المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يُجمع ساسة إسرائيل والمحللون والخبراء على أنه لم يتوقع أحد أن تكون إسرائيل في أي يوم عالقة في وضعية سياسية غير مسبوقة، من شلل حكم تقريبا، ورئيس حكومة يواصل عمله وهو متهم بثلاث قضايا فساد، من بينها الرشوة. فقد ظهر القانون الإسرائيلي هزيلا أمام هذه الحالة، مليئا بالثغرات التي قد تُبقي بنيامين نتنياهو لبضع سنوات أخرى في منصبه، وهو متهم، ومحاكمته الشخصية مُعطّلة، في حال طلب نتنياهو وحصل على الحصانة البرلمانية، لمنع محاكمته.

والانطباع السائد هو أن الانتخابات الثالثة باتت أمرا لا مفر منه، وقد تجري في بحر شهر آذار المقبل. وقد يبحث الكنيست عن توافق بين مختلف الكتل، أو معظمها، للاستغناء عن فترة الأيام الـ 21 التي مُنحت لأعضاء الكنيست لإيجاد مرشح لرئاسة الحكومة، يحظى بتأييد 61 نائبا على الأقل، إذ أن مرشحا كهذا ليس قائما حتى الآن، خاصة وأن احتمالات أن يقرر رئيس حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان، في الدقيقة التسعين، القفز على مركب الليكود وبنيامين نتنياهو، قد تقلصت إلى أكثر من ذي قبل، على ضوء تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو، وفي ذات الوقت، ظهور ولو شرخ طفيف، حتى الآن، في صفوف الليكود، يتمثل بمجاهرة النائب غدعون ساعر الاعتراض على استمرار نتنياهو في منصبه رئيسا لليكود والحكومة.

غياب الخلافات السياسية

لربما أن العنوان الأكبر لكل هذه المرحلة، التي تنهي هذه الأيام عاما كاملا، منذ حل الكنيست في نهايات 2018، أن لا خلافات سياسية جوهرية بين الفريقين المتنافسين على رأس هرم الحكم الإسرائيلي: الليكود وحلفاؤه من جهة، وتحالف "أزرق أبيض" من جهة أخرى، وبينهما ليبرمان وحزبه "يسرائيل بيتينو". فالأخير سياسيا هو في خانة اليمين الاستيطاني المتطرف، ولكن خلافه مع الليكود وزعيمه يرتدي قناع الصراع العلماني الديني، بينما الحقيقة أن ليبرمان يتمسك بهذا القناع، لأنه بات الخشبة الأخيرة التي يرتكز عليها في بحر السياسة الهائج.

وغياب السياسة برز أكثر من ذي قبل في المفاوضات لتشكيل الحكومة، منذ انتخابات أيلول، تارة برئاسة المكلف نتنياهو، وتارة أخرى برئاسة المكلف بيني غانتس. وهذا ما أكده تقريبا كل من كان يدور في محيط تلك المفاوضات، بدءا من الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الذي "وبّخ" الكتلتين الأكبرين، وقال إن لا خلافات سياسية جوهرية بينهما، وكل ما في الأمر هو من يتولى رئاسة الحكومة أولا. وكان ريفلين قد طرح مع بدء تكليف نتنياهو، اقتراحا يقضي بأن يكون نتنياهو رئيس حكومة أولا، وفي حال وجهت له لوائح اتهام، فإنه يقصي نفسه كليا عن صلاحياتها، ليتسلمها كلها القائم بأعماله بيني غانتس. وبداية رفض غانتس وكتلته هذا المقترح، ولكن لاحقا، الليكود وضع شروطا لمسألة الإقصاء عن الصلاحيات، وهي أن هذا لا يكون في حال وجهت اتهامات، بل فقط حينما يصدر قرار محكمة أولي بالإدانة، وهو ما زاد من صعوبة قبول "أزرق أبيض" لهذا العرض.

وفي الجانب السياسي الجوهري، بمعنى الموقف من القضية الفلسطينية، فإن الكتلتين أعلنتا عن ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، وخاصة منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت. والفارق أن نتنياهو يريد ضم تلك المنطقة التي تعادل 30% من مساحة الضفة، مع بدء تشكيل الحكومة الجديدة، في حين أن "أزرق أبيض" أعلن أن تلك المنطقة ستكون جزءا من إسرائيل في أي اتفاق مستقبلي، إلا أن أصواتا في "ازرق أبيض" قالت إن التوقيت لن يكون مشكلة. كما أن الجانبين لا يذكران قيام دولة فلسطينية.

ولكن على الصعيد الداخلي، فإن هناك خلافات تتعلق أساسا بقوانين الإكراه الديني، ففي حين يدعو الليكود إلى الحفاظ على الوضع القائم، أيضا من أجل حلفائه المتدينين من الحريديم، والمتدينين الصهاينة المتزمتين، فإن "أزرق أبيض" يطالب بتخفيف القيود على حركة المواصلات العامة في أيام السبت، وأيضا زيادة تراخيص العمل في أيام السبت في المرافق التجارية، ومنع قيود على تنفيذ مشاريع بنية تحتية حيوية في أيام السبت.

ومن المؤكد أنه لو تمت إزالة عقبة رئاسة الحكومة، كانت ستنشأ خلافات حول حقائب حساسة، ليس فقط الدفاع والمالية والخارجية، وإنما وزارة العدل، التي كانت تحت أيدي متطرفين في السنوات الأخيرة.

حسابات ليبرمان

بالإمكان القول إن زيادة قوة القائمة المشتركة بثلاثة مقاعد في انتخابات أيلول الماضي، قلصت حيز تحرك الليكود وحلفائه الفوريين، الذين كان لهم في انتخابات نيسان هذا العام 60 مقعدا، يضاف إليها بيضة القبان- 5 مقاعد لحزب ليبرمان، الذي رفض الانضمام لحكومة نتنياهو، طالما لم يكن هناك ضمان لتمرير قانون تجنيد شبان الحريديم في الجيش، أو ما تسمى "الخدمة المدنية الوطنية"، من ضمن سلسلة مطالب ذات طابع علماني.

وفي انتخابات أيلول، تقلصت القوة الإجمالية لليكود وحلفائه من دون ليبرمان، من 60 مقعدا إلى 55 مقعدا، وهذا التراجع ساهمت فيه عدة عوامل، أولها 3 مقاعد للقائمة المشتركة (13 مقعدا)، جاءت من ارتفاع نسبة التصويت بين العرب من 50% إلى 60%، بينما تراجعت نسبة التصويت بين اليهود بنسبة نصف بالمئة، ولكنها بقيت أعلى من نسبة التصويت بين العرب، إذ حسب التقدير كانت في حدود 71%.

والجانب الآخر هو زيادة قوة حزب ليبرمان بـ 3 مقاعد، من 5 مقاعد إلى 8 مقاعد.

والعامل الثالث، هو انخفاض نسبة أصوات القوائم التي لم تعبر نسبة الحسم، من قرابة 9% في نيسان، إلى 3% في أيلول. وهذا ما أدى إلى رفع عدد الأصوات للمقعد الواحد، ما فرض إعادة توزيع المقاعد بمقدار مختلف بشكل جدي عن انتخابات نيسان.

أما ليبرمان فقد كسر، للمرّة الثانية خلال عام، الرهان على أنه سيقفز لمركب نتنياهو في الدقيقة الـ 90، إذ رفض مجددا الانضمام إلى حكومة نتنياهو بصيغة ضيقة تضم 63 نائبا، كونها ستكون تحت سطوة المتدينين، وستمنع أي تغيير جوهري في مسألة علاقة الدين بالدولة، ولن يكون بإمكانه تحقيق شيء على صعيد مطالبه العلمانية. والمطالب العلمانية هي الخشبة الأخيرة، التي بات يستند إليها ليبرمان في بحر السياسة الهائج، بعد أن هجرته الغالبية الكبيرة جدا من أصوات المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق في العقود الثلاثة الأخيرة. وقد عرف ليبرمان أنه حتى لو تنازل وانضم إلى حكومة نتنياهو الضيقة، فإنها لن تدوم طويلا، ليس بسبب لوائح اتهام نتنياهو، كون ليبرمان سيكون درعا واقيا لنتنياهو إذا طلب الأخير الحصانة البرلمانية، وإنما لأنه يعرف أن الصدام مع المتدينين داخل الحكومة آت لا محالة، وأي تنازل عن طلباته سيؤدي إلى تكبده خسارة فادحة في الانتخابات التالية، حتى إلى درجة عدم عبوره نسبة الحسم.

وقد حصل أن انهارت أحزاب كان لها 15 مقعدا في الكنيست، واختفت كليا عن الساحة بانتخابات واحدة، ومن آخر النماذج حزب "كديما" الذي انهار في انتخابات 2013 من 28 مقعدا إلى 8 مقاعد موزعة على قائمتين منشقتين، وفي انتخابات نيسان انهار تمثيل حزب العمل من 19 مقعدا إلى 6 مقاعد، حافظ عليها تقريبا في انتخابات أيلول.

حسابات "أزرق أبيض"

حتى قبل أيام قليلة جدا من إعلان المستشار القانوني للحكومة عن تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو، إحداها تتهمه بتلقي الرشوة، كان هناك خلاف داخل قيادة "أزرق أبيض" حول مسألة رئاسة الحكومة، وبحسب ما نشرته سلسلة من التقارير فإن الشركاء في هذا التحالف باستثناء حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، أبدوا نوعا من الليونة ليتولى نتنياهو رئاسة الحكومة أولا وفق شروط، إلا أن لبيد تعنت، حتى بدأ الحديث عن احتمال انشقاق في هذا التحالف.

ولكن بعد صدور قرار تقديم لوائح الاتهام، انتهى الخلاف فورا في "أزرق أبيض"، وتحول موقف لبيد من أنه كاد يؤدي إلى انشقاق الكتلة البرلمانية إلى كونه أنقذ الكتلة من ورطة كان من الصعب على "أزرق أبيض" أن يبررها في أي انتخابات مقبلة، وكان سيدفع ثمنها انتخابيا.

شرخ في الليكود

كما كان متوقعا، فإن الغالبية الكبيرة من نواب حزب الليكود جاهرت بدعمها لنتنياهو، فور إعلان المستشار القانوني توجيه لوائح اتهام إليه، وهاجمت النيابة العامة والمستشار، وغالبية الأصوات الصارخة في هذا الاتجاه في الليكود هي من حديثي العهد في السياسة، الذين يجاهدون لإبداء الولاء لشخص نتنياهو أكثر من حزبهم، ومعهم الوزيرة ميري ريغف، في حين أن غالبية شخصيات الصف الأول في قائمة الليكود وكتلته البرلمانية إما أنها تلتزم الصمت، أو أنها تتحدث بانضباط، متذرعة بأن القانون القائم لا يمنع رئيس الحكومة من مواصلة عمله وصلاحياته كلها، إذا كان يمثل للمحاكمة، حتى في قضايا من المفترض أن تنزله عن المسرح السياسي في حال أدين بها، مثل مسألة الرشوة، وهي البند الأخطر.

ومن بين الصامتين، أو الذين يتحدثون بانضباط، شخصيات ترى نفسها منافسة على رئاسة الليكود، وأبرزهم يسرائيل كاتس، الذي يتولى منصب وزير الخارجية، والنائب الحديث نير بركات، من كان رئيس بلدية القدس، وأيضا النائب آفي ديختر. ففي حين أن كاتس وبركات أعلنا دعمهما لنتنياهو في حال جرت انتخابات لرئاسة الليكود، فإن ديختر أعلن استعداده للمنافسة في حال جرت انتخابات كهذه، ولكنه لا يطالب بها.

والمُطالب الوحيد بإجراء انتخابات لرئاسة الليكود هو الوزير الأسبق النائب غدعون ساعر، الذي كسر جدار الصمت، ليتلقى فورا لقب "المتمرد" في صفوف الليكود، وحتى في الإعلام.

فقد تقدم ساعر في مطلع الأسبوع بطلب رسمي إلى رئيس مركز حزب الليكود، الوزير السابق حاييم كاتس، لإجراء انتخابات سريعة، قبل انتهاء مهلة الأيام الـ 21 التي ينص عليها القانون، وتمنح أعضاء الكنيست فرصة اختيار مرشح لرئاسة الحكومة يحظى بأغلبية 61 نائبا، وهذه المرّة الأولى التي يتم فيها تطبيق هذا البند من القانون.

إلا أن نتنياهو فاجأ مساء الأحد بالاتفاق مع كاتس على إجراء انتخابات لرئاسة الليكود، خلال ستة أسابيع، ما يعني بعد انتهاء فترة الأيام الـ 21 الممنوحة للكنيست للاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة يحظى بأغلبية 61 نائبا على الأقل. والمقرر النهائي بشأن الانتخابات الداخلية هو الهيئة العامة لمركز حزب الليكود الذي يضم قرابة 4 آلاف شخص، وهناك نتنياهو هو الأقوى من دون منافس، حتى قبل أن يحصل على دعم من مراكز قوى محدودة لعدد من شخصيات الليكود، ما يعني أن احتمالات أن تجري الانتخابات الداخلية في الليكود في غضون أسابيع قليلة من الآن ضعيفة.

كما اتفق نتنياهو مع كاتس على إبقاء قائمة مرشحي الكنيست كما كانت عليه في انتخابات أيلول. ولكن من ناحية أخرى، فإن السؤال المطروح من سينافس نتنياهو الآن؟ هناك فرضية تقول بما أن غدعون ساعر قد اخترق الجدار فقد يلحق به آخرون، ممن ينافسون على الصفوف المتقدمة وحتى رئاسة الحزب، في حال، مثلا، ظهور استطلاعات رأي ترفع من شعبية ساعر، أو أن الليكود بدأ يفقد مقاعد برلمانية في استطلاعات الرأي، فحينها فرضيا سيشهد الليكود حالة تساقط أحجار الدومينو.

يشار إلى أن غدعون ساعر، وفي حال تبوأ منصب رئيس الليكود، ومن ثم رئاسة الحكومة، فإنه سيكون مقبولا على أشد التيارات المتطرفة في اليمين الاستيطاني، ومثله كل منافسيه الأبرز في الليكود، ولا سيما يسرائيل كاتس ونير بركات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات