المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

هناك شبه اعتقاد لدى كثير من المحللين بأنه حتى في حال إقامة حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة بين حزبي الليكود و"أزرق أبيض" فإنها لن تدوم وقتاً طويلاً، وهناك من يشكك في أن يأتي الوقت الذي سيتاح فيه لرئيس الحزب الثاني بيني غانتس تولي رئاسة الحكومة، بعد عام ونصف العام من الآن. وتقف في صلب خلفية هذا فرضية خداع نتنياهو. ولكن الأزمات ستنشب حتى ولو كان في نية نتنياهو تطبيق كامل الاتفاق، بعد أن يضمن لنفسه حصانة في وجه المحاكمة، حتى حينما ينهي فترة تناوبه على رئاسة الحكومة.

وهذه الأزمات ستنشب في عدة اتجاهات، ولكن في الأساس ستكون في الجانب السياسي، وفي الجانب القضائي. فنتنياهو يقود أحزاب اليمين الاستيطاني، بما فيها أحزاب المتدينين المتزمتين. وحتى لو أن كتلة أو أكثر بقيت خارج الائتلاف المتبلور، فإن نتنياهو سيحافظ على مصالح تحالفه مع هذه الأحزاب.

ولدى اليمين الاستيطاني هدفان أكبران: فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على كامل المستوطنات ومناطق أخرى في الضفة، وهو ما ورد أيضا ضمن "صفقة القرن"، وتقويض صلاحيات المحكمة العليا، واستمرار السعي لإحداث انقلاب حاسم في تركيبة القضاة الـ 15 في المحكمة العليا، لتكون غالبيتهم الساحقة من ذات اليمين الاستيطاني.

ويُشار هنا إلى أن أحزاب اليمين الاستيطاني تسارع وتضغط لتطبيق "السيادة" على المستوطنات، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي من المفروض، حتى الآن، أن تجري في مطلع تشرين الثاني المقبل. فإذا حتى اندلاع الأزمة الصحية العالمية كان يبدو فوز دونالد ترامب بولاية ثانية شبه مضمون، فإن كل هذه الحسابات قد تنقلب رأسا على عقب، إذا توالت الكوارث أكثر على الولايات المتحدة، وتبين أن من أسبابها فشل إدارة الأزمة، ويُلقى الفشل على عاتق ترامب وفريقه. وهذا اليمين الإسرائيلي ليس واثقا من أن منافس ترامب سيوافق على قرار إسرائيلي كهذا. كما أنه يريد استغلال انشغال الدول الكبرى بكوارثها ليمرر القرار، من دون أن تلتفت أي جهة بالقدر الكافي لما سيكون، وبالتالي عدم اتخاذ إجراءات افتراضية ضد القرار الإسرائيلي.

وهنا بالذات، على الرغم من أن بيني غانتس وحزبه انقلبا على كل التعهدات الانتخابية، بحجة الأزمة الصحية والاقتصادية المتفاقمة، وعلى الرغم من أن غانتس يعرف بموجب ما قاله لزملائه في الحزب أن هذه الخطوة ستعني نهاية حياته السياسية، فإنه يبقى قائد الجيش الأسبق، وهذا يجعله ينصت أكثر من نتنياهو وتحالفه الحزبي إلى ما تقوله المؤسستان العسكرية والاستخباراتية، اللتان يبدو أنهما ليستا معنيتين بخطوات وإجراءات تؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية، ومثل هذا الرأي يظهر في كل واحدة من محطات التصادم مع الساحة الفلسطينية وغيرها.

ولهذا فإن مسألة الضم كانت نقطة خلافية في المفاوضات بين الليكود و"مناعة لإسرائيل"، وحتى إذا ما تم الاتفاق على تأجيل هذا الملف، إلى ما بعد انتهاء الأزمة الصحية المتفشية، ليتسنى إقامة حكومة تعنى بالأزمة الصحية والاقتصادية الناشئة، واعتمادا على ما ذكر هنا، فإن دحرجة الأزمة لن تطول كثيراً حتى تعود لتطفو على السطح من جديد.

ونشير هنا إلى أنه في الكنيست ستكون أغلبية للضم، حتى لو اعترض غانتس وحزبه على القرار، لأنه في القرارات اليمينية الاستيطانية، ستكون كتلة "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان شبكة أمان، إلا إذا قرر ليبرمان في تلك الساعة اتخاذ موقف آخر. علما أنه بموجب القانون، فإن قرار الضم بحاجة لقرار حكومي، وليس بحاجة لقرار كنيست، ولكن قراري ضم القدس ومرتفعات الجولان جرى عرضهما على الكنيست أيضا، وأقرا في الهيئة العامة بالأغلبية.

وعلى صعيد الجهاز القضائي، فإن غانتس حتى الآن ضمن لحزبه وزارة العدل والوزير هو رئيس لجنة التشريعات الحكومية، ولكنه في ذات الوقت سيكون في رأي الأقلية، في حال اعترض على مشاريع قوانين عنصرية، وأخرى داعمة للاحتلال والاستيطان. والسؤال الذي سيكون مطروحا هو لأي درجة كل نواب حزب "مناعة لإسرائيل" سيقبلون بانتحار سياسي جماعي مع غانتس، خاصة وأن بعضهم جاء هو أيضا من أجهزة أمنية وعسكرية، ويريد هؤلاء الحفاظ على شخصية سياسية واجتماعية لكل واحد منهم.

والجانب الثالث، الذي ستسلط عليه الأضواء بعد تشكيل الحكومة، والعودة إلى مسار عمل حكومي وقضائي عادي، هو محاكمة نتنياهو بقضايا الفساد الثلاث. وبعض المحللين باتوا يطرحون إمكانية إجهاض المحاكمة، على ضوء تجربة الأزمة الصحية الإنسانية القاسية. ولكن لا يمكن الحكم على مجريات الأمور المستقبلية، استنادا للواقع الحالي، ما يعني أن فرضية سير طبيعي لمحاكمة نتنياهو، وتكشف أمور محرجة جدا للسياسيين في "مناعة لإسرائيل"، أمر وارد، وحينها تكون الأمور مفتوحة لكافة الاتجاهات.

 

الكتل البرلمانية الجديدة

في هذه الأثناء صادقت اللجنة المنظمة للكنيست مؤخراً على تفكيك تحالف "أزرق أبيض" وسمحت لحزبي "يوجد مستقبل" برئاسة عضو الكنيست يائير لبيد و"تلم" برئاسة عضو الكنيست موشيه يعلون بالانشقاق عن التحالف، وسمحت لأعضاء كنيست من أحزاب التحالف بتغيير ولاءاتهم قبل اتفاق حكومة الوحدة الوشيك الذي يجري العمل عليه في الحلبة السياسية.

وصادقت اللجنة المنظمة من خلال السماح بتفكيك "أزرق أبيض" على عدد من الطلبات هي: انفصال "يوجد مستقبل" و"تلم" عن "أزرق أبيض"، والسماح لعضوي الكنيست من "تلم" تسفي هاوزر ويوعز هندل بالانشقاق عن هذا الحزب وتشكيل حزب خاص بهما سيُطلق عليه اسم "ديرخ إيرتس" ("السلوك اللائق") وسيعمل كحزب مستقل داخل "أزرق أبيض"، والسماح لعضو الكنيست غدير مريح بترك "أزرق أبيض" والانضمام إلى "يوجد مستقبل" ولعضو الكنيست بنينا تامانو- شاتا من "يوجد مستقبل" بالانضمام إلى "أزرق أبيض".

وفي أعقاب هذه الخطوات سيكون لـ"أزرق أبيض" و"ديرخ إيرتس" 17 عضو كنيست، ولـ"يوجد مستقبل- تلم" 16 عضواً. وحصل حزب "مناعة لإسرائيل" برئاسة غانتس على موافقة باستخدام اسم "أزرق أبيض".

وقالت كتلة "يوجد مستقبل- تلم" إنها ستخدم الإسرائيليين من المعارضة، وستواصل كفاحها من أجل حماية الديمقراطية. وأشارت إلى أنها ستساعد الجمهور في تخطي أزمة فيروس كورونا، وأكدت أن الأزمة لا تُدار بشكل جيد وأن الاقتصاد ينهار ولا يتم تنفيذ قرارات.

وأضافت الكتلة في بيان صادر عنها: "سنكون صوتاً واضحاً وعالياً من أجل ملايين الإسرائيليين الذين يحبون هذا البلد ولكنهم يخشون على مستقبله. سنراقب عن كثب عمل هذه الحكومة وننشئ بديلاً حقيقياً من أجل دولة إسرائيل. سنحارب المنحدر الزلق الذي تقودنا إليه حكومة فاسدة تدوس على الديمقراطية".

وتأتي كل هذه التطورات بعد أن تم انتخاب رئيس "أزرق أبيض" غانتس رئيساً للكنيست في خطوة مفاجئة، ما فتح الطريق أمام الدخول إلى ائتلاف حكومي مع نتنياهو وأدى إلى تفكك تحالف "أزرق أبيض"، الذي شدد في حملاته الانتخابية على مدار ثلاث جولات في العام الأخير على عدم الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو بسبب لوائح الاتهام ضده في قضايا فساد.

وفي إثر هذه الخطوة من جانب غانتس قدم حزبا "يوجد مستقبل" و"تلم" برئاسة لبيد ويعلون طلباً رسمياً للانفصال عن "أزرق أبيض". ورفض كلاهما بشكل قاطع الانضمام إلى حكومة وحدة مع الليكود بقيادة نتنياهو، وانتقدا بشدة غانتس بسبب انشقاقه عن التحالف.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات