المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أصدرت جمعية "جيشاه- مسلك" تقريراً جديداً بعنوان "بعد عشرة أعوام: كل ما يجب أن تعرفوه عن قطاع غزة منذ فك الارتباط".

وهذه الجمعية المتخصصة بالدفاع عن حريّة التنقل، هي مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية تأسست العام 2005 بهدف الدفاع عن حرية الفلسطينيين في التنقل، وخصوصًا سكان قطاع غزّة، في إطار القانون الدولي والقانون الإسرائيلي


وجاء في بيان صحافي عممته الجمعية على قائمة عناوينها الإلكترونية، أنه في نهاية الأسبوع الثاني من شهر أيلول الحالي حلّت الذكرى العاشرة لانسحاب الجنود والمدنيين الإسرائيليين من قطاع غزة، بعد 38 عامًا من الاحتلال الثابت. ورغم أن إسرائيل تستمر منذ ذلك الحين وحتى اليوم، بالسيطرة على تنقّل الأشخاص ونقل البضائع من قطاع غزة وإليه، وتتحكم بجوانب مركزية في حياة السكان، انخرط في الوعي الإسرائيلي الاعتقاد أنه بعد تطبيق "فك الارتباط" أزالت إسرائيل عن نفسها كافة المسؤوليات بضمان حياة مدنية طبيعية في غزة. وبموازاة الإنكار الجماعي لواجبات إسرائيل تجاه قطاع غزة، تثبتت في الوعي الجماهيري لدى الإسرائيليين أساطير وأفكار خاطئة، بداية بأن "سكان غزة انتخبوا حماس"، و"بإمكانهم الخروج عبر معبر رفح"، وحتى القول بأنه "يجب العمل على منع وقوع كارثة إنسانية".

وأشار البيان إلى أن التقرير يشمل معلومات مركزة حول الظروف التي مرت على سكان قطاع غزة خلال السنوات العشر الأخيرة، في ظل سيطرة إسرائيلية خانقة، والتغييرات الدراماتيكية في مصر والصدوع الداخلية العميقة في المجتمع الفلسطيني.

كما يحتوي على ملخص للأحداث الهامة التي مرّت بها المنطقة في السنوات العشر الأخيرة، وكذلك الحقائق التي تقف وراء عشرات الخرافات والأساطير المنتشرة بخصوص قطاع غزة.
وأكد البيان أن التقرير يتضمن رزمة معلومات ضرورية لفهم الأحداث والقرارات التي أوصلت إلى الوضع القائم اليوم.

وفيما يلي بعض المقاطع من هذا التقرير:
في أواسط آب 2005 بدأت إسرائيل بتنفيذ خطة "فك الارتباط" أحادية الجانب عن قطاع غزة. وخلال أقل من شهر، في الحادي عشر من أيلول، ترك آخر الجنود القواعد العسكرية الإسرائيلية القائمة على أراضي القطاع. للوهلة الأولى، كان ذلك يبدو كنهاية 38 عامًا من الاحتلال. لكن عمليًا أبقت إسرائيل بيديها السيطرة على دخول وخروج الأشخاص والبضائع من وإلى قطاع غزة، ولا تزال تمنع إقامة وتشغيل موانئ بحرية أو جوية، وتقيد التنقل والحركة داخل القطاع في المناطق القريبة من الجدار الفاصل، وتقيد مساحة الصيد، وتمنع التنقل بين شطري المنطقة الفلسطينية المحتلة العام 1967. لإسرائيل تأثير جوهري على جوانب كثيرة في حياة 8ر1 مليون سكان قطاع غزة.

تقر إسرائيل وتعترف كتابيًا، شفهيًا وعمليًا، بالواجب الملقى عليها بمنع وقوع كارثة إنسانية في القطاع، لكنها لا ترى نفسها ملزمة بأن تفعل أكثر من الحد الأدنى المطلوب لمنع كارثة إنسانية. علاوة على ذلك، منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة العام 2007، تفرض إسرائيل إغلاقًا محكمًا على القطاع، والذي يشمل تقييدات أكثر حدةً على تنقل الأشخاص والبضائع. هذا الإغلاق، الذي يمنع تطور القطاع، أدى إلى تدهور اقتصاد القطاع ومس بشكل كبير برفاهية سكانه.

تقييدات على تنقّل الأشخاص

منذ تنفيذ خطة "فك الارتباط"، تصر إسرائيل على أنها غير ملزمة بالسماح بالتنقل من قطاع غزة وإليها عبر المعابر التي تخضع لسيطرتها، وتتبع سياسة بموجبها التنقل مُتاح فقط كمعروف استثنائي يخضع لمعايير ضيقة.

المنع الجارف على التنقل بين قطاع غزة وإسرائيل يعزل مئات الآلاف من سكان قطاع غزة عن أقربائهم ويسلب الكثيرين فرص العمل، والفرصة في التعليم والتطور المهني والشخصي. ويشكل منع تنقل الأشخاص بين غزة والضفة لبنة أخرى في "سياسة الفصل" التي تهدف إلى خلق فصل وعزل تام بين شطري المنطقة الفلسطينية المحتلة العام 1967. ويؤدي ذلك للمس ليس بحقوق الأفراد فحسب، بل تمس هذه السياسة أيضًا بقدرة عموم الفلسطينيين على تنمية الاقتصاد، المجتمع والثقافة، وهي من الشروط الأساسية لتحقيق حقهم في تقرير المصير وللتمتع بحقوق الإنسان الأخرى.

بسبب التقييدات الصارمة، أصبح معبر رفح الذي يخضع للسيطرة المصرية هو المنفذ الوحيد تقريبًا لتنقل الأشخاص من قطاع غزة إلى الخارج. ومنذ تبدل السلطة في مصر في تموز 2013 تقوم السلطات المصرية بفرض تقييدات على التنقل عبر معبر رفح بشكل كبير، وكثيرًا ما تغلقه. وبالتالي يتفاقم عزل قطاع غزة عن بقية العالم.

التقييدات على نقل البضائع

بعد إغلاق معبر كارني (العام 2007)، ومعبر صوفا (2008) ومعبر ناحل عوز (2010) وحزام نقل الحبوب وعلف الحيوانات في معبر كارني (العام 2011)، أصبح معبر كرم أبو سالم المعبر الوحيد لنقل البضائع من قطاع غزة وإليه، نظرًا لأن مصر لا تسمح تقريبًا بالتجارة عبر معبر رفح الذي يخضع لسيطرتها. السياسة الإسرائيلية بشأن دخول البضائع إلى قطاع غزة خضعت للعديد من التغييرات خلال العقد الأخير. بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، بين الأعوام 2007 و2010، سمح بدخول قائمة محدودة من البضائع تحتوي على بضع عشرات من المنتجات فقط. بعد ذلك، بعد أحداث الأسطول (أسطول الحرية) في أيار 2010 والنقد الجماهيري الذي أعقبه، تغيرت السياسة، ومنذ تموز 2010 بالإمكان لأي بضاعة مدنية الدخول إلى قطاع غزة باستثناء البضائع المعرفة كمواد "ثنائية الاستخدام"، بادعاء أنها من الممكن أن تستخدم لأغراض عسكرية. وتضم هذه القائمة منتجات مدنية بحتة، ضرورية وحيوية لإعادة إعمار القطاع، وعلى رأسها مواد البناء – إسمنت، حصى وحديد. وبسبب إدراك الحاجة إلى ترميم الدمار الهائل الذي سببته العملية العسكرية "الجرف الصامد"، تم إقامة آلية تهدف إلى إتاحة دخول مراقب لمواد البناء هذه، لكن وتيرة دخول المواد بهذه الطريقة تجيب فقط على جزء بسيط جدًا من الحاجة.

على مدار سبع سنوات، فرضت إسرائيل حظرًا شاملا على تسويق بضاعة من غزة في الضفة الغربية وفي إسرائيل، وهي الأسواق الطبيعية لمنتجات غزة. في هذه السنوات، كمية البضائع التي خرجت من قطاع غزة كانت ضئيلة وتلخصت ببضع شاحنات معدودة شهريًا، معدة للتصدير في دول أجنبية، عادة كان ذلك في إطار مشاريع ممولة ومدعومة، وليس كجزء من عملية اقتصادية طبيعية. بعد عملية "الجرف الصامد" والخراب الذي أحلته في قطاع غزة، سُمح منذ تشرين الثاني 2014 بتسويق منتجات معينة في الضفة الغربية وتسويق محدود للبندورة والباذنجان في إسرائيل وذلك بسبب "السنة السبتية" (شميطاه) بموجب الديانة اليهودية. مع ذلك، بسبب التقييدات والحصص المخصصة بموجب هذه التصاريح، وكذلك بسبب تكاليف نقل البضائع وتعقيداته، بقي حجم التسويق محدود جداً، والفائدة الاقتصادية الناجمة عنه حاليًا قليلة وتقتصر على أشخاص قليلين

تقييدات التنقل داخل غزة وفي مياهها الإقليمية

تفرض إسرائيل تقييدات على التنقل أيضًا داخل القطاع. قوات الجيش الإسرائيلي المنتشرة خلف الجدار تطلق النار، وأحيانا تتسبب بالقتل، وذلك بهدف تطبيق المنع الذي فرضته إسرائيل على الدخول للأراضي المعرفة كمنطقة عازلة والممتدة على بعد 300 متر من الحدود وعلى طولها. رسميًا، يسمح للفلاحين بالوصول إلى الأراضي الواقعة على بعد مسافة 100 متر من الجدار لفلاحتها، لكن عمليًا، محاولات الجيش الإسرائيلي للتمييز بين الفلاحين وغير الفلاحين الذين يدخلون إلى هذه المنطقة، دون وجود آلية تنسيق، تشكل خطراً على حياة الناس، وبشكل فعلي، يمنع الجيش فلاحة هذه الأراضي، ويمس بمعيشة أصحاب الأرض وبحجم الإنتاج الزراعي الذي ينتج في القطاع.

تسمح إسرائيل لصيادي غزة بالإبحار في المياه الإقليمية التابعة للقطاع، حتى عمق 6 أميال بحرية من الشاطئ، وأحيانًا كان يتم تقليص هذه المساحة إلى 3 أميال بحرية فقط. أيضا هذه التقييدات يتم فرضها بواسطة إطلاق النار على من يخرقها. بالإضافة للخطر على حياة الناس، تقلص هذه التقييدات بشكل كبير إنتاج فرع صيد الأسماك في القطاع.

سياسة مرفوضة

في السنوات العشر الأخيرة منذ تنفيذ خطة "فك الارتباط" شهدنا دورات قتالية متتالية. سنوات فرض الإغلاق على قطاع غزة لم تؤد إلى تطبيق الرؤيا الإسرائيلية بأن الإغلاق سيؤدي إلى نقل السلطة في القطاع إلى جهات معتدلة، وبالتأكيد لم تساعد في زيادة أمن سكان المنطقة. أكثر من 70% من سكان القطاع يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية وقرابة 57% يعانون من انعدام الأمن الغذائي. نسبة البطالة تصل إلى أكثر من 40% ونسبتها في أوساط الشباب تصل إلى 60%. القطاع يعاني من جمود اقتصادي خطير والناتج القومي للفرد أقل مما كان عليه قبل عشر سنوات. يضاف إلى ذلك النقص الكبير في الكهرباء، في مياه الشرب وفي البنى التحتية. على سبيل المثال، يعاني القطاع من النقص في مئات المدارس وعشرات آلاف الوحدات السكنية.

حتى وإن كانت إسرائيل لا تنفرد بالمسؤولية عن هذا الوضع، لكن قراراتها في السنوات السابقة لخطة "فك الارتباط" وفي السنوات التي تلتها، كانت مسببة رئيسة للحال التي آلت إليها الأوضاع في القطاع وفي تدهورها. رغم الواجبات الملقاة على إسرائيل تجاه سكان قطاع غزة منذ احتلاله العام 1967، في السنوات التي سبقت تنفيذ خطة "فك الارتباط" امتنعت إسرائيل من الاستثمار في تطوير بنى تحتية مستقلة وعصرية في القطاع. في أعقاب ذلك، طوّر الاقتصاد الفلسطيني علاقة تبعية بأماكن العمل والأسواق الإسرائيلية. سكان قطاع غزة متعلقون بإسرائيل أيضًا لغرض الوصول إلى الضفة الغربية، والتي من دون الوصول إليها، لا يمكن للاقتصاد في غزة أن ينهض. كما أن القطاع متعلق بشكل كبير بالبنى التحتية الإسرائيلية.

مع تنفيذ خطة "فك الارتباط"، عملت السلطات الإسرائيلية على ترويج الموقف أن قطاع غزة هو كيان مستقل منفصل عن إسرائيل وعن السلطة الفلسطينية، وأن إسرائيل لا تتحمل أي مسؤولية تجاه سكانه. هذا موقف خاطئ.

إن علاقات التبعية والسيطرة بين القطاع وإسرائيل، تلقي على إسرائيل الواجب بعمل كل ما هو ممكن مع الأخذ بالحسبان الاعتبارات الأمنية الشرعية لإسرائيل، بهدف إتاحة المجال لسكان قطاع غزة بممارسة حياة مدنية طبيعية. بعد عشر سنوات منذ "فك الارتباط"، حان الوقت لإزالة التقييدات المفروضة على التنقل، المرفوضة وغير اللازمة، وتبنّي طريق تمنح الأمل لسكان المنطقة، فلسطينيين وإسرائيليين على حد سواء.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات