المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ملجأ عام في بئر السبع. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 40
  • ياسر مناع

في 15 حزيران 2025، قُتلت أربع نساء من عائلة واحدة في قرية طمرة العربية في إثر سقوط صاروخ على منزلهن غير المحصّن، ما أعاد تسليط الضوء على أزمة الملاجئ في إسرائيل عموماً، وفي المجتمع العربي بشكل خاص. كشفت هذه الحادثة عن حجم الفجوة في الحماية بين المركز والأطراف، وبين اليهود والعرب. ورغم ذلك، لا تزال آلاف المنازل العربية بلا وسائل تحصين فعّالة.

تستعرض هذه المساهمة الإطار القانوني الملزِم لإنشاء الملاجئ في إسرائيل، وتُعرّف بأنواعها المختلفة. كما تسلّط الضوء على أزمة الملاجئ المتفاقمة، لا سيما في البلدات العربية. كما تتناول المشاريع  الحكومية ومشاريع التحصين التي أُطلقت في السنوات الأخيرة.

الملاجئ: إلزام قانوني وعجز ميداني

ينص قانون الدفاع المدني للعام 1951 على وجوب وجود ملجأ في كل مبنى خاص أو عام في إسرائيل. تقع مسؤولية بناء الملاجئ الخاصة في المباني السكنية على عاتق المقاول الذي يقوم بالبناء، في حين تُلقى مسؤولية بناء الملاجئ العامة وصيانتها على عاتق السلطة المحلية. في أعقاب حرب الخليج الأولى عام 1991، جرى تحديث أنظمة الدفاع المدني، وبموجب التعديل أصبح من الإلزامي إلحاق غرفة محصنة سكنية بكل شقة جديدة يجري بناؤها.[1] بحسب هذه الأنظمة، يجب ألا تقل مساحة الغرفة المحصنة عن 5.2 متر مربع، ولا يقل حجمها عن 12.5 متر مكعب.

شكّلت حرب لبنان الثانية العام 2006 نقطة تحوّل في التعامل مع مسألة الحماية المدنية، حيث تبيّن أن الحماية المتوافرة في العديد من المباني السكنية لم تكن بالضرورة متاحة أو فعّالة في البلدات والمدن الحدودية. ففي الوقت الذي كانت فيه هذه المناطق الأكثر حاجة إلى الحماية بفعل القصف الكثيف، وجد العديد من السكان أنفسهم محرومين من وجود ملجأ قريب يمكن الوصول إليه خلال 15 ثانية – وهي الفترة الزمنية القياسية المخصصة للوصول إلى مأوى في حالة إطلاق صافرات الإنذار.[2]

كذلك، أسهمت وتيرة التجديد العمراني البطيئة نسبياً في أطراف إسرائيل مقارنة بمنطقة المركز – بسبب اعتبارات الجدوى الاقتصادية – في ترك فراغات عمرانية من دون حماية كافية. هذا الواقع دفع إلى إقامة مساحات تحصين تكميلية، توزعت في المناطق المفتوحة التي بقيت بلا شيء.

أنواع الملاجئ في إسرائيل

تنقسم الملاجئ المدنية في إسرائيل إلى ثلاث فئات رئيسة وفقاً للأنظمة الهندسية والتشريعات المعتمدة في قانون التخطيط والبناء، وهي على النحو التالي[3]:

  1. غرفة محصنة داخل الشقة ("مماد" بالعبرية): وهي مساحة محمية تُدمج داخل كل وحدة سكنية جديدة، وقد بدأ العمل بها بعد حرب الخليج الأولى العام 1991. صُممت لتحمّل تأثيرات الضغط الناتج عن الانفجارات، إلا أنها لا توفر حماية من انهيار المبنى بشكل كامل أو من إصابات مباشرة نادرة. وتقتصر وظيفتها الأساسية على الحماية من الشظايا والموجات الانفجارية، والتي تُعدّ أكثر أشكال الأذى شيوعاً في حالات القصف.
  2. غرفة محصنة طابقية ("مماك" بالعبرية): وتُبنى كمساحة مشتركة تخدم عدة شقق ضمن نفس الطابق أو المبنى، وتُستخدم كمأوى جماعي في الحالات الطارئة.
  3. غرفة محصنة مؤسسية ("ممام" بالعبرية): وهي منشآت وقائية تُخصص للمؤسسات العامة مثل المدارس والمستشفيات، وتُبنى وفق معايير خاصة تتيح إيواء أعداد كبيرة من الأفراد.
  4. الملجأ الجاهز "الجرسّي": نموذج أطلقته شركة "وولفمان" العام 2007 لملجأ جاهز يُعرف بـ"جرس الحماية"، يتميّز بصغر حجمه وسهولة نقله. صُمم الشكل الجرسّي لتقليل أثر الشظايا والضغط الانفجاري، ما يُعزّز فعاليته في حماية المدنيين. وتقوم جمعيات أهلية بتمويل إنتاجه وتوزيعه، خاصة في مناطق الشمال والجنوب المتعرّضة لهجمات متكررة.

أزمة الملاجئ في إسرائيل

تواجه إسرائيل أزمة في عدد الملاجئ، إذ تشير التقديرات الرسمية وتقارير مراقب الدولة إلى أن نحو 2.6 مليون شخص في إسرائيل، أي ما يزيد على 27% من مجموع السكان، يفتقرون إلى غرف محصنة أو ملاجئ قريبة يمكن الوصول إليها في الوقت المحدد، أي خلال المهلة الزمنية القياسية البالغة 15 ثانية بعد انطلاق صافرات الإنذار. [4]

تشير بيانات اتحاد المقاولين الإسرائيليين إلى أن أكثر من 60% من الشقق في 15 من كبرى المدن في إسرائيل تفتقر إلى غرفة محصنة. فعلى سبيل المثال، في مدينة القدس، من أصل 249 ألف شقة، هناك نحو 180 ألف شقة غير محصنة. وفي تل أبيب، من أصل 220 ألف شقة، 160 ألف شقة بلا حماية. أما في مدينتي بات يام وبني براك، فتصل النسبة إلى 85% من الشقق التي لا تحتوي على غرفة محصنة.[5]

في تقريره الصادر العام 2017، أفاد مراقب الدولة بأن نحو 46% من المواطنين العرب، أي أكثر من 550 ألف نسمة، لا يمتلكون أي نوع من التحصين المعياري. بل إن 70 من أصل 71 سلطة محلية عربية لا تمتلك قوانين بلدية تُلزم ببناء ملاجئ أو غرف حماية، فيما تُظهر البيانات أن 28% من الطلاب في المدارس العربية يتعلمون في مؤسسات تعليمية بلا أي نوع من الحماية، ما يشكل خرقاً فادحاً لمعايير السلامة المدنية.

بحسب معطيات الجبهة الداخلية، فإن الملاجئ العامة لا توفر سوى 6% من الحماية المطلوبة، فيما تؤمّن الملاجئ المشتركة داخل المباني الحماية لنحو 28% فقط من السكان. أما الباقون، وهم أكثر من 27%، فلا تتوفر لهم أي وسيلة للاحتماء داخل بنية محصنة. ويُضاف إلى ذلك أن نحو 16% من الملاجئ العامة غير صالحة نهائياً للاستخدام، و25% مصنّفة بكفاءة تشغيلية منخفضة، ما يعني أن ثلثي الملاجئ غير جاهزة فعلياً لحالات الطوارئ.

في العام 2020، كشف تقرير صادر عن مراقب الدولة أن نحو 2.6 مليون شخص في إسرائيل يفتقرون إلى تحصين فعلي في محيط سكنهم، من بينهم 232 ألف نسمة يعيشون في نطاق 40 كيلومتراً من قطاع غزة، و614 ألفاً ضمن النطاق نفسه من الحدود اللبنانية والسورية. كما أظهر التقرير أن 2500 ملجأ تُصنّف غير صالحة بالكامل، وأن 28% من السكان لا يملكون إمكانية فعلية للوصول إلى ملجأ في حالات القصف. [6]

على الرغم من صدور عدة قرارات حكومية لمعالجة أزمة الملاجئ، لم يُترجم معظمها إلى خطوات تنفيذية فعلية. ففي الفترة بين عامي 2000 و2006، لم يُبنَ سوى 35 ملجأً عاماً جديداً بتكلفة إجمالية بلغت 15 مليون شيكل.[7] وحتى الخطة الوطنية الشاملة التي أعدها طاقم وزاري برئاسة جلعاد أردان العام 2013، والتي قدّرت تكلفتها بنحو 10 مليارات شيكل، بقيت حبراً على ورق من دون تطبيق فعلي يُذكر. وفي ظل الخلافات بين وزارتي الدفاع والمالية، لم تُرصد سوى ميزانيات جزئية لا تتجاوز 300 مليون شيكل، رغم الحاجة إلى خمسة مليارات شيكل فقط لتحصين المناطق الجنوبية والشمالية حتى العام 2030، وفق خطة الجبهة الداخلية.

أزمة الملاجئ في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل

تُظهر تقارير مراقب الدولة أن ما نسبته 46% من المواطنين العرب يفتقرون إلى وسائل تحصين معيارية، مقارنة بــ 26% من عموم السكان. كما بيّنت دراسة تم إعداداها في تشرين الثاني 2023 أن 60% من السلطات المحلية العربية لا تمتلك أي ملجأ عام، في حين أن الملاجئ القليلة الموجودة تفتقر إلى الشروط الأساسية، مثل الإنارة، التهوية، خدمات الطوارئ.[8] وفي البلدات الحدودية تحديداً، تتعمق الفجوة أكثر. فعلى بُعد يصل إلى 9 كيلومترات من الحدود الشمالية، يتمتع 100% من السكان اليهود بتحصين فعال، في مقابل أكثر من 50% من السكان العرب في المسافة نفسها لا يمتلكون أي وسيلة حماية.[9]

المعطيات المتوفرة حول المؤسسات التعليمية تؤكد هذه الصورة؛ فبحسب تقرير مراقب الدولة للعام 2018، هناك نحو 130,000 طالب عربي – أي نحو ثلث طلاب المجتمع العربي – يتعلمون في مؤسسات بلا تحصين فعلي. وتشير وزارة التربية والتعليم إلى أن 29% من المدارس العربية الرسمية لا تحتوي على أي وسيلة تحصين، في مقابل 13% فقط في المدارس الرسمية العبرية، و12% في المدارس الدينية. وتُظهر المسوح الميدانية أن أكثر من 500 مؤسسة تعليمية في 44 سلطة محلية عربية لا تمتلك ملاجئ، أو أن التحصين القائم فيها لا يكفي لاحتواء جميع الطلاب والعاملين.

أما القرى غير المعترف بها في النقب، والتي يسكنها نحو 120,000 شخص، فإنها تُعد الأكثر هشاشة وانكشافاً. فهذه القرى لا تمتلك أي ملاجئ عامة أو خاصة، ولا تُفعّل فيها صافرات الإنذار، ولا تُغطى بمنظومة "القبة الحديدية"، إذ تُصنّفها الدولة كمناطق "غير مأهولة".

خطط الملاجئ للبدو بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023

مع اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت إسرائيل عن إجراءات إضافية تهدف إلى تحسين جاهزية المناطق الشمالية والجنوبية، لكن معظمها اتّسم بالطابع المؤقت أو التجريبي. ففي الجنوب، أطلقت خطة لتحصين التجمعات البدوية، شملت توزيع تطبيقات إنذار، تعريف القرى غير المعترف بها كمناطق مأهولة ضمن نظام "القبة الحديدية"، وتركيب ملاجئ بدائية، تتسع لنحو 100 شخص وتُصنع من أكياس رمل وأنابيب خرسانية. وعلى الرغم من تخصيص 50 مليون شيكل لنصب هذه الملاجئ في تشرين الثاني 2023، إلا أن التوزيع بقي محدوداً.[10]

كما أظهرت سلسلة جلسات برلمانية عقدت في الفترة بين تشرين الثاني وكانون الأول 2023 ضعف الجاهزية في المؤسسات التعليمية في القرى غير المعترف بها، حيث تم الكشف عن غياب ملاجئ كلياً أو قصورها عن استيعاب جميع الطلاب. وبالرغم من تعهد الجبهة الداخلية بالنظر في توسيع التغطية، لم تُعقد اجتماعات متابعة فعالة.

وفي كانون الثاني 2024، طالب ممثلو السلطات المحلية البدوية بتخصيص تمويل عاجل للتحصين في موازنة العام، لكن الطلب قوبل بتقليصات إضافية بدلاً من الدعم. وفي حزيران 2024، خلال "يوم النقب" في الكنيست، استعرضت الجهات المختصة ما تم إنجازه: 32 ملجأ مؤقتا و80 ملجأ ثابتا بالقرب من مراكز التجمع، مع توقع وصول 30 ملجأ إضافياً، غير أن الجبهة الداخلية رفضت إنشاء ملاجئ قرب المدارس بدعوى أنها لا تُعد أماكن محصّنة رسمياً. في موازاة ذلك، تم إقامة مركز طوارئ خاص بالمجتمع العربي لتنسيق الجهود مع الجبهة الداخلية، لكنه أُغلق في أيار 2024 ورغم احتجاجات واسعة، ومطالبة لجنة الرقابة البرلمانية بإعداد توصيات عاجلة لإعادة تشغيله.

 

[1] يانيف رونين." الملاجئ والغرف المحصنة في إسرائيل – عددها وحالتها"، تقرير مقدَّم إلى لجنة شكاوى الجمهور، الكنيست، مركز الأبحاث والمعلومات، 27 أيار 2007. https://fs.knesset.gov.il/globaldocs/MMM/b0ba8d55-f7f7-e411-80c8-00155d010977/2_b0ba8d55-f7f7-e411-80c8-00155d010977_11_9196.pdf

[2] تاليا ليفي روزنباوم. "تنظيم المساحات المحمية" ، يديعوت أحرونوت، 15 حزيران 2025، https://www.ynet.co.il/architecture/article/rkncokhxlg

[3] المصدر السابق.

[4] أريك ميروبسكي، "حرب تاريخية، جبهة داخلية مكشوفة: أكثر من 60% من المنازل في الوسط بدون حماية"، غلوبس، 15 حزيران 2025. https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001512925

[5] عادي كوهن وجيلي ملنيتسكي. "إخفاق في الحماية: 60% من الشقق بدون غرفة آمنة، وربع الإسرائيليين لا يمكنهم الوصول إلى مساحة محمية." ذي ماركر، 12 أيار 2021. https://www.themarker.com/news/2021-05-12/ty-article/.premium/0000017f-e98e-dea7-adff-f9ff72a60000

[6] المصدر السابق.

[7] يانيف رونين، مصدر سبق ذكره.

[8] أريك ميروبسكي، مصدر سبق ذكره.

[9] ليطال فيلر. "فجوات التحصين في البلدات العربية: فشل مستمر في خضم الحرب"، المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 15 حزيران 2025. https://idi.org.il/articles/56360

[10] المصدر السابق.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات