المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
سفينة دبورا إسرائيلية قبالة سواحل غزة. (أرشيفية، "واي نت")
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 21
  • وليد حباس

تلخّص هذه المقالة ملامح الحرب الإسرائيلية في الفضاءات البحرية خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة وفي جبهات أخرى، مبيّنة التحديات التي واجهتها إسرائيل، والتأثيرات الإقليمية والعالمية التي تداخلت معها، والدروس التي خلصت إليها المؤسسة الأمنية والعسكرية.

منذ البداية، شكّلت حماية حرية الملاحة إلى إسرائيل ومنها التحدي الأبرز، إلى جانب تأمين الموانئ والمنشآت الاستراتيجية وضمان استمرار عمل البنية التحتية البحرية والطاقة. لكن الحرب ترافقت مع أزمة عالمية متصاعدة في التجارة الدولية، إذ جاءت بعد سنوات من اضطراب سلاسل التوريد بفعل جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، لتضيف حرب إسرائيل طبقة جديدة من التعطيل. كما أن الحوثيين فرضوا حصاراً عملياً على البحر الأحمر، ما أدى إلى انخفاض ثلثي حجم الشحن عبر قناة السويس، وهي التي تمر عبرها 25% من التجارة العالمية، و12% من تجارة الغاز الطبيعي المسال، و8% من تجارة الحبوب. ومجمل الخسائر من جراء ذلك كان فادحاً: قرابة 200 مليار دولار على المستوى العالمي، وأكثر من 7 مليارات دولار خسارة مباشرة لمصر في إيرادات القناة.

وقد انعكست هذه التطورات مباشرة على إسرائيل التي تعتمد بنسبة 99% من تجارتها الخارجية على الموانئ البحرية. فقد شهد ميناءا حيفا وأشدود تراجعاً كبيراً في حركة البضائع، بينما انهار نشاط ميناء إيلات بنسبة قاربت 60%. بعض السفن الزراعية ألغت عقودها بحجة "القوة القاهرة"، فيما علّقت شركات كبرى مثل "COSCO" الصينية شحناتها إلى إسرائيل، بينما حصلت السفن الصينية في المقابل على "حصانة" من الحوثيين نتيجة تفاهمات إيرانية. وهذا الوضع تسبّب بخلق أزمة تأمين خانقة، إذ ألغت شركات التأمين الدولية تغطيتها ضد مخاطر الحرب، وقدّرت وزارة المالية الإسرائيلية أن تكاليف الشحن قد ترتفع في أسوأ سيناريو بنسبة 160%، ما يضيف نقطة مئوية كاملة إلى مؤشر الأسعار للمستهلك.

الطاقة شكّلت عقدة إضافية؛ إذ إن 70% من كهرباء إسرائيل تعتمد على الغاز المستخرج من البحر (من حقول تمار، لفيتان، وكاريش). ومع اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 توقفت الإمدادات من "تمار" ثم استؤنفت لاحقاً، في حين استثمرت إسرائيل أكثر من ثلاثة مليارات شيكل في حماية منصاتها عبر إدخال سفن "ساعر 6"، أنظمة دفاع متقدمة، وحتى تطوير نسخة بحرية من "القبة الحديدية". غير أن هذه المنصات ظلت عرضة دائمة إلى الخطر من اتجاه لبنان أو غزة، ما جعل الكلفة الأمنية متصاعدة. أما النفط المستورد، الذي يأتي 60% منه من كازاخستان وروسيا عبر البحر الأسود و40% عبر خط BTC من أذربيجان وتركيا، فقد كشف بدوره عن هشاشة التبعية إلى إرادة أنقرة.

بدا سلاح البحرية الإسرائيلي بدوره في موقع ضعيف. فقد فشل في منع تسلل كوماندوز حماس البحري من غزة في 7 تشرين الأول (إلى قاعدة زيكيم)، وانخرط في معظم عملياته كوحدة كوماندوز برية (شاييطت 13) داخل قطاع غزة، بينما أوكلت مهمة حماية الملاحة في البحر الأحمر إلى الولايات المتحدة والقوى الدولية عبر عمليتي "حارس الازدهار" بقيادة واشنطن و"Aspides" بقيادة الاتحاد الأوروبي، من دون أن تُمنح البحرية الإسرائيلية دوراً مركزياً في فك الحصار الحوثي. على الجانب الآخر، عززت إيران حضورها الاستخباراتي في البحر الأحمر من خلال سفينة التجسس "بهشاد"، فيما واصل الحوثيون استهداف إيلات والموانئ الإسرائيلية بالطائرات المسيّرة والصواريخ.

من هذه التجربة خرجت إسرائيل بجملة دروس استراتيجية، أولها الحاجة إلى وضع استراتيجية بحرية "وطنية شاملة" تعيد تعريف دور البحرية الإسرائيلية، ليس فقط كأداة لحماية الشواطئ بل أيضاً كقوة تضمن حرية الملاحة العالمية نحو إسرائيل. كما برزت الحاجة إلى تطوير قدرات "حرمان الخصم من البحر" (Sea Denial) عبر وسائل هجومية مثل الألغام البحرية، وإيجاد بدائل لطرق الإمداد التقليدية مثل ممر IMEC (الهندي – الأوروبي) كخط تجاري بديل، إضافة إلى خطط طوارئ لاستقبال النفط في إيلات، وتعزيز التعاون البحري مع الأسطول الأميركي الخامس في البحرين لحماية السفن الإسرائيلية في البحر المتوسط والبحر الأحمر.

بهذا، يتضح أن الحرب في المجال البحري لم تكن مجرد ساحة ثانوية، بل شكلت مرآة للترابط بين الاقتصاد العالمي، والصراع الإقليمي، وبالأساس التحديات الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل في المحيط البحري.

المصطلحات المستخدمة:

دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات