المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حجاج أردنيون ومن فلسطينيي 48 بعد انتهاء مراسم الحج. (أرشيفية)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 33
  • ياسر مناع

منذ نكبة 1948، ظلّ الفلسطينيون من حملة الجنسية الإسرائيلية محرومين من أداء فريضة الحج نتيجة غياب العلاقات الرسمية بين إسرائيل والدول العربية، ما جعل ممارسة الشعائر الدينية مرتبطة بتعقيدات سياسية ودبلوماسية. غير أن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيًا بفعل جهود وساطة دينية وتنسيقات غير مباشرة مع أطراف إقليمية، أبرزها الأردن وتركيا. وفي العقود الأخيرة، أدركت إسرائيل الأبعاد الرمزية والسياسية لهذا المسار، فسعت إلى استغلال فريضة الحج كأداة لاختراق الحواجز مع العالم العربي لا سيما السعودية.

 تحاول هذه المساهمة تتبّع مسار تنظيم أداء فريضة الحج للمسلمين من حاملي الجنسية الإسرائيلية، من مرحلة تنظيمه تحت المظلة الأردنية، حتى المحاولات الإسرائيلية توظيفَ الحج كأداة في مسار التطبيع. إذ لا يُنظر إلى الحج هنا بوصفه شعيرة دينية فحسب، بل باعتباره ورقة سياسية سعى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى استغلالها في خدمة أجندات داخلية وخارجية.

الإنطلاقة الأولى للمشاركة في موسم الحجيج

منذ نكبة 1948 وحتى العام 1978، حُرم الفلسطينيون من حملة جوازات السفر الإسرائيلية من أداء فريضة الحج. غير أن هذا الواقع بدأ يتغير في العام 1978، حين أطلقت شخصيات إسلامية بارزة، جهود وساطة مكثفة بالتنسيق مع وزارة الأوقاف الأردنية، بهدف فتح قناة تواصل مع المملكة العربية السعودية. [1]

 أثمرت هذه الجهود عن إنشاء آلية تنظيمية غير مسبوقة، مكّنت الفلسطينيين من حملة جوازات السفر الإسرائيلية من أداء مناسك الحج، على غرار سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي أعقاب مشاورات دبلوماسية ودينية معقّدة، وافقت المملكة العربية السعودية على استقبال أول بعثة حج رسمية للفلسطينيين من حملة جوازات السفر الإسرائيلية.

بالتوازي مع ذلك، تم التوصّل إلى تفاهم غير معلن بين الأردن وإسرائيل بشأن تنظيم ملف الحج، بحيث تتولى وزارة الأوقاف الأردنية إصدار وثائق ثبوتية خاصة للحجاج، وتنظيم رحلاتهم من خلال مكاتب سياحة دينية مرخّصة، الأمر الذي شكّل إطارًا عمليًا لتيسير أداء المناسك ضمن ترتيبات إدارية ودينية متفق عليها.

مع تدشين أول بعثة حج فلسطينية رسمية العام 1995، باستخدام جواز السفر الفلسطيني الذي أصدرته السلطة الفلسطينية، التحق عدد من الفلسطينيين حملة جوازات السفر الإسرائيلية بهذه البعثة، عبر ترتيبات خاصة مع مكاتب سياحية مرخصة، وكان هناك آخرون ضمن البعثة الفلسطينية التي وفرت لهم خدمات مماثلة لتلك التي كانت تقدمها البعثة الأردنية.

لجنة التنسيق العليا لشؤون الحج والعمرة

تُعد "لجنة التنسيق العليا لشؤون الحج والعمرة لمسلمي الأراضي المحتلة عام 1948" الجهة المخوّلة بتنظيم رحلات الحج والعمرة لهذه الفئة، وذلك بالتنسيق المباشر مع وزارة الأوقاف الأردنية. وهي مكونة من مجموعة من الشخصيات الدينية الإسلامية، ومركزها الرئيس في مدينة الطيبة.[2]

 وتقوم اللجنة بتسجيل الحجاج والمعتمرين من خلال مكاتب معتمدة في الداخل الفلسطيني، لتُحال ملفاتهم لاحقًا إلى الجهات الأردنية المعنية لاستكمال الإجراءات الرسمية، ومن ثم تُرسل إلى السلطات السعودية المختصة. ورغم اعتراف السلطات الرسمية بعمل اللجنة، فإنها لا تخضع إداريًا لوزارة الأديان الإسرائيلية، ما يمنحها استقلالية إدارية ووطنية في تسيير هذا الملف الديني.

تحديات متراكمة

توجب على من يرغب بأداء فريضة الحج من حملة جواز السفر الاسرائيلي أن يباشر سلسلة من الإجراءات التنظيمية والإدارية تبدأ بتجهيز جواز السفر البيومتري والهوية الشخصية، إضافة إلى دفع مبلغ أولي تأكيدًا للسفر. تُجرى أولى خطوات التسجيل في أحد المكاتب المعتمدة المنتشرة في ست مناطق عربية، وهي: حورة، رهط، الطيبة، أم الفحم، الرينة وسخنين. وبمجرد إدخال البيانات، تُحوَّل إلكترونيًا إلى النظام المركزي للجنة التنسيق العليا لشؤون الحج والعمرة، لتُدرج ضمن قوائم المسجلين مبدئيًا.[3]

في المرحلة التالية، تُنقل الملفات المُجمعة إلى وزارة الأوقاف الأردنية – مديرية الحج والعمرة، حيث تخضع لمراجعة رسمية دقيقة، قبل إحالتها إلى السلطات السعودية لاعتمادها النهائي وإصدار تأشيرات الدخول. ويُقدَّر عدد الحجاج الذين يُسمح لهم بالسفر سنويًا من هذه الفئة بنحو 4500 حاج، وتخضع أسماؤهم لمراجعة ثلاثية دقيقة (محلية – أردنية – سعودية).

تبدأ رحلة الحجاج إما برًّا أو جوًّا، وفقًا للترتيبات المُعتمدة، حيث يُتاح لهم السفر برًّا عبر جسر الملك حسين (اللنبي) مرورًا بالأراضي الأردنية وصولًا إلى المملكة العربية السعودية. أما الخيار الجوي، فينطلق من مطار بن غوريون في اللد، حيث يسافر الحجاج جوًا إلى العاصمة الأردنية عمّان، ومن هناك تُستكمل الرحلة إلى مدينة جدة، تمهيدًا للوصول إلى مكة لأداء مناسك الحج.

رغم ذلك، ظلت مسيرة التنظيم محفوفة بالتحديات إذ أصدرت المملكة العربية السعودية العام 2018 قرارًا يحظر دخول الفلسطينيين من حملة "الجوازات المؤقتة"، بمن في ذلك فلسطينيون من حملة الجوازات الإسرائيلية. شكّل هذا القرار نقطة انعطاف حادة، إذ اعتبر بمثابة إنهاء للدور الأردني كوصي على شؤون حج هذه الفئة.[4] ونتج عنه حرمان نحو 4500 معتمر كانوا قد سُجّلوا بالفعل لأداء الفريضة في موسم 2019. غير أن تدخل الأردن أسفر لاحقًا عن استئناف العمل بالجواز الأردني المؤقت.

محاولة إسرائيلية: توظيف الحج كأداةً للتطبيع

في إطار اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض دول الخليج، أقدم وزير الداخلية الإسرائيلي آنذاك، آرييه درعي، في العام 2020، على إصدار قرار غير مسبوق يقضي بالسماح لمواطنين إسرائيليين بالسفر إلى المملكة العربية السعودية، ليس فقط لأداء الشعائر الدينية كما كان قائمًا في السابق بالنسبة للفلسطينيين من الداخل، وإنما أيضًا لأغراض تجارية تتعلق بالاستثمار والمصالح الاقتصادية.[5]

يُعد هذا القرار تحولًا في السياسة الإسرائيلية تجاه قيود السفر المفروضة بموجب التشريعات الأمنية القائمة، حيث ينص "قانون منع التسلل" الصادر العام 1954، على تجريم السفر إلى دول مصنفة كـ"عدو" من دون الحصول على تصريح مسبق من وزارة الداخلية. وتشمل هذه القائمة دولًا مثل لبنان، سورية، العراق، اليمن، إيران، والسعودية. وتنص المادة ذات الصلة على أن كل من يغادر إسرائيل إلى إحدى هذه الدول "عن علم وبطريقة غير قانونية" يعرض نفسه لعقوبة السجن مدةً قد تصل إلى أربع سنوات، أو غرامة مالية.[6]

وقد صدر القرار المشار إليه بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ووزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي ، في سياق مساعٍ أوسع تهدف إلى تنظيم العلاقات غير المعلنة مع السعودية، وتأطير الزيارات التجارية التي كانت تتم في السابق بشكل غير رسمي أو عبر دول وسيطة، لا سيما في ظل تزايد الاهتمام الإسرائيلي بفرص الاستثمار في السوق الخليجية، والبحث عن مداخل اقتصادية للتقارب السياسي.

كذلك، في العام 2020 وفي خضم الحملة الانتخابية لحزب الليكود، أعلن رئيس كتلته في الكنيست، ميكي زوهر، في تصريحات لموقع "بانيت" وصحيفة "بانوراما"، عن مبادرة تهدف إلى تنظيم رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى السعودية للحجاج المسلمين من مواطني إسرائيل، بتكلفة منخفضة تُقدّر بنحو 5000 شيكل، بدلًا من التكاليف المرتفعة التي وصلت في بعض العروض إلى 30,000 شيكل. وأشار زوهر إلى أنه توجه رسميًا إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لدفع هذا الملف قدمًا، مستندًا إلى اتصالات وصفها بـ"المتقدمة" مع الجانب السعودي. [7]

في السابع من تموز 2022، كشف وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية، عيساوي فريج، عن توجه رسمي للسلطات السعودية بطلب السماح بتسيير رحلات جوية مباشرة من مطار بن غوريون في تل أبيب إلى المملكة، بهدف تسهيل انتقال الحجاج المسلمين في إسرائيل إلى مكة.[8]

وضمن السياق ذاته، سعت إسرائيل إلى توسيع نطاق التنسيق الجوي مع الرياض، وذلك عبر طلب تصاريح لتحليق شركات الطيران الإسرائيلية فوق الأجواء السعودية في اتجاه وجهات متعددة في القارة الآسيوية. وتشير المعطيات السابقة إلى أن إسرائيل تعمل على استغلال المسار الديني كمدخل لتطبيع العلاقات مع السعودية، وذلك تحت غطاء تنظيم وتقديم الخدمات المرتبطة بالشعائر الدينية.

 

[1] محمد المرعشي. "عرب 48، اليمين ورهن الجواز ثمن أداء الركن الخامس"، صحيفة الوطن، 29 أيلول 2014. https://www.alwatan.com.sa/article/239812

[2] الموقع الرسمي للجنة التنسيق العليا لشؤون الحج والعمرة لمسلمي الأراضي المحتلة العام 1948.  https://linksshortcut.com/CRKwk

[3] صحيفة بانوراما. "إليكم كل ما تحتاجون معرفته عن التسجيل للحج لموسم 2025". بانيت، 30 أيلول 2024. https://panet.com/story/3989698

[4] العربي الجديد. "حملة جواز السفر الأردني المؤقت يترقّبون السعودية"، عمّان، 27 أيلول 2018. https://linksshortcut.com/PXyRf

[5] أمير ألون وإيتمار أيخنر. "لأول مرة: إسرائيل ستسمح لمواطنيها بالسفر إلى السعودية".  يديعوت أحرونوت، كانون الثاني 2020، https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5666425,00.html#google_vignette

[6] المصدر السابق.

[7] ميكي زوهر. 2019. "رئيس الحكومة سيعمل من اجل تنظيم رحلات للحج مباشرة من تل أبيب إلى السعودية بمبلغ 5000 شيكل". صفحة بانيت – بانوراما على  Instagram. 17 شباط 2020. https://www.instagram.com/p/B8rG523h1d3/?utm_source=ig_web_button_share_sheet

[8] معاريف. "عشية زيارة بايدن: المبادرة الإسرائيلية التي قد تتيح رحلات جوية مباشرة من إسرائيل إلى السعودية؟" 7 تموز 2022 . https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-930220

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات