المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قرر رئيس حزب الليكود، رئيس الحكومة الانتقالية بنيامين نتنياهو، تحدي منافسه الأبرز في الحزب، غدعون ساعر، وإجراء انتخابات لرئاسة الحزب فقط خلال الأسابيع الستة المقبلة، بعد أن كان ساعر طالب بإجراء انتخابات في غضون أقل من أسبوعين من الآن، وجاهر بتحفظه من استمرار نتنياهو في منصبه وهو متهم بالفساد.وفي المقابل، يدور حراك برلماني هادئ في محاولة لاختصار الوقت، والبحث عن وقت مريح لانتخابات ثالثة في غضون عام، والتي باتت كما لو أنه لا مفر منها حتى الآن.

 

وجاء قرار نتنياهو مفاجئا للكثير من الأوساط، التي توقعت أن يرفض نتنياهو اجراء انتخابات، خاصة وأن المصادر من حوله كانت قد أطلقت شارات تحذير بأن أي انتخابات لرئاسة الحزب سترافقها انتخابات لقائمة مرشحي الليكود للانتخابات البرلمانية. وهذا تحذير موجه لمن بات يحمل لقب "المتمرد" في صفوف الليكود، أمام حالة التأييد المعلن أو الصمت في الليكود حيال توجيه لوائح اتهام بالفساد لزعيمهم بنيامين نتنياهو، الذي أطبق سيطرته المطلقة على الحزب، في السنوات الـ 14 الأخيرة، حتى باتت مسألة منافسته والتغلب عليه في قيادة الحزب شبه مستحيلة.

واتفق نتنياهو مع رئيس مركز حزب الليكود، الوزير السابق حاييم كاتس، المتهم هو أيضا بالفساد، على أن تجري الانتخابات لرئاسة الليكود في غضون 6 أسابيع، وعلى أن تكون لرئاسة الحزب فقط، وليس لقائمة المرشحين.

وحسب التقديرات، فإن نتنياهو قرر الانتخابات لرئاسة الليكود فقط، ويشارك فيها حوالي 100 ألف منتسب للحزب، وعدم اجراء انتخابات لقائمة الحزب للانتخابات البرلمانية المقبلة في حال جرت، وهذا كي لا يثير قلاقل ومنافسات واسعة في قيادة الحزب، قد يستفيد منها منافسه المعلن حتى الآن، غدعون ساعر، ويبدأ في تشكيل معسكر جدي في الليكود؛ خاصة وأن انتخابات كهذه ستقلق الكثيرين من أعضاء الكنيست من الليكود، الذين دخلوا إلى الكنيست لأول مرة في انتخابات نيسان، ولم يزاولوا أي نشاط برلماني جدي، وقد يجدون أنفسهم خارج القائمة.
ويتوقع نتنياهو، حسب مصادر في الليكود، أن يحصل على 80% من أصوات منتسبي الليكود، وهذه النسبة التي سعى لها نتنياهو دائما في السنوات الماضية، إلا أن أقصى ما وصل اليه كان 77%، حين كان منافسه المتطرف موشيه فيغلين، بينما الآن يجري الحديث عن شخصية أقوى.

وقد تنضم للمنافسة شخصيات أخرى في الليكود، على الأقل النائب آفي ديختر، رئيس جهاز "الشاباك" الأسبق، الذي قال إنه في حال جرت انتخابات فإنه سينافس هو أيضا، رغم أن فرصه هي الأضعف. وليس واضحا ما إذا سيلحق بركب المنافسة الوزير يسرائيل كاتس، والنائب نير بركات، اللذان أعلنا أنهما سينافسان على رئاسة الليكود بعد تنحي نتنياهو.

ورفع ساعر سقف انتقاداته لنتنياهو، فقد قال للإذاعة العامة أمس (الاثنين) إن نتنياهو ليس بمقدوره أن يشكل حكومة بعد انتخابات ثالثة ولا حتى رابعة أو خامسة، داعيا إياه للتنحي، وتوقع انضمام شخصيات أخرى في الليكود إلى جانبه مع تقدم موعد الانتخابات لرئاسة الحزب. واشتكى ساعر في المقابلة من أنه يتعرض هو وعائلته، وبالأساس زوجته الصحافية غيئولا إيفن إلى تهجمات كلامية في شبكات التواصل، وصلت إلى حد التهديد بالعنف.

كما هاجم ساعر النائب نير بركات، الذي كان رئيسا لبلدية القدس، والذي انتقده لإعلانه منافسة نتنياهو على رئاسة الحزب. وقال ساعر إن بركات جاء إلى الليكود من حزب "كديما" المنحل، وفي الماضي أيد اتفاقيات أوسلو، ولاحقا أيد اخلاء مستوطنات قطاع غزة.

من ناحية أخرى، تدور نقاشات في أروقة الكنيست حول السبل القانونية التي تسمح للكنيست باختصار المدة نحو انتخابات ثالثة، التي يبدو أنه لا مفر منها، إذ أن فرص تشكيل حكومة في الدقيقة الـ 90 تقلصت إلى أقصى الحدود، بعد توجيه لوائح اتهام لبنيامين نتنياهو بمستوى ستقصيه عن السياسة كليا في حال أدين بها.

ولأول مرّة منذ 71 عاما يواجه الكنيست حالة تعقيدات كهذه، بحيث أن رئيس الحكومة، ولو أنها انتقالية، يبقى في منصبه رغم توجيه لوائح اتهام ضده، مستغلا القانون الذي يعفيه من الاستقالة. ففي الماضي اضطر رئيسا حكومة للاستقالة من منصبيهما بسبب قضايا فساد، وكانت المرّة الأولى في العام 1977، حينما أعلن إسحاق رابين استقالته من رئاسة الحكومة، في اليوم التالي من كشف صحيفة "معاريف" عن أن زوجة رابين، ليئا، لها حساب بنكي دولاري في نيويورك، ورصيده 1500 دولار، من دون أن تبلغ عنه السلطات. والمرّة الثانية كانت في أيلول 2008، حينما قرر رئيس الحكومة إيهود أولمرت الاستقالة، بعد أن أعلن المستشار القانوني للحكومة أنه مشتبه بالفساد، إذ أن أولمرت لم ينتظر حتى جلسة الاستماع المتاحة لمحاميه أمام المستشار القانوني، في سعي لإلغاء القرار بل قرر التنحي فورا، ولاحقا برأته المحكمة من تلك القضية، إلا أنها أدانته في قضية فساد أخرى ظهرت بعد استقالته من منصبه.

أما نتنياهو، الذي قاد حملة إعلامية في العام 2008 تطالب أولمرت بالاستقالة خلال التحقيق معه، فإنه يرفض الاستقالة، لا بل اتهم النيابة والمستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بأنهم يخططون للانقلاب على حكمه وحكم اليمين.

كذلك يستغل نتنياهو، إلى أقصى الحدود، حالة الفراغ البرلمانية، ليسحب وقتا إضافيا في الحكم، إذ أن القانون يمنحه فرصة طلب الحصانة البرلمانية ومنع محاكمته من لجنة الكنيست، إلا أن هذه اللجنة لم تقم، بسبب عدم تشكيل حكومة، نظراً إلى أن تركيبتها ستأخذ بعين الاعتبار الائتلاف والمعارضة. وطالما لم تقم اللجنة فإن الطلب يبقى معلقا، وبالتالي فإن النيابة ليس بإمكانها تقديم لوائح الاتهام إلى المحكمة. ما يعني في حال إجراء انتخابات برلمانية أن تشكيل اللجنة قد يحتاج من 5 إلى 6 أشهر من الآن.

وحسب التقديرات، ووفق موازين القوى البرلمانية القائمة اليوم، فإن لنتنياهو أغلبية لحصانة كهذه، يضمنها له أفيغدور ليبرمان، وحزبه "يسرائيل بيتينو"، وهذا سيكون أشبه بتسديد حساب لنتنياهو، الذي منح ليبرمان في العام 2013 شبكة أمان خلال محاكمته بقضية فساد، واحتفظ به بحقيبة الخارجية. كذلك فإن ليبرمان الذي تورط بقضايا فساد متشعبة، ونجح بالإفلات منها قبل 6 سنوات، لا يأخذ قضايا نتنياهو في حساباته السياسية، وكذا تفعل باقي أحزاب اليمين الاستيطاني المتحالفة مع الليكود. وفي الماضي كان حزبان أعلنا تحفظهما من استمرار نتنياهو في منصبه في حال وجهت له لائحة اتهام، حزب "كلنا" برئاسة موشيه كحلون، وكان له في انتخابات 2015 كتلة من 10 مقاعد، هبطت في نيسان الماضي إلى 4 مقاعد، وانصهر "كلنا" في حزب الليكود في انتخابات أيلول. والحزب الثاني "اليمين الجديد" بزعامة نفتالي بينيت، ولم يصدر عنهما أي رد فعل منذ توجيه لوائح اتهام لنتنياهو يوم الخميس الماضي.

ورغم هذا، فإن السؤال القانوني المطروح حالياً هو: إذا كان القانون يعفي رئيس الحكومة من الاستقالة في حال وجهت له لوائح اتهام، فهل يكون مسموحا تكليف شخص بتشكيل الحكومة وهو يواجه لائحة اتهام؟.

ومن المفترض أن يعلن المستشار القانوني للحكومة عن موقفه في هذا الشأن هذا الأسبوع.

وأيا تكن إجابته، فإن الأمر سينتقل الى المحكمة العليا لتبت به.

فترة الأيام الـ 21

وما يجري بحثه في أروقة الكنيست حاليا هو ما إذا يسمح القانون لكل الكتل، أو لغالبيتها العظمى، إبلاغ رئيس الدولة بعدم وجود أغلبية 61 نائبا ترشح رئيس حكومة، وهذا قبل انتهاء الأيام الـ 21 التي منحها رئيس الدولة بموجب القانون لأعضاء الكنيست لإيجاد مرشح يحظى بموافقة 61 نائبا على الأقل.

وفي هذه المسألة يقول فريق إن القانون واضح، ويجب نفاد الأيام الـ 21، وفي هذه الحالة يتم حل الكنيست فورا، لتجري الانتخابات خلال 90 يوما من يوم حل الكنيست تلقائيا. بينما يقول فريق آخر إن القانون لا يمنع خطوة كهذه، ما يعني أنها متاحة. والهدف من هذا هو أن يحل الكنيست نفسه ليكون بقدرته تحديد موعد للانتخابات قد يتجاوز فترة 90 يوما، خاصة وأن لجنة الانتخابات البرلمانية أعلنت في ما مضى أن 90 يوما لا تكفيها من ناحية لوجستية للاستعداد للانتخابات.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات