التراجع بسرعة عن كل خطابهم المناهض لنهج نتنياهو ولقضايا الفساد، وقبلوا بالشراكة معه. ففي اليوم التالي لإعلان رئيس الأركان الأسبق، بيني غانتس، فسخ الشراكة في تحالف "أزرق أبيض"، قال في بيان له إنه يعرف أنه ينتحر سياسيا، لأنه أسقط كل اتهاماته لنتنياهو، وخرق كل وعوده بعدم الجلوس في حكومة يترأسها متهم بالفساد، وأنه لن يكون شريكا في ما ينتقص من مكانة القضاء.

لهذا يمكن التقدير أنه إذا ما أتمت هذه الحكومة سنواتها الثلاث، تكون هذه جولة غانتس الأولى والأخيرة في سدة الحكم، فحتى لو بقي لدورة أخرى، فلن يكون بذات القوة التي حققها مع حلفائه في ثلاث جولات انتخابية.

وكذا بالنسبة لشريك غانتس، رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، الذي "فتح النار" على نتنياهو، منذ أن خلع البزة العسكرية مُكرها، في العام 2011، وكان من ضمن كبار الجنرالات وقادة الأجهزة الاستخباراتية الذين هاجموا نتنياهو ونهجه، وخطورة آلية اتخاذ القرارات، حتى الأمنية والعسكرية لديه. وكان أشكنازي عرّاب التحالف الواسع لـ"أزرق أبيض" في شتاء العام الماضي 2019، بهدف واحد ووحيد، إسقاط نتنياهو عن الحكم. وها هو اليوم يجلس تحت خيمة نتنياهو في حكومة ستشهد الكثير من القلاقل، وعدم الثقة المتبادلة، وحتى أن استكمال سنواتها الثلاث المحددة بموجب الاتفاق، ليس مضمونا، حتى الآن.

أمام هذا كله، فإن الجمهور الإسرائيلي يفضّل من يظهر أنه الأقوى في سدّة الحكم، خاصة وأنه لا يرى بديلاً حقيقياً أمامه. كما أن هذا الجمهور لا يرى، حتى الآن، حاجة لاستبدال الحكم، طالما أن نتنياهو عمل في سنوات حكمه العشر على رفع مستوى المعيشة، بشكل خاص للمجتمع اليهودي، برغم الأزمة الاقتصادية الحالية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات